المدرسة الحدية (اقتصاد جزئي): نشأتها واطارها الفكري

نشأة المدرسة الحدية
لقد ظهرت المدرسة الحدية Marginal School في وقت واحد تقريبا في كل من انجلترا والنمسا وسويسرا و على يد ثلاثة من الكتاب الاقتصاديين ، لم يتأثر أي منهم على ما يبدو بالكتاب الآخرين فيما ناد به من أفكار اقتصادية ، ومع ذلك فقد انتهوا جميعا في بحثهم الاقتصادي إلى نفس النتائج الاقتصادية.
لقد ظهر في انجلترا وليام ستنلي جفونز Wiliam Stanly Jevonz (1835 – 1883)، وظهر في النمسا كارل منجر Carl Manger (1740 -1921 )، كما ظهر في سويسرا ليون فالراس Leon Wal (1734-1910)، ويمثل هؤلاء الثلاثة الجيل الأول من رواد النظرية الحدية وانه يمكن رد قوانين الاقتصاد إلى بضعة تصاغ بمصطلحات رياضية ، ويتعين استخلاص هذه المبادئ من ينابيع الفعل الكبرى ( ويقصد بذلك مشاعر اللذة والألم )، وإن علم الاقتصاد أن يكون ذلك أن يهتم أساسا بالكميات الاقتصادية.
أما كارل منجر فترج شهرته إلى النظرية الشخصية Subjectif Theory التي بها في تحديد القيمة، والتي ضمنها في مؤلفه الأول المنشور عام 1871 كما شهرته إلى بحثه في أنواع السلع الاقتصادية ، وهي الفكرة التي كانت أساس في القيمة معبرا عنها بمقولته الشهيرة (إن إدراك الفرد لصفة سلعة اقتصادية إلى أن يصدر عليها حكما في ذهنه هو القيمة ).
وأما ليون فالراس فإنه يستند هو الآخر على فكرة اللذة والألم كما فعل جوفنز ليون فالراس استخدام الأسلوب الرياضي أيضا في شرح النظرية البحتة وإنما بصورة أكثرا اتقانا من جفونز،كما نجح فالراس في التعبير عن إمكانية قياس المنفعة قياسا عدديا، وفي إقامة العلاقات الصحيحة بين المنفعة والطلب ، في وضع المعادلات الرياضية المعبرة عن أقصى الإشباع بالنسبة للفرد المستهلك ، وفي العلاقة بين أسعار السلعة وكمياتها أو ما يعرف (بمعادلة الميزانية) Budget Equation . ولكن عندما نذكر فالراس يجدر أن نذكر أيضا العالم السويدي جوستاف كاسل.
بيد أن المدرسة الحدية لم تقف عند حد الكتاب الاقتصاديين الذين وضعوا أساسها – جفونز ومنجر وفالراس- وشكلوا جيلها الأول، ولكنها حصلت على أنصار جدد كل من سويسرا والنمسا ليشكلوا الجيل الثاني لهذه المدرسة .في سويسرا كان ألفريدوا باريتو العالم الاقتصادي والاجتماعي ، خليفة فالراس تطبيقات النظرية الحدية، أما في النمسا فقد تبع المدرسة الحدية مفكرون عديدون كما أن لهم شأن كبير في تطور الفكر الاقتصادي، وفي مقدمتهم فون فايزر وبوهم بافرك.
وواقع الأمر أنه من الصعب وصف فكر هؤلاء الكتاب الاقتصاديين بأنه (مدرسة) قائمة بذاتها ولها طابعها المميز عن المدارس الأخرى بالمعنى الذي تقصده بكلمة ( مدرسة)في مختلف العلوم .ذلك لأن هؤلاء الكتاب لم يأتوا بجديد في الفكر الاقتصادي حول المسائل الاقتصادية المختلفة ، إذ توصلوا إلى نفس النتائج التي كانت معلومة من قبل غير أنه تجدر ملاحظة أن إسهام رواد هذه المدرسة الحدية يتمل في أنهم جاءوا بطريقة جديدة في التحليل ، واستخدموها في دراسة مختلف الموضوعات الاقتصادية .لقد شاعت هذه الطريقة بين الاقتصاديين، واتخذوا جميعهم نبراسا لأبحاثهم الاقتصادية.
ومن هنا وفي هذا المعنى بالذات، يمكن اعتبار رواد الفكرة الحدية على أنهم يشكلون مدرسة ذات طابع خاص.
