البنك الدولي: مراعاة كافة الفئات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عامل بالغ الأهمية لتحقيق النمو الاقتصادي والاحتواء الاجتماعي

قال البنك الدولي في الدورة العاشرة للمنتدى الحضري العالمي إن المكان الذي يُولد فيه المرء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يجب أن يكون المُحدِّد لقدرته على النجاح في الحياة.

جاء ذلك في تقرير جديد صدر اليوم بعنوان التقارب: خمس خطوات حاسمة لتحقيق التكامل بين المناطق المتأخرة والمتقدمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكد فيه البنك على أن تعزيز الفرص والخدمات الاجتماعية في المحافظات والمدن والقرى البعيدة عن الأنشطة الاقتصادية بالحواضر الكبيرة يمثل عاملا رئيسيا لتسريع وتيرة النمو الاقتصادي والاحتواء الاجتماعي في المنطقة. لكن التقرير أشار في الوقت نفسه إلى أن مراعاة كافة الفئات لا تعني تطبيق نفس السياسات والاستثمارات في مختلف أنحاء المنطقة – إنما يجب تصميم التدابير بما يتلاءم مع الظروف والأنظمة المؤسسية المحلية.

وفي هذا الصدد، قال سامح وهبة مدير قطاع الممارسات العالمية لإدارة المخاطر الحضرية ومخاطر الكوارث والقدرة على التكيف والأراضي بالبنك الدولي: “في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، للمكان أهمية كبيرة لتحقيق الرخاء. وقد اختبرت الحكومات في المنطقة الكثير من الوسائل لتلبية احتياجات الناس في المناطق المتأخرة، وتم إنفاق مبالغ ضخمة على الاستثمار في هذه الأماكن. وقد حاول واضعو السياسات إقامة منشآت إنتاج جديدة في هذه المناطق الأكثر فقرا، لخلق المزيد من الوظائف فيها. وتم ضخ الأموال في مشروعات إسكان ضخمة لتلبية الحاجة إلى المساكن اللائقة ووسائل الراحة في الأحياء الحضرية الفقيرة.”

وشدد وهبة على أن: “التباينات المكانية في ازدياد مستمر أو تتقلص بوتيرة أبطأ مما هو متوقع بالنظر إلى حجم الاستثمارات الموجهة إلى هذه الأماكن. فالأسباب الرئيسية للإقصاء المكاني ليست مكانية ومادية، وإنما ذات طبيعة اقتصادية ومؤسسية.”

لماذا إذن تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من التجزؤ الاقتصادي؟ أورد التقرير الأسباب التالية:

  • صعوبة بيئات الأعمال – فمعظم المناطق المتأخرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تستطع تحقيق الاستفادة الكاملة من مواردها وقدراتها لأنه مع ما تشهده مدنها وبلداتها من بيئة الأعمال والبنية التحتية يتعذر على الشركات الجديدة أن تنشأ وتنمو. ومن الأسباب التي تؤدي إلى هذا الوضع أن المدن الأصغر خارج العواصم في بلدان المنطقة دائما ما تفتقر إلى الصلاحيات اللازمة لزيادة إيراداتها الخاصة وإدارة الخدمات المحلية.
  • نقص القدرة على الانتقال – فمعظم السكان في المناطق المتأخرة “عالقون في أماكنهم”، غير قادرين على الاستفادة الكاملة من الوظائف التي توفرها الاقتصادات الحضرية الأكثر حيوية. وربما يوجه اللوم الأكبر في الجمود الذي يعتري حياة الناس إلى أنظمة التعليم التي تهتم فقط بمنح الشهادات.
  • الحواجز أمام التجارة –  وضعت حكومات المنطقة عقبات هائلة أمام التجارة والهجرة. وتتمثل الحواجز الرئيسية في القيود المفروضة على الأخبار والمعلومات والقيود العملية على السفر والتجارة. على سبيل المثال صعوبات منح التأشيرة، وضعف البنية التحتية، والعقبات أمام الخدمات اللوجستية.

من جانبه، قال سوميك لال كبير خبراء حلول التنمية المكانية بالقطاع نفسه في البنك الدولي، وكبير الخبراء الاقتصاديين في التنمية المستدامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والذي شارك في تأليف التقرير: “تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تفاوت معدلات التنمية بين مدنها وأقاليمها. وتُعزى انتفاضات الربيع العربي في جانب منها إلى شكاوى المواطنين الذين تعرضوا للإهمال – أو يرون ذلك، لاسيما بسبب مكان ميلادهم. وعلى الرغم من أن مسار كل بلد في المنطقة يختلف عن غيره، فإن أحد الأهداف المعلنة لها جميعا بوضوح هو تحسين النواتج من أجل السكان في المناطق التي تعرضت للإهمال.”

ووفقا لجعفر فريعة، مدير قطاع الممارسات العالمية لإدارة المخاطر الحضرية ومخاطر الكوارث بمكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي، فإن المدخل الرئيسي للارتقاء بمستوى معيشة السكان في أنحاء المنطقة يتمثل في “توسيع صلاحيات أجهزة الحكم المحلي من مجرد تقديم الخدمات إلى تهيئة الظروف المناسبة للتنمية الاقتصادية المحلية”.

