يشهد القرن الإفريقي في السنوات الأخيرة تحوُّلات إستراتيجية مهمة مع عودة النفوذ الروسي إلى المنطقة، خاصةً في ظل التنافس المتزايد بين القوى العالمية للسيطرة على الممرات المائية ومصادر الثروات الطبيعية.
تعكس هذه التحركات الروسية رغبة موسكو في استعادة دورها كقوة عالمية قادرة على التأثير في مناطق النفوذ التقليدية للغرب، وذلك عبر تعزيز حضورها السياسي والعسكري والاقتصادي.
ويُعدّ الصومال، بموقعه الجغرافي الإستراتيجي وإمكاناته التنموية الكامنة، بوابة رئيسية لهذا التوسُّع الروسي، خاصةً في ظل سعي الصومال لإعادة بناء دولته، وتعزيز شراكاته الخارجية لتحقيق الاستقرار والتنمية.
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على أبعاد هذا النفوذ الروسي المتجدد، وقراءة دوافعه وأهدافه في سياق التنافس الدولي والإقليمي، واستكشاف التحديات التي يواجهها والفرص التي يوفّرها لكل من روسيا والصومال.
من خلال ذلك، يُحاول المقال تقديم رؤية تحليلية متعمقة لتأثير هذه العودة على خريطة التحالفات الجيوسياسية ومستقبل الاستقرار في المنطقة.
الخلفية التاريخية:
كانت العلاقة بين الاتحاد السوفييتي والقرن الإفريقي، وخاصة الصومال، جزءًا من التنافس الجيوسياسي خلال الحرب الباردة؛ حيث سعى الاتحاد السوفييتي إلى تعزيز وجوده في المناطق الإستراتيجية حول العالم لمواجهة النفوذ الأمريكي.
وكان القرن الإفريقي، بموقعه الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر والمحيط الهندي، محور اهتمام موسكو لضمان الوصول إلى الممرات البحرية الدولية وتأمين مصالحها العسكرية والتجارية.
وقد انعكست هذه الأهمية في الدعم الكبير الذي قدَّمه الاتحاد السوفييتي للصومال، بدءًا من المساعدات الاقتصادية إلى التعاون العسكري الذي شمل تدريب الجنود وتوفير الأسلحة والمعدات لتعزيز الجيش الصومالي.
وشهدت العلاقة بين الاتحاد السوفييتي والصومال ذُروتها في سبعينيات القرن الماضي عندما أصبح الصومال شريكًا رئيسيًّا في إستراتيجية موسكو الإقليمية.
غير أن هذه العلاقة شهدت تراجعًا جذريًّا بعد تحوُّل النظام الصومالي بقيادة الرئيس سياد بري نحو الولايات المتحدة إثر الدعم السوفييتي لمنافسة الصومال الإقليمية إثيوبيا خلال حرب أوجادين (1977-1978م).
أدَّى هذا التغير إلى تدهور العلاقات بشكل سريع؛ حيث أنهى الاتحاد السوفييتي دعم الصومال واتجه لتعزيز تحالفه مع إثيوبيا.
وتعكس هذه الأحداث الديناميكية السياسية التي طغت على طبيعة العلاقات السوفييتية مع القرن الإفريقي، والتي كانت مدفوعة بالمصالح الجيوسياسية أكثر من أيّ اعتبارات أخرى طويلة الأجل[1].
وقد لعبت الحرب الباردة دورًا محوريًّا في تشكيل توجهات الاتحاد السوفييتي تجاه القرن الإفريقي؛ حيث كانت المنطقة مسرحًا حيويًّا للتنافس بين القوى العظمى على النفوذ العالمي.
كما أدرك الاتحاد السوفييتي أهمية القرن الإفريقي كموقع إستراتيجي يُتيح التحكم في الممرات البحرية الحيوية بين البحر الأحمر والمحيط الهندي، وهو ما دفَعه إلى تكوين تحالفات قوية مع دول المنطقة، مثل الصومال وإثيوبيا.
وفي هذا السياق، اتبع الاتحاد السوفييتي سياسة الدعم العسكري والمادي لتلك الدول مقابل ضمان الحصول على موطئ قدم إستراتيجي له؛ حيث أسهمت هذه التحالفات في بناء قواعد عسكرية وتوسيع نفوذه الجغرافي بالقرب من الممرات المائية الحيوية.
الأهداف الإستراتيجية لروسيا في القرن الإفريقي:
تميزت توجهات الاتحاد السوفييتي خلال تلك الحقبة بنهج براغماتي، يتجاوز الأيديولوجيا الشيوعية إلى التركيز على المصالح الجيوسياسية.
