تقييم الأثر الاقتصادي للعقوبات المفروضة على روسيا

 أحمد بيومي

 

فرضت الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية حزمة من العقوبات الاقتصادية على روسيا لإثنائها عن غزو أوكرانيا، تم تصميم تلك العقوبات لتستهدف الاقتصاد الروسي من زوايا مختلفة، لتصيبه بضربات موجعة يترتب عليها إفقار الشعب الروسي ومحاصرة الدولة الروسية، ومن ثم إضعافها والضغط عليها للتفاوض والخروج من أوكرانيا، وربما يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك لإرغام روسيا على اتخاذ العديد من القرارات التي تقوض نموها العسكري أو الاقتصادي في المستقبل.

العقوبات الاقتصادية هي وسيلة يتم اتخاذها لمعاقبة الدول أو قادة الدول أو السياسيين بسبب قيامهم بخرق قوانين، أو بهدف إثنائهم عن اتخاذ قرارات، أو منعهم من الاستمرار في قرارات تم اتخاذها. يتم تصميم تلك العقوبات للإضرار باقتصاد الدولة المستهدفة ومواردها المالية وقادتها السياسيين، ويمكن أن تتضمن العقوبات حظر السفر وحظر على الأسلحة.

فرضت بريطانيا والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة عقوبات متنوعة على روسيا، ومنها عقوبات على القطاع المالي والنقدي والذي يتمثل في تجميد الأصول الروسية ومنع المؤسسات الروسية من الوصول إلى ممتلكاتها خارج حدود روسيا، فقد أعلنت لندن فرض عقوبات على البنك المركزي الروسي ومنعت مواطنيها والشركات البريطانية من إجراء أي تحويلات مالية مع البنك المركزي الروسي أو وزارة المالية الروسية.

وتضمنت العقوبات كذلك عددًا من المحاور التي تضمنت تجميد أصول بنوك روسية واستبعادها من النظام المالي البريطاني، وإصدار قوانين لمنع الشركات والحكومات الروسية من الحصول على أموال من الأسواق البريطانية، تلا ذلك وضع حد أقصى للمبالغ التي يمكن للروس إيداعها في البنوك البريطانية، ومنع عدد من البنوك الروسية من التعامل بنظام “سويفت” البنكي؛ بهدف حرمانها من التحويلات المالية الدولية، وتجميد أصول مملوكة للمركزي الروسي؛ بهدف الحد من إمكانية وصول روسيا إلى مواردها المالية بالخارج، وتأسيس قوة تعمل عبر المحيط الأطلسي للبحث عن الأصول الروسية والعمل على تجميدها سواء كانت مملوكة للأشخاص أو الشركات الكبرى المملوكة للدولة، بما فيها الشركات المملوكة لوزارة الدفاع الروسية، واستهداف 70% من الأسواق المالية الروسية والشركات الكبرى المملوكة للدولة.

أما النوع الآخر من العقوبات فتمثل في العقوبات على التجارة والتصنيع، والتي تمثلت في منع المؤسسات الروسية من الوصول إلى التكنولوجيا، وقطع قنوات الاتصال بينها وبين العالم الخارجي، إذ علقت بريطانيا إصدار تراخيص التصدير التي يمكن استخدامها في أغراض مدنية وعسكرية، وأوقفت تصدير السلع ذات التقنية العالية ومعدات التكرير. واستهداف قطاع الطاقة من خلال منع الصادرات التي يحتاجها قطاع إنتاج الطاقة في روسيا، ومنع بيع قطع غيار الطائرات للشركات الروسية، ومنع بيع السلع ذات التقنية العالية لروسيا.

نوع آخر من العقوبات تم فرضه بهدف تضييق الخناق على الدولة الروسية والتي تتمثل في العقوبات التي تم فرضها على رحلات الطيران التابعة للشركات الروسية، والتي منعت الطائرات الروسية من إمكانية التحليق فوق الأوروبية او الهبوط في أي من مطاراتها. وعقوبات أخرى تمثلت في الحد من بيع الجنسية أو المواطنة بموجب جواز السفر الذهبي الذي يسمح لأثرياء روسيا بالحصول على جنسية دول أوروبية.

الولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى اتخذت العديد من الإجراءات ضد مجموعة من البنوك الروسية والشخصيات البارزة، فقد أفصحت أمريكا أنها تتعاون مع حلفائها لمنع ما يزيد على نصف الواردات الروسية من السلع ذات التقنيات العالية والتي يتم استخدامها في الصناعات العسكرية.

وقد أوضح البيت الأبيض فيما أسماه بمستند الحقائق تفاصيل 5 من العقوبات التي فرضتها على روسيا والدول المعاونة لها، فقد فرضت أمريكا قيودًا على بيلاروسيا لخنق استيراد السلع التكنولوجية، وتسعي وزارة التجارة إلى توسيع نطاق تلك العقوبات لتشمل العديد من السلع الأخرى التي في معظمها تكنولوجية بهدف منح تحويل تلك التكنولوجيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. إلى جانب ذلك تم فرض حظر كامل على الكيانات الدفاعية الروسية والتي يبلغ عددها 22 كيانًا بما فيها شركات تصنيع الطائرات والمقاتلات ومركبات المشاة القتالية وأنظمة الحرب الالكترونية والصواريخ والمركبات الجوية بدون طيار، ذلك الأمر سيترتب عليه فرض تكاليف كبيرة على تطوير وإنتاج الأسلحة الروسية في مجموعها.

ضوابط أخرى تستهدف تصدير النفط المكرر، وهو يعد مصدر الإيرادات الرئيس للجيش الروسي، وشملت تلك الضوابط قيودًا على معدات استخراج النفط والغاز، والمعدات التكنولوجية التي تدعم قدرة التكرير الروسية على المدى الطويل، لكن تم استثناء مدفوعات الطاقة من العقوبات المالية؛ إذ إن أي تغيير في ذلك البند هو أمر من شأنه أن يؤثر على أسعار الطاقة عالميًا، ويتسبب في إلحاق الضرر بالعديد من الدول.

عقوبات أخرى قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية تمثلت في استهداف الكيانات الداعمة للجيش الروسي والبيلاروسي، ومنع الطائرات الروسية من دخول واستخدام الأجواء الأمريكية الداخلية، وهو الآمر الذي يزيد من عزلة روسيا والضغط على اقتصادها إذ إن ذلك الإجراء يشمل كل الطائرات المعتمدة من جانب أي شخص أو مؤسسة على علاقة بروسيا. هذا فضلًا عن اتفاق الولايات المتحدة مع أكثر من 30 سوقًا من أسواق الطيران الأكثر أهمية في العالم على حرمان شركات الطيران الروسية من ممارسة أعمالها التجارية.

تداعيات العقوبات

بالنظر إلى التقييم الأولي لأثر تلك العقوبات، فمن المتوقع أن ينخفض الناتج المحلى الإجمالي لروسيا بنحو 3% تقريبًا إذا توقفت جميع واردات وصادرات الغاز، بينما ينكمش الاقتصاد الروسي بحوالي 1.2% في حال وقف تجارة النفط. لكن روسيا ليست المتضرر الوحيد من وقف تلك التجارة؛ إذ إن وقف تجارة النفط سيؤثر على الاقتصاد الألماني والاتحاد الاوروبي بنسبة 0.1%، وسيؤدي فرض الحظر على قطع غيار الآلات إلى انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 0.5% وفرض الحظر على المركبات وقطع غيارها بنسبة 0.5%.

