إدارة التوترات الإسرائيلية الفلسطينية الجديدة خلال شهر رمضان

  •  غيث العمري
  •  ديفيد بولوك

 

على الرغم من تعزيز الاستعدادات والتعاون خلال الفترة التي تسبق شهر رمضان المبارك، تعكس استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً تراجع آمال الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني بإحلال السلام، مما يرغم السلطات المختصة على مراقبة أي تحركات قد تشعل فتيل التوترات عن كثب.

سلّطت الهجمات الإرهابية المتجددة ضد الإسرائيليين خلال الأيام القليلة الماضية الضوء على خطورة الوضع الأمني خلال الفترة التي تسبق شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي وعيد الفصح المسيحي. ورغم أن سكان القدس لم ينفذوا أياً من هذه الهجمات، إلّا أنه لطالما اقترنت التوترات في هذه المدينة باحتمال خاص للتصعيد والامتداد. ففي أيلول/سبتمبر 2000، كانت الزيارة الاستفزازية لأرييل شارون إلى جبل الهيكل/الحرم الشريف كرئيس للمعارضة السياسية في إسرائيل بمثابة حافز لاندلاع الانتفاضة الثانية. وفي تموز/يوليو 2017، أدت الجهود الإسرائيلية لتركيب أجهزة الكشف عن المعادن عند مدخل الموقع – رداً على إطلاق النار على ضباط الشرطة الإسرائيلية هناك – إلى اندلاع مواجهات واسعة النطاق امتدت إلى مناطق فلسطينية أخرى وقربت العلاقات الإسرائيلية الأردنية من نقطة الانهيار.

وتميل مثل هذه التوترات إلى أن تكون أكثر فعالية عندما تحدث في شهر رمضان المبارك. فخلال شهر أيار/مايو الماضي، على سبيل المثال، ساهمت عاصفة كاملة من العوامل القابلة للاشتعال – منها خطط إسرائيل لإجلاء الأسر الفلسطينية من حي الشيخ جراح، والقيود المفروضة على الوصول إلى البلدة القديمة، والمسيرات المخططة في يوم القدس، والتحريض من مصادر مختلفة – في التصعيد على الأرض الذي بدوره منح حركة «حماس» ذريعة لخوض مواجهة عسكرية شاملة أخرى مع إسرائيل. لكن ما الذي يمكن للطرفين القيام به هذه المرة لتلافي مثل هذا التصعيد في الأسابيع المقبلة؟

استطلاعات الرأي تسلط الضوء على مزيج قابل للاشتعال

في إطار السياق الحالي، لا تزال القدس الشرقية المصدر الرئيسي للقلق، رغم واقع أن الظروف السائدة في الضفة الغربية قد تؤدي إلى عدم الاستقرار أيضاً. وسيطرت إسرائيل على القدس الشرقية منذ انتزاعها من الأردن في حرب عام 1967، وضمتها رسمياً في عام 1980. ورغم أن “السلطة الفلسطينية” مُنعت من العمل في القدس منذ الانتفاضة الثانية، إلا أن أعضاءها والحزب المهيمن فيها، أي حركة «فتح»، لا يزالون يلعبون دوراً في المدينة. ويدير مسؤولو “الوقف” الأردني المسجد الأقصى، وقد تم الاعتراف بدور المملكة كـ “خادم الحرمين الشريفين” في اتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية لعام 1994 واتفاقية عمّان المنفصلة لعام 2013 مع “دولة فلسطين”.

كما تنشط العناصر المتطرفة في المدينة. فلدى «حماس» أعداد كبيرة من المؤيدين فيها. وبالمثل، زاد “الفرع الشمالي” المحظور لـ “الحركة الإسلامية” في إسرائيل من وجوده، في حين جعل السياسيون اليهود من اليمين المتطرف من المدينة محور أنشتطهم.

أما بالنسبة لسكان القدس الشرقية البالغ عددهم 350 ألفاً، فقد أصبح الكثير منهم معزولين بشدة عن إسرائيل في السنوات الأخيرة، على الرغم من مزايا السفر والتوظيف والرعاية الاجتماعية التي لا يزالون يتلقونها على عكس إخوانهم في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومنذ وقت ليس ببعيد، في عام 2014، أشارت استطلاعات الرأي إلى أن أكثر من نصفهم بقليل يفضّلون الجنسية الإسرائيلية على الفلسطينية إذا كان عليهم الاختيار بين الاثنين. لكن منذ ذلك الحين، انخفضت هذه النسبة إلى أقل من الربع، حيث أعربت الغالبية العظمى عن غضبها من وضعها الثانوي ودعمت المواجهة – على الأقل من حيث المبدأ – ضد السيطرة الإسرائيلية.

