أنفاق المقاومة الفلسطينية وتأثيرها على الاحتلال الإسرائيلي

 رامي أحمد

 لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

ملخّص دِّراسَة:

يسعى هذا البحث الى التعرف على أنفاق المقاومة الفلسطينية وأهميتها الاستِراتيجِيَّة، ونشأتها في قطاع غَزَّة، وتأثيرها على انسحاب الاحْتِلال من القطاع عام 2005م، وتقنية الأنفاق، وأنواعها، وتأثيرها على الاحْتِلال الإسرائيليّ، ومستقبلها في أيّة حربٍ قادمة، ووسائل الاحْتِلال ضدَّ استِراتيجِيَّة الأنفاق، ووسائل المُقاوَمَة المضادَّة لها. من خلال تتبع أحداث المُقاوَمَة الفلسطينية والاحْتِلال الإسرائيليّ وجمع البيانات والآراء والأقوال والكشف عن دلالات استخدام الأنفاق كتهديد استراتيجي للاحتلال الإسرائيلي ودوره في صمود المقاومة الفلسطينية والحفاظ على قدراتها وقياداتها السياسية والعسكرية وتوضيح حقيقة الجهود الإسرائيلية لحل مشكلة الأنفاق وامكانيات التوصل لحل تكنولوجي او عسكري للقضاء عليها، وتوضيح كل ما سبق بالاعتماد على عدّة مناهج بحثيّة، وهي: الوصفي التحليلي، والتاريخي، وتحليل المضمون، كما استخدم الباحث أداة المقابلة مع مختصّين وباحثين، ومن ثم عرض نتائج البحث وتوصياته وفهرس للمصادر والمراجع.

المقدمة

الأنفاق أسلوبٌ قتالي تستخدمه المُقاوَمَة الثورية لتأمين الحركة والمباغتة والحماية حتى في المناطق غير الصالحة لحرب العصابات، أُطلق على هذا الأسلوب تجاوزًا اسم حرب، مع أنها جزء من أساليب حرب العصابات لمجابهة التفوق المعادي بالقوى والوسائط (الأيوبي-أ، 1981:535).

وهي عبارة عن ممرات أرضية تستخدم لقطع مسافات يصعب التحرك فيها فوق الأرض لتحقيق مبدأ التماس مع العدو أو الإمداد والانتقال من مكان لآخر (نشرة غير منشورة لكتائب القسام).

تعتمد استِراتيجِيَّة الأنفاق على مبدأ الحركة الخفية الآمنة لمواجهة العدو بشكلٍ مفاجئ في مكان وزمان لا يمكن توقعهما، ويتم التوصل إلى ذلك عن طريق إعداد مواقع قتالية خفية بعيدة عن القرى وأماكن سكن الثوار، ووصل هذه المواقع القتالية ببعضها من جهة، وبأماكن السكن من جهة أخرى بأَنْفاق تساعد على الحركة بعيدًا عن أنظار العدوّ، وتؤمن الظهور على مؤخرته ومجانبته في اللحظة التي يعتقد فيها أنه يسير في منطقة آمنة.

عندما تقع حربٌ بين طرفين أحدهما قوي والآخر ضعيف فإنَّ معيار الانتصار يتمثل في فشل القوي في تحقيق أهدافه، ونجاح الضعيف في الصمود والثبات، وإجبار القوي على الخضوع أو الهروب، ولكي ينجح الضعيف في التغلب على خصمه القوي لا بد له من الإعداد والاستعداد، وتسخير كل الإمكانيات المتوفرة لديه، وضمن محيطه ليحقق أهدافه ويستغلها في توجيه ضربات موجعة إلى عدوه، وبهدف تقليل الفجوة بين الطرفين في ميزان القوة.(موقع ثقافة عسكرية،2015)[1]

وفي ظلّ تطور موازين القوى العالمية، وازدياد القدرة على شن حرب شاملة من خلال استخدام الأسلحة المتطورة كالبنادق والدبابات والمدفعية والطائرات، سعت الجيوش المقاتلة في جميع أنحاء العالم للحصول على أقصى درجات الحماية، حيث وضعت المدن التي تم إنشاؤها تحت الأرض آنذاك حجر الأساس لكي يصبح لاحقًا تكتيكا قتاليا جديدا تستخدمه الجيوش في ساحات المعركة على مدى السنوات القادمة (heilig،2000:3).

مشكلة الدِّراسَة وأسئلتها:

استُخدِمت الأنفاق كأحد الأسلحة المهمَّة لدى المُقاوَمَة الفلسطينية، ونفذت بها سلسلة عملياتٍ فدائيةٍ كبيرة حينما تحصَّن الاحْتِلال الإسرائيليّ في مواقعه، وهنا برز للباحث إشكالية موضوعية تكمن في كون الأنفاق تستخدم لأول مرة بهذا التوسع من قبل المقاومة الفلسطينية، فكيف أثرت على الاحتلال الإسرائيلي.

وفي ضوء ما سبق برزت الأسئلة التالية:

  1. كيف تطورت الأنفاق لدى المُقاوَمَة الفلسطينية؟
  2. ما الدوافع التي دفعت المقاومة الفلسطينية لاستخدام استراتيجية الأنفاق؟
  3. إلى أي مدى أثَّر استخدام استِراتيجِيَّة الأنفاق على الاحْتِلال الإسرائيليّ؟
  4. ما التَّحديات التي تواجه المُقاوَمَة الفلسطينية في استِراتيجِيَّة الأنفاق؟
  5. ما مدى إمكانية استخدام الأنفاق في المواجهات القادمة؟

مبرّرات الدِّراسَة:

إضافة مادة علميّة أكاديمية استِراتيجِيَّة الأنفاق، حيث هناك ندرة ملحوظة في المكتبة العربية، وعدم وجود دراساتٍ عربية ومحلية تناولت استِراتيجِيَّة الأنفاق.

أهداف الدِّراسَة:

  1. تتبُّع التطوُّر التاريخي لاستِراتيجِيَّة الأنفاق لدى المُقاوَمَة الفلسطينية.
  2. التعرُّف على الأنفاق لدى المُقاوَمَة الفلسطينية.
  3. دراسة مدى تأثير استِراتيجِيَّة الأنفاق على العدوِّ الصهيونيّ.

أولاً- ظاهرة الأنفاق النشأة والهدف:

تمثل المدن الحدودية تاريخيًا الملاذ لكل من يلجأ إليها من الخارجين عن القانون أو المهربين، وجسرا للمناضلين من أجل الحرية، وبالتالي فإن الحديث عن التهريب والأنفاق في مدينة رفح جنوب قطاع غزة حديث عن ظاهرة تاريخية في المرحلة الممتدة من 1949م – 1967م، وبعد احتلال قطاع غزة والضفة الغربية حتى قيام السلطة 1994م وحتى الآن، وبعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي عام 1982 من سيناء، شكلت عملية الانسحاب المحطة التاريخية في تفعيل التهريب، وبداية ظهور ظاهر الأنفاق السرية لأغراض تهريب الممنوعات (الصوراني،2008: 2).

اكتشف أول نفق من قبل الاحتلال الإسرائيلي عام1983م بعد أقل من عام من تطبيق اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل 1978، أو ما يسمى عند أهالي القطاع) بعملية الفصل)، وعليها تم منعها، وهدم ما تكتشفه منها، خوفًا من دخول السلاح لفصائل المقاومة المسلحة، وخصوصًا مع بداية الانتفاضة الأولى عام 1989م (الاغا،2011: 16).

اتسم عمل الأنفاق قبل عام 2000م في عمليات تهريب المخدرات والذهب، الممنوعات التي تدر أرباحًا هائلة، ونادرًا ما كان يهرب السلاح للمقاومة، ومع بداية انتفاضة الأقصى في الربع الأخير من العام 2000م، بدأت الأنفاق تأخذ منحى آخراً وهو تهريب السلاح لفصائل المقاومة، وازداد عددها وتوسع نشاطها، وعملت سلطات الاحتلال مع بداية الانتفاضة على تفجير أي نفق يتم اكتشافه، مما أدى لاستشهاد واعتقال العشرات ممن عملوا بالأنفاق. (الاغا،2011: 17)

لكن ذلك لم يمنع من مواصلة العمل بها، بل استمرت وتواصلت دون توقف، وعملت فصائل المقاومة على حفر العديد من الأنفاق ذات الاستخدام العسكري، مما أدى لردود فعل إسرائيلية تمثلت بهدم مئات المنازل الحدودية في مدينة رفح، أو تفجيرها بالآليات المتمركزة على الشريط الحدودي(الاغا،2011: 17).

ومع إخلاء الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة في سبتمبر 2005م، تزايدت الإغلاقات والحصار له، ليصبح هذا مبرمجًا ومشددًا بعد سيطرة حماس على القطاع في يونيو 2007م، تم اشتداد الحصار العدواني ليطال كل مرافق الحياة، بما في ذلك منع استيراد السلع والمواد الخام، وتم حصر الاستيراد في قائمة سلع أساسية لا تتجاوز العشرات من المواد الغذائية والطبية، إضافة للوقود في بعض الأحيان. (الصوراني،2008: 2)

لذلك لم يكن مستغربًا أن تتجدد وتتسع عملية بناء الأنفاق بدون أي تنظيم أو إشراف كشكل من أشكال التحدي للحصار، وتعزيز صمود المواطنين، والتخفيف عن السكان المحاصرين في قطاع غزة الذي تجاوز عددهم المليون ونصف، وأصبحت الأنفاق شريان الحياة الرئيس للقطاع المحاصر، وأصبحت ظاهرة الأنفاق المصدر الرئيس للسلع في غزة، ومع كل وقت يتواصل فيه الحصار، تزداد أهمية الأنفاق أيضًا، رغم آثارها الكارثية على أي شكل من أشكال الاقتصاد الإنتاجي أو التنمية المستدامة) جرغون، 2008: 2).

ثانياً– التجهيز الهندسي للأنفاق

تم بناء الأنفاق انطلاقًا من الخبرة التي اكتسبت في رفح، ولتقليل المسافة قدر الإمكان يختار الفلسطينيون الأماكن القريبة من الحدود، منازل أو أماكن غير مكشوفة، ويمكن تمويهها للبدء بحفر النفق، ويجب أن يكون بالقرب من مدخل النفق مكان لرمي الأتربة التي تنتج عن الحفر، ومكان لصنع الألواح من الباطون المسلح التي تستخدم في دعم جدران وسقف النفق (الخوري، 2014م: نت)[2]

1- تطور تقنية حفر الأنفاق

أول ما عرفت الأنفاق بقطاع غزة للتهريب، ومن ثم سخرتها المقاومة الفلسطينية في العمل المقاوم بدءا بتفخيخ المواقع العسكرية ثم طورتها لتستخدم في اقتحام المواقع العسكرية وخطف الجنود ومع تنامي قدرات المقاومة وتوسعها وتنظيمها أخذ شكل وعمل الأنفاق يتوسع من حيث طرق استخدامه وطرق تصميمها وتشعباتها فهناك ثلاث خطوات أساسية يجب إتباعها خلال عملية إنشاء وبناء الأنفاق عموماً وهي:

الخطوة الاولى: وهي عملية التنقيب حيث تقوم المقاومة بعملية تنقيب بالأرض باستخدام التقنيات المناسبة وذلك تبعا لنوع التربة والصخور.

الخطوة الثانية: وهي عملية التدعيم حيث يتم خلال عملية الحفر البدء بإجراءات التدعيم للأسقف والجدران غير المستقرة والقابلة للانهيار.

الخطوة النهائية: وهي عملية التبطين حيث تقوم المقاومة بإضافة اللمسات الأخيرة، كرصف الطرقات والانارة والعمليات التكميلية الأخرى (أبو أحمد، 6/11/2015م: مقابلة).

يستعمل الحفارون الآلات اليدوية أو آلات ثقب الصخور ميكانيكيًا أو كهربائيًا، أو تستعمل الهواء المضغوط، ولا تصدر ضجيجًا كبيرًا يلفت نظر العدو، أو اكتشافها بمعدات الرصد، أما الأتربة التي تنتج من الحفر فيتم إخراجها بواسطة عربات تسير على خط سكك حديدية، ثم إخراجها ورميها في أماكن لا تلفت انتباه العدو، وكلما تم حفر مسافة معينة، بمعدل 4 – 5 أمتار في اليوم، يتم دعم النفق على جوانبه وسقفه بألواح من الباطون المسلح جاهزة الصنع، ويكون صنعها خارج النفق في معامل قريبة، وبعيدة عن نظر ومراقبة العدو. (الخوري، 2014م: نت)

ثم يتم مد الأسلاك الكهربائية لإضاءة النفق، ومد الخطوط الهاتفية السلكية التي يصعب اكتشافها لتأمين الاتصالات في كل مراحل النفق، ويتطلب حفر الأنفاق خبرة هندسية وجيولوجية خاصة من حيث تحديد مكان بدء الحفر ومدخل النفق، واختيار البقعة من الأرض التي تؤمن طبقاتها الجيولوجية سهولة في الحفر وخبرة طوبوغرافية، ويقوم المساحون بتحديد اتجاه النفق والمحافظة عليه أثناء الحفر، وطيلة فترة التنفيذ من أجل الوصول للهدف أو النقطة المرجوة، خاصة أن بعض الأنفاق وصل طوله 1.5 كلم، وتؤخذ الاحتياطات لعدم تشابك الأنفاق ببعضها (أبو عامر: 2015).