وغنى عن القول أن تسمية هذه المدرسة بالمدرسة الحدية ترجع إلى أنها أقامت تحليلها على فكرة الحدية Concept of The Margin ، وتطبيقها على المنفعة لتبرر فكرة المنفعة الحدية، أي منفعة الوحدة الأخيرة من السلعة (في مجال نظرية القيمة) وعلى الإنتاجية لتبرر فكرة الإنتاجية الحدية، أي إنتاجية الوحدة الأخيرة من العنصر إنتاجي (في مجال نظرية التوزيع)، غير أن المدرسة الحدية تسمى أيضا ” بالمدرسة الرياضية ” لأن جيفونز وفالراس طبقا طريقة رياضية في البحث الاقتصادي القائم على الفكرة الحدية، إنما يجدر التنويه إلى أن هذه المدرسة الرياضية لا تضم الكتاب النمساويين.
وفي هذا الضوء ، يمكن تقسيم رواد النظرية الحدية إلى مجموعتين متميزتين : مجموعة تمثل (المدرسة الرياضية) وعلى قمتها الثالوث المعروف – جوسن وجفونز وفالراس – ومجموعة تمثل المدرسة النمساوية austrian school وعلى قمتها ثالوث آخر : منجر وفيزر وبوهم بافرك .بيد أنه مهما اختلفت طريقة معالجة النظرية الحدية بين المدرستين الرياضية والنماسوية إلا أنه يجمع بينهما إطار فكري عام .

الإطار الفكري العام للمدرسة الحدية
لقد أقام الاقتصاديون الحديون دعائم تحليلهم النظري باتخاذ النظرية أساسا في تحديد قيم السلع، ثم تطرق هؤلاء من تطبيق هذه النظرية على القيمة الى تطبيقها على ظاهرتي التوزيع والاستهلاك ، كما هو موضح تفصيلا فيما بعد.
إنما يجب – بادئ ذي بدء، ألا يعزب عن البال أن ثمة فلسفة عامة يستند إليها هذا التحليل، وهي انه يمكن استنباط القوانين الاقتصادية بالتركيز على سلوك فرد معين كان يداعب خيال الاقتصاديين الحديين الذين كانوا يطلقون عليه اسم الرجل الاقتصادي ، Economic Man ، أي ذلك الرجل الذي يفترض فيه ألا يخضع في سلوكه الاقتصادي إلا للدوافع الاقتصادية وحدها ، وبالتالي يستبعد أي طابع آخر غير اقتصادي في التأثير على سلوكه . ويتمثل هذا الدافع الاقتصادي في المصلحة” المصلحة الذاتية للفرد بمعنى أنه يسعى لتحقيق اكبر نفع أو لذة ممكنة عن طريق بذل اقل مجهود أو تحمل الم ممكن.

التحليل النظري
أولا: القيمة
قام الرواد الحديون بمحاولة الإجابة عن تساؤل هام مبقع في القلب من الدراسة الاقتصادية : ما هي العوامل المحددة لقيم السلع في الأسواق ؟ لقد أجاب هؤلاء عن هذا التساؤل بان قيمة أية سلعة إنما تتوقف على المنفعة الحدية Marginal Utility التي يحصل عليها الفرد من استخدام أو استهلاك السلعة. أما المقصود بالمنفعة فهو قدرة السلع على إشباع الحاجات الإنسانية المتعددة بسبب ما يوجد بهذه السلع من صفات، وأما المقصود بالحدية فهو ما يتصل بالوحدة الحدية أو الأخيرة من السلعة.
ولتوضيح فكرة المنفعة الحدية في إطار التحليل النظري الذي قدمه الرواد الحديون الأوائل ، ينبغي ملاحظة ثلاثة أمور ذات الصلة : تناقص المنفعة الحدية ، والعلاقة بين درجة الإشباع وندرة السلع ، ووحدة القيمة.