شمل ذلك تغيير الحلفاء في المنطقة بناءً على المصالح، كما حدث خلال تحوُّل التحالف من الصومال إلى إثيوبيا في سبعينيات القرن الماضي. كان الهدف الرئيسي من هذه التوجهات هو موازنة النفوذ الغربي، خاصة النفوذ الأمريكي، وضمان وجود فعّال في مناطق ذات أهمية إستراتيجية.
ورغم النجاحات المؤقتة؛ إلا أن هذه السياسات أسهمت أحيانًا في زعزعة الاستقرار الإقليمي؛ بسبب تدخلات الاتحاد السوفييتي في النزاعات المحلية لتحقيق أهدافه الخاصة.
كما يُشكّل الموقع الجغرافي للقرن الإفريقي، وخاصة المناطق المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، أهمية إستراتيجية بالغة في الاقتصاد العالمي؛ حيث يُعدّ واحدًا من أكثر الممرات البحرية ازدحامًا وحيويةً في حركة التجارة الدولية.
ويُعدّ البحر الأحمر منفذًا رئيسيًّا يربط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي عبر قناة السويس، مما يجعله مسارًا حيويًّا لنقل النفط والغاز من دول الخليج العربي إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية.
وبفضل هذه الممرات البحرية الحيوية، تتحكم المنطقة في حوالي 10% من تجارة النفط العالمية التي تمر يوميًّا عبر مضيق باب المندب، مما يُبْرِز أهميتها الجيوسياسية والاقتصادية[2].
إلى جانب دورها في تجارة النفط والغاز؛ تكتسب المنطقة أهمية إضافية لكونها نقطة تلاقي العديد من الطرق البحرية بين آسيا، أوروبا، وإفريقيا، مما يُتيح إمكانات كبيرة لتجارة السلع والبضائع.
كما يُوفّر خليج عدن، الملاصق للساحل الصومالي، فرصة كبيرة لنمو حركة الملاحة البحرية والبنية التحتية للموانئ التي تُسهم في تعزيز التجارة الإقليمية والدولية.
ومع تزايد التنافس الدولي على تعزيز النفوذ في هذه المنطقة، تُعدّ سيطرة القوى الكبرى على هذا الممر البحري وسواحله عنصرًا حاسمًا في تأمين إمدادات الطاقة وتسهيل التجارة العالمية، مما يُبرز أهمية الموقع في تشكيل السياسات الاقتصادية والجيوستراتيجية العالمية.
محاولات مواجهة النفوذ الغربي في القرن الإفريقي:
خلال فترة الحرب الباردة، بذل الاتحاد السوفييتي جهودًا حثيثة لمواجهة النفوذ الغربي، خاصة الأمريكي والأوروبي، في منطقة القرن الإفريقي. واعتبر السوفييت المنطقة جزءًا من صراع القوى الكبرى الذي كان يهدف للهيمنة على المواقع الإستراتيجية والتوازن العسكري والاقتصادي العالمي.
وقد ركزت السياسة السوفييتية في المنطقة على إقامة تحالفات قوية مع الأنظمة السياسية التي أظهرت استعدادًا لتبنّي الأفكار الاشتراكية، أو التي كانت تبحث عن دعم مادي وعسكري لتعزيز قوتها في مواجهة منافسيها الإقليميين.
عبر هذه السياسة، تمكّن الاتحاد السوفييتي من مدّ نفوذه في دول مثل الصومال وإثيوبيا؛ حيث قدَّم دعمًا كبيرًا عبر بناء الجيوش، توفير الأسلحة، وتقديم برامج تدريب للقوات المحلية.
كانت محاولات مواجهة النفوذ الغربي تتمثل في استغلال النزاعات الإقليمية مثل حرب أوجادين (1977-1978م)، التي دعم فيها الاتحاد السوفييتي إثيوبيا مقابل الدعم الأمريكي للصومال.
هذا الصراع أتاح لموسكو التوسع العسكري والدبلوماسي في إثيوبيا بعد خسارة حليفها الصومال. كما سعت السياسة السوفييتية إلى تعزيز النفوذ البحري عبر استخدام موانئ المنطقة كقواعد بحرية تخدم أهدافها الجيوسياسية، مثل ميناء عصب في إثيوبيا.
من خلال هذه الجهود؛ حاول الاتحاد السوفييتي تقويض الهيمنة الأمريكية وتأمين موقع متقدم يُمكّنه من الوصول السريع إلى الممرات المائية الدولية، وتوسيع نطاق تأثيره في منطقة إستراتيجية تشكل حلقة وصل بين آسيا وإفريقيا وأوروبا[3].