2- مخاطر حفر الأنفاق:

ونتيجة لحفر الأنفاق يكون هناك العديد من المخاطر والوفيات أثناء إعدادها، وتتمثل المخاطر في الآتي:

  • التسفيق: ويعني ذلك تساقط الرمال على النفق من الأعلى أو الانهيار، مما يؤدي لتهدمه واختناق العاملين داخل النفق.
  • هطول الأمطار: إن سقوط الأمطار المفاجئ وتسربها للداخل يؤدي لانهيار النفق.
  • قطع الكهرباء: مما يؤثر على كمية الهواء الداخلة للنفق، حيث يتم ضخ الهواء لداخل النفق للتنفس، وفي حال انقطاع الكهرباء يؤدي لاختناق العاملين فيه.
  • تشابك الأنفاق أثناء عملية الحفر: أثناء بناء نفق في نفس المسار، يتسبب بإضعاف الأرض؛ فيؤدي لانهيارات في النفق، وعدم تماسك الرمال مع بعضها البعض، تبعًا لنوع التربة السائدة في النفق، فإذا كانت التربة رملية فإن نسب الانهيار عالية بسبب ضعفها، وعدم تماسكها. (فتحي، 2009: 6).

3- شهداء الأنفاق

يلقى العديد من العاملين في الأنفاق حتفهم نتيجة عملهم داخل الأنفاق، وهم ويسمَّون “بشهداء الإعداد”، فالبعض يستشهد نتيجة انهيارات في الأرض، وتشققات في التربة أثناء عملية الحفر، والبعض الآخر نتيجة صعقات كهربائية، وهناك من يستشهد خلال عمليات القصف الإسرائيليّ.

جدول رقم (3) عدد الوفيات في الأنفاق

السنة 2006 2007 2008 2009 2010 2011 2012 2013 2014
عدد الوفيات 197 17 59 65 33 30 8 13 20

المصدر: الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان 2012م، ووزارة الصحة الفلسطينية 2014م.

وفي إطار رصد حالات الوفاة داخل الأنفاق، هناك العشرات من الوفيات، والمئات من المصابين، وتعددت أسبابها: (وادي، 2014م: 113)

  • ‌أ- السقوط في النفق: تعددت حالات الوفاة الناجمة عن العمل داخل الأنفاق نتيجة سقوط العامل داخل النفق على عمق يصل إلى 20 مترًا تحت الأرض، بالإضافة لسقوط بكرات النقل داخل النفق، وانقطاع حبال الشد.
  • ‌ب- انهيار النفق: يعتبر انهيار الأنفاق أحد أبرز الأسباب في وفاة العديد من العاملين، وقد تعددت أسباب انهيار الأنفاق كنتيجة مباشرة لاستهداف الطيران الحربي الإسرائيليّ لها، وتداخل عمليات الحفر العشوائية، أو انهيار ذاتي ناتج عن عملية الحفر ونوع التربة.
  • ‌ج- الاختناق: تتعدد أسباب الاختناق داخل النفق، فإما أن تكون نتيجة نقص الأكسجين الناجم عن عمق النفق، أو بسبب تسرب الغازات التي يعمد الجانب المصري والاحْتِلال الإسرائيليّ ضخها داخل الأنفاق.
  • ‌د- التماس الكهربائي: هناك العديد من حالات الوفاة نتيجة التماس الكهربائي داخل الأنفاق، حيث يحتوي النفق على أسلاك وتمديدات كهربائية تستخدم لإضاءته ولعمليات النقل المختلفة التي تستخدم البكرات والحبال، ويتم تشغيلها بمولدات الكهرباء.

4- بطانة الأنفاق

تُحفر الأنفاق تحت الأرض، وخوفًا من سقوط السقف الذي هو مجموعة من الأتربة يتم تدعيم السقف ببطانة تصنع من مواد مختلفة منها: خشب، بلاستيك، معادن، خرسانة مسلحة، ويتم تحديد نوعية البطانة باعتبار المقطع العرضي للنفق، فاذا كان مقطع منتظم وسهل مثل المستطيل فتستعمل بطانة جاهزة مسبقة الصنع، أما المقاطع غير المتجانسة فتستعمل بطانة مباشرة، وبجب أن تتوفر البطانة على شروط أهمها: سهولة التنفيذ، التماسك مع التربة، ولا تتفاعل مع الوسط الخارجي.

أنواع مواد التبطين:

  • ‌أ- بالخشب: هي مادة متوفرة في قطاع غزة، توضع على شكل ألواح، من إيجابياتها: قلة وزنها، سهولة استعمالها، أما عيوبها: قصر عمرها بسبب تعفنها، ضعف تحملها، سهولة تخريبها.
  • ‌ب- بالمعادن: أفضل من سابقتها لأنها تتميز بمقاومة عالية مثل الزهر والفولاذ، أما عيوبها: ترجع لتكلفتها الباهظة، وتعرضها للصدأ بسبب سهولة تفاعلها مع المياه والغازات الموجودة في باطن الأرض. (موقع المهندس، 2009)[3]
  • ‌ج- بالخرسانة المسلحة: وهي أحسن أنواع التبطين؛ ولأنها تتميز بتحمل كبير للضغط الذي تولده الأرض على النفق، إضافة لأنها شائعة الاستعمال في الوقت الحالي لتكلفتها الرخيصة وتدعيمها، يتم إضافة الفولاذ للخرسانة وتسمى بخرسانة مسلحة، ويستعمل هذا النوع في الأنفاق التي تبنى في الأرض الجافة، وهذا لا يناسب الأراضي التي تحتوي على كمية كبيرة من الماء، ويسبب صدأ الفولاذ، وبالتالي نقص في مقاومة الضغط، وكذلك تسرب المياه من البطانة إلى النفق فتكثر الرطوبة داخل النفق. (موقع المهندس،2009)[4]

5- أنواع الأنفاق

هناك أنواع رئيسة للأَنْفاق ذات الاستخدام العسكريّ، والتي يتم استخدامها في قطاع غَزَّة، نستعرضها على النحو التالي:

النوع الأول: الأنفاق الاستِراتيجِيَّة

نفق مجهز بتجهيزات كبيرة، للهجوم والدفاع، مكون من أكثر من خط (نفق) وله مخارج ومداخل متعددة، بداخله غرف قتالية مجهزة للضبط والسيطرة واستراحة المقاومين، بها جميع احتياجاتهم من طعام وشراب للبقاء فيها لأطول فترة ممكنة، تحتوي على بوابات حديدية بين تفريعة وأخرى، ومجهزة في حال تم تفجيرها تقوم بكسر الموجة الانفجارية، حتى لا يتأثر باقي النفق من هذا الانفجار وحماية العناصر بداخله (أبو إسماعيل، 25/8/2015م: مقابلة).

الأنفاق الاستِراتيجِيَّة عبارة عن مدينة مصغرة تحت الأرض، يمكن المناورة فيها لأطول فترة ممكنة، وتكون للمهمات الكبيرة. (فيلم المجموعة رقم9،2015م: نت)[5]من خلال صد ومنع العدو من الدخول لعمق القطاع وتنفيذ عمليات هجومية للمواقع العسكرية والمستوطنات خارج حدود القطاع. فالأنفاق الاستراتيجية في الدفاع والهجوم يدخل في إطارها الأنفاق التالية:

أ- أنفاق قتالية هجومية:

وهي عبارة عن أنفاق تستخدم لعمليات الهجوم أو ضرب المؤخرات ويتفرع منها عيون وهي عبارة عن كمين مستور تكون فيه القدرة على المبادرة والمبادأة بيد المقاومة، فتشل حركة العدو وتعطل دفاعه وعرقله انسحابه. (احطيط،16/3/2015م: مقابلة).

ب- الأنفاق الدفاعية القتالية:

تتواجد هذه الأنفاق داخل حدود قطاع غَزَّة، وعلى أطراف المناطق السكنية، ويتفرع منها عشرات العيون (فتحات) وتستخدم للتصدي للاجتياحات البرية، ونصب الكمائن، ووضع القوات المتوغلة بين فكي كماشة، مجاهدين يشتبكون من الأمام وآخرون يخرجون من خلف الجنود الصهاينة، ونتج عنها تكبيد قوات الاحْتِلال البرية المتقدمة الكثير من الخسائر، كما تشترك في الأنفاق الدفاعية أغلب فصائل المُقاوَمَة العاملة في الميدان (احطيط،16/3/2015م: مقابلة).

ج- أَنْفاق المدفعية والصواريخ:

وهي حفر في الأرض مجهزة بمدافع هاون أو راجمات صواريخ مغطاة من الأعلى بباب فولاذي قابل للسحب أو الرفع، ومهمة الباب منع الطائرات من كشف الموقع، وهذه الحفر أو الآبار مجهزة بفتحة من الداخل تربطها بشبكة الأنفاق الاستِراتيجِيَّة، وتستخدم هذه الفتحات من قبل المجاهدين لإعادة التلقيم والتذخير، ولصيانة المدافع، ولاستهداف مواقع معينة، حيث تم إعدادها كمنصات للإطلاق، ونتيجة لعدم قدرة المُقاوَمَة على التحرك وإطلاق الصواريخ والقذائف من فوق الأرض، لتمكن العدو من رصد كل ما هو متحرك على الأرض، وهذا كان له الأثر الكبير في استمرارية إطلاق الصواريخ والقذائف بشكل مستمر (أبو إسماعيل، 25/8/2015م: مقابلة).

د- أَنْفاق الإمداد والاتصالات:

مهمة هذه الأنفاق نقل الإمدادات من ذخائر وصواريخ ومقاتلين ومؤونة لمواقع الرباط، ومنصات ومرابض المدفعية (الهاون والصواريخ)، فمهمة الإمداد والتموين الأساسية هي إسناد الوحدات المقاتلة وإسناد القتال باحتياجاتها في المكان والزمان المناسبين، وحينها تسمى أَنْفاق الإمداد الداخلية. (أبو إسماعيل، 25/8/2015م: مقابلة)

أما أَنْفاق الإمداد الخارجية فيتم من خلالها إدخال السلاح المهرب لقطاع غَزَّة، ويتم تمرير هذا السلاح بواسطة شبكات تهريب معقدة تجلبه من مصادره ثم إلى سيناء، وأخيرًا إلى القطاع، ويتم تهريب كافة أنواع السلاح التي يمكن جلبها من صواريخ موجهة مضادة للدبابات والطائرات والقذائف والصواريخ والبنادق والذخيرة وقطع الغيار والسيارات ومواد وأدوات التصنيع. (جودة، 2015: 10)

ه- أَنْفاق الضبط والسيطرة:

تشبه الغرف المتَّسعة، يتوفر فيها وسائل المعيشة والاتصال والتواصل، ووقت الحرب تتواجد فيها قيادة المُقاوَمَة المهددة بالاغتيال، وتحوي مراكز قيادة وسيطرة لإدارة العمليات العسكرية، وتوزيع المهام على المجاهدين.

النوع الثاني: أنفاق وصلات داخلية:

هي أنفاق قصيرة تستخدم في الخطوط الخلفية للمقاومة للربط بين مناطق قريبة كقطع الطرق والشوارع، هدفها إسناد وتعزيز قوات المقاومة في الانتقال والتمركز بعيداً عن أعين الرصد والمتابعة وقت الحرب.

  1. للأنفاق دور في حسم المعركة في الهجوم والدفاع والانسحاب والعمليات التكتيكية التي تمارسها المقاومة من خلال تحقيقها الأهداف التالية:
  • تحقيق مبدأ التماس مع العدو.
  • تحقيق مبدأ المفاجأة والمباغتة مع العدو.
  • تحقيق مبدأ الإخفاء والتمويه.
  • تمرير أكبر عدد من المقاومين من مكان لآخر.
  • المحافظة على المقاومين من خطر الطيران الحربي.
  1. كما أن تقنية حفر الأنفاق تواجه عدداً من التحديات والعقبات، منها:
  • الإمكانات والمعدات اللازمة للإسراع في تنفيذ العمل.
  • عدم توفر أماكن خاصة للمقاومة للعمل من خلالها.
  • لا توجد آلية لبعض الأتربة الناعمة في الحفر خاصة في المناطق الغربية من القطاع.
  • متابعة دائمة ومستمرة من خلال طائرات الاستطلاع لاختلاف طبيعة الأرض والتربة.

ثالثاً- الأنفاق في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي

بعد أن ضاقت بالمُقاوَمَة الفلسطينية كلُّ السبل للوصول لأهدافها كان لزامًا عليها أن تجد طريقًا ما لتصل به لقوات الاحْتِلال، وترد به على جرائمه اليومية بحق الشَّعْب الفلسطيني، ولم يستغرق ذلك طويلًا لتتمخض عقول المُقاوَمَة عن حرب الأنفاق، وهي بحاجة لإمكانيات خاصة، وتلخصت الفكرة في حفر نفق في باطن الأرض للوصول لأسفل المواقع العسكرية، ومن ثم وضع كمية كبيرة من المتفجرات وتدميره (أبو شمالة،1/9/2005م: مقابلة شخصية)[6].

استخدمت المُقاوَمَة الفلسطينية هذا الأسلوب مراتٍ عديدة خلال الانتفاضة الثانية، وكان أغلب هذه العمليات لكَتائِب القَسّام التي أشركت معها بعض الفصائل في عمليتين منها، ومن بين تلك العمليات:

  • تدمير موقع (ترميد) العسكري: وهي عملية داخل الشريط الحدودي الفاصل بين مصر وقطاع غَزَّة بتاريخ 26 أيلول (سبتمبر) 2001، وهو عمارة مكونة من ثلاثة طوابق يقطنها عددٌ من جنود الاحْتِلال الصهيوني، وتم استهداف هذا الموقع من خلال حفر نفق يصل طوله 150 مترًا وتفخيخه بكمية كبيرةمن المتفجرات وتدمير الموقع، وكانت خسائر العدو البشرية حسب اعترافه مقتل اثنين وإصابة 5 آخرين بجروح، وقام المواطنون بعد الانفجار بدخول الموقع المدمر، وأخذوا ما فيه من رصاصومعداتمتبقية، وواجهت المجاهدين العديد من الصعوبات مثل: ضعف الإمكانيات – سوء التهوية داخل النفق – خطورة المكان ورصده من قبل العدو والعملاء – اختلاف نوعية التربة خلال عمليات الحفر (رملية – صخرية – طينية) (أبو شمالة،1/9/2005م: مقابلة)[7].
  • عملية برج المراقبة في منطقة يبنا: والمسمى موقع (حردون) على حدود قطاع غَزَّة مع مصر بتاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر 2003م، وهو برج مراقبة يراقب أمن الشريط الحدودي مع مصر، وهذا البرج تم إنشاؤه، ومزود بأدق آليات التصوير والرشاشات الثقيلة، وقام هذا الموقع بإلحاق الأذى والدمار بسكان المنطقة المحاذين للشريط الحدودي، وقد تم استهدافه بنفق يبلغ طوله 200 متر، وتم زراعة كمية من المتفجرات أسفل البرج وتدميره، وأسفرت هذه العملية عن قتل وإصابة من بداخل البرج (أبو شمالة،1/9/2005م: مقابلة)[8].