وخارج القدس، إن المواقف الشعبية الفلسطينية مستاءة على نطاق واسع تجاه إسرائيل وتجاه الحكام الفلسطينيين في رام الله، على الرغم من عدم الميل الواضح للفلسطينيين نحو الاحتجاجات الجماهيرية. ووفقاً لمسح جدير بالثقة أجراه خبير استطلاعات الرأي الفلسطيني المخضرم خليل الشقاقي في آذار/مارس، قال غالبية الفلسطينيين الذين شملهم الاستطلاع (44٪) إن “أكثر الوسائل فعالية لإنهاء الاحتلال” هو “الكفاح المسلح” – على الرغم من أن ربع فقط من المستطلعين قالوا إنهم سيختارون “المقاومة الشعبية”. وأكّدت أغلبية (61٪) رفضها للتنسيق الأمني ​​مع إسرائيل.

وعلى الصعيد السياسي، يبدو التأييد لـ «حماس» مستقراً تقريباً عند 36٪ بعد ارتفاع وجيز بالمقارنة مع الصراع الأخير في أيار/مايو، وبالكاد تفوقت عليها حركة «فتح» بنسبة 42٪. ولا يحظى رئيس «فتح» ورئيس “السلطة الفلسطينية” محمود عباس بشعبية كبيرة، حيث يرغب أكثر من 80٪ في استقالته. وحتى “منظمة التحرير الفلسطينية” عانت من تراجع بطيء في مكانتها باعتبارها “الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني”، حيث كان هذا التراجع من 69٪ في عام 2006 إلى 51٪ اليوم. وقال حوالي نصف الذين شملهم الاستطلاع إنهم سيؤيدون حل “السلطة الفلسطينية”، التي يشعرون أنها أصبحت “عبئاً” على مجتمعهم. ويشير كل ذلك إلى أنه حتى لو عارض عباس و «فتح» و”السلطة الفلسطينية” العنف بشكل صريح، لن تُحقق دعوتهم على الأرجح الأثر المرجو.

وبالتالي، لماذا لم نشهد انتفاضة ثالثة حتى الآن؟ بدلاً من التخمين، حددت استطلاعات الرأي التي أجراها “معهد واشنطن” في الفترة 2019-2020 الإجابة من خلال طرح السؤال على الفلسطينيين أنفسهم. وقال نحو ربع المستطلعين إن عدم اندلاع انتفاضة شعبية جديدة يعزى عموماً إلى الخوف من ردود قاسية من جانب الحكومة الإسرائيلية أو الفلسطينية؛ في حين أشار ربع ثانٍ إلى ازدياد انشغال الشعب الفلسطيني بتلبية حاجاته اليومية؛ وتحدّث ربع ثالث عن انعدام الثقة بقدرة القادة على السيطرة على انتفاضة من أجل تحقيق نتيجة إيجابية. أما الربع المتبقي، فكان الوحيد الذي سلّط الضوء على الآمال التي لا يزال يعقدها على مفاوضات السلام مع إسرائيل.

إذاً ما هو الحل المفضل لهذا المأزق بالنسبة للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية حالياً؟ يبدو أن الحقيقة المرّة هي أن معظمهم لم يعودوا يؤمنون بـ “الحل الافتراضي لدولتين”. وتضاءل التأييد لهذا الخيار في السنوات الأخيرة إلى 40٪ فقط، مقارنةً بارتفاع بلغ الثلثين أو أكثر بعد “اتفاقيات أوسلو” في التسعينيات. وتقول أقلية متزايدة (32٪) أنها تفضل “حل الدولة الواحدة، مع حقوق متساوية للعرب واليهود”. علاوة على ذلك، ووفقاً للاستطلاع الأخير للشقاقي، تقول أغلبية كبيرة (73٪) أن القرآن يتنبأ بزوال إسرائيل في نهاية المطاف. وتشير استطلاعات الرأي الموثوقة التي أجراها “معهد واشنطن” إلى أن نصف الذين شملهم الاستطلاع تقريباً يعتقدون أن ذلك سيحدث في الثلاثين إلى الأربعين عاماً القادمة – إما لأن “الله في جانبنا” أو ببساطة لأن “الفلسطينيين سيفوقون اليهود عدداً في يوم من الأيام”.