بدايات عودة الروس إلى القرن الإفريقي:
مع مطلع الألفية الجديدة، بدأت روسيا في إعادة توجيه اهتمامها نحو منطقة القرن الإفريقي، في إطار إستراتيجيتها لاستعادة دورها العالمي بعد تراجع نفوذها خلال فترة التسعينيات.
جاءت هذه العودة مدفوعة بسعي موسكو إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية، وإقامة شراكات تعاونية في مختلف المجالات.
في الصومال، ركَّزت روسيا على تقديم الدعم في مجالات مكافحة الإرهاب، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز العلاقات التجارية، مستغلة غياب استقرار طويل الأمد، وضعف التأثير الغربي في البلاد.
وبدأت هذه الجهود تكتسب زخمًا ملحوظًا من خلال المشاركة الروسية في المحافل الدولية لدعم السلام والاستقرار في الصومال، بما في ذلك عمليات مكافحة القرصنة قبالة سواحل خليج عدن. إضافةً إلى ذلك، زادت موسكو من صادرات الأسلحة والتعاون الأمني مع الدول المجاورة للصومال لتعزيز نفوذها غير المباشر في البلاد.
هذه التحركات تزامنت مع محاولة روسيا توسيع حضورها البحري والجيوسياسي عبر الممرات المائية المهمة، بما يُعزّز إستراتيجيتها لإعادة التوازن أمام النفوذ الغربي في القرن الإفريقي وخليج عدن.
وتلعب روسيا دورًا متزايدًا في تحقيق التوازن بين القوى المتنافسة في منطقة القرن الإفريقي، مستفيدة من تاريخها الطويل في التعامل مع المنطقة خلال الحقبة السوفييتية.
كما تسعى روسيا اليوم إلى إعادة صياغة نفوذها من خلال إقامة شراكات إستراتيجية مع دول المنطقة، مثل السودان وإريتريا وإثيوبيا؛ حيث تقدم الدعم العسكري والاقتصادي مقابل تحقيق توازن إستراتيجي مع القوى الغربية والصينية النشطة هناك.
يأتي ذلك ضمن جهودها للحد من الهيمنة الأمريكية في المنطقة وتأمين حضور فعّال بالقرب من الممرات البحرية الدولية التي تُعدّ شريانًا حيويًّا لحركة التجارة والطاقة العالمية.
إضافة إلى تعزيز علاقاتها الثنائية؛ تسعى روسيا لتقديم نفسها كطرف محايد قادر على دعم الحلول السلمية للنزاعات الإقليمية، مثل النزاع على مياه النيل بين إثيوبيا والسودان ومصر، وكذلك النزاعات داخل الصومال.
وتعتمد روسيا على إستراتيجيات دبلوماسية مدروسة وتوسع تعاونها العسكري؛ من خلال تصدير الأسلحة والتدريب العسكري، مما يُعزّز موقعها كلاعب رئيسي في المنطقة.
كما تشكل محاولاتها إقامة قواعد بحرية على ساحل البحر الأحمر ركيزة أساسية لدعم طموحاتها الإستراتيجية ومواجهة التحديات الجيوسياسية التي تفرضها القوى الكبرى المنافسة.
وكذلك لعبت روسيا دورًا متزايد الأهمية في الوساطات بين القوى المتنازعة في منطقة القرن الإفريقي، مستغلة خبرتها الدبلوماسية وسعيها لاستعادة نفوذها العالمي. وبرزت محاولاتها في دعم المفاوضات بين إثيوبيا والسودان ومصر بشأن سد النهضة؛ حيث قدمت روسيا نفسها كوسيط قادر على التوفيق بين المصالح المتضاربة.
وفي الصومال، دعمت جهود المصالحة بين الفصائل المتنازعة عبر مشاركاتها في المنظمات الدولية وتعزيز مسارات الحوار، خاصة من خلال الأمم المتحدة. تحاول موسكو الاستفادة من هذه الوساطات ليس فقط لتعزيز استقرار المنطقة، بل أيضًا لتأكيد دورها كقوة دولية مؤثرة قادرة على إعادة التوازن في القضايا الإقليمية[4].
علاقات روسيا مع دول المنطقة:
فيما يخص علاقاتها مع دول المنطقة؛ تطورت علاقات روسيا مع إثيوبيا على أساس التعاون العسكري والاقتصادي؛ حيث تقدم روسيا تدريبات وأسلحة تُسهم في تعزيز القوة الدفاعية الإثيوبية.
وفي إريتريا، استثمرت موسكو في تطوير العلاقات الثنائية عبر مشاريع البنية التحتية، ودعم تعزيز التعاون السياسي، مستغلة عُزلتها النسبية عن القوى الغربية.
