العملات الرقمية: سرعة الاتجاه إلى الثراء السريع أو الفقر

العملات الرقمية

أحمد بيومي

 

حتى عامنا هذا مر أكثر من عقد على أول ظهور لعملة رقمية، كانت البدايات مع عملة البيتكوين التي تعد الأشهر عالميًا والأكبر من حيث رأس المال السوقي. لكن مع مرور السنوات ظهرت العديد من العملات الأخرى التي تبعت البيتكوين. ولأن عملة البيتكوين تصاعدت في وقت قياسي من بضع سنتات للعملة مقابل الدولار الواحد لتصل إلى ما يفوق الستين ألف دولار للعملة الواحدة، فقد تم النظر إلى العملات الرقمية وما يشبهها على أنها مستقبل الثراء السريع؛ إذ إنه إذا كونت محفظة رقمية تتكون من مجموعة من العملات الجديدة التي لا تتجاوز قيمتها بضعًا من الدولارات قد تكون واحدة هي الحصان الأسود لتتصاعد قيمتها مثل العملات الأخرى الناجحة، وهو ما يحقق الثراء السريع ويعوض خسائر باقي العملات بالمحفظة.

صعوبة التسعير

تلك العملات يصعب تسعيرها وتحديد القيمة العادلة لها، وتعتمد عمليات تحديد قيمتها على مجموعة من النظريات التي اجتهد الباحثون لوضعها لتحديد قيمة تلك العملات، والتي بنيت في معظمها إما عن التكلفة التي يتم تكبدها لتعدين واحدة أو عدد من تلك العملات. ومن ثم فإذا كان السعر السوقي لتلك العملة أعلى من تكلفة اقتنائها (من خلال التعدين) فإنه يتم تعدين تلك العملة وبيعها.

أما النظريات الأخرى، فقد ذهبت إلى اتباع النهج السوقي الذي يعتمد على العرض والطلب لتحديد قيمة تلك العملة ومن ثم اتخاذ قرارات الشراء بها، لكن لا توجد طريقة علمية راسخة يمكن الاعتماد عليها لتحديد قيمة تلك العملات؛ فعلى سبيل المثال في حال مقارنتها بالأسهم أو بالسندات، فإن الأخيرة يتم تقييمها من خلال تحديد قيمتها الآن من خلال خصم التدفقات النقدية المحتمل تولدها عن ذلك الاستثمار بتلك الفئات من الأصول في المستقبل.

فعلى سبيل المثال، شراء سهم شركة تتحدد قيمته بناء على التدفقات النقدية المبنية على افتراض تحقيق تلك الشركة أرباحًا في المستقبل، وتوزيع تلك الأرباح على المساهمين، ومن ثم فإنه بإيجاد القيمة الحالية لتلك التوزيعات من الأرباح تتحدد قيمة سهم الشركة العادلة، ومن ثم يتم اتخاذ قرار الشراء من عدمه. وهو أمر غير موجود في الاستثمار بالعملات الرقمية.

أمر آخر ينظر آلية بجدية وهو بافتراض أن الشركة تمت تصفيتها، فإن ذلك السهم يضمن لحامله حق الحصول على جزء من أصول الشركة في حال تصفيتها وفقًا لقيمة الشركة عند التصفية، وهو ما يعني أن احتمالية أن تصل أصول الشركة إلى صفر هو أمر صعب (يمكن أن يحدث في حال كان للشركة نسبة ديون مرتفعة أكلت قيمة معظم أصول الشركة ولم يبق أي شيء للمساهمين).

مخاطر مرتفعة

بشكل عام، عند تصنيف الاستثمار في فئات الأصول المختلفة يتم ترتيبها من حيث المخاطر (مخاطر أقل عائد أقل، أخطار أعلى، عوائد أعلى). تأتي العملات الرقمية على رأس قائمة الأصول من حيث ارتفاع المخاطر المصاحبة للاستثمار بها، وهو نفس الأمر بالنسبة للعوائد؛ إذ إنها تأتي الأعلى من حيث احتمال تحقيق عوائد في حال مقارنتها بفئات الأصول الأخرى.

