بهاء الحريري.. بين المشروع الجديد وإرث “المستقبل”

إيهاب عمر

 

بدأ رجل الأعمال اللبناني بهاء الدين الحريري سلسلة من الاتصالات السياسية للمرة الأولى منذ إعلانه دخول العمل السياسي العام في 28 يناير 2022، عقب تقاعد شقيقه الأصغر سعد الحريري رئيس الوزراء الأسبق.

بهاء الحريري الابن الأكبر لرئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، من مواليد جدة في 26 أبريل 1966 (56 عامًا)، يحمل الجنسية الفرنسية والسعودية إلى جانب جنسيته اللبنانية، ويدير إمبراطورية اقتصادية مترامية الأطراف. وعكس سعد الحريري المتزوج من يارا العظم التي تنتسب إلى واحدة من أهم الأسر السورية السياسية، فإن بهاء الحريري تزوج ثلاث مرات من خارج “البرجوازيات السياسية الشامية”.

وقد أعلن بهاء الحريري عن قراره دخول المعترك السياسي، بعد بضعة أيام من قرار أخيه الأصغر سعد الحريري تعليق عمله السياسي وتعليق عمل تيار المستقبل؛ الحزب الذي أسسه رفيق الحريري وسيطر على الحصة السياسية للطائفة السنية اللبنانية ما بين عامي 1996 و2022.

الإعلامي اللبناني جيري ماهر مدير إذاعة بيروت الدولية والمستشار الإعلامي لبهاء الحريري، أعلن أن الأخير لن يشارك في الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في مايو 2022، رغم أن هنالك مطالب بأن يترشح على مقعد أبيه وأخيه عن بيروت، ولكن –والحديث لجيري ماهر– بهاء الحريري سوف يدعم قوائم انتخابية تنتمي إلى دوائر ثوار انتفاضة أكتوبر 2019.

وكان اسم بهاء الحريري قد ظهر في العمل السياسي اللبناني للمرة الأولى إبان الثورة الشعبية التي اندلعت في 17 أكتوبر 2019 ضد النفوذ السوري الإيراني، حيث دعم بهاء الحريري مجموعات ثورية شكلت ما يعرف باسم “المنتديات” اختصارًا لـ “المنتدى السياسي الاقتصادي الاجتماعي”، والتي ظهرت في لبنان بغتة عام 2018 على يد المحامي نبيل الحلبي.

وبحلول أواخر العام 2020 فك بهاء الحريري ارتباطه بالمنتديات، بعد أن اتضح تواصل قادة هذه المنتديات مع تركيا وقطر، وبعضهم بالمحافل الماسونية في الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى بدء تبني بعض هذه المنتديات لمشروع الفيدرالية اللبنانية، أي تقسيم لبنان عمليًا إلى ثلاث دويلات، سنية في الشمال ومسيحية – درزية في الوسط وشيعية في الجنوب.

وتشير بعض المصادر من مكتب بهاء الحريري إلى أن الأخير حاول جذب المنتديات إلى مشروعه السياسي على ضوء وجود مؤسسها نبيل الحلبي بشكل دائم في تركيا، ولما فشلت الفكرة قرر الحريري إخراج المنتديات فورًا من مكتبه.

ابتعاد بهاء الحريري عن المنتديات أسهم في إخراجه من الحسابات القطرية – التركية، وهو أمر سعى إليه لأنه لا يريد أن يلوث مسيرته بالمشاريع الإقليمية، محبذًا أن يعمل بشكل مستقل وحر، مع تواصل رصين مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فقط.

مشروع بهاء الحريري

يرى بهاء الحريري أن الوصايات الإقليمية قد نخرت في كافة النخب السياسية اللبنانية، وأن لبنان بحاجة إلى نخبة جديدة غير ملوثة بالولاءات الإقليمية، وعلى رأسها الذين تعاونوا مع الوصاية السورية – الإيرانية على لبنان.

وفى مفارقة درامية تليق بالعمل السياسي اللبناني، كان بهاء الحريري من أهم داعمي وصناع الثورة اللبنانية 2019 التي أسقطت اتفاق العهد ووزارة شقيقه سعد الحريري، وهي الضربة التي لم يستفق منها سعد الحريري إلى أن تفهم أن انتخابات 2022 سوف تكون لها نتائج كارثية على حساب مقعده البرلماني ومسيرته السياسية وتيار المستقبل الذي ورث زعامته عن أبيه، لذا قرر تجميد كل شيء.

ابتعاد بهاء الحريري عن “المنتديات” حرر سيرته من المشاريع القطرية – التركية وبعض الرؤى الغربية بتفكيك لبنان الكبير إلى ثلاث دويلات. و”الفيدرالية اللبنانية” ليست بالفكرة الجديدة؛ إذ طُرحت منذ بداية القرن الحادي والعشرين من قبل اغتيال رفيق الحريري وبدء ثورة الاستقلال الثاني، وكان الغرض هو حسم ترتيبات وشكل لبنان عقب انسحاب القوات السورية المرتقب وقتذاك.

ورغم عزوف بهاء الحريري عن الترشح للانتخابات، إلا أن هذا لا يعني أنه خسر فرصته في تشكيل الوزارة اللبنانية؛ إذ لو جرى توافق بين الكتل البرلمانية اللبنانية على تسمية رئيس للوزراء من خارج البرلمان فإن بهاء الحريري يمكنه تشكيل الوزارة الجديدة.

