سيناريوهات ضم الصين لتايوان في ضوء الأزمة الأوكرانية

في خضم ما يدور في الأزمة الأوكرانية بعد الهجمات التي شنّتها القوات الروسية على مقاطعات مختلفة في الداخل الأوكراني، أكدت تايوان مراقبتها لما إذا كانت الصين يمكن أن تستغل الأزمة للهجوم عليها. ورفض الجانب الصيني فرض عقوبات أحادية الجانب وأعرب عن الأمل في بذل الجهود لحل القضية من خلال الحوار والمشاورات والحفاظ على ضبط النفس وتجنب خروج الوضع عن السيطرة، وأكد أن المقارنات بين القضيتين الأوكرانية والتايوانية غير مناسبة لأن تايوان كانت على الدوام جزءًا لا يتجزأ من أراضي الصين. وفي الأجواء المتوترة المثارة الآن يمكن التساؤل عما إذا كانت الصين يمكن أن تقوم بضم تايوان مستفيدة من انشغال الغرب، كما أعربت رئيسة تايوان تساي إينج ون، خلال اجتماع لمجموعة عمل تابعة لمجلس الأمن القومي بشأن الأزمة الأوكرانية عن قلقها بالقول: “إنه على كل الوحدات الأمنية والعسكرية أن ترفع مستوى مراقبتها وإنذارها المبكر لتطوّرات عسكرية حول مضيق تايوان”. وهل يتناسب هذا الاحتمال مع السياسة الصينية الطامحة لأن تكون قوة عظمى؟ وإن حدث فما هي احتمالات حدوثه واحتمالات الرد الأمريكي؟.

شرعية تجديد شباب الأمة

شهدت مصادر شرعية الحزب الشيوعي الصيني تطورًا على مدار الوقت، فبعد الاعتماد على التنمية الاقتصادية في تحقيق نتائج جيدة للشرعية، عمل الرئيس الصيني “شي جين بينج” على البحث عن مجالات أخرى للشرعية مثل الاستجابة لجائحة كورونا والعوامل الأيديولوجية. وفي ظل تباطؤ النمو الاقتصادي، شعر الحزب أنه بحاجة إلى مصادر جديدة للشرعية، ومن ثم تم إطلاق مصطلح “تجديد شباب الأمة الصينية العظيمة”. مر هذا المصطلح بتقلبات عديدة في دعاية الحزب، لكن لم يستخدمه أي زعيم مثلما فعل “شي”، إذ بعد توليه قيادة الحزب في عام 2012، حدد “شي” موعدًا نهائيًا لبلوغ التجديد في عام 2049، الذكرى المئوية لجمهورية الصين الشعبية. خاصةً أن “شي” اعتبر أن التجديد ليس فقط رفع مستويات معيشة الشعب، لكن إعادة التوحيد مع تايوان أمر لا بد منه وأن ذلك هو المصير النهائي.

كما يعتبر “شي” أن تجديد شباب الأمة المطلوب ليس بالأمر السهل قياسه، وأكد أنه “إذا كنا نتحدث عن رفع مستويات معيشة الشعب الصيني، فهذا شيء يمكن أن يدعيه كل من “ماو” و”دينج”، لكن إعادة توحيد تايوان شيء ملموس” لأنه يرى أن انفصال تايوان جاء نتاج ضغوط إمبريالية، ولهذا السبب يقرن إعادة التوحيد بإنهاء إذلاله من قبل القوى الأخرى. ووضع الحزب في المؤتمر التاسع عشر له في عام 2017 علنًا أهدافًا أكثر طموحًا منها إعادة التوحيد مع تايوان، بالإضافة إلى الاعتماد على التكنولوجيا العالية، ومكافحة التفاوت في الدخل.