أما عن حركة التجارة مع روسيا، فإن روسيا في حد ذاتها ليست سوقًا ضخمة لصادرات الدول الغربية؛ إذ إن إجمالي صادرات الولايات المتحدة الأمريكية إلى روسيا خلال العام الماضي بلغ 6.4 مليار دولار فقط، وهو في حال مقارنته مثلًا بصادرات الولايات المتحدة إلى بلجيكا يتضح أنه أقل من خُمس تلك الصادرات.

أما عن مؤشرات الاقتصاد الروسي، فقد تسببت العقوبات التي فرضها الغرب في ذعر بيعي في الأسواق المالية الروسية، وانخفاض كبير في قيمة الروبل الروسي. وأضعفت العقوبات المفروضة على البنك المركزي الروسي قدرته على التدخل لدعم الروبل، ومن المتوقع أن تؤدي قيمة العملة الضعيفة إلى ارتفاع تكلفة الواردات، ومن ثم زيادة أسعار المنتجات المحلية، وهو ما سيؤثر على معدلات التضخم بالبلاد. وبالنظر إلى معدل التضخم الحالي في روسيا فهو يبلغ 8.7% على أساس سنوي في يناير، وهو أعلى من مستهدف المركزي الروسي البالغ 4%، وقد رد البنك المركزي الروسي برفع معدلات الفائدة إلى 20% مقابل 9.5% سابقًا.

لكن وقف تجارة المواد الخام للطاقة مع واحدة من أكبر مصدري الطاقة في العالم هو أمر يهدد بارتفاع أسعار تلك السلع بنسبة تصل إلى 50% حسب بعض التقديرات، وهو أكثر بكثير من الارتفاعات التي شهدتها أسعار الطاقة عالميًا في الفترة الأخيرة، ومن ثم يجد الاتحاد الأوروبي صعوبة في أن يضرب بمجموعة من العقوبات الاقتصادية المتاحة كما حدث مع دول أخرى.

والسبب في ذلك هو النفط والغاز الطبيعي؛ ففرض أي عقوبة على تجارة النفط والطاقة مع روسيا سيؤدي بالتبعية إلى ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، ومن ثم فإن الاقتصاد الروسي سيستفيد بدلًا من الإضرار به، خاصة وأن روسيا قادرة على إيجاد مشترين آخرين لطاقتها، ومنها الصين على سبيل المثال، ومن ثم سيساهم ذلك في توفير المزيد من السيولة لها وليس خفض السيولة والحصار الاقتصادي.

ومن ثم فإن التعامل الغربي مع الأزمة الروسية حساس للغاية؛ فروسيا هي محطة وقود العالم، وربما تؤدي العقوبات الاقتصادية إلى نيران معاكسة تتسبب في تباطؤ كبير في نمو الاقتصاد العالمي، والتأثير على أوروبا بشكل كبير؛ إذ إن أوروبا هي المتضرر الأكبر من تلك العقوبات.

تداعيات الحرب

سيؤثر الصراع الروسي الأوكراني على الاقتصاد العالمي بشكل كبير؛ إذ إن كلا الدولتين مصادر للمواد الخام الأولية عالميًا (النفط في روسيا، والغذاء في أوكرانيا)، وما يضع الأمور في وضع أسوأ هو وجود أزمة عالمية بالفعل في سلاسل التوريد. ومن ثم فمن المتوقع أن تظل أسعار النفط أعلى من 100 دولار للبرميل طالما أن النزاع بين الدولتين قائم، وسترتفع أسعار المواد الغذائية والمعادن الأساسية.

وستسهم العقوبات وحظر المجال الجوي والمخاوف الأمنية في تلك الأزمة؛ إذ إن الحصار الاقتصادي لروسيا سيعطل الطرق البرية والبحرية والجوية في روسيا. وتلك العوامل ستتسبب في زيادة الأسعار ومن المتوقع أن تؤدي إلى تجاوز معدل التضخم العالمي لحاجز 6%، ومن ثم فمن المتوقع أن تنخفض توقعات النمو العالمي لعام 2022 إلى 3.4% مقابل التوقعات السابقة البالغة 3.9%.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/67858/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M