3- موقع المطاحن المسمى (أورحان): وهو موقع محفوظة بتاريخ 27 حزيران (يونيو) 2004م، حيث تمكن مقاتلون من كَتائِب القَسّام بحفر نفق طويل أسفل الموقع شمالي منطقة القرارة وسط قطاع غَزَّة، ويتواجد فيه ما بين (35-50) جنديًا صهيونيًا، وهو موقع كبير يربط جنوب القطاع بوسطه وشماله، ومركز لتوزيع مهام الجيش الإسرائيليّ في جنوب قطاع غَزَّة، علاوة على وجود مراكز للمخابرات الإسرائيليّة بداخله، وتم استهداف هذا الموقع عبر نفق طويل طوله 500 مترًا، ثم زراعة كمية كبيرة من المتفجرات أسفله وتدميره بالكامل، وقتل وإصابة من فيه، وتدمير الآليات المتواجدة بداخله (أبو شمالة،1/9/2005م: مقابلة).

قامت (وحدة مكافحة الإرهاب) في كَتائِب القَسّام بتفريع النفق إلى ثلاثة أفرع (شرق ـ وسط ـ غرب) وتوزيع العبوات الناسفة على هذه الأفرع الثلاثة، حيث تم وضع عبوة شديدة الانفجار تزن (650) كيلوغرامًا شرقًا، وعبوة أخرى تزن (700) كيلوغرامًا غربًا، وعبوة ثالثة في الوسط تزن (650) كيلوغرامًا، ليصل مجموع المادة المتفجرة في هذه العملية إلى (2000) كيلوغرامًا، وكانت آلية تنفيذ العملية باستئجار أرض تبعد عن الموقع (350) مترًا، ثم حفر نفق انطلاقًا منها ليصل أسفل الموقع العسكري، وثم وضعت العبوات فيه وتم تفجير العبوات بأمر من قائد المنطقة الجنوبية للقسام على مرحلتين؛ حيث انفجرت العبوتان الشرقية والغربية معًا ومن ثم انفجرت العبوة الثالثة بفارق (15) ثانية بين المرحلتين (كَتائِب القَسّام، 2015: نت)[9].

4-اقتحام موقع عسكري في معبر)المنطار) شرق غَزَّة: عملية أطلقت عليها المُقاوَمَة الفلسطينية اسم “السهم الثاقب” بتاريخ7 كانون الأول/ديسمبر 2004م، ومن تفاصيل تلك العملية أن عميلا ًمزدوجًا أوصل معلومات مضللة للجيش الإسرائيليّ، دفعت الجنود للتجمع داخل موقع الجيش في نقطة تقع فوق مسار النفق الذي تم تلغيمه 1500 كغم من المتفجرات، حيث فجرها المقاومون لحظة تجمع الجيش، ثم انقض فريق منهم ليلتحم مع من بقي منهم على قيد الحياة (المغاري، 2013: 190).

5- استهداف موقع عسكري قرب معبر رفح الحدودي: أطلق عليه المقاومون اسم “براكين الغضب” بتاريخ 1 ذو القعدة 1425 هـ الموافق 12/12/2004م: وهي عملية مشتركة بين كَتائِب القَسّام، وصقور فتح، حيث حفر المجاهدون نفقًا طويلًا أسفل الموقع العسكري الواقع على معبر رفح الحدودي مع مصر على مدى 4 شهور بطول (600) مترًا؛ من أجل الوصول للنقطة العسكرية في المعبر، وتفجير عبوة كبيرة تزن (1300) كغم من المتفجرات، (أبو شمالة،1/9/2005م: مقابلة) (كَتائِب القَسّام،2015)[10]

جدول رقم (2): إحصائية بعمليات الأنفاق حتى عام 2005م

نوعية عملية النفق عدد عمليات الأنفاق قتلى العدو جرحى العدو أسر جنود شهداء المُقاوَمَة
تفجير الموقع العسكري نفسه بوضع المتفجرات أسفله 4 18 53 0 1
استخدام نفق لوصول المجاهدين للموقع العسكري 2 3 10 1 4
المجموع 6 21 63 1 5

(المصدر: المكتب الاعلامي لكَتائِب الشَّهيد عز الدين القَسّام)

حققت استِراتيجِيَّة الأنفاق في هذه الفترة نجاحًا باهرًا، وكان لها أثر كبير في بث روح الفزع والرعب في صفوف قوات الاحْتِلال الإسرائيليّ، وكان لهذه العمليات أثر كبير في إيجاد قناعة لدى قادة الاحْتِلال بأن هذا الشَّعْب وهذه المُقاوَمَة لا تعرف لليأس طريقًا، بل تشق كل الصعاب من أجل الوصول لقلب مراكز العدو، وإلحاق الهزيمة به، وكانت لهذه العمليات بالغ الأثر في تفكير الاحْتِلال الإسرائيليّ بالانسحاب من قطاع غَزَّة أمام إصرار وعزيمة المُقاوَمَة.

كشف هذا النوع من العمليات العسكرية عن جوانب مهمة، منها:

  1. أثبتت تلك العمليات قدرة عالية لدى المُقاوَمَة في التخطيط، والتنفيذ، وسرية المعلومات، خاصة إذا علمنا أن حفر بعض الأنفاق استغرق أربعة أشهر، ولا يبعده عن الموقع العسكرية الإسرائيليّة المستهدف مئات الأمتار، وشارك في الحفر والتنفيذ أكثر من 20 مقاومًا.
  2. تعرض الجيش الإسرائيليّ لمأزق حقيقي جراء تلك العمليات، لأنها عطّلت جزءًا مهمًا من استراتيجياته الأمنية والعسكرية، فهو أسلوب تنعدم فيه المواجهة المباشرة التي يتميز بها الجيش الإسرائيليّ؛ لامتلاكه أدوات قتالية أقوى، وأحدث حالة من الإرباك لدى الجنود الإسرائيليّين الذين لم يعودوا يثقون بتحصين مواقعهم العسكرية، وباتوا ينتظرون تفجير المواقع من أسفلهم في كل لحظة.
  3. استطاع المقاومون من خلال تلك العمليات مفاجأة الجيش الإسرائيليّ، والتغلّب على كل إجراءات الحماية والوقاية التي يعتمدها في مواقعه العسكرية.
  4. استفاد الفلسطينيون في قطاع غَزَّة من تجربة الأنفاق في أنشطة مدنية إنسانية، حيث استخدموها لأغراض تهريب احتياجاتهم من المواد الغذائية والألبسة والأدوية ومواد البناء والسيارات الصغيرة، بعد فرض”إسرائيل” الحصار المشدد على القطاع؛ في أعقاب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006م” (المغاري، 2013: 191).

رابعاً- استخدام الأنفاق في حرب غزة 2014م

أحدثت الأنفاق التي أنشأتها المقاومة نقلة نوعية في تاريخ الصراع مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكجزء من العبر التي استخلصتها من حربي الفرقان 2008م، حجارة السجيل 2012م، بدأت تعمل وفق استراتيجية جديدة.

كان للأنفاق دور رئيس في الحرب من خلال بعث المقاتلين من عمق الأرض للهجوم، والقيام بعمليات إنزال خلف خطوط العدو كما حدث في اقتحام موقع “ناحل عوز”، وإنزال شرق رفح، وشرق محافظة الوسطى في موقع “أبو مطيبق العسكري”، وإنزال شمال بيت حانون، وأعطت الأنفاق حرية لتنقل “الوحدات الفلسطينية المقاتلة”، والوصول لنقاط الالتحام، واستُخدمت كمرابض لإطلاق الصواريخ، وساهمت في حماية قيادة المقاومة، وشكلت هاجسًا لجيش الاحتلال لحظة محاولته التقدم نحو قطاع غزة، وهو ما اعترف به جنود إسرائيليون بأنهم لم يستطيعوا حتى النزول في أنفاق المقاومة من شدة الخوف.

إن استغلال الجانب التحت أرضي مكن المقاومة من الوصول لأقصى جهد من أساليب حرب العصابات، من خلال إعداد الأنفاق التي تجتاز الحدود، وتكون أهدافها تم الإعداد لها مسبقاً(الشرقاوي، 16/5/2015م: مقابلة).

ويمكن الحديث عن استخدامات الأنفاق في حرب غزة من خلال العمليات التالية:

العمليات العسكرية خلف خطوط العدو باستخدام الأنفاق:

وهي عمليات هجومية تتم عبر مناورة اختراقية من تحت الأرض بواسطة الأنفاق، فالمقاومة أول من ابتكر هذا النوع من المناورات “عمليات العبور”، وبالعادة تتم عمليات الاختراق عبر الجو، أو عبر الالتفاف من البحر والبر، لكن المقاومة طورتها لتصبح من تحت الأرض. (أبو عبيدة، 20/8/2015م).

عندما نتحدث عن عمليات خلف الخطوط، فهي تحتاج لتحضير بنية تحتية لكي تصل هذا الهدف، هذا يعني أنفاقاً وليس نفقاً واحداً، هناك نفق بديل وآخر موازي، هذه عملية كبيرة جداً تدل على أن المقاومة بذلت جهوداً مضنية وجبارة في المواجهة، فكانت أبرز العمليات خلف خطوط العدو باستخدام الأنفاق، وبرزت بها كتائب القسام:

1- تفجير نفق أسفل موقع كرم أبو سالم العسكري:

تمكنت كتائب القسام الثلاثاء، 8/7/2014م من تفجير نفق أسفل موقع “كرم أبو سالم” العسكري (الإسرائيلي) شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة. (موقع القسام 20/7/2015)

2- عملية “موقع صوفا” شرق رفح

في تمام الساعة الرابعة من صباح الخميس الموافق 17-7-2014م، قامت مجموعة خاصة من مجاهدي القسام بعملية تسلل خلف خطوط العدو باستخدام أحد الأنفاق بمنطقة صوفا شرق رفح، ونفذت عملية استطلاع بالقوة، حيث كلفت الوحدة باستطلاع أماكن تمركز قوات العدو البرية في تلك المنطقة وقوامها وعددها، كجزء من عملية الاستعداد للحرب البرية، إضافة لنسف وتخريب إحدى المنظومات الاستخبارية التي قام العدو مؤخراً بوضعها لرصد محيط منطقة الخط الفاصل، وخلال انسحابها بعد استكمال مهتمها تعرضت لنيران طيران العدو، وعاد كافة المجاهدين بسلام (موقع القسام 20/7/2015)

3- عملية “موقع أبو مطيبق” شرق المحافظة الوسطى

في يوم السبت الموافق 19-07-2014م تمكنت إحدى الوحدات القسامية المختارة وعددها 12 مجاهداً من التسلل إلى للموقع، من خلال عملية إنزال خلف خطوط العدو عبر أحد الأنفاق الاستراتيجية، وتوزعوا إلى 4 كمائن، ومكثوا 6 ساعات بانتظار قوات العدو، وفور وصول إحدى دوريات الاحتلال المكونة من 4 جيباتٍ عسكريةٍ، قامت كمائن المجاهدين المنتشرة خلف خطوط العدو بمهاجمتها، وتمكنوا من إبادة 3 جيباتٍ، وأجهزوا على كل من كان بداخلها من مسافة صفر، فيما فر الجيب الرابع من المنطقة مذعوراً بعد الاشتباك معه، وقتل المجاهدون في الاشتباك 6 من جنود الدورية وأصأبوا عدداً آخراً بجراح، وغنموا اثنتين من البنادق ز M16، وعاد 11 مجاهداً لقواعدهم بسلام، فيما ارتقى أحدهم خلال الاشتباكات (موقع القسام 20/7/2015).

4- عملية “موقع 16” شرق بيت حانون

في صباح يوم الإثنين 21-07-2014م نفذ تشكيلٌ قتاليٌ من قوات النخبة القسامية عدده 12 مجاهداً عملية إنزال خلف خطوط العدو قرب “موقع 16” العسكري شرق بيت حانون، ثم انقسموا لمجموعتين كمنتا لدورية صهيونية، وفور وصولهما، أوقعها المجاهدون بين فكي كماشة، حيث أطلق مقاتلو المجموعة الأولى قذيفة RPG تجاه الجيب الأول ما أدى لتفحمه، ثم اقتربوا منه وأجهزوا على جميع من فيه من الجنود، فيما اشتبكت المجموعة الثانية مع الجيب الآخر، وأجهزت على من كان فيه من الجنود، بعدها انسحبت إحدى المجموعتين، وأثناء مغادرتها لميدان العملية تعرضت لقصف من طائرات الاحتلال، فيما خاضت المجموعة الثانية اشتباكاً عنيفاً مع قوة خاصة خرجت من الموقع انتهى باستشهاد أفرادها، ليرتقي في هذه العملية 10 من مجاهدي القسام، وعاد مجاهدان لقواعدهما بسلام (موقع القسام 20/7/2015).