خيارات ضم الصين لتايوان

التهديد باستخدام القوة: سيكون هناك إقرار لتشريعات مناهضة للانفصال تتضمن تهديدات بمهاجمة تايوان إذا لم يتم استيفاء شروط سياسية معينة، ذلك بالإضافة إلى الغارات الجوية التي أقامتها عشرات الطائرات على حدود الدفاع الجوي التايواني في العام الماضي 2021، والمناورات الاستفزازية بالقرب من الجزيرة. بجانب امتلاك الآلاف من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز التي يمكنها تنفيذ هذه التهديدات، مما يؤدي إلى أن خيار الغزو يبدو أكثر واقعية من أي وقت مضى، وأن قيام الصين بتوجيه ضربة قاضية سيكون أسرع من قدرة القوات الأمريكية على التدفق للدفاع، لذا سيكون من المشكوك فيه أن تقدم القوات الأمريكية تضحيات خاصةً بالنظر إلى خبراتها القتالية الفاشلة في آسيا.

إثارة أزمة سياسية في الداخل: بفرض أن الغزو العسكري لم يحدث، تحاول الصين في هذا الخيار تغيير النظام من الداخل، عبر اختراق الأحزاب السياسية والحكومة التايوانية واستخدام عمليات التأثير لتغيير الدعم الشعبي، واختلاق أزمة سياسية من شأنها إجبار تايوان على تقديم تنازلات سياسية وقبول تسوية تؤدي للضم. لكن هذا الأمر أمامه تحدٍ في أن تايوان دول مستقلة بعكس هونج كونج، كما أنها مفصولة جغرافيًا، لذا عبر التهديد باستخدام القوة وشن حرب واسعة النطاق.

إصدار قانون للتوحيد: ارتباطًا بالخيار السابق، قد لا تحتاج الصين للغزو العسكري المباشر، إنما ستكون راضية لو تحققت نتيجة مماثلة لهونج كونج بالحكم الذاتي بتولي حكومة موالية في تايبيه تقدم تنازلات تعزز السيطرة الصينية على الجزيرة. في هذا الإطار، قد يصدر قانون يوضح الخطوات التي يتعين على تايوان اتباعها للتوحيد وتجنب الحرب.

اتباع الغموض الاستراتيجي: يستند ذلك إلى تصريح الرئيس “شي” بالقول إن “المهمة التاريخية لإعادة التوحيد الكامل للوطن الأم ستتحقق بالتأكيد”. في هذا الإطار، قد تتبع الصين ما يسمى أسلوب “المنطقة الرمادية”، وذلك من خلال اتباع خيارات أخرى غير الغزو البرمائي الشامل، بل يمكن أن يتم من خلال فرض حصار بحري أو نشر قوات خاصة مكلفة بإعاقة البنية التحتية التايوانية أو الاستيلاء على قيادة البلاد، والاستيلاء على جزر صغيرة تابعة لتايوان مثل “كينمن” و”ماتسو” لممارسة النفوذ الصيني. وهذا يعني عدم اتخاذ قرار مباشر بالحرب، لكن تبدي استعدادها لخوض الحرب في أي وقت، وتترك كلًا من واشنطن وتايبيه في حالة تخمين لكيفية وتوقيت حدوث الضم. خاصةً أن القوات الصينية لم تقم بمناورات غير اعتيادية حول تايوان في الأيام الأخيرة للأزمة الأوكرانية.

الضم المتدرج: حيث من غير المرجح أن يتبع العدوان الروسي غزو صيني قريب لتايوان، إذ تذهب توقعات بأن الصين ستقوم بغزو الجزيرة بعد تجاوز النصف الثاني من العقد الحالي، أي بحلول عام 2027 (سيكون الذكرى المئوية لميلاد جيش التحرير الشعبي)، وهذا يعني أن فرص التصعيد المفاجئ للتوتر العسكري في الأجل القريب ليست مرتفعة، وذلك استنادًا إلى أنه حتى لو كانت الصين حازمة، فإن الأمر يسير بشكل متدرج حتى الآن.