أ/ تناقص المنفعة الحدية
تقرر النظرية الحدية التي أتى بتها الرواد الحديون أن الحاجات الإنسانية قابلة للإشباع، وان السبيل إلى إشباع هذه الحاجات هو ما يقوم به المجتمع الاقتصادي من إنتاج لمختلف السلع والخدمات .كما تقرر النظرية أن الحاجة تكون منحة جدا قبل بدء إشباعها ، الا انه كلما راد عدد وحدات السلعة التي يستخدمها الفرد في إشباع حاجة معينة ، قل تدريجيا إلحاح تلك الحاجة وتناقص مقدار المنفعة التي يحصل عليها من كل وحدة من وحدات السلعة. وعلى العكس، كلما تناقص عدد وحدات السلعة التي تشبع حاجة معينة، زاد تدريجيا إلحاح تلك الحاجة وتزايد مقدار المنفعة التي يحصل عليها الفرد من كل وحدة من وحدات السلعة. هذا هو قانون المعروف باسم قانون التناقص المنفعة الحدية.
ب/ العلاقة بين درجة الإشباع وندرة السلع
ومما تقدم يبدو واضحا أن ثمة ارتباطا قويا بين ندرة السلع ذات القدرات الاشباعية المختلفة وبين درجة الإشباع التي يصل إليها الأفراد في استخدام أو استهلاكهم لهذه السلع .يعني ذلك انه إذا كانت السلعة نادرة بدرجة كبيرة ، وبالتالي كان عدد وحدات السلعة التي يستخدمها أو يستهلكها الفرد بغرض الإشباع قليلا ، تظل المنفعة الحدية للسلعة عند مستوى مرتفع ( أي أن درجة الإشباع تكون كبيرة عند حد الاستهلاك ) . وعلى العكس ، إذا كانت السلعة متوافرة بدرجة كبيرة ، وبالتالي كان عدد الوحدات التي يستخدمها أو يستهلكها الفرد منها بغرض الإشباع كبيرا ، تدنى المنفعة الحدية للسلعة لتصبح عند مستوى منخفض (أي أن درجة الإشباع تكون قليلة عند حد الاستهلاك). وهذا هو التطبيق العملي لقانون تناقص المنفعة الحدية.
ج/ وحدة القيمة
وفي ضوء ما سبق بيانه من حيث العلاقة بين الكميات المستخدمة من أية سلعة وبين منفعة هذه السلعة ، ثم العلاقة بين درجة الإشباع ومدى ندرة ( أو وفرة السلع والخدمات ، فان المنفعة الحدية تتناقص بينما تظل المنفعة الكلية في تزايد مطرد ، كلما زاد عدد الوحدات المستخدمة أو المستهلكة من أية سلعة. قد تكون المنفعة الحدية لسلعة ممنوعة في الارتفاع ، كما هو الحال بالنسبة كالماس، بسبب ندرتها الكبيرة بينما تكون المنفعة لسلعة أخرى كالماء ممعنة في الانخفاض بسبب وفرتها الكبيرة وذلك رغم أن المنفعة الكلية لسلعة الماس ، بالنسبة لأي فرد ، قد تكون اقل بكثير من المنفعة الكلية لسلعة الماء هذه المنفعة التي يحصل عليها الفرد من الوحدة الأخيرة من السلعة هي التي تحدد قيمة هذه السلعة بالنسبة للفرد.
هنا يثور تساؤل هام : إذا كانت الوحدات السابقة على الوحدة الحدية أي الأخيرة من السلعة التي تحقق للفرد منفعة مرتفعة عن منفعة الوحدة الأخيرة، فكيف تحدد قيمة كل الوحدات على أساس منفعة الوحدة الأخيرة فكيف تحدد قيمة كل الوحدات على أساس منفعة هذه الوحدة الأخيرة ، فكيف تتحدد قيمة كل الوحدات على أساس منفعة هذه الأخيرة ؟ لقد أجاب الوارد الحديون من هذا التساؤل بان ثمة قانونا آخر، وبموجبه يمكن لأية وحدة من وحدات السلعة أن تحل محل أية وحدة أخرى، طالما أن جميع وحدات السلعة متجانسة ، لها كلها نفس الصفات.وهذا هو قانون الإحلال. وما دام الأمر كذلك ، تكون لجميع وحدات السلعة قيمة موحدة ، بما أن كل وحدة منها لا يختلف في شيء عن الوحدات الأخرى ، لان كلا منها يمكن أن يحل محل أية وحدة أخرى بلا أدنى تمييز.