5- عملية “ناحل عوز” شرق الشجاعية

مساء يوم الإثنين 28-7-2014م، تمكن تشكيلٌ قتاليٌ من قوات النخبة القسامية عدده 9 من مجاهدي القسام من تنفيذ عملية إنزالٍ خلف خطوط العدو، وهاجموا برجاً عسكرياً محصناً تابعاً لكتيبة “ناحل عوز” به عددٌ كبيرٌ من جنود العدو وأجهزوا على جميع من فيه، كما حاولوا أسر أحد الجنود ولكن ظروف الميدان لم تسمح بذلك، وأكد المجاهدون أنهم قتلوا 10 جنودٍ، واغتنموا قطعة سلاح من نوع Tavor قصير وعاد جميع المجاهدين لقواعدهم بسلام (موقع القسام 20/7/2015).

العمليات العسكرية الدفاعية باستخدام الأنفاق:

الأنفاق الدفاعية تم إعدادها لضرب القوات الإسرائيلية المتقدمة داخل حدود قطاع غزة، ونتج عنها تكبيد قوات الاحتلال البرية المتقدمة الكثير من الخسائر، وتشترك في الأنفاق الدفاعية أغلب فصائل المقاومة العاملة في الميدان، فكانت أبرز عملياتها:

  • 18/7/2014م تمكن مجاهدو سرايا القدس من تفجير إحدى الآليات العسكرية في بيت حانون من نوع “ميركافاه 4” عبر أحد الأنفاق، وبعد أن تحولت الآلية لأشلاء وحطام وقتل وإصابة من فيها. (سرايا القدس، 2015م)
  • 19/7/2014م:تسللت مجموعة من قوات النخبة القسامية عبر نفق خلف خطوط العدو في منطقة الريان في محيط صوفا، حيث باغتت العدو واشتبكت معه من مسافة متر ونصف، وأكد المجاهدون قتل 5 جنود بالرصاص 3 في الرأس و2 في مناطق مختلفة من الجسم، وعادوا بسلام.(القسام، 2015م:)
  • 20/7/2014م: تمكن مجاهدو القسام من استدراج قوةٍ صهيونيةٍ مؤللة، حاولت التقدم شرق حي التفاح إلى كمينٍ محكمٍ، حيث تركوا الدبابات تتقدم، وبعد أن تبعتها ناقلتا جند داخل حقل الألغام فجره المجاهدون، ما أدى لتدمير القوة بالكامل، ثم تقدم المجاهدون صوب ناقلات الجند وفتحوا أبوابها وأجهزوا على جميع من فيهما وعددهم 14 جندياً، وتمكنوا من أسر الجندي “شاؤول أرون”. (القسام، 2015م)
  • 24/7/2014م:هاجمت قوات النخبة القسامية آليات صهيونية متوغلة شرق القرارة بعبوتي شواظ، وفجرت عبوةً رعديةً بقوةٍ راجلةٍ واشتبكت معها، وأكد المجاهدون قتل 5 جنودٍ واغتنام سلاح رشاش.(القسام، 2015م)
  • 24/7/2014م:مجاهدو القسام يتسللون خلف القوات المتوغلة شرق التفاح، ويجهزون على 8 جنود من مسافة صفر، ويدمرون ناقلة جند من نوع شيزاريت بقذيفة (القسام، 2015م)
  • 1/8/2014م: توغلت قوات الاحتلال بعمق يزيد عن كيلومترين شرق رفح، فتصدى لها المجاهدون، واشتبكوا معها وأوقعوا في صفوفها قتلى وجرحى، فيما ادعى الاحتلال فقده لأحد جنوده في العملية. (القسام، 2015م)

ترى الدراسة أن هذه الأنفاق كانت سبباً رئيساً في نجاح معركة الشجاعية التي دمرت فيها آليات العدو المدرعة، وأسر خلالها الجندي شاؤول أرون، كما كان لها الدور الأبرز في معارك رفح عندما أسر الضابط الصهيوني هدار جولدن، هذه الأنفاق كان لها دور كبير في منع قوات الاحتلال من التمركز داخل المناطق التي توغلوا فيها، ومنعت خطة التجزئة الإسرائيلية والتي هدفت لفصل قطاع غزة إلى 3 أقسام؛ بهدف منع التواصل بين عناصر المقاومة.

استخدام الأنفاق في إطلاق الصواريخ والقذائف

تستخدم الأنفاق لإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون، حيث تم إعدادها كمنصات للإطلاق، وذلك نتيجة لعدم قدرة المقاومة على التحرك وإطلاق الصواريخ والقذائف من فوق الأرض، لتمكن العدو من رصد كل ما هو متحرك عليها، وهذا كان له الأثر الكبير في استمرارية إطلاق الصواريخ والقذائف بشكل مستمر، وباتت المقاومة لا تستغني عن الأنفاق في عمليات إطلاقها.

فمنصات إطلاق الصواريخ أصبحت تتواجد أغلبها في أنفاقٍ تحت الأرض، ومما شل من قدرة العدو على تعقب ورصد أماكن إطلاق الصواريخ (الزيات، 20/7/2015م: مقابلة).

خامساً- تأثير استِراتيجِيَّة الأنفاق على العدو الصهيوني ومستقبلها في أي حرب قادمة

أحدثت الأنفاق التي أنشأتها المُقاوَمَة نقلة نوعية في تاريخ الصراع مع جيش الاحْتِلال الإسرائيليّ من خلال تحييد التفوق التكنولوجي، وقوة النار التدميرية المدعومة من الولايات الأمريكية المتحدة عن ساحة المعركة، فيما بنيت تلك الأنفاق بسواعد ذاتية أحدثت صخبًا كبيرًا وأربكت حسابات الجيش الإسرائيليّ وكبدته خسائر بشرية كبيرة خلال المعركة البرية، يناقش هذا الجزء من الدِّراسَة تأثير استِراتيجِيَّة الأنفاق على العدو الصهيوني، من خلال الجوانب التالية:

1- الجانب العسكري

تتفق النخب العسكرية وكبار المعلقين في الكيان “الإسرائيليّ” على أن الأنفاق الحربية التي أنشأتها المُقاوَمَة، تمثل التهديد الاستراتيجي الأبرز الذي كشفت عنه الحرب التي شنتها إسرائيل على غَزَّة 2014م، فقد حيدت الأنفاق عمليًا تأثير سلاح الجو والمدرعات الإسرائيليّة وحولتهما من تهديد استراتيجي للمقاومة الفلسطينية إلى مشكلة تكتيكية بالإمكان تقليص تأثيرها، عبر توظيف عنصري المبادرة والمناورة

وضعت حرب غَزَّة 2014م الأنفاق ضمن دائرة الاهتمام، وجعلت منها تهديدًا استراتيجيًا. صحيح أن الجيش الإسرائيليّ تعرض لها سابقًا، وعمل على مواجهتها، لكن حجم الظاهرة لم يكن كبيرًا، ولكن في حرب غَزَّة 2014م تم الكشف عن تهديد استراتيجي عظيم، وتطلب الأمر إعادة التعامل مع هذه القضية بشكل أساسي (شبير وبرل، 2014م:55).

تركت حرب غَزَّة 2014م مرارة لدى الجمهور الإسرائيليّ فيما يتعلق بمواجهة الجيش للسلاح الاستراتيجي تحت الأرضي الذي أعدته المُقاوَمَة في غَزَّة، وهناك من يكرر المرة تلو الأـخرى العبارة التي تلفظ بها بعض السياسيين ممن ادعوا أن الجيش لم يكن جاهزًا ومستعدًا لهذا التهديد، وأن الاستخبارات فشلت. (أمير، 2015م)[11].

فالأنفاق اعتبرت تهديدًا استراتيجيًا، وساد اعتقاد أنه التهديد الأخطر بالنسبة “لإسرائيل”، وظهرت بعض الأقوال التي تشير لفشل استِراتيجِيَّة المنظومة الأمنية في “إسرائيل”، وطالبوا بإقامة لجنة تحقيق، لأن قضية الأنفاق خطيرة جدًا، وباتت منظومة الأمن تكرس مجهودات مركزة أكثر لإيجاد حل لهذا التهديد الاستراتيجي. (شبير وبرل، 2014م: 60).

يقول آلون بن دفيد المحلل العسكري للقناة الإسرائيليّة العاشرة: أن الجيش الإسرائيليّ كان يعلم بشأن هذه الأنفاق منذ 15 عامًا، لكن هناك فجوة بين المعرفة بالشيء والوعي به من حيث الخطر الذي يسببه، عندما بدأت حماس تخرج من هذه الأنفاق بدأت “إسرائيل” تقدر بشكل حقيقي الخطر القادم من الأنفاق. (فيلم المجموعة رقم 9، 2015م)[12]

فيما قال “يوآف شاروني”، خبير استراتيجي إسرائيليّ في مقاله (هزيمة جيشنا المدلل العزيز): أصبح الجيش الإسرائيليّ بدل اعتماده على صلابة المقاتل، يعتمد على صلابة تصفيح الدبابات التي فتتها “كورنيت” المُقاوَمَة، ويعتمد على جدران الأسمنت التي حفرت المُقاوَمَة الأنفاق الشيطانية تحتها، ليخرج مقاتلوها في مشهد هوليودي من عين النفق باتجاه مواقعنا، ثم يقومون في أقل من دقيقتين بذبح جنود من النخبة مثل الخراف. (رأي اليوم، 4/8/2014).

في حين قال أحد الجنود في القوات البرية إن غالبية القوات والوحدات الخاصة شاركت في تدريبات قصيرة على هذه الأنفاق بدون أن يكون لها أي مضمون حقيقي، فقد هبطوا بواسطة حبل لداخل مواقع تشبه “المحمية الطبيعية”، الخاصة بحزب الله، في منطقة مفتوحة، وبذلك انتهت عملية تعريفهم بالقتال تحت الأرض (سما الاخبارية، 2014)[13].

في حين قال “نمرود شيفر”، رئيس شعبة التخطيط في جيش الاحْتِلال إن جيشه تلقى “درسًا مؤلمًا” من الأنفاق، و”إحدى التحديات التي نواجهها هي الأنفاق، لم نكن دائمًا متقدمين خطوة على عدونا، وعندما كنا متخلفين خطوة عنه فإننا تعلمنا درسًا مؤلمًا جدًا. (صحيفة فلسطين، 2015م).[14]

وقالت صحيفة “هآرتس”: إنّ القوات البرية دخلت غَزَّة بدون خطة مفصلة، وبمعلومات لا تتجاوز الحد الأدنى، وبخطط عملية جرت بلورتها تدريجيًا مع كميات غير كافية من الوسائل لتدمير الأنفاق، وفي بداية العمليات البرية، صرح “موشيه يعالون” بأن تدمير الأنفاق يستغرق يومين أو ثلاثة، ولكنه استغرق أكثر من أسبوعين ونصف، كما أقر رئيس أركان الجيش بيني غانتس، أن القصف الجوي لفتحات الأنفاق صعب الكشف عن مسارها، وأن الصعوبة الكبرى كانت في تدمير الأنفاق، فالأساليب والوسائل لدى الجيش تتلاءم مع الأنفاق القصيرة والقريبة من سطح الأرض فقط. (سما الإخبارية، 2014)[15]

أما “تسفيكا فوغل” قائد المنطقة الجنوبية الإسرائيليّة السابق يقول: لقد اختارت حماس الإمكانيات التي لديها فيها أفضلية كبيرة، مع أنها تدير مجموعات من المقاتلين، إلا أن استِراتيجِيَّة الأنفاق ناجحة جدًا، وحماس تعلم أننا لا نعرف كيف نقاتل في الأنفاق، لذا هي اختارت هذه الأفضلية، ونحن علينا أن نتعلم كيف نواجه الأنفاق، أستطيع القول ومن خلال ما رأيناه في الحرب في موضوع الأنفاق تحديدًا أننا كنا متفاجئين من تركيبتها وهندستها، وتعلمنا كيف نعالج أمرها فقط في غضون الحرب، لكن ذلك لا يعني أننا لم نعلم بوجودها، كنا نعرف، لكننا لم نستعد لها. (فيلم حرب غَزَّة رؤية إسرائيليّة، 2015م)[16]

كشفت تحقيقات أجراها سلاح الجو الإسرائيليّ عن وجود تناقض في المعلومات الاستخباراتية التي تلقاها من جهاز الأمن العام “الشاباك” وشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، عن هذه الأهداف على الأرض، وأوضح المحلل العسكري في صحيفة “معاريف” (عمير رففورت) أن التحقيقات أثبتت وجود فجوة كبيرة بين المعلومات المتعلقة بفوهات الأنفاق وخط سيرها، وبين واقعها على الأرض ومقاطعها الداخلية، مما جعل من عمليات استهداف الكثير منها بلا نتيجة. (أطلس للدراسات، 2014م)

وهكذا لعبت الأنفاق الدور الأكثر محورية في استنزاف الجيش الإسرائيليّ، وتكبيده خسائر فادحة في الأرواح والعتاد العسكري، عبر العمليات الهجومية التي فاجأت وحدات النخبة، وجرعتها طعم الانكسار في أحياء “التفاح، الشجاعية، شرق خانيونس، رفح، وبيت حانون”، فضلًا عن عمليات التسلل خلف خطوط العدو التي نفذتها المُقاوَمَة باقتدارٍ كبير واحترافية عالية من خلال أَنْفاق متوسطة المدى استهدفت مواقع عسكرية في المستوطنات والمناطق القريبة من قطاع غَزَّة، وأسفرت عن مقتل وجرح الكثير من جنود الاحْتِلال (أبو عامر، 2015م).