ويمكن أن يشارك في هذا التدرج دراسة الصين للعديد من الجوانب، أهمها أن مضيق تايوان يقع عند تقاطع إمداد التكنولوجيا العالمية وأكبر مصنع في العالم والأكثر طلبًا للرقائق وأشباه الموصلات. لذا فإن حدوث هجوم يعني عدم تحقق تجديد للأمة الذي يرغب فيه “شي” إذا دفع الاقتصاد العالمي إلى حالة ركود حاد. بالإضافة إلى ذلك، هناك ضرورة تفرض احتمالية عدم حدوث ضم قريب لتايوان إذا تم النظر إلى الاختلاف بين بين حالة أوكرانيا وتايوان، فإن بوتين لديه بالفعل جيش صغير من الوكلاء في شرق أوكرانيا وعشرات الآلاف من القوات الروسية التي تتواجد في شبه جزيرة القرم في الجنوب، وإنما تختلف حالة الصين في أنها ستكون بحاجة لتحريك جيوش أكبر على امتداد 100 ميل بحري للحصول على تايوان، وضرورة حساب تكلفة الدخول في هجوم برمائي على تايوان، لأنه سيكون من الصعب القيام بذلك في المستقبل المنظور.

الرد الأمريكي المحتمل بين التخاذل والانخراط

بغض النظر عن الخيار الذي ستقوم به الصين للقيام بالضم، سيكون عليها الاستعداد لكافة الردود المحتملة سواء كانت عسكرية أو على مستوى الاستراتيجيات الدبلوماسية والاقتصادية والإلكترونية الأخرى التي قد تفرض على الصين عراقيل اقتصادية. كما أنه يتضح متابعة الصين الجيدة لردود الفعل الغربية والأمريكية على وجه الخصوص تجاه ما يحدث لأوكرانيا لتحديد حساباتها فيما يتعلق بتايوان، لكن في الوقت نفسه لا يمكن المساواة بين الموقف الأمريكي تجاه تايوان وأوكرانيا من حيث احتمالية التدخل العسكري الأمريكي.

في هذا السياق، هناك احتمالان للتعامل الأمريكي مع الصين في حالة التوجه لضم تايوان، الاحتمال الأول إذا قامت الصين بمثل ما تقوم به موسكو تجاه كييف، فستحتاج واشنطن إلى خيارات دبلوماسية وعسكرية ذات مصداقية لأن فرض العقوبات الاقتصادية لن يفلح وحده وإلا كانت قد أتت ثمارها منذ اندلاع الحرب التجارية في السنوات الأخيرة بين واشنطن وبكين. وسيكون التساؤل هو: إلى أي مدى ستكون المساعدات العسكرية التي تقدمها لتايوان قادرة على رد الهجوم العسكري الصيني في حال حدوثه؟.

وفي إطار أنه لا توجد دولة أو تحالف ملتزم بشأن حماية سيادة تايوان واستقلالها السياسي، حتى إن الولايات المتحدة لا تعترف بتايوان كدولة وليس لديها أي التزام رسمي بالدفاع عنها ولديها مشاركة سياسية محدودة للغاية برغم المساعي السابقة برفع كل القيود المفروضة على التعاون الدبلوماسي بين الجانبين بشكل أحادي الجانب، وأنها لم تعد بحاجة لاسترضاء بكين. لكن من غير المرجح أنه ستكون هناك خيارات أمريكية جيدة سواء من خلال إعادة إمداد الجيش التايواني وتزويد البلاد بالمساعدات الإنسانية.

أما الاحتمال الثاني فإنه بالنظر إلى التطورات الجارية مؤخرًا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والاستعدادات المسبقة والتحالفات الأمنية التي تقيمها الولايات المتحدة تطويقًا للصين وصعودها، يتضح أن هناك وجود اختلافات عن التوقعات لرد الفعل الأمريكي تجاه ما يحدث مع كييف وما يمكن أن يحدث مع تايوان، حيث إن استقلال أوكرانيا ليس مصلحة أمنية حيوية للولايات المتحدة، بينما استقلال تايوان كذلك، كما أن الاقتصاد الصيني بات ينافس الولايات المتحدة، وأن مبادرة الحزام والطريق الخاصة بها وقوتها العسكرية المتزايدة تهدد الهيمنة على اليابسة الأوروبية الآسيوية، وباستحواذ الصين على تايوان سيكون هناك تهديد بقلب التوازن الاستراتيجي في المحيط الهادئ بشكل لا يمكن إصلاحه فيما بعد.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/18698/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M