أما مع الصومال، فتسعى روسيا لتعزيز شراكات تجارية وأمنية في إطار التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية. هذه العلاقات الثنائية تعزز من دور روسيا كلاعب رئيسي في رسم سياسات المنطقة، وتمكنها من التأثير في الديناميكيات الإقليمية.
كما تحاول روسيا أيضًا تقديم نفسها كحليف موثوق للدول النامية، مستفيدة من علاقاتها التاريخية مع هذه الدول خلال الحقبة السوفييتية.
ومن خلال سياساتها الحالية؛ تعرض موسكو الدعم العسكري والدبلوماسي للدول التي تعاني من ضغوط دولية، مثل الصومال وإريتريا، وتُشجّعها على تبني نهج سيادي مستقل.
في الوقت نفسه، تُروّج روسيا لصورة مضادة للغرب، تصفها بأنها قوة عالمية لا تسعى إلى فرض أجندات سياسية على حلفائها، بل إلى التعاون المتبادل لتحقيق المصالح المشتركة.
وتعتمد روسيا في هذا الدور على استخدام “القوة الناعمة”، من خلال تقديم المساعدات التنموية والمشاركة في مشاريع البنية التحتية، بالإضافة إلى بناء علاقات تجارية متوازنة.
لذلك يساعد هذا النهج روسيا على كسب ثقة حكومات المنطقة، التي ترى فيها شريكًا بديلاً عن القوى الغربية أو الصينية. إن هذا التوجه يدعم الهدف الأكبر لروسيا، وهو تعزيز موقعها كقوة متعددة الأقطاب تسعى إلى خلق نظام دولي جديد أكثر توازنًا[5].
تعزيز الشراكة بين روسيا ودول القرن الإفريقي:
تسعى روسيا إلى تعزيز حضورها الاقتصادي في منطقة القرن الإفريقي من خلال توقيع اتفاقيات اقتصادية وتجارية مع الصومال ودول الجوار، بهدف تحقيق أهدافها الإستراتيجية في هذه المنطقة الحيوية.
في الصومال، تركزت الجهود الروسية على تطوير البنية التحتية وإعادة تأهيل المنشآت الحيوية التي تضررت بسبب النزاعات الطويلة، فضلاً عن تقديم دعم لوجستي وبرامج تدريب لتعزيز القطاع الزراعي، الذي يُعدّ العمود الفقري للاقتصاد الصومالي.
كما وقَّعت روسيا اتفاقيات لدعم مشاريع الطاقة، بما يشمل توفير التكنولوجيا اللازمة لإنتاج الطاقة الكهربائية، وهو قطاع حيوي تحتاجه البلاد بشدة لتحقيق التنمية الاقتصادية.
مع دول الجوار، وسعت روسيا تعاونها التجاري مع إثيوبيا من خلال مشاريع الطاقة النووية المدنية، وتزويدها بالتكنولوجيا والتدريب اللازم.
أما في إريتريا، فقد ركزت الاتفاقيات على تعزيز استثمارات التعدين واستخراج المعادن مثل الذهب والبوتاس، والتي تُعدّ موارد إستراتيجية في اقتصاد البلاد.
من جهة أخرى، تعمل روسيا على تعزيز تجارتها الثنائية مع السودان في مجالات الزراعة والمواد الخام، كما تهدف إلى فتح أسواق جديدة لمنتجاتها الزراعية والصناعية في المنطقة.
وتسعى موسكو من خلال هذه الاتفاقيات إلى تحقيق شراكات اقتصادية مستدامة تُعزز نفوذها الإقليمي، بينما تدعم دول المنطقة في تطوير قدراتها الاقتصادية[6].
المساعدات العسكرية الروسية إلى الصومال:
تلعب روسيا دورًا مُهمًّا في تقديم المساعدات العسكرية للصومال في ظل الأوضاع الأمنية المعقدة التي تمر بها البلاد.
حيث قامت موسكو بتوريد الأسلحة والذخائر للصومال، في إطار دعمها المستمر للحكومة الصومالية في مكافحة الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب.
إضافة إلى ذلك، توفر روسيا تدريبات عسكرية للقوات الصومالية بهدف تعزيز قدراتها الدفاعية وتحسين التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية.
هذا الدعم العسكري يعكس إستراتيجية موسكو لتعزيز نفوذها في المنطقة، وتوسيع مجال تعاونها مع الصومال في الملفات الأمنية والجيوسياسية.