لقد شكل سلاح الأنفاق السلاح الناجع خلال حرب غَزَّة 2014م، من حيث حجم العمليات التي نفذتها المُقاوَمَة خلف خطوط العدو، وشكلت صفعة قوية له ولأجهزته الاستخباراتية، وفي المواجهة المباشرة مع جنوده الذين رفضوا دخول لغَزَّة خشية الموت، إضافة للعدد الكبير من جنوده الذين سقطوا في المعارك على تخوم غَزَّة. (الشرقاوي، 16/6/2015م: مقابلة)

مما سبق نستخلص تأثير استِراتيجِيَّة الأنفاق على الجانب العسكري الإسرائيليّ خلال حرب غَزَّة بالنقاط التالية:

  1. لم يكن الجيش الإسرائيليّ يعلم حجم التهديد المتعلق بالأنفاق.
  2. لم يوجد للجيش أساليب قتالية لمجابهة أسلوب قتال كهذا، رغم أن قتال الجيش تقليدي، ويعتمد اعتمادًا كبيرًا على المناورة بقوات ثقيلة.
  3. امتنع الجيش من الدخول للمجال تحت الأرضي والقتال بداخله.
  4. أثبتت الأنفاق جدواها من خلال خلق استمرارية وتواصل في القتال، هذا من جانب، والحفاظ على حياة وأرواح مقاتلي المُقاوَمَة من جانب آخر.
  5. آلية القتال المعقدة والمخفية أسفل سطح الأرض هي معيق فكري للجيش الإسرائيليّ الذي يقاتل وفق الطبيعة القتالية الغربية.

2- الجانب السياسي:

بدأ الجيش الإسرائيليّ مبكرًا بالتنصل من المسؤولية السياسية نتيجة تأثير الأنفاق سياسيًا، استعدادًا للمعركة التي ستدور رحاها بين الجيش والمستوى السياسي، فقال متحدث عسكري إسرائيليّ لصحيفة “غلوبس” في 23 تموز 2014م “المستوى السياسي يتحمل مسؤولية اتخاذ القرار بشأن التعاطي مع تهديد الأنفاق” (أبو عرقوب، 2014)[17].

في حين قررت لجنة برلمانية في الكنيست فتح تحقيق في القرارات التي اتخذتها الحكومة والمجلس الوزاري المصغر خلال الحرب، خاصة ما يتعلق باستِراتيجِيَّة الأنفاق (صحيفة فلسطين، 2014م).

وقال وزير الأمن الإسرائيليّ الأسبق “أفيغدور كهلاني” إنه متفاجئ من موضوع الأنفاق، ولم يتوقع أن حجمها كبير لهذه الدرجة، كنت أعلم عن نفق، أو نفقين، أو ثلاثة، مجرد تخمين لكنني لم أتوقع أن تكون منظومة الأنفاق معقدة لهذا الشكل، لدرجة أنها تصل أراضينا، لم أتوقع شيئًا كهذا أبدًا، في موضوع الأنفاق علي الاعتراف أنني كنت متفاجئًا”. (فيلم حرب غَزَّة رؤية إسرائيليّة، 2015م)[18]

اعتبر صباح 17 تموز 2014م نقطة تحول مركزية في الحرب، حيث خرج 13 مقاتلًا من الوحدات الخاصة لكَتائِب القَسّام من نفق على بعد بضع مئات الأمتار من كيبوتس “صوفا” شرق رفح، وقامت طائرة بدون طيار إسرائيليّة بتصويرهم، بيد أن الصور التي نشرها الناطق بلسان الجيش الإسرائيليّ أثارت ضجة واسعة لدى الجمهور والقيادة، حيث بدأ يغير رؤساء السلطات المحلية في محيط قطاع غَزَّة من حديثهم عن الصواريخ والراجمات إلى خطر الأنفاق، وطالبوا بالعمل على تدميرها (سما الإخبارية، 2014).[19]

فيما عبر “روني بيرت” رئيس الشَّعْبة الأمنية السابق في مجلس الأمن الإسرائيليّ، عن قلقه لأن القيادة الإسرائيليّة لم تخطط لكيفية القضاء على خطر الأنفاق، بل عملت بشكلٍ عشوائي وفوضوي، وخاضت حرب غَزَّة بعد خمس سنوات لم يجر خلالها أي نقاش في القيادة السياسية أو المهنية حول المسألة الاستِراتيجِيَّة المتعلقة بمواجهة تهديد الأنفاق، وجاء الوضع الحالي في الجنوب من تزايد شبكات الأنفاق في غَزَّة نتاج النهج الخاطئ لعملية اتخاذ القرارات في الحكومة طوال السنوات الماضية (القناة العبرية العاشرة، 15/8/2014).

يرى الباحث تأثير استِراتيجِيَّة الأنفاق على المستوى السياسي الإسرائيليّ، من خلال أمور عدة، أهمها:

  1. إبراز الخلاف بين المستويين العسكري والسياسي، ووصوله حد التلاسن المعلن بخصوص استِراتيجِيَّة الأنفاق خلال حرب غَزَّة 2014م.
  2. حجم منظومة الأنفاق واتساع رقعتها ووصولها للعمق الإسرائيليّ أصاب المستوى السياسي الإسرائيليّ بالمفاجأة والصدمة؛ لعدم وجود معلومات مسبقة عن حقيقة حجم الأنفاق ونوعيتها.
  3. لم تكن لدى القيادة الإسرائيليّة رؤية واضحة وخطط مسبقة للتعامل مع استِراتيجِيَّة الأنفاق، بل كان واضحًا خلال الحرب الفوضى والعشوائية في التعامل مع الأنفاق.

3- الجانب المعنوي

تتمثّل إحدى أهم موَاطِن التأثير التي تركتها استِراتيجِيَّة الأنفاق بالمسّ بالشعور بالأمن الجماعي والشخصي للمستوطنين الإسرائيليين الذين يقطنون محيط القطاع، فرغم أنهم لم يغادروا مستوطناتهم عندما كانت تتعرّض للقصف بالصواريخ والقذائف، إلا أنه بعدما تبيّن حجم وخطورة الأنفاق الحربية، تحوّلت المستوطنات لمناطق أشباح خالية من البشر ولعرض تاثير الأنفاق على الجانب المعنوي الإسرائيلي.

في تقرير للقناة الثانية الإسرائيليّة قال مستوطن: “بشكل دائم أُهيّء نفسي لخروج المقاتلين الفلسطينين من باطن الأرض، بِتنا نخاف من الكلاب حينما تمر من بين الأعشاب والأشجار لأننا نعرف أن خروج المقاتلين علينا أمر ممكن”. ويضيف آخر: “في السابق كنت أثق بالجيش بشكل كامل، لكن اليوم الخوف بات أكبر لدي، لأننا متأكدين أن ما يقوله الجيش عن الأنفاق غير صحيح، لأنها موجودة ومن الممكن أن نتفاجأ بها في أي لحظة”. (القَسّام، 2015: نت)[20]

يقول المعلّق العسكري لصحيفة “هآرتس”، “عاموس هارئيل” أن القدرة على مواصلة التسلّل للعمق الإسرائيليّ وضرب الجيش في ذروة الحرب مسّ بالمعنويات الإسرائيليّة بشكل كبير (المنار، 2014م).[21]

فيما يقول المحلل العسكري لموقع واللا “آمير بوخبوط”: الأنفاق نطاق شيطاني ومجال غامض ومعتم، مقاومون يعبرون إلى داخل النفق وهو في الأصل مكان ضيق ومظلم، ويخرجون منه فجأة ويهجمون، أعتقد أن لهذه الأنفاق تأثيرًا كبيرًا على الجمهور الإسرائيليّ، فهي مجال للحرب النفسية يصعب استيعابه. (فيلم حرب غَزَّة رؤية إسرائيليّة، 2015)[22]

ويقول المعلّق العسكري في قناة التلفزة الإسرائيليّة العاشرة قيادة، “ألون بن دافيد”، أن عملية التسلّل التي نفذتها كَتائِب القَسّام 28-7-2014م، عبر نفق حُفر في منطقة الشجاعية كما لو كانت “نزهة”، رغم أن سلاحيّ الجو والمدرعات كانا في ذروة استهدافهما للعمق الفلسطيني، مما أصاب الجيش وتحديدًا قائد المنطقة الجنوبية “سامي تورجمان” الذي يقود الحرب بحرج شديد .(الرسالة نت، 2015)[23]

وتعد عملية التسلّل التي نفذتها مجموعة من مقاتلي “القَسّام”، 28-7-2014م، عبر نفق حُفر في منطقة الشجاعية إلى موقع يتمركز فيه ضباط من وحدة “ماجلان”، إحدى أشهر الوحدات الخاصة في جيش الاحْتِلال، واقتحام الموقع وقتل خمسة من الضباط، ومحاولة أسر آخر، وتصوير العملية، وعرض شريط مصور أظهر بشكل واضح تدني الروح المعنوية للضباط الذين كان بإمكانهم الاشتباك مع مقاتلي “القَسّام”.(القَسّام، 2015)

وهكذا يعتقد الباحث أن لاستِراتيجِيَّة الأنفاق دورا مهما في التأثير على الجانب المعنوي لدى الجانب الإسرائيليّ، أحدثت صدمة نفسية ومعنوية سلبية للعدو ومستوطنيه، وساهمت في خلق بيئة الرعب لدى الجمهور الإسرائيليّ، وشكلت عامل ضاغط من أجل تعزيز قوة الردع، وبذلك حققت الأنفاق دورها على وجهين: وجه في الميدان مباشرة، ووجه في عمق العدو.

سادساً- مستقبل استخدام الأنفاق في أي مواجهة قادمة مع الاحْتِلال

يبدو صعبًا على المُقاوَمَة الفلسطينية في ظل الظروف القائمة في غَزَّة أن تستغني عن الأنفاق، فهي ضرورة استِراتيجِيَّة عملياتية ولوجستية إذا أرادت المُقاوَمَة أن تبقى فاعلة، وأي مس بها هو مس بالمُقاوَمَة مباشرة، لأنها بمثابة الأكسجين الذي ستنشط منه المُقاوَمَة، لتبقى قوية. (احطيط، 16/3/2015م: مقابلة)

ويدرك العدو الصهيوني أن المُقاوَمَة لا يمكن أن تتخلى عن الأنفاق في المستقبل، وأنها ستواصل تحسين قدراتها، لأنها استِراتيجِيَّة لا يمكن التخلي عنها، ولا يفصله عن جولة تصعيد قادمة سوى سنوات معدودة، لذا وجب الإعداد والتجهيز للأَنْفاق. (أبومالك، 2/8/2015م: مقابلة)

وقد تكون الحاجة للأَنْفاق في قطاع غَزَّة أكثر من أي منطقة أخرى، لأن غَزَّة محدودة المساحة ومكشوفة، وأبعادها محدودة مطوقة محاصرة، لذلك فهي مطلوبة، وفي أي حرب قادمة ستكون ضرورية لأن لها مفعول نفسي ومعنوي على العدو ومستوطنيه، وكل الإحصائيات تشير بعد حرب غَزَّة 2014م أن حركة الاستيطان في جنوب فلسطين المحتلة في تراجع، والمستوطنين الجدد يبتعدون عن السكن في جنوب فلسطين تحديداَ على حدود قطاع غَزَّة أو في غلاف غَزَّة (عباس، 18/3/2015م: مقابلة).

وقد أكدت المُقاوَمَة أنها تمكنت من صيانة كل الأنفاق، وأضافت لها أَنْفاقا جديدة، وتجاوزت العيوب والأخطاء التي اكتشفتها أثناء الحرب، سواء من حيث طبيعة الأنفاق والمواد المصنعة التي تحمي أطرافها، وتحديد ما تريد أن تستخدمه إسمنت أو أخشاب، وحسّنت من أدائها، وقد تدار المعركة في المرحلة القادمة من تحت الأرض، ربما غرف العمليات والمبيت وغيرها (المغاري، 16/6/2015م: مقابلة).

فيما رأى رئيس وحدة البحث السابق في شعبة الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة، الجنرال “غابي سيبوني”، أنه منذ انتهاء الحرب في صيف 2014 تعكف المُقاوَمَة على إعادة إصلاح شبكة الأنفاق الهجومية من غَزَّة إلى “إسرائيل”، لانها فهمت أن عدد الأنفاق التي حفرتها، ومدى استخدامها شكلت مفاجأة “لإسرائيل”، وبناءً على ذلك أصبحت الأنفاق الهجومية عنصرًا مركزيًا في العقيدة القتالية للمقاومة(سيبوني، 2015م: نت).[24]

أما “ألون بن دفيد” محلل الشؤون العسكرية للقناة العاشرة الإسرائيليّة فيرى أن تهديدات “إسرائيل” عقب حرب غَزَّة 2014م فارغة، لأن المُقاوَمَة استكملت خلال أشهر بعد الحرب حفر عدد ليس قليل من الأنفاق (القناة العاشرة، 11/8/2015م).

هذا يعني أن الأنفاق في حال أحسنت المُقاوَمَة السيطرة عليها، وتوظيفها جيدًا، ستكون لها الكلمة القوية في أي معركة مقبلة، وتفرض من خلالها قوة عسكرية كبيرة قادرة على تغيير موازين القوى والصراع مع الجيش “الإسرائيليّ” الذي فشل في تدميرها كليًا، أو حتى وقف تطورها تحت الأرض. (الشرقاوي، 15/7/2015م: مقابلة).

ونقل موقع [25](ISRAEL DEFENSE) الإسرائيليّ، المُختّص بالشؤون الأمنية والعسكريّة، أنّ فرضية العمل لدى الجيش الإسرائيليّ تؤكّد على أنّ المُقاوَمَة الفلسطينية تمتلك اليوم أَنْفاقا هجوميّة تصل إلى العمق الإسرائيليّ، لأن هذا المشروع بالنسبة لها هو رأس الحربة، وهي تقوم على مدار الساعة بحفر الأنفاق، لعلمها أنّ هذا السلاح سيُشكّل المفاجأة في المواجهة القادمة مع الاحْتِلال الإسرائيليّ. (وكالة سما، 2015: نت) [26] فيما قال قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحْتِلال الإسرائيليّ “سامي ترجمان”: أنه “لا يوجد مكان في العالم يشبه قطاع غَزَّة الذي أصبح يمتد تحت الأرض، فالأنفاق أصبحت تشكل التهديد الأكبر على “إسرائيل”، وهناك خطط لإخلاء مستوطنات وبلدات حال اندلاع الحرب” (وكالة سما، 2015). [27]

يرى الباحث في ظل الظروف القائمة والدلائل والشواهد على الأرض أن للأَنْفاق دورًا محوريًا ومهمًا في أي مواجهة قادمة مع الاحْتِلال الإسرائيليّ، فالأنفاق تعد للمقاومةِ شريان حياة وضرورة استِراتيجِيَّة وعملياتية ولوجستية إذا أرادت أن تبقى فاعلة ومؤثرة، وعلى ما يبدو فإن الحرب القادمة سيكون عنوانها الأبرز هو استِراتيجِيَّة الأنفاق.