ويتناول التقرير المعنون “التقارب” الأسباب الاقتصادية والمؤسسية لهذه التباينات المكانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويركز على خمسة تدابير يمكن أن تضع البلدان على الطريق إلى التقارب الإقليمي:

  1. تعزيز التنسيق والتكامل بين المبادرات. من المرجح أن تنجح استراتيجيات التنمية إذا كانت متعددة الأبعاد، بما في ذلك الوصول إلى الطاقة والنقل والأراضي والأسواق – في المكان ذاته، سواءً بالتتابع أو بالتزامن. وقد يحْسُن بنا أن نبدأ بتعزيز الاستثمارات في المدن وما حولها. كما أن الإصلاحات التكميلية التي تساعد في تحديد الأسعار المناسبة – للطاقة والأراضي – يمكن أن تقطع شوطًا طويلاً في تهيئة الظروف لخلق فرص العمل في الأجزاء المتأخرة. ومما يبعث على التفاؤل أنه لا يتعين على الحكومات أن تضخ مزيدا من الموارد المالية لتحقيق نتائج أفضل، لأن التنسيق المكاني سيولّد وفورات في التكلفة في الأجل المتوسط إلى الأجل الطويل.
  2.     إعادة توزيع الأدوار والمسؤوليات عبر مختلف مستويات الحكومة. المواطنون في أجزاء مختلفة من أي بلد لهم احتياجات مختلفة، والظروف المحلية تتطلب نماذج مرنة لتقديم الخدمات. ومن خلال منح أجهزة الحكم المحلي مسؤوليات أكبر عن توليد الإيرادات المحلية وتقديم الخدمات المحلية يمكن أن تصبح أفضل إعدادا وأكثر خضوعا للمساءلة.
  3. تسهيل التحرك والتنقل بين الأجزاء المتأخرة وتلك المتقدمة. في المتوسط، لدى سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قدرة على التحرك محليا تعادل نصف قدرة الأشخاص في أنحاء أخرى من العالم. ويظهر بحثنا أن مستويات معيشة من يتنقلون بحرية إلى المدن الكبرى يمكن أن ترتفع بمعدل 37% في المنطقة. ويزداد احتمال انتقال النساء سعيا للعثور على وظائف في المناطق الحضرية، لكنهن بحاجة إلى الدعم للقيام بذلك. وينبغي إعادة توجيه أنظمة التعليم في جميع أنحاء المنطقة نحو المهارات المطلوبة في السوق.
  4. بناء المدن الكثيفة والمترابطة. تقدم المدن جيدة الأداء مجموعة واسعة من الوظائف – للنساء والرجال. ويعدّ زيادة كفاءة أسواق الأراضي في المدن أمرا بالغ الأهمية للتجمع والتخصص – وهما عنصران ديناميان يعززان توفير فرص العمل وتحقيق الازدهار الاقتصادي. وسواء في المدن الكبيرة أو الصغيرة (الثانوية)، يتطلب التكتل والتخصص الاستفادة من الكثافة الاقتصادية العالية، التي تركز النشاط الاقتصادي جغرافيا. لهذا، يجب أن يكون نسيج المدن متصلاً مكانيًا، كثيفًا من حيث عدد السكان، وموجهاً نحو دعم النقل الجماعي- وليس مترامي الأطراف مما يديم تجزؤ الناس وتفرق الوظائف. ويمكن للمخططين والمنظمين جذب الشركات للاستثمار في المدن عن طريق الحد من الاحتكاكات مثل لوائح تقسيم المناطق، والعراقيل التي تحول دون اقتناء العقارات وتشييد الأبنية الجديدة (التكلفة، وقيود الارتفاع، وقيود الكثافة)، والتحديات التي تواجه تسجيل الشركات المحلية والتراخيص، والقيود على الأخبار والمعلومات، والعقبات أمام تطوير شبكات الأعمال المحلية.
  5. تعزيز النفاذ إلى الأسواق على المستويين الوطني والإقليمي. تاريخياً كانت مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جزءًا من شبكات التجارة العالمية المهمة اقتصاديًا. استمر الكثير من هذه المدن في العصر الحديث كمناطق حضرية ضخمة. لكن حكومات المنطقة تمكنت من تقليص الشبكات من العالمية إلى المحلية. ويجب توسيع هذه الشبكات في الأبعاد الوطنية والإقليمية، على أقل تقدير. ومن النقاط الجيدة التي يمكن الانطلاق منها تحسين الروابط عبر الحدود الوطنية، مثل تخفيض الرسوم الجمركية، وتحسين الخدمات اللوجستية، وتسهيل التجارة، ووضع بروتوكولات للهجرة. وستؤدي هذه الجهود إلى نمو الاقتصادات، وتوفير الموارد التي تشتد الحاجة إليها لإعادة توزيعها إلى الأجزاء المتخلفة عن الركب.

وفي الواقع يحث التقرير على تحقيق التكامل الإقليمي في المنطقة مشيرا إلى أن ذلك سيؤدي إلى إزالة الحواجز بين البلدان، وربط الشركات بالأسواق الأكبر، وتعزيز اقتصادات التكتل الأوسع نطاقا التي تتخصص في السلع والخدمات القابلة للتداول التجاري.

وشدَّد لال على أن “لكل مستويات الحكومة الوطني والإقليمي والمحلي أدوارا ينبغي أن تضطلع بها. وبالحرص على أن تلبي التدخلات واسعة النطاق الاحتياجات الأساسية للجميع يمكننا في الأماكن المنسية تهيئة وظائف لعدد من الناس أكبر من أي وقت مضى.”

 

رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M