بجانب المساعدات العسكرية، تُواصل روسيا تصدير الأسلحة المتطورة والتكنولوجيا الأمنية للصومال ودول القرن الإفريقي، بما في ذلك تكنولوجيا الرصد والمراقبة التي تستخدمها القوات الحكومية في مكافحة الأنشطة الإرهابية.
من خلال هذه الصفقات، تحاول روسيا أن تبني قاعدة مستدامة من العلاقات الأمنية مع دول المنطقة، مما يُمكنها من بسط تأثيرها على الساحة الجيوسياسية في القرن الإفريقي.
كما تُسهم هذه الجهود في تعزيز صورة روسيا كداعم للسلام والاستقرار، خصوصًا في مناطق تعاني من نزاعات مستمرة.
وفيما يتعلق بالاستثمار في البنية التحتية؛ تضع روسيا خططًا إستراتيجية للاستثمار في موانئ الصومال، وتعتبرها حلقة وصل أساسية في شبكة النقل البحري العالمية.
فمن خلال تعزيز القدرة التشغيلية لموانئ البلاد، تطمح موسكو إلى تعزيز وجودها العسكري والتجاري في خليج عدن والبحر الأحمر، ما يمنحها موقعًا إستراتيجيًّا لدعم مصالحها الاقتصادية والعسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، تُخطط روسيا للاستثمار في مشاريع البنية التحتية التي تشمل تطوير الطرق والمطارات لتعزيز التبادل التجاري مع الصومال ودول الجوار. وتهدف روسيا من هذه الاستثمارات إلى توسيع نفوذها الإقليمي وتعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في القرن الإفريقي[7].
الدوافع الروسية في ظل التنافس الدولي:
تتبنَّى روسيا سياسة حَذِرة فيما يتعلق بإنشاء قواعد عسكرية محتملة في الصومال أو الدول المجاورة؛ حيث تُركّز على تعزيز وجودها العسكري من خلال التعاون الدفاعي دون الإعلان عن خطوات رسمية لبناء قواعد عسكرية دائمة.
على الرغم من أن روسيا قد بدأت في تقديم دعم عسكري كبير للصومال في مواجهة التهديدات الأمنية مثل جماعة الشباب المسلحة، إلا أن مسألة إقامة قاعدة عسكرية مستقرة في البلاد أو في المنطقة غير واضحة بعد.
ويعتبر هذا الموقف جزءًا من إستراتيجية روسية أكبر لتوسيع نفوذها العسكري في القرن الإفريقي دون الانخراط المباشر في مواجهات أو التزامات طويلة الأجل قد تُعرضها لضغوط دولية.
ومع ذلك، تُبدي موسكو اهتمامًا متزايدًا بوجودها العسكري في المناطق الحيوية مثل خليج عدن والبحر الأحمر، نظراً لأهميتهما في التجارة الدولية وأمن الطاقة.
فروسيا في تنافس مستمر مع القوى الغربية والإقليمية التي تملك قواعد بحرية أو عسكرية في المنطقة، مثل الإمارات وتركيا.
وفي المستقبل، قد تكون هناك مفاوضات بشأن إنشاء قواعد عسكرية في بعض الدول الجوار مثل إريتريا أو جيبوتي إذا كانت موسكو ترى أن ذلك يتماشى مع مصالحها الإستراتيجية في ظل التوترات المتزايدة على مستوى المنطقة.
كما تتنافس روسيا في القرن الإفريقي مع قوى إقليمية مثل الصين، تركيا، والإمارات العربية المتحدة؛ حيث يسعى كلّ منها لتعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي في المنطقة.
وبينما تتفوق الصين في مجالات الاستثمارات طويلة الأمد والبنية التحتية من خلال مشاريع ضخمة، مثل “مبادرة الحزام والطريق”، تسعى روسيا إلى الاستفادة من تعاونها العسكري والاقتصادي لتوسيع نفوذها.
لذلك تعمل روسيا على تقديم الدعم العسكري للقوات الصومالية، وتزويد الدول بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا الأمنية، مما يساعدها على تطوير علاقات إستراتيجية أقوى في المنطقة، في حين أن الصين تُركّز على بناء شبكة من المشاريع التجارية والبنية التحتية التي تُعزّز وجودها الاقتصادي.
من جهة أخرى، تُظهر تركيا والإمارات أهدافًا مختلفة نوعًا ما؛ إذ تسعى تركيا إلى إقامة وجود ثقافي ودبلوماسي من خلال التعاون في قطاعات مثل التعليم والزراعة وتقديم المساعدات التنموية.
أما الإمارات فتستثمر في تعزيز نفوذها العسكري والتجاري من خلال إنشاء قواعد بحرية في البحر الأحمر، مما يخلق منافسة حادة مع روسيا في المنطقة.