سابعاً- وسائل الاحْتِلال العسكرية ضد استِراتيجِيَّة الأنفاق

يتمثل الوسط الخاص بالأنفاق بالفجوة والفراغ الموجود تحت الأرض، وقد يكون له أشكال وصور مختلفة مثال نفق، هدف محصن تحت الأرض، ومخازن ذخيرة، ويمكن تقسيم القتال في الأنفاق إلى ثلاث مراحل مركزية:

  • ‌أ- الوصول لمحيط النفق – القتال فوق الأرض حتى التمكن من فتحات النفق.
  • ‌ب- السيطرة على مدخل محيط النفق.
  • ‌ج- التمشيط وتطهير محيط النفق من الداخل (باركو وبيرغر، 2014م: 28).

وكل واحدة من مراحل القتال السابق تتميز بوتيرة قتال مختلفة، وبتقنيات فنية أخرى من القيادة والسيطرة وبتحديات قيادية مختلفة، وهي عبارة عن قتال تقليدي يتم التدرب عليه كثيرًا، بحيث يوجد تأثير على القوات المقاتلة على الأرض، من خلال جانبين اثنين: عدم الوضوح بخصوص تواجد العدو، وبعد وضوح الرؤيا حول تطهير المكان والخوف من تفجير أَنْفاق ملغمة تحت أقدام المقاتلين. (باركو وبيرغر، 2014م: 28)

  1. المرحلة الأولى تشمل احْتِلال الموقع العلوي للنفق، وجمع معلومات حوله وداخله ومحيطه.
  2. المرحلة الثانية تتميز بالانتقال بين الهدوء النسبي والضوضاء العالية، وبين مستوى قتالي بطيء حتى الساكن (الذي يميز نقطة النهاية للمرحلة الأولى) وبين مستوى القتال السريع جدًا والأكثر عدائية.
  3. المرحلة الثالثة تتميز بالقتال النظامي والمعتدل (تطهير النفق) تشمل إعادة النظام، والتنظيم والسيطرة على القوة، كما أن التعود على ظروف مجال النفق جوهري وخطير بين الوضوح النسبي والمواجهة الكبيرة شكل مرتفع، وبين النور والظلمة. (باركو وبيرغر، 2014م: 29) الجنرال “غاي تسور” قائد قوات المشاة في الجيش الإسرائيليّ قال: إنه من غير المعقول أن تبقى الحرب تحت الأرض حكرًا على المقاومة، وبالتالي على الجيش الإسرائيليّ أن يقوم بتطوير طرق ووسائل جديدة من أجل خوض الحرب تحت الأرض. (أندراوس، 2015م)[28]

فيما أعد الجيش الإسرائيليّ خطة جديدة لمكافحة الأنفاق في غَزَّة عام 2015، ترتكز على زيادة عدد الجنود في المنطقة الحدودية مع القطاع، وتدريب قوات الاستطلاع والوحدات الخاصة للتعامل مع الأنفاق، وزيادة الحماية للمستوطنات في غلاف غَزَّة، وتغيير قواعد الانتشار لقواته، حيث سيحول جزءٌ كبير من قواته لمهمة أطلق عليها “الأمن العاجل” للاستجابة السريعة للمستجدات الطارئة على الحدود أو داخل الأراضي المحتلة. (المجد الأمني، 2015م)[29]

ثامناً- وسائل المُقاوَمَة المضادة لوسائل العدو العسكرية

تجاوزت المُقاوَمَة عبر الأنفاق كثيرًا من الصعوبات، وأظهرت أنها قادرة على الإبداع والتكيف مع ظروف أي معركة يفرضها العدو، أو نتيجة الظروف الميدانية الصعبة والظروف السياسية التي لها علاقة بالجوار، سواء من قبل العدو، أو من قبل الأشقاء، كالحصار الذي يفرض على غَزَّة، مما جعلها تبدع في إيجاد وسائل تعتبر في المفاهيم والقراءات التي درسناها شبه مستحيلة. (عباس، 18/3/2015م: مقابلة)

المُقاوَمَة الفلسطينية استخلصت العبر، وربما ما عرفه الاحْتِلال الإسرائيليّ عن الأنفاق بحرب غَزَّة 2014م قد يجد أشكالًا متعددة مختلفة عن السابق، وبالتالي استخلاص العبر لن يكون دقيقًا لدى الجيش الإسرائيليّ مع المُقاوَمَة: المُقاوَمَة تغير من تكتيكاتها من عام 2008م حتى اليوم، وسنجد أن منحنى كل حرب تختلف عن الأخرى اختلافا جذريًا سواء من حيث الأدوات أو التكتيكات أو الاستراتيجيات. (المغاري، 16/6/2015م: مقابلة)

من المؤكد أن المُقاوَمَة الفلسطينية درست تجارب الأنفاق في الحروب من قبل، وبالتالي الإشكالية تقع أن أي عقلية عسكرية لها نمط بالتفكير إذا تعرف العدو على هذا النمط يستطيع التعامل معه بسهولة، لكن أن تتمكن المُقاوَمَة الفلسطينية من صناعة أنماط عديدة للأَنْفاق، هذا بالتأكيد سيربك خطة الاحْتِلال ويربك إمكانياته على المواجهة (المغاري، 16/6/2015م: مقابلة).

من المتوقع أن يفاجأ الاحْتِلال أن معظم النقاط التي تعرف عليها من قبل في الأنفاق اختفت، فقد استطاع أن يُدخل في الأنفاق متفجرات سائلة ويخشى من دخول النفق بشكل مباشر، يُدخل متفجرات سائلة حتى تسير في مسارات النفق، لكن المُقاوَمَة ستحتاط لهذا الموضوع، ولو تم عمل حفرة كبيرة نسبيًا في بداية النفق بحيث تتسرب لها المتفجرات السائلة، ولا تتعدى مسار النفق قد تتجاوز إلى حد كبير هذه المشكلة. (المغاري، 16/6/2015م: مقابلة)

مشكلة أخرى يبدو أن المُقاوَمَة أخذتها بعين الاعتبار وهي تسرب الغاز في داخل النفق، بحيث يشكل خطورة على المتحركين، فهناك الكثير من الآليات التي تمكنهم من التخلص من هذه الغازات كعمل عدة فتحات في مسارات النفق، أو عدة أبواب للإغلاق على الغاز المتسرب يستطيعوا التعامل معه، ويمكن عمل عدة غرف آمنة داخل النفق، ومن المؤكد أن المُقاوَمَة من خلال خبرائها ومهندسيها استطاعت أن تدرس هذه الظاهرة، وتجد الحلول المناسبة لها. (المغاري، 16/6/2015م: مقابلة)

خلص الباحث بعد دراسته لوسائل المقاومة المضادة لوسائل العدو العسكرية إلى عدد من الاستنتاجات منها:

  • استطاعت المقاومة تطوير أنفاقها هندسياً، بما يضمن عدم قدرة الاحتلال على العمل بداخلها بأريحية.
  • تطور المقاومة أنفاقها وفق أنماط وأشكال متعددة بما يختلف عن الأنفاق المكتشفة لدى العدو.
  • توفير حواجز داخل الأنفاق مثل الأبواب الحديدية وأبواب ضد الغازات داخل الممرات للحفاظ على المقاومين عند المطاردة من العدو وكلابه البوليسية، أو قنابل الغاز.
  • عمل هوايات صغيرة متعددة لمرور الأكسجين من داخلها.
  • الحفاظ على أمن المكان أو العين الأساسية للنفق من الناحية الأمنية، حيث لابد من غطاء أمني للدخول والخروج من المكان.

كما خلص الباحث إلى العديد من تكتيكات القتال داخل الأنفاق المضادة لوسائل العدو وتكتياته، وهي:

  • الحصول على المعلومات الدقيقة عن العدو قبل تنفيذ المهمات العسكرية وذلك بالاستطلاع السليم.
  • وضع خطة سليمة ودقيقة وتوزيع الأدوار على المنفذين للمهمات قبل بدء الهجوم.
  • اختيار الأهداف القريبة وعدم استعجال الخروج، فالمقاوم في كمين مستور والانتظار حتى يكون الهدف بين فكي كماشة.
  • عند الهجوم يمنع ترك العين خالية، بل يجب أن يبقى أحد المجاهدين لتأمين الحماية أثناء التقدم أو التنفيذ أو الانسحاب.
  • عند التقدم باتجاه أي هدف، فإن أول من يتقدم هو المجاهد الذي يحمل العبوة، وذلك حتى إذا تم كشف المقاومين عند بدء الانطلاق فإن المقاوم الذي يحمل العبوة والسلاح يستطيع أن يواصل تنفيذ المهمة لوحده دون الحاجة للباقي.

تاسعاً- وسائل العدو الأمنية ضد الأنفاق

في ظل عجز التكنولوجيا عن كشف الأنفاق، ألمح ضابط رفيع بجهاز الشاباك، إلى أن الاستخبارات الإسرائيليّة تواجه عقبات في جمع معلومات استخبارية لتحديد مواقع الأنفاق، لان خمسة أشخاص فقط يشاركون بالحفر، وهم فقط يعرفون مكانه. (أبو عرقوب، 2015م)([30])

يعتبر مجال الاستخبارات من المجالات المركزية التي تتمكن القوات الإسرائيليّة من حسم المعركة والجانب الخاص من الأنفاق من خلال التحكم بالبيانات التي تحدد نوع التهديد وعلى مسار تطوره، ومن أجل التعامل مع العدو في مجال الأنفاق يجب تجميع معلومات عن أنشطته، من ضمنها الأنشطة العادية البريئة التي تظهر للعيان كذلك.

وفي البعد الاستخباري فإن الهدف هو الحصول من جميع وسائل جمع المعلومات الاستخبارية سواء من العملاء على الأرض، او الصور الجوية، أو أبراج المراقبة، أو التنصت على الهواتف النقالة وشبكات الاتصال اللاسلكي أو الثابت، عن نوايا وخطط المُقاوَمَة الفلسطينية أين تحفر وأين حفرت الأنفاق، وأين تؤدي تلك الأنفاق، وما شابه) لنغوستكى، 2014م)([31])

وبخصوص الأمن الجاري، فهناك الدوريات التي يقوم بها الجيش الإسرائيليّ على طول الحدود، حيث يقوم الجيش بإطلاع جنوده بأن يكونوا يقظين لكل تغيير يحصل على وجه الأرض يُدلل ربما على حفر نفق أو تواجده تحت الأرض، وإجراء تدريبات للقوات، وخاصة الذين يعملون في المراقبة وتحديدًا (المراقبات) على طول الحدود أن يكونوا بمثابة “العيون” في العمق، والعمل ليس فقط على مراقبة “غَزَّة”، بل مراقبة الأراضي الإسرائيليّة من خلف الجدار الحدودي. (لنغوستكى، 2014م) ([32])

وقد لوحظ مؤخرًا زيادة في محاولات التواصل مع رجال المُقاوَمَة من قبل العدو الصهيوني وخاصة العاملين في وحدات حفر الأنفاق، لمعرفة أماكن فحرها والأماكن التي تنتهي إليها بالإضافة لتفاصيل ما تحويه، وأن أجهزة أمن المُقاوَمَة رصدت اتصالات ورسائل وصلت لهواتف العاملين في وحدات حفر الأنفاق في غَزَّة، فإن الهدف من سعي “الشاباك” لاستهداف رجال المُقاوَمَة العاملين في وحدات الأنفاق إفشال الخطط التي يتم إعدادها، وهناك تخوفا متواصلا لدى الاحْتِلال من تنامي وتمدد أَنْفاق المُقاوَمَة خارج حدود غَزَّة. (المجد الأمني، 2015)([33])

يستهدف الاحْتِلال نوعيات عديدة من الناس من بينهم الأقرب احتكاكًا بالمُقاوَمَة سواء كانوا القيادات أو أبنائهم أو أقاربهم أو العاملين في المصانع، وبدلًا من أن يقطع شوطا طويلا للوصول لهدفه، فهو يستهدف نوعية من الناس تحتك احتكاكًا مباشرًا بعمل المُقاوَمَة، ومن هذه الفئات العاملون بالأنفاق، كون العامل بالنفق يعرف كثيرًا من أسرار العمل، ولو تمكن الاحْتِلال من اختراق العاملين بواحد أو أكثر منهم ليتعرف على أسرار كثيرة. (المغاري، 16/6/2015م: مقابلة)

حتى يومنا هذا، يعتمد الإسرائيليّون كثيرًا على الحلول الاستخبارية التقليدية لكشف الأنفاق (العملاء، طائرات التجسس، اكتشاف صوت الحفريات)، وتعقّب حفّاري الأنفاق من حملة الهواتف الخلوية. فعند دخول الحفّار النفق ينقطع اتصاله ببرج الاتصالات، وعند خروجه بعد ساعات يعود الاتصال مجدّدًا بالبرج، فيُعرف أنّه كان تحت الأرض، لكن هذا لا ينجح مع من يحتاط، فلا يحمل هاتفه ويستخدم شبكة الاتصالات الداخلية، ولا ينفع مع الأنفاق المحفورة سابقًا. (حرقوص، 2014م)[34]