وشهد لبنان أكثر من مرة عملية تشكيل سياسي للوزارة من دون توليه حقيبة وزارية من قبل وأبرزهم سعد الحريري ذاته. ومع ذلك فإن فكرة قبول بهاء الحريري بفكرة تشكيل الوزارة عقب الانتخابات ليست مطروحة؛ إذ إن بهاء الحريري يحاول إنتاج مشروع وليس وزارة، ومشروعه يلزمه كيان سياسي من المتوقع أن يظهر للوجود عبر الانتخابات، في شكل تيار أو حزب جديد. ومن المتوقع أن يظل بهاء الحريري في مقاعد المعارضة طيلة ولاية البرلمان المقبل، وأن يظل أقرب إلى الشارع وثوراته متى تجددت شرارة الغضب في المجتمع اللبناني.

بهاء الحريري هو مشروع “رئيس وزراء مؤجل” وليس “رئيس الوزراء المقبل”، ويكاد يكون بهاء الحريري هو مشروع “قائد الثورة القادمة” في لبنان، لأن فكرة بقاء بهاء الحريري خارج اللعبة الانتخابية 2022 يوضح بجلاء أن بعض القوى الإقليمية قد رفعت يدها عن نتائج تلك الانتخابات وأصبحت تراهن على “تحرك الشارع اللبناني” عقب تلك الانتخابات.

وتشكل تلك القراءات ما يمكن اعتباره إرهاصات واضحة بأن الشارع اللبناني مقدم على ثورة جديدة خلال الفترة المقبلة، سواء تأجلت الانتخابات كما يحاول بعض الأطراف الموالية للوصاية السورية الإيرانية في استمرار للعبة الفراغ التي أدمنتها طهران في العراق ولبنان واليمن، أو اجراء الانتخابات وفوز تكتل 8 آذار الموالي لدمشق وطهران، وتشكيله الوزارة ومن ثم تحمله مسؤولية حل كافة مشاكل لبنان في زمن قياسي، أو وقوع الثورة الشعبية المنتظرة.

هل تتحول كذبة “حزب الله” إلى كابوس؟

وكان حزب الله قد دأب عبر جهازه الإعلامي على بث شائعات طيلة سنوات وزارة فؤاد السنيورة ثم وزارة سعد الحريري الأولى بأن أسرة الحريري قد سحبت الزعامة السياسية من سعد الحريري وتقرر إسنادها إلى بهاء الحريري. وكانت تلك الشائعات تزعم باستمرار أن بهاء الحريري مقرب من سوريا ويؤيد الوصاية السورية، وكان الغرض من تلك الشائعات هو ضرب الاستقرار داخل تيار المستقبل وآل الحريري.

وللمفارقة –الدرامية أيضًا– إن كذبة حزب الله تحولت إلى حقيقة، وتقاعد سعد الحريري في زمن كان فيه هو أقرب لإيران عن السعودية، بينما يأتي “حريري آخر” أقرب للسعودية والامارات عن سوريا وإيران وقطر وتركيا.

ولم تعلن أسرة الحريري عن موقف محدد من تقاعد سعد الحريري أو نشاط بهاء الحريري المباغت، ويتضح من هذا الصمت أن أسرة الحريري قررت الابتعاد عن أسلوب العباءة العائلية التي يجرى في بعض الأسر السياسية اللبنانية، وأن الأسرة ليس لها زعيم سياسي موحد، بل يمكن لكافة أفراد الأسرة أن يمارسوا العمل السياسي دون تضارب، تمامًا كما كانت عائلات الصلح وكرامي وفرنجية عبر القرن العشرين.

وحرص بهاء الحريري في الأشهر الأخيرة على تكذيب الدعاية السورية الإيرانية بأنه مقرب من هذا المحور، مؤكدًا عدم وجود أي تواصل بين مكتبه من جهة وطهران ودمشق من جهة أخرى، مما يجعله نسخة جديدة من مشروع 14 آذار الرافض لهذه الهيمنة السورية الإيرانية.

بهاء الحريري وإعادة تأسيس تيار المستقبل

ورغم الولوج السلس لبهاء الحريري إلى العمل السياسي، إلا أن فكرة توليه رئاسة تيار المستقبل أو إعادة تشكيله خلفًا لأبيه وأخيه لا تبدو بالسهولة التي يتصورها البعض. والحاصل أن جيلًا جديدًا من شباب التيار التصقوا بمسيرة سعد الحريري إلى درجة أن هذا الجيل قد هتف ضد السعودية في أكثر من مرة حينما قدم الحريري الابن استقالته أو أعلن تقاعده من العمل السياسي، فضلًا عن أن الطبقة الوسطي البيروتية التي دأبت على انتخاب الأب والأخ قد تعلقت بدورها بمسيرة سعد الحريري، ولم تعتد على فكرة تداول الزعامة بين أكثر من فرد في العائلة كما فعلت بعض البرجوازيات البيروتية السياسية سابقًا.

وقد أسس بهاء الحريري حركة “سوا للبنان”، على أن تكون عابرة للطوائف اللبنانية، وبدأ رجالات الحركة الجديدة في فتح قنوات اتصال ودية بكوادر تيار المستقبل للانضمام إلى الحركة الجديدة. ويشهد لبنان تحركًا من الرئيس فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء الأسبق، من أجل الترشح للانتخابات البرلمانية، خلافًا لقرار سعد الحريري، ويعد السنيورة هو أول رئيس وزراء سابق يقرر دخول المعترك الانتخابي بعد عزوف تمام سلام وأيضًا نجيب ميقاتي رئيس الوزراء الحالي، ما يجعل السنيورة هو المنافس الأول لبهاء الحريري على إرث تيار المستقبل.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/67751/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M