وتؤثر هذه المنافسات بشكل كبير على العلاقات داخل دول القرن الإفريقي؛ حيث تجد هذه الدول نفسها بين عدة خيارات للموازنة بين الأطراف المتنافسة. قد تنشأ فرص واختلالات في التوازن الإقليمي نتيجة لهذه التفاعلات الاقتصادية والعسكرية المعقدة[8].
تأثير العقوبات الغربية على روسيا:
تؤثر العقوبات الغربية بشكل كبير على سياسات روسيا الاقتصادية والدبلوماسية؛ حيث دفعتها إلى البحث عن فرص جديدة في مناطق غير تقليدية لتعزيز نفوذها وتنويع مصادر دخلها.
بعد فرض مجموعة من العقوبات القاسية مِن قِبَل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في أعقاب الأزمة الأوكرانية، خاصة بعد 2014، وعمليات التدخل العسكري في عدة مناطق، بدأت روسيا في توسيع حضورها في إفريقيا وآسيا الوسطى وكذلك مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط[9].
وتسعى موسكو إلى إقامة علاقات إستراتيجية مع الدول التي تُواجه ضغوطًا دولية مماثلة، وفي هذه العملية، تميل إلى تقديم نفسها كحليف بديل قادر على مواجهة الهيمنة الغربية.
بالإضافة إلى ذلك، تطمح روسيا إلى تقليل اعتمادها على الأسواق الغربية من خلال الاستثمار في أسواق جديدة، على سبيل المثال عبر عقود تجارية وعسكرية في إفريقيا وشرق البحر الأبيض المتوسط.
لذلك تحاول روسيا الاستفادة من هذه الفرص من خلال تقديم الدعم العسكري والتكنولوجي للدول ذات الاقتصادات الناشئة أو غير المستقرة، مما يُعزّز نفوذها في تلك المناطق.
وهذا التوجه يعكس إستراتيجية روسيا في توسيع وجودها الدولي بعيدًا عن الرقابة الغربية، من خلال الدخول في تحالفات مع دول تتخذ مواقف مخالفة للسياسات الغربية، ما يضمن لها أيضًا موقفًا قويًّا في المفاوضات الدولية[10].
التحديات والفرص:
تُواجه روسيا عدة عقبات في سعيها لتعزيز نفوذها في الصومال، من أبرزها عدم الاستقرار السياسي الذي يعاني منه البلد منذ عقود. فالصومال لا يزال يعاني من مشهد سياسي مجزَّأ؛ حيث تنشأ صراعات داخلية مستمرة بين الفصائل المختلفة، مما يجعل من الصعب بناء علاقات مستقرة بين الحكومة المركزية والأطراف الأخرى في البلاد. هذا التباين السياسي يَعُوق تنفيذ مشاريع اقتصادية وتنموية؛ إذ يصعب على روسيا الدخول في شراكات مستقرة إذا لم تكن السلطة السياسية في البلد موحدة وقادرة على فرض سيطرتها الفعّالة[11].
إلى جانب ذلك، يُشكّل الوضع الأمني في الصومال تحديًا كبيرًا أمام جهود روسيا لتوسيع حضورها العسكري والتجاري في المنطقة.
مع وجود جماعات مسلحة مثل حركة الشباب، فإن البيئة الأمنية غير المستقرة تُشكّل تهديدًا للأنشطة الروسية؛ حيث يصعب تأمين استثمارات كبيرة أو نشر قوات أمنية بشكل طويل الأمد في مناطق غير آمنة.
فالتوترات الأمنية تُحجّم من قدرة روسيا على تعزيز وجودها على الأرض في ظل الحاجة إلى تأمين استثماراتها وحماية الأفراد العاملين في مشاريعها[12].
موقف روسيا من الفرص والأوضاع الراهنة في القرن الإفريقي:
تُشكّل الأوضاع الراهنة في الصومال فرصة إستراتيجية لروسيا لتعزيز وجودها في القرن الإفريقي، خاصة بالنظر إلى الاحتياجات التنموية الكبيرة التي تعاني منها البلاد.
فمع وجود أزمة إنسانية مزمنة، ودمار كبير في البنية التحتية؛ يسعى الصومال إلى جذب الاستثمارات الأجنبية لإعادة بناء اقتصاده.
ولذلك فروسيا، من خلال توفير استثمارات في قطاعات مثل الطاقة والموانئ والنقل، يمكنها أن تلعب دورًا محوريًّا في تلبية تلك الاحتياجات التنموية.