عاشراً- وسائل الاحْتِلال التكنولوجية ضد استِراتيجِيَّة الأنفاق

في الحرب الإسرائيليّة ضد الأنفاق تم تقسيم العمل لعمليات كشف عن الأنفاق، ومعالجتها، لكن عملية البحث والكشف تكون صعبة بسبب إخفاء الأنفاق، وعملية كشف النفق ممكنة خلال الحفر، بعد الانتهاء يكون الأمر صعبًا جدًا؛ لذلك يجب التفرق بين عمليات الكشف عن الأنفاق خلال مرحلة الإعداد، وبعد الانتهاء من بنائها. (كورتس وبروم، 2015م: 58)

يعتمد الكشف عن الأنفاق خلال عملية البناء والحفر على الأصوات الصادرة منها خلال الحفر بواسطة أجهزة دقيقة وحساسة، وبعد الانتهاء من حفرها يكون من الصعب كشفها، لأنه لا يمكن الاعتماد على الأصوات الصادرة من تحت الأرض في الحفر، ويجب الكشف عن النفق بوسائل أخرى؛ لذلك تم الاستعانة ببعض خبراء الحفريات والجيولوجيا وأدواتهم للكشف عنها. (كورتس وبروم، 2015م: 58)

وأكبر دليل على جدّية هذا الخطر الداهم، أنّ الإسرائيليّين أنفقوا ملايين الدولارات على أكثر من 700 فكرة لكشف أماكن الأنفاق تكنولوجيًا، وكلّها أخفقت في تحقيق النتائج المرجوة. (حرقوص، 2014م)[35]

واعترف قائد وحدة “يهلوم” السابق “عيتاي شيلح” بأنه أدار وشارك في عشرة مشاريع لم تفلح في إيجاد حل لتهديد الأنفاق، فيما أكد الباحث الإسرائيليّ “رونين برغمان”، أن “إسرائيل” تدرك حجم الأنفاق، ولكن هذه المعرفة مبنية فقط على الجهد الاستخباري، و”هذا التهديد تم تعريفه كتهديد مركزي منذ 14 عامًا، وحتى الآن لا تزال الصناعات التكنولوجية المتقدمة والمنظومة الأمنية في إسرائيل غير قادرة على إيجاد حل، وهذا الأمر لا يمكن وصفه بأقل من فضيحة.(أبو عرقوب، 2015م)[36]

في عام 2010، أقيم في “إدارة البحث لتطوير الوسائل القتالية والبنى التحتية التقنية” في وزارة الحرب مشروع خاص، يضم أكاديميين وباحثين، لإحداث انطلاقة في مجال معالجة تهديد الأنفاق، وتوصل الطاقم في استنتاجاته لضرورة البداية من الصفر، عبر بناء منشأة عسكرية لأغراض علمية، يلي بناءها الشروع في تطوير منظومة جديدة، وفي شهر كانون الثاني /يناير من العام 2011، تم تعريف القتال تحت الأرض خلال مداولات في وزارة الجيش كتحدٍّ معقّد ومحدق، وفي 2012 تم تعريف هذه المهمة كمشروع طوارئ لإزالة العقبات البيروقراطية. (أبو عرقوب، 2015م)

الجيولوجي الإسرائيليّ “يوسي لانغوتسكي” أعلن عن مفاجأة إسرائيل من عدد ونوعية شبكة الأنفاق المعقّدة التي بنتها المُقاوَمَة، ومما سرّع الضغط الجدّي تجاه البدء بمشروع “المجرفة الحديدية” لكشف الأنفاق وتعطيلها، على غرار نظام “القبة الحديدية” المستخدم لاعتراض الصواريخ (حرقوص، 2014م)[37].

لم يُعلن الإسرائيليّون تفاصيل “المجرفة” التي لم تنجز بعد، لكن صحفهم أوردت أفكارًا يُعمل عليها، وهي مستوحاة من الأبحاث الجيولوجية التي تعنى باكتشاف الآثار والمغارات في باطن الأرض. تحدّث بعضهم عن رادار لما تحت الأرض يُرسِل موجات وينتظر الإشارة العائدة، فإذا كانت مختلفة في منطقة ما عن باقي الأراضي، تبدأ الشكوك في وجود نفق، مع أنّ هذه التقنية التي نجحت في البحث عن الغاز والنفط لم تُختبر بعد جدّيًا في اكتشاف الأنفاق. (حرقوص، 2014م)

لدى المُقاوَمَة الفلسطينية، توجد أَنْفاق كثيرة يزيد عمقها على 10 أمتار، وتقلّ دقّة الرادار معها، وهناك تقنيات أخرى تعتمد على زرع أقطاب كهربائية في التراب، أو تستخدم أمواج الصوت، لكن أيّ رقم عن دقّة هذه التقنيات في كشف الأنفاق لم يخرج بعد إلى العلن، ونقطة الضعف الأهم أنّ ما تحدّده جميعها هو هل يمر النفق في نقطة معيّنة أم لا، أمّا تعقّب فتحات النفق فيحتاج لجهد أكبر، كإجراء قياسات على طول الأماكن المتشعّبة من النقطة المشكوك فيها. (الجزيرة، 2014م)[38]

حتى شركة «Magna» الإسرائيليّة قدّمت مقترحًا يقضي بزرع رادارات وحسّاسات على عمق 30 مترًا على طول 70 كلم من الحدود مع غَزَّة، فتصبح الحدود مسيّجة من فوق الأرض وتحتها، وادّعت نسبة اكتشاف تفوق 99%، لكن تقريرًا صحفيًا “صانداي تايمز” قال إنّ الحكومة الإسرائيليّة اختارت شركتي “إلبيت” و”رافايل” (ذات علاقة بالقبة الحديدية) لإنشاء نظام لاكتشاف الأنفاق وتعطيلها بكلفة 700 مليون دولار. (حرقوص، 2014م)

ومن الملاحظ أنّ التقنيات التي يذكرها التقرير شبيهة جدًّا بما اقترحته شركة “Magna”، مع إضافة تتلخّص بجدار حديدي تحت الأرض في المناطق الحسّاسة، ويعني أنّ التركيز سيكون على الأنفاق الهجومية الممتدة للأراضي المحتلة، ومن الصعب أن يحفر جيش الاحْتِلال داخل القطاع كي يمنع الأنفاق هناك (حرقوص، 2014م).

تبقى خيارات تقليدية أخرى لمواجهة الأنفاق كالقصف الجوّي أو الحفر بالجرّافات، وحتى إغراقها بمياه المجاري، وهي وسيلة استخدمها الجيش المصري على الحدود الجنوبية لغَزَّة عام2015، لكن هذه الوسائل ليست فعالة في حالة الأنفاق الهجومية، فإغراق “إسرائيل” باطن الأرض المحتلّة بالمجاري مثلًا قد يلوّث مياهها الجوفية، ولو اكتشف الإسرائيليّ أن نفقًا يمرّ تحته فلا يستطيع قصف مواقعه.

بعد استعراض وسائل الاحتلال التكنولوجية ضد الأنفاق يمكن تلخيصها بالآتي:

  • البدء بمشروع المجرفة الحديدية لكشف الأنفاق المستوحاة من الأبحاث الجيولوجية التي تعنى بكشف الأثار والغازات في باطن الأرض.
  • إنشاء رادار خاص لما تحت الأرض يرسل موجات، فإذا كانت الموجات المرسلة مختلفة عن باقي الأرض تبدأ الشكوك بوجود أنفاق بالمكان.
  • الحكومة الإسرائيلية أختارت شركتي “إلبيت” و”رافايل” لإنشاء نظام لإكتشاف الأنفاق، من خلال وضع جدار مزود برادرات وحساسات تحت الأرض بعمق 30 مترا في المناطق الحساسة.
  • تم تزويد الجيش الإسرائيلي خلال الحرب بربوت من نوع “”MTGR مزود بكميرات لإعانة الجنود في استطلاع الأنفاق فقط وليس للهجوم.

الحادي عشر – وسائل المُقاوَمَة المضادة لوسائل العدو التكنولوجية

يقول أحد علماء الجيولوجيا أن اختلاف التربة وأنواعها عامل مساعد للمقاومة، ويعمل التنوع في طبقات التربة الأرضية من طينية إلى رملية لتشتيت الأصوات الناتجة من عمليات الحفر، وخاصة عند انتقالها من طبقة لأخرى، كما أن عمق الحفر يصعب عملية مراقبة الذبذبات الناتجة من أصوات الحفر.(المجد الأمني، 2016م)[39]

نشر الاحْتِلال الإسرائيليّ حول تمكنه من إيجاد حل للتعامل مع تهديد الأنفاق هو هدف إعلامي فقط، بعدما أكد علماء الجيولوجيا صعوبة عملية التتبع وخاصة أن المُقاوَمَة تجاوزت الحدود الفاصلة مع القطاع وتوغلت بعمق في مسافات شاسعة داخل الأراضي المحتلة يصعب احتوائها وتتبعها بالوسائل التقنية ومجسات التجسس الحديثة.(شبكة القدس، 2016م)[40]

في النهاية، يلجأ الإسرائيليّ لحلّ تقني غير كامل، وبعض ما يريده تأمين رعب مضادّ يحتاج إليه أمام رعب الأنفاق الهجومية، ويزيد المخاطرة المادّية التي تتكبّدها المُقاوَمَة مع كلّ نفق يُحفر، كأنّه يرسي المعادلة الآتية: إن كان كلّ نفق هجومي تقدّر كلفته من عمّال وموادّ بمئات الآلاف أو الملايين من الدولارات، فهو بعد إنشاء المجرفة الحديدية يكشف في دقائق من دون كلفة إضافية. (حرقوص، 2014م)([41]

في المقابل فليس متوقعًا أن تتوقف المُقاوَمَة عن حفر الأنفاق، لأنّ ذلك يعني إراحة الإسرائيليّ، بل على العكس، قد ينصبّ الجهد على مواجهة التقنية بما يضلّلها، أو الاعتماد على قصورها، كما أن الاحْتِلال نفسه يتحمّل مع الصواريخ معادلةً خاسرةً مادّيًا، فما تزال كلفة اعتراضه للصاروخ أكبر من كلفة الصاروخ نفسه.

النتائج

برزت من خلال الدراسة مجموعة من النتائج على النحو التالي:

  1. تعد الأنفاق تهديداً استراتيجياً، وساد اعتقاد أنها التهديد الأخطر بالنسبة “لإسرائيل”، وظهرت بعض الأقوال التي تشير إلى فشل استراتيجية المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وطالبوا بإقامة لجنة تحقيق.
  2. شكلت استراتيجية الأنفاق دوراً محورياً في صمود غزة بوجه الاحتلال الإسرائيلي، ومكنت المقاومة من الحفاظ على قدراتها وقياداتها العسكرية والسياسية، وأرخت في ظلالها قلقاً متزايداً على صفوف الوحدات العسكرية والمستوطنين الإسرائيليين الذين أصابهم الخوف والرعب، وأفرغ الغلاف المحيط بقطاع غزة من الصهاينة، مما يحقق على المدى البعيد مكسباً يصب في صالح مشروع التحرير الكامل.
  3. أخذت المقاومة في قطاع غزة العبرة من الحربين السابقتين 2008م 2012م، لتتوصل إلى قناعة أن مواجهة الجيش الإسرائيلي فوق الأرض أمر صعب المنال نظراً لامتلاكه سلاح جو متفوق ولطبيعة غزة الجغرافية.
  4. تشير مجريات حرب غزة 2014م أن المقاومة أرادت من اعتماد استراتيجية الأنفاق التغلب على المساحة الجغرافية الصغيرة للقطاع غزة الساحلي، وعدم وجود تضاريس طبيعية تساعد المقاومة في التخفي ومباغتة الاحتلال الإسرائيلي، ومكنت المقاومة من الاستمرار في إطلاق الصواريخ والقذائف دون المساس بها وبمطلقيها، كما مكنت الأنفاق المقاومة من اختراق الجانب الإسرائيلي براً، وقدمت مفاجآت جديدة، وضربات نوعية، وحافظت على قيادة العمل في قطاع غزة من خلال منظومة القيادة والسيطرة، ولم تتعرض للضرب أو التعطيل، كما أوقعت الأنفاق الجيش الإسرائيلي في حالة عمى استخباري على الأرض بسبب تخفي المقاتلين في باطن الأرض.
  5. استعمل الجيش الإسرائيلي كافة الأساليب المتوفرة لكشف الأنفاق، فعمد للحصول على المعلومات الاستخبارية، من العملاء أو الصور الجوية أو ابراج المراقبة أو التنصت على الهواتف النقالة وشبكات الاتصال اللاسلكي والثابت، ومن خلال الدوريات التي تراقب أي تغير يحصل على وجه الأرض، بالإضافة لاستعمال الوسائل التكنولوجية دون جدوى، كون المقاومة استطاعت أن تفشل مخططاته.
  6. هناك جهود حقيقية ومستميتة من الجانب الإسرائيلي لحل قضية الأنفاق، ومعظم هذه الجهود فشلت، ولكن لم يتم تجاهل القضية ومازال العمل مستمرا في إيجاد الحلول، حيث تم تطوير 4 منظومات في هذا المجال، وكلها فشلت في الكشف عن الأنفاق، مما يشير للصعوبة الكبيرة في التغلب على المشكلة.
  7. مكنت استراتيجية الأنفاق المقاومة من تجاوز خاصية التفوق التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي، من حيث التدريب والتسليح والمعدات، ومنعته من استخدام الكثير من عناصر تفوقه بالمعركة، ولعبت استراتيجية الأنفاق دوراً مهماً في إفراغ مستوطنات غلاف غزة وإبعاد المواقع العسكرية للداخل عدة كيلو مترات خوفاً من عمليات العبور عبر الأنفاق.