ومن ثم، ففي الوقت الحالي الذي يعج فيه العالم بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تحارب دولتان في قلب أوروبا بعضهما البعض (روسيا وأوكرانيا)، وكلاهما تتسمان بأنهما مركزان للغذاء والطاقة عالميًا. وتتحالف أوروبا ودول السبع الكبرى ضد روسيا، وتفرض عقوبات عليها في محاولة لإثنائها عن حربها على أوكرانيا، وحظر روسيا لصادراتها من القمح والأسمدة، وحظر الهند هي الأخرى لصادراتها من القمح، وفرض الصين لإغلاق اقتصادي لمكافحة جائحة كورونا بها، وهو ما ترتب عليه موجة تضخمية عالمية من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والسلع.

وترتب عليه وصول معدلات التضخم إلى معدلات غير مسبوقة منذ عشرات السنوات في دول عظمى بقلب أوروبا (المملكة المتحدة 8 %، ألمانيا 7 %) والولايات المتحدة الأمريكية 8.5 %، وهو ما دفع البنك الفيدرالي الأمريكي إلى اتخاذ قرار برفع سعر الفائدة بمقدار 0.75% على مرتين أولهما في شهر مارس والثاني في مايو 2022، وهو ما خلق حالة كبيرة من الذعر عالميًا بين المستثمرين، وتسبب في هبوط أسعار الأصول عالميًا (الأسهم، والذهب) وخروج الاستثمارات من الأصول الخطرة وإعادة توجيهها إلى ملاذات أكثر أمانًا.

تأذت فئة الأصول من العملات الرقمية بشكل كبير من الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية العالمية وقرار الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة؛ إذ استفاق المستثمرون على أن تلك الأصول مرتفعة المخاطر إلى حد كبير، وهو ما دفعهم إلى اتخاذ قرارات للتخارج منها بشكل سريع وإعادة توجيه تلك الأموال إلى استثمارات أكثر أمانًا، وهو ما تسبب في انهيار تلك العملات إلى حد كبير.

يعتقد البعض أن الانهيارات تخص الفترة التي أقدم الفيدرالي الأمريكي على رفع أسعار الفائدة فيها، لكن واقع الأمر أن تلك الانخفاضات بدأت منذ نوفمبر 2021 عندما أعلن الفيدرالي الأمريكي اعتزامه رفع أسعار الفائدة لمرات متتالية خلال الأعوام المقبلة لمجابهة معدلات التضخم المرتفعة.

ذهب ذلك الانخفاض بعملة البيتكوين من مستوى 68000 دولار للفئة الواحدة منها إلى 48000 دولار للفئة الواحدة منها، أما الانخفاض الثاني فكان في الفترة منذ بداية أبريل والتي انخفضت فيها تلك العملة من مستوى 48000 دولار للفئة الواحدة إلى 28800 ألف دولار للفئة الواحدة منها (حتى تاريخ 14 مايو 2022)، لكن فئة العملة بتكوين كونها الأكثر شهرة عالميا لا زالت صامدة بخلاف باقي العملات. ومن ثم فبالنظر إلى باقي العملات الأخرى مثل عملة terra والتي تحمل الكود (LUNAT/ USD) فقد انخفضت من سعر 120 دولارا للعملة الواحدة منها إلى 0.00005 دولارًا لكل فئة منها، محققة خسارة بمقدار 100% تقريبًا، وقد انخفضت من 80 دولارًا للعملة الواحدة إلى ذلك السعر في أقل من 7 أيام عمل.

خلاصة القول، أثبتت العملات الرقمية أنها الأكثر عنفًا في التذبذب تاريخيًا؛ إذ إن الاستثمار بها قد يساعد على جني ثروات في وقت قياسي، لكنه في نفس الوقت قد يتسبب في أن تخسر كل ما تملك في وقت آخر، وهو ما يفسر حقيقة قيام العديد من الدول بعدم قبول تلك الفئة من الأصول كفئة دفع أو تسوية مديونية لحماية مواطنيها من تبديد ممتلكاتهم سعيًا وراء حلم الثراء السريع، فإذا استثمارت في تلك العملات قد تستيقظ على يوم يكون فيه إجمالي ثرواتك هو صفر.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/69909/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M