وتواصل موسكو التأكيد على استعدادها لتقديم المساعدات التقنية والعسكرية التي قد تكون أساسية للصومال في مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية، مما يساعدها على بناء علاقات قوية مع الحكومة الصومالية ودعمها في مشاريع إعادة الإعمار.
علاوة على ذلك؛ تسعى روسيا لتوسيع دائرة شراكاتها الدولية وتنويعها بعيدًا عن علاقاتها التقليدية مع القوى الغربية من خلال تحسين التعاون مع الدول النامية، لا سيما في إفريقيا.
من أجل ذلك تحاول روسيا أن تسهم في بناء شبكة من الشراكات الاقتصادية التي تقلل من تأثير العقوبات الغربية المفروضة عليها.
وتوفر الأوضاع الراهنة في الصومال بيئة مثالية لذلك؛ حيث تواجه البلاد صعوبة في إيجاد شركاء دوليين موثوقين بسبب عدم الاستقرار الأمني.
لذا، تتطلع روسيا إلى الاستفادة من هذا الوضع لتوسيع نطاق علاقاتها، مما يُعزّز نفوذها في المنطقة ويمنحها أداة ضغط في الساحة الدولية[13].
ومن ناحية أخرى، قد يُعزّز الدعم الروسي استقرار الحكومة المركزية في الصومال من خلال تزويدها بالموارد والمساعدات العسكرية لمكافحة الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب. مثل هذا الدعم يُسهم في تعزيز قدرة الحكومة على حفظ الأمن في بعض المناطق الخاضعة لسيطرتها، ويخلق فرصًا لتسريع إعادة إعمار البنية التحتية الضرورية.
في المقابل، تزايد التدخلات الخارجية قد يُعقّد المشهد السياسي الداخلي في الصومال؛ إذ يتسبب في تعزيز الانقسامات بين الفصائل المختلفة التي تتنافس على التأثير والسيطرة على الحكم، مما يطيل فترة عدم الاستقرار في المناطق التي تفتقر إلى سلطة فعَّالة.
على الصعيد الأمني، قد يؤدي وجود روسيا إلى تحديات إضافية بما أن القوى الدولية المنافسة قد ترى في هذا الوجود تهديدًا لتوازن القوى في المنطقة.
فموقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يصبح أكثر تعقيدًا، مما قد يدفعهم إلى دعم أطراف محلية تهدف إلى مقاومة النفوذ الروسي.
في الوقت نفسه، قد يسهم هذا التدخل في ازدياد العنف بسبب التحولات في مواقف القوى الإقليمية الفاعلة التي قد تتخذ روسيا منها حلفاء، مما يُضْفِي مزيدًا من التوتر في بيئة الأزمات القائمة[14].
ويُعدّ الوجود الروسي في الصومال جزءًا من إستراتيجية موسكو لتوسيع دائرة تحالفاتها في القرن الإفريقي، وهو ما يؤثر بشكل كبير على معادلات التحالفات الإقليمية.
فمع تزايد النفوذ الروسي، تشهد علاقات دول الجوار مع روسيا تحولًا ملحوظًا، خصوصًا في ظل المنافسة مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين.
على سبيل المثال، قد تسعى إثيوبيا التي كانت تظل تحت التأثير الغربي إلى تقوية علاقاتها مع روسيا ضمن سياق التنويع في شراكاتها الدولية، خاصة بعد صراعاتها الداخلية وحاجتها إلى دعم اقتصادي وأمني.
من جهة أخرى، تُهدّد هذه التطورات بنسف توازنات التحالفات الإقليمية التقليدية، مثل تلك التي بين الصومال والدول الغربية.
إن دور روسيا كحليف مهم لبعض الحكومات في المنطقة قد يؤدي إلى تشكيل تحالفات جديدة تغيّر بشكل جذري التركيبة الإقليمية؛ حيث يسعى عدد من اللاعبين الإقليميين، مثل تركيا والإمارات، للحدّ من تأثير موسكو ودورها المتزايد في القرن الإفريقي.
وستُسهم هذه الديناميكيات في رسم خطوط جديدة للسياسة الخارجية للدول الإفريقية، بما يتماشى مع التغيرات الإستراتيجية التي قد تنشأ في المنطقة بسبب النموذج الروسي الذي يعارض نفوذ الغرب، ويعزز مفهوم الشراكات متعددة الأطراف لتحقيق مصالح مشتركة[15].
تقييم شامل للأدوار الروسية والنتائج المترتبة على نفوذها في القرن الإفريقي:
يتّسم النفوذ الروسي في القرن الإفريقي بطابع إستراتيجي؛ إذ يسعى إلى تعزيز مكانتها في المنطقة التي تعتبر محورية في السياسة العالمية بسبب موقعها الجغرافي والاقتصادي.