التوصيات

توصل الباحث من خلال دراسته لتوصيات عدة، أهمها:

  1. إجراء تغيرات جوهرية في أنماط وأشكال الأنفاق وعدم الاعتماد على نمط محدد، بعد إجراء الجيش الإسرائيلي تدريبات مكثفة على الأنفاق المكتشفة، ومحاولته صياغة أساليب قتالية جديدة للتعامل معها في أي حرب قادمة.
  2. تطبيق بعض الأفكار مع خصوصية أنفاق غزة، ومنها اختلاف نظام وخارطة ومنافذ ومخارج الأنفاق من واحد لآخر، ومن منطقة لأخرى، ليصعب الاستفادة من سقوط إحداها في السيطرة على الأخرى، وعرقلة تقدم القوات الغازية عبر سلسلة من الفخاخ والمصائد خارج وداخل الأنفاق تستخدم فيها كافة الإمكانيات المتوفرة، نشر قناصة خاصة للأنفاق على معرفة ودراية بفتحاتها تعمل على قنص القوات في حال اقترابها، يؤدي ذلك لتشتيتها وعرقلة عملها.
  3. التوسع في استراتيجية الأنفاق (الملاجئ) لتشمل الشق المدني، لحماية المدنيين من الاستهداف الإسرائيلي، على أن يتولى ذلك السلطات المحلية كل في مكان اختصاصه.
  4. الاستفادة من الأنفاق المستنفذة مستقبلاً في حفظ التاريخ المشرف للمقاومة وتخليدها وجعلها أماكن تاريخية يتم زيارتها، والاطلاع عليها من قبل شعوب العالم.
  5. اهتمام الباحثين ومراكز الأبحاث الفلسطينية والعربية بالبحث في المجالات العسكرية والاستراتيجية، ودراسة الحروب العربية الإسرائيلية دراسة عسكرية واستراتيجية تحليلية، واستخلاص الدروس المستفادة منها، لوضع الخطط المناسبة لإدارة الحرب مع إسرائيل.

قائمة المراجع

أولاً: الكتب العربية

  • أبو عامر، عدنان (2015): الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة، الرياض، دار البيان.
  • إبراهيم، أحمد وآخرون (2008): استراتيجية المقاومة الشاملة. القاهرة. مركز الإعلام العربي.
  • فتحي، م.(2004): كيف يمكن هزيمة إسرائيل؟: دراسة تحليلية مقارنة 1948 – 2003، ط1. القاهرة. دار الأحمدي للنشر.
  • ديري، أكرم (1984): أراء في الحرب: الاستراتيجية وطريقة القيادة، ط3، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.

ثانياً- رسائل ودراسات

  • أبو عمرة، وليد (2009): تجارة الأنفاق وأثارها على الاقتصاد الفلسطيني، بحث تخرج بكالوريوس، جامعة الازهر.
  • جرغون، زياد (2008): ظاهرة الأنفاق هل اصبحت أمراً واقعاً، الحوار المتمدن،ص2-11، العدد 2497.
  • حرقوص، حمزة (2014): إسرائيل تتحصن بالمجهول، صحيفة الاخبار، العدد 2410، 3تشرين.
  • الصوراني، غازي (2008): أنفاق غزة وأثرها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، الحوار المتمدن، العدد 2495.
  • فتحي، وسام (2009): أنفاق الموت وحوادث القتل اليومي مسؤولية من، الاتجاه الديمقراطي.
  • فريق الازمات العربي (2015): الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 2014 الخيارات الفلسطينية في ضوء إدارة الحرب ونتائجها، مركز دراسات الشرق الاوسط، عمان.
  • المغاري، هشام (2013): المقاومة الفلسطينية وتأثيرها على الأمن القومي الإسرائيلي (1987-2010)، أطروحة دكتوراه، جامعة الجنان.
  • أبو علبة، عبلة (2008): اقتصاد الأنفاق في غزة ﻭﺭﺷﺔ ﻋﻤﻞ جامعة بيرزيت

ثالثاً- مراجع عبرية:

  • إسحاق، إيثان (ديسمبر2008): “تحت الأرض”. مجلة المؤسسة الأمنية،422.ص 18-27.
  • أمير، نوعام (2015): وحدة الأنفاق الإسرائيلية عميقاً تحت الأرض في مواجهة حماس، صحيفة الايام، 23 نيسان.
  • بيرغر، دورون وآخرون (فبراير 2014): الجوانب النفسية للقتال في بمحيط الأنفاق، مجلة المؤسسة الأمنية، العدد453، ص26- ص32.
  • حاييم آسيا، يديديا يعاري (2015م): إسرائيل والقتال بطريقة أخرى وعقيدة الحرب الجديدة، مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.
  • ديكل، أودي (2015): اللاتوافق بين المستوى التكتيكي والمستوى الاستراتيجي، غزة، مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية.
  • شليفر، رون (2014): الحرب النفسية في إسرائيل ودور الاعلام، المركز الفلسطيني لإعلام.
  • فينكل، مئير (2015): الأنفاق الهجومية، مجلة المؤسسة الأمنية، العدد 457، ص15-ص19.
  • يفتاح شبير وجال برل (2014م): حرب الأنفاق: تحدي جديد قديم، مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.

رابعاً: الصحف والتقارير

  • أبو عرقوب، أنس (2014): أنفاق غزة كما تراها إسرائيل: اخفاق مستدام، شاشة نيوز، 17/9
  • جعارة، عمر (2013): مقال حول الأنفاق، صحيفة الرسالة، 3/12/2013م.
  • زبون، كفاح (2014): أنفاق غزة تحت الأرض، جريدة الشرق الاوسط،13أغسطس.
  • العربي الجديد (2014): أنفاق غزة سلاح موجه الى عمق الاحتلال الإسرائيلي، العربي الجديد، 25مارس.
  • عكا أون لاين (2013): الأنفاق نقطة ضعف متدحرجة في استراتيجية الدفاع الإسرائيلية، مركز الزيتونة للدراسات، 21/11
  • ياسين، عبير (2010): الحرب الإسرائيلية ضد أنفاق رفح والاستقرار الإقليمي، مجلة القدس عدد59، ص64، مركز الاعلام العربي، مصر

خامساً: مواقع الانترنت:

سادساً: الافلام الوثائقية

سابعاً: المقابلات

  • أبو إسماعيل قائد عسكري في سرايا القدس لواء الوسطى، مقابلة أجراها الباحث بتاريخ 25/8/2015م.
  • أبو مالك قائد عسكري في ألوية الناصر صلاح الدين، مقابلة أجراها الباحث بتاريخ 2/8/2015م.
  • أمين احطيط خبير استراتيجي وعسكري، مقابلة أجراها الباحث عبر الهاتف بتاريخ 16/3/2015م.
  • صفوت الزيات خبير عسكري، مقابلة أجراها الباحث عبر الإيميل بتاريخ 20/7/2015م.
  • علاء الريماوي باحث في الشأن الإسرائيلي، مقابلة أجراها الباحث عبر الهاتف بتاريخ 16/4/2015م.
  • محمد أبو شمالة قائد قسامي، مقابلة أجراها موقع القسام بتاريخ 1/9/2005م.
  • محمد عباس خبير عسكري، مقابلة أجراها الباحث عبر الهاتف بتاريخ 18/3/2015م.
  • معين الطاهر كاتب وباحث فلسطيني قائد القوات اللبنانية المشتركة في حرب 1978م، مقابلة أجراها الباحث عبر الإيميل بتاريخ 11/9/2015م.
  • هشام المغاري استاذ الدراسات الأمنية والاستراتيجية، مقابلة أجراها الباحث بتاريخ 16/6/2015م.
  • يوسف الشرقاوي خبير عسكري، مقابلة أجراها الباحث عبر الهاتف بتاريخ 16/5/2015م.

ثامناً: المراجع الأجنبية

  1. Corps، Marine (1998): Military Operations on Urbanized Terrain،
  2. Crosby ، M، B (1968): Hole Huntin’ Techniques to Detect، Neutralize، and Destroy، Colone، USA، BACM RESEARCH،paperlessarchives.com. (Crosby، 1968).
  3. Donald ، Heilig ، (2000): SUBTERRANEAN WARFARE: A COUNTER TO U.S. AIRPOWER. Maxwell Air Force Base، Alabama، A Research Report Submitted to the Faculty، In Partial Fulfillment of the Graduation Requirements ، Advisor: LTC Jeffery Reilly.
  4. Lupo، Stefano (2014): Gaza’s tunnels systems، Published in: Mediterranean Affairs.
  5. Reece ، A.(97-98): A HISTORICAL ANALYSIS OF TUNNEL
  6. ROTTMAN ، G، L(2006): Viet Cong and NVA Tunnels and Fortifications of the Vietnam War. Cambridge، UK، Osprey Publishing Limited.
  7. WARFARE AND THE CONTEMPORARY PERSPECTIVE. (Donald M. Heilig، April 2000) Fort Leavenworth، Kansas: School of Advanced Military Studies United States Army Command and General Staff College.

الهامش

[1] – حرب الانفاق http://malwmataskrya.blogspot.com/2015/06/blog-post.html تمت الزيارة بتاريخ (10/11/2015)

[2]  حرب الأَنْفاق للعميد نظام الخوري http://arabdefencejournal.com تمت الزيارة بتاريخ (14/5/2015م)

[3] – تطور الانفاق بالعالم http://eng-2011.blogspot.com/2009/04/blog-post_22.html تمت الزيارة بتاريخ(5/11/2015) .

[4] –  نفس المرجع السابق

[5]   https://www.youtube.com/watch?v=d3rhQ6BWmRI تمت الزيارة بتاريخ (20/9/2015م)

[6] حرب الأَنْفاق مقابلة مع محمد أبو شمالة http://www.alqassam.ps تمت الزيارة بتاريخ (12/6/2015م)

[7] نفس المصدر السابق

[8]) حرب الأَنْفاق مقابلة مع محمد أبو شمالة http://www.alqassam.ps تمت الزيارة بتاريخ (12/6/2015م)

[9]  عملية محفوظة “أبو هولي” http://www.alqassam.ps تمت الزيارة بتاريخ (12/6/2015م)

[10]   حرب الأَنْفاق مقابلة مع محمد أبو شمالة http://www.alqassam.ps تمت الزيارة بتاريخ (12/6/2015م)

[11]  http://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=f209811y253794321Yf209811 (2/8/2015م)

[12]  https://www.youtube.com/watch?v=d3rhQ6BWmRI  (20/9/2015م)

[13]   http://samanews.com/ar/index.php?act=post&id=216158 (2/8/2015م)

[14]   http://www.alakhbar.ps/posts/220120 (4/8/2015م)

[15]   http://samanews.com/ar/index.php?act=post&id=216158 (8/8/2015م)

[16]  https://youtu.be/NImQPLiUxYM (3/9/2015م)

[17]   http://www.shasha.ps/news/115566.html (2/8/2015م)

[18]   https://youtu.be/NImQPLiUxYM (3/9/2015م)

[19]   http://samanews.com/ar/index.php?act=post&id=216158 (3/8/2015م)

[20]   أصوات حفر الأَنْفاق تثير رعب المغتصبين http://www.alqassam.ps (15/8/2015)

[21]   http://www.almanar.com.lb/wapadetails.php?eid=922216 (17/8/2015م)

[22]   https://youtu.be/NImQPLiUxYM  (3/9/2015م)

[23]  http://alresalah.ps/ar/post/98109/contact/contact/rss.php (10/11/2015)

[24]   http://samanews.com/ar/index.php?act=post&id=238007 (16/8/2015م)

[25]  يعتبر ISRAEL DEFENSE موقع متخصّص في الشؤون الأمنية، وينظّم ويساعد على عقد مؤتمرات حول مختلف المواضيع الأمنية. ومن بين الأمور التي يتناولها الموقع هناك القضايا الاستخباراتية، الجوّ، اليابسة، البحر، الصناعة الأمنية وغيرها. العديد من قرّائه ومتصفّحيه هم من ضمن الشريحة الأمنية في إسرائيل.

[26]   http://samanews.com/ar/index.php?act=post&id=245993 تمت الزيارة بتاريخ (28/8/2015م)

[27]   http://samanews.com/ar/index.php?act=post&id=246062 تمت الزيارة بتاريخ (1/9/2015م)

[28]   http://www.raialyoum.com/?p=253499 تمت الزيارة بتاريخ (10/8/2015م)

[29]  http://www.almajd.ps/?ac=showdetail&did=6451 تمت الزيارة بتاريخ (11/8/2015م)

[30]   http://www.shasha.ps/news/115566.html تمت الزيارة بتاريخ (10/8/2015م)

[31]   http://samanews.com/ar/index.php?act=post&id=179077 تمت الزيارة بتاريخ (10/8/2015م)

[32]    http://www.shasha.ps/news/115566.html تمت الزيارة بتاريخ (10/8/2015م)

[33]  http://www.almajd.ps/index.php?ac=showdetail&did=7067 تمت الزيارة بتاريخ (25/9/2015م)

[34]    http://al-akhbar.com/node/216910 تمت الزيارة بتاريخ (10/8/2015م)

[35]   http://al-akhbar.com/node/216910 تمت الزيارة بتاريخ (10/8/2015م)

[36]   http://www.shasha.ps/news/115566.html تمت الزيارة بتاريخ (10/8/2015م)

[37]   http://al-akhbar.com/node/216910 تمت الزيارة بتاريخ (10/8/2015م)

[38]  أَنْفاق غَزَّة تقنية قديمة تؤرق إسرائيل http://www.aljazeera.net تمت الزيارة بتاريخ (15/8/2015م)

[39]   http://www.almajd.ps/index.php?ac=showdetail&did=6976 تمت الزيارة بتاريخ (22/8/2015م)

[40]  http://www.qudsn.ps/article/90843 تمت الزيارة بتاريخ (25/9/2016م)

[41]  http://al-akhbar.com/node/216910 تمت الزيارة بتاريخ (10/8/2015م)

 

رابط المصدر:

https://eipss-eg.org/%d8%a3%d9%86%d9%81%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%88%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1%d9%87%d8%a7-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84%d9%8a/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M