نلخص مما تقدم إلى أن النظرية الحدية تتناول أمرين في تفسير القيمة: الأمر الأول و فكرة القدرة الاشباعية للسلع والخدمات، والأمر الثاني هو فكرة ندرة السلع القادرة على الإشباع (والمقصود بندرة السلع هو محدودية الكميات المتاحة منها بالنسبة للطلب عليها). وبدمج هاتين الفكرتين، يمكن الخروج بفكرة المنفعة الحدية التي تحدد قيمة السلعة من وجهة نظر الفرد المستهلك .لقد ازالت هذه النظرية الحدية، طالما راود أذهان المفكرين الاقتصاديين من قبل : كيف لا يكون للهواء أية قيمة في السوق رغم نفعه الكبير للإنسان ؟ والرد على ذلك أن الهواء لا يتسم بالندرة، نظرا لتوافره بكميات كبيرة جدا، وبالتالي فان المنفعة الحدية للهواء تكون مساوية للصفر، رغم أن منفعته الكلية كبيرة. وبما أن القيمة السوقية لأية سلعة تتوقف على منفعتها الحدية، أي منفعته الوحدة الأخيرة منها، وانه بالنسبة للهواء فان منفعته الحدية تساوي الصفر، فلن تزكون للهواء قيمة سوقية.

ثانيا: التوزيع
ويتطرق رواد النظرية الحدية من تطبيقها على القيمة إلى تطبيقها على ظاهرة التوزيع ، إذ أوضحوا أن العائد أو الجزاء أو المكافأة التي يحصل عليها كل عنصر إنتاجي نظير إسهامه في إنتاج أية سلعة إنما تتوقف على الإنتاجية الحدية لهذا العنصر.
من المتوقع عادة أن تحدث تغيرات ضئيلة متكررة في السعر (وغالبا في الدخل )، وإذا كان المستهلك يسلك سلوكا رشيدا حقا ، كما تنص النظرية نفي احد فروضها الأساسية ، فانه لابد أن يعيد النظر في خطة إيقافه وفي مشترياته على الدوام ، واضعا نصب عينيه استخدام نقوده بأفضل طريقة ممكنة في كل الأوقات ومع ذلك بصفته متكررة كل أسبوع ، والتي سوف لايغير فيها ، إلا إذا تغيرت الظروف بشكل واضح وعلى ذلك فقد يميل كثير من المشتريات إلى الأستاذ إلى حكم العادة المتأصلة ، ومن ثم لايطرء عليها أي تغيير إلا إذا في فترات متباعدة ، بحيث يمكن لهذا التغيير في خطة الشراء أن يتسق مع التغيرات الهامة في ظروف السوق.
تأثير الدوافع غير الاقتصادية على السلوك الاقتصادي
تؤدي كلمة المنفعة ، في كثير من الأحيان إلى بلبلة التفكير ـ اذ تستخدم هذه الكلمة في الاقتصاد لتعني الرغبة Desirednesss أو قوة المطلب Strength of Demand، غير انها تنطبع في أذهان الناس عامة على أنها تؤدي معنى خاصية النفع أو الفائدة Usefulness، والنتيجة هي انه يمكن استخدام لفظ المنفعة في الخلط بين الاعتبارات الاقتصادية والأخلاقية، وقد اتبع ذلك الاقتصاديان جفونر واجدورث وغيرهما من الاقتصاديين السابقين، وما زال يتبعه بعض الاقتصاديين المعاصرين غير انه تجدر الإشارة إلى أن نظرية سلوك المستهلك قد وضعت في وقت كان فيه معظم الاقتصاديين يؤمنون بمقياس المنفعة، وهؤلاء هم الذي أطلق عليهم اسم المنفعيين، أي أنهم كانوا يقيسون صلاحية أي حدث من الإحداث بمدى منفعته لبني الإنسان لاغرو إذن إذا خلط هؤلاء المنفعيون بين الاقتصاد ونعلم الأخلاق و لاغر وإذا اعتقدوا أن المنفعة شيء يمكن قياسه كميا. بيد أن الواقع هو انه لا يمكن إلا قياسه قوة طلب معين بالنسبة إلى قوة طلب أخر ، وانه خلف ستار المنفعة لا تقرر نظرية سلوك المستهلك إلا نسبة الرغبة أو قوة الطلب بغض النظر عن الاعتبارات الاخلافية.