فروسيا قد استفادت من الأزمات الأمنية والسياسية في الصومال؛ حيث تُبْدِي استعدادًا لدعم الحكومة المركزية عبر تقديم المساعدات العسكرية والتعاون الأمني لمحاربة الإرهاب والتطرف.
في الوقت نفسه، سعت إلى توقيع اتفاقيات تجارية مع دول مثل إثيوبيا وإريتريا، مما يسمح لموسكو بفتح أسواق جديدة وتعزيز دورها كمنافس في مواجهة النفوذ الغربي.
وتكون النتائج المترتبة على هذه التدخلات تشمل توسيع دائرة الحلفاء الروس في القارة، وبالتالي إضعاف تأثير القوى الأخرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن في الوقت ذاته، تظل هناك تحديات تتمثل في عدم الاستقرار السياسي في المنطقة والصراعات المستمرة التي قد تقوض هذه الجهود.
إضافة إلى ذلك، فإن التوسع العسكري الروسي، وإن كان قد عزَّز من وجود موسكو في البحر الأحمر وخليج عدن، إلا أن استمرار التدخل في هذه المنطقة قد يَجُرّ روسيا إلى مزيد من الصراعات مع قوى أخرى مثل الولايات المتحدة والصين.
كما أن تأثير روسيا على صعيد مكافحة الإرهاب والتطرف قد يؤدي إلى تحسين صورتها في المنطقة، لكنها في الوقت نفسه تواجه مخاطر تتمثل في تزايد المنافسة الإقليمية والدولية في هذه المنطقة الغنية بالموارد الإستراتيجية.
إلى جانب ذلك، قد تكون هذه التحركات الروسية بمثابة تحدٍّ لتوازنات القوى التقليدية في القرن الإفريقي[16].
السيناريوهات المستقبلية المحتملة للنشاط الروسي في المنطقة:
في المستقبل، هناك عدة سيناريوهات يمكن أن تترتب على نشاط روسيا في القرن الإفريقي:
السيناريو الأول يتمثل في زيادة توسُّع الدور العسكري الروسي في الصومال ودول الجوار بهدف تعزيز الاستقرار الأمني ومحاربة الجماعات الإرهابية، وهو ما قد يفتح الباب لوجود دائم للقوات الروسية وتطور شبكة قواعد عسكرية في المنطقة. وهذه السيناريو قد يجعل روسيا تندمج بشكل أكثر مع الأنظمة الحكومية التي تعاني من عدم الاستقرار، ويُشكل ذلك توازنًا ضد النفوذ الغربي.
أما السيناريو الثاني فيتعلق بإمكانية تحول روسيا إلى داعم رئيسي لمشاريع التنمية الاقتصادية في المنطقة.
كما يمكن أن تُحفّز روسيا نفسها على تقديم مشاريع استثمارية خاصة بالبنية التحتية والموانئ، مما يساعد على تعزيز قدراتها الاقتصادية وحضورها في السوق الإفريقي.
بينما السيناريو الثالث قد يشهد تزايدًا في المنافسة الروسية مع القوى الإقليمية الأخرى مثل تركيا والصين، مما قد يدفع موسكو إلى تغيير إستراتيجياتها لضمان تفوقها، أو على الأقل استقرارها كقوة مؤثرة في المنطقة رغم المتغيرات السياسية العالمية والمحلية.
ولكن ليست هذه السيناريوهات الثلاثة هي الوحيدة في معادلة الوجود الروسي في القرن الإفريقي وخاصة الصومال؛ فهناك سيناريوهات أخرى؛ منها:
1- تعزيز التعاون الدبلوماسي وتعدد الأطراف:
في هذا السيناريو، قد تبني روسيا علاقات أقوى مع مختلف دول القرن الإفريقي عبر تعزيز التحالفات متعددة الأطراف في مجالات مثل التعليم، الصحة، والدبلوماسية؛ حيث تقدم نفسها حليفًا إستراتيجيًّا يعارض الهيمنة الغربية. وهذا التعاون لا يقتصر فقط على مجال واحد بل يمتد ليشمل مختلف نواحي التنمية السياسية والاقتصادية في الدول الإفريقية.
ومن خلال هذه التحركات، قد تصبح روسيا قوة دبلوماسية محورية تسعى لتعميق شراكاتها مع دول لا ترغب في الانخراط بشكل مباشر مع القوى الغربية.
وهذا السيناريو يضع روسيا في موقع مؤثر لتحقيق توازن في السياسة الإقليمية والعالمية.