ويبدو أن العديد من هذه المشاعر القاتمة تنعكس على المستوى الشعبي في إسرائيل. فقد أظهرت مجموعة متنوعة من الاستطلاعات الراسخة خلال العقد الماضي أن معظم الإسرائيليين اليهود (الذين يشكلون 75٪ من إجمالي المواطنين) يعتقدون أن “إنهاء الاحتلال” لن يحدّ (وربما يزيد في الواقع) من الأعمال الإرهابية وأعمال العنف ضدهم. ويُفترض أن هذا الاعتقاد يقوم على تجربتهم بعد الانسحابات الإسرائيلية السابقة – من المدن الرئيسية في الضفة الغربية بموجب “اتفاقيات أوسلو” في عام 1995، ومن غزة بأكملها في عام 2005. ونتيجة لذلك، فإن أقلية فقط من الجمهور الإسرائيلي (حوالي 40٪) تواصل التعبير عن دعمها لحل الدولتين. ومع ذلك، تشير العديد من استطلاعات الرأي إلى أن أقلية صغيرة جداً من اليهود الإسرائيليين تؤيد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، أو المظاهرات اليهودية المتشددة في جبل الهيكل، أو الأعمال الانتقامية ضد المواطنين الإسرائيليين العرب، أو أي تحركات أخرى قد تصعد التوترات إلى مستوى أعلى.

باختصار، فقدَ كلا الجانبين الثقة إلى حد كبير في إيجاد تسوية سلمية للصراع الدائر بينهما – لكن لا يدعم أي منهما بشكل فعال العودة إلى العنف الجماعي في الوقت الحالي. فالإسرائيليون يدركون جيداً العواقب الإنسانية والدبلوماسية التي قد تترتب عن اندلاع أعمال عنف، بما في ذلك امتداد الصراع إلى داخل المجتمعات المحلية كما حدث في العام الماضي. ويساور “السلطة الفلسطينية” القلق إزاء احتمال أن تؤدي أعمال العنف على نطاق واسع إلى تقويض موقفها المتزعزع أساساً في أوساط الفلسطينيين. ويخشى الأردن من أن يؤثر العنف على سلطته على الأماكن المقدسة في القدس، ويثير اضطرابات في الداخل، ويفرض ضغطاً هائلاً على علاقاته الاستراتيجية مع إسرائيل. في المقابل، ترحب «حماس» بعدم الاستقرار في الضفة الغربية كوسيلة لتقويض منافِستها في “السلطة الفلسطينية” وخدمة أجندتها المتمثلة في مهاجمة إسرائيل.

التدابير الوقائية الحالية

في ضوء هذه العوامل والتجربة المؤلمة التي حصلت في أيار/مايو 2021، اتخذت السلطات في الأردن وإسرائيل خطوات مختلفة للتخفيف من التوترات ومنع العنف. فكلا الدولتين تتعاونان بشكل وثيق على الصعيد العملياتي فيما يخص الإجراءات المتخذة في جبل الهيكل/المسجد الأقصى. وقد بحث الملك عبد الله هذه القضايا خلال عدة اجتماعات عقدها مؤخراً في عمّان مع الرئيس الإسرائيلي ووزراء الدفاع والخارجية والأمن العام في حكومته. كما أثارها خلال زيارته لعباس في رام الله في وقت سابق من الأسبوع المنصرم.

كما يتواصل التعاون الأمني ​​الإسرائيلي – الفلسطيني. وكان هذا التعاون فعالاً في احتواء أحداث التدهور الماضية، سواء من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية، أو العمليات المشتركة لتفكيك البنية التحتية للإرهاب، أو استخدام قوات الأمن التابعة لـ “السلطة الفلسطينية” لمنع المتظاهرين الفلسطينيين من الوصول إلى نقاط الاحتكاك. وفي الوقت نفسه، شرعت إسرائيل في مبادرات بناء الثقة في الضفة الغربية وقطاع غزة لتحسين الجو.