وثمة ظاهرة أبرزها جيمس ديوزنبرى في شرح سلوك المستهلك إذ يركز على أن الفرد قد لا يتأثر، في سلوكه الاستهلاكي بالرغبة في إشباع حاجاته الذاتية بقدر ما يتأثر بالعادات الاستهلاكية للأفراد الآخرين في المجتمع الذي يعيش في كنفه أو في المجتمعات الأخرى. وهذه العلاقة تنبعث من الرغبة في التقليد عن طريق الاستهلاك المظهري الذي سبق أن أبرزه ثورستين فبلن وضمنه في مؤ لفه الشهير بعنوان نظرية الطبقة المترفة ويعرف ديورنبري أثر التقليد بأنه عندما يكون الناس على صلة بالسلع العليا أو النماذج الاستهلاكية العليا، بالأشياء الجديدة والأساليب الجديدة لإشباع الحاجات القديمة، فإنهم سيشعرون بعد قليل بنوع من عدم الرضا والاقتناع والبعد عن الهدوء النفسي. ومن ثم فإن معرفة هؤلاء الناس تصبح واسعة الأفق، وتثار في نفوسهم رغبات جديدة. وهنا فإن الميل للاستهلاك يرتفع إلى أعلى، وإذا صح هذا التحليل، فإن أثر التقليد قد يؤثر في الاختيار بين الاستهلاك وادخار إلى حد بعيد، ويعني ذلك أن مقدار المدخرات التي يقوم بها الفرد لا يتوقف على مستوى دخله الحقيقي فحسب، بل أيضا على النسبة بين مستوي ومستوى الدخل الأعلى للناس الآخرين الذين قد يكونون على صلة به في حياته ومعيشته.
وأخبرا فقد سبقت الإشارة إلى أن المدرسة الحدية كانت قد أدلت بأن يمكن استخلاص القوانين الاقتصادية بالنظر إلى رجل اقتصادي يخضع في سلوكه للدوافع الاقتصادية، ولا يستجيب في ذلك إلا للمنطق الدقيق على أساس الموازنة بين الألم والمنافع، غير أن بعض الاقتصاديين قد اعترضوا على هذا التحليل بمقولة أن الإنسان لا يوجد معزولا عن بيته، وأن هذا الرجل الاقتصادي المجرد لا وجود له في الواقع، وأن كل فرد يتأثر بالنظم القائمة في البيئة التي يعيش في كنفها ومن هنا ظهرت المدرسة الأمريكية المسماة بمدرسة التنظيمات المؤسسية Institutional Organisation School التي تزعمها ثورستين فبلن، والتي توافرت على البحث الخاص بمدى تأثير مختلف التنظيمات المؤسسية في السلوك الاقتصادي.

خطأ النظرية الحدية في التركيز على الوحدات الاقتصادية الصغيرة
ويعتقد بعض مؤرخي الفكر الاقتصادي أن خطر ما وجه إلى المدرسة أقامت تحليلها النظري على أساس الوحدات الاقتصادية الصغيرة Microeconomique Units مثل المستهلك الفرد والمنتج الفرد والمدخر الفرد…الخ، وأهملت بذلك إهمالا تاما للوحدات الاقتصادية الكبيرة Macroeconomique Units مثل الناتج القومي والدخل القومي والاستهلاك القومي والادخار القومي والاستثمار القومي وبذلك وقعت المدرسة الحدية في خطأ جسيم هو أنها افترضت أن الأحجام الكلية ليست سوى مجموع الأحجام الجزئية، وظاهرة الادخار اصدق مثال على ذلك، إذ عندما يزيد ادخار بعض الأفراد بالذات، فقد لا يعني ذلك زيادة الادخار الكلي، بل على العكس فإنه يعني نقص الادخار الكلي، تفسير ذلك أن زيادة ادخار بعض الأفراد تنطوي بالقطع على النقص في طلبهم على السلع ، طالما أن زيادة ادخارهم هي على حساب النقص في استهلاكهم بافتراض ثبات دخولهم، وهنا فإن نقص طلب هؤلاء الأفراد على السلع لا بد أن يفضي إلى نقص في الطلب الكلي على السلع، وبالتالي إلى نقص دخول المنظمين، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى النقص في مدخراتهم وإذا حدث أن نقص الادخار من جانب المنظمين يكون أكبر نسبيا من زيادة الادخار من جانب بعض أفراد المجتمع المشار إليهم، فإن المحصلة النهائية هي النقص في الادخار الكلي، رغم الزيادة في الادخار الفردي لبعض الأفراد في المجتمع.

رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M