وبالمثل، تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على الهدوء. فخلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين إلى إسرائيل والضفة الغربية في 27 آذار/مارس، أكد “على ضرورة قضاء أيام مسالمة خلال شهر رمضان، وعيد الفصح المسيحي، [و] عيد الفصح اليهودي”، مشيراً إلى إجراءات محددة يمكن للطرفين اتخاذها في هذا الصدد. وفي السابق، استأنفت الحكومة الأمريكية تمويلها لكل من “السلطة الفلسطينية” و “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” في الشرق الأدنى – على الرغم من أن المساعدة لـ “السلطة الفلسطينية” لا تزال متواضعة لأن المساعدات الأمريكية مقيدة قانونياً بالسياسة المستمرة لـ “االسلطة الفلسطينية” في دفع رواتب للإرهابيين المسجونين، وعائلات الأفراد الذين قُتلوا أثناء تنفيذهم عمليات إرهابية. ومن الأمور المهمة أيضاً أن دعم الولايات المتحدة لقوات الأمن التابعة لـ “السلطة الفلسطينية” كان جزءاً من استئناف التمويل موضع البحث، مما يعني زيادة قدراتها، وتعزيز تنسيقها مع القوات الإسرائيلية، وإعطاء المزيد من النفوذ للمنسق الأمني ​​الأمريكي. ولَعَبَ مكتب المنسق دوراً قيّماً خلال الفترات الماضية من التوتر المتزايد.

لكن رغم كل هذه الجهود، لا تزال البيئة مهيأة للتصعيد. فـ”السلطة الفلسطينية” تمر بإحدى أصعب الأزمات المالية منذ قيامها، مما أدى إلى تسريع وتيرة تقويض شرعيتها، وتقليص سلطتها المعنوية في أوساط الفلسطينيين، وتضاؤل فاعلية قواتها الأمنية. وتواصل عناصر «فتح» الإشادة بالهجمات الإرهابية حتى في الحالات التي يدين فيها عباس أعمال العنف. كما تواصل «حماس» تأجيج الخطاب والتخطيط في الوقت نفسه لشن هجمات إرهابية من الضفة الغربية. وزادت عناصر المستوطنين الإسرائيليين من حدة ووقاحة أعمالها العنفية، مما زاد من تأجيج الوضع. وأثارت الهجمات التي يشنها أفراد مرتبطون بتنظيم «الدولة الإسلامية» مخاوف من أن الجماعة الجهادية ربما تركز حالياً على إسرائيل.

توصيات بشأن السياسة الأمريكية

في حين لا تلعب الولايات المتحدة دوراً مباشراً على الأرض، إلا أنها لا تزال قادرة على تحريك جهودها الدبلوماسية لتشجيع الاتجاهات الإيجابية وشجب الاتجاهات السلبية. ولتحقيق هذه الغاية، على المسؤولين الأمريكيين مراقبة التطورات في وقتها الفعلي عن كثب، وممارسة الضغوط عند الضرورة، تماماً كما فعلوا عندما حثوا عباس على إدانة حادثة إطلاق النار في بني براق خلال الأسبوع الماضي. يجب إيلاء أهمية خاصة للتطورات التي شهدها جبل الهيكل/الحرم الشريف، فضلاً عن رسائل “السلطة الفلسطينية”/حركة «فتح»، وعنف المستوطنين الإسرائيليين، وعمليات الإخلاء وهدم المنازل في القدس.

يجدر بواشنطن البقاء على تواصل وثيق مع الأردن أيضاً، ليس فقط فيما يتعلق بالإجراءات في القدس، ولكن أيضاً كصلة وصل مع “السلطة الفلسطينية”. كما أن التنسيق الوثيق مع مصر مهم أيضاً، بسبب تمتع القاهرة بنفوذ كبير على «حماس».

وأخيراً، على الولايات المتحدة أن تحث الحلفاء الآخرين في المنطقة على الامتناع عن الأعمال التي تأتي بنتائج عكسية. وبشكل خاص، كانت وسائل الإعلام القطرية – قناة “الجزيرة” على وجه الخصوص – تشيد بالهجوم الذي حصل في بني براق هذا الأسبوع، تماشياً مع إشادتها التقليدية بأعمال الإرهاب الفلسطينية. ومن غير المقبول أن تصدر تصرفات مماثلة عن “حليف رئيسي جديد من خارج حلف الناتو” – وبالتالي على واشنطن دعوة القادة القطريين إلى إدانة الإرهاب بشكل واضح. كما تتمتع الدوحة بنفوذ كبير على «حماس» وينبغي تشجيعها على استخدام هذا النفوذ في هذا الوقت الحساس.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/adart-altwtrat-alasrayylyt-alflstynyt-aljdydt-khlal-shhr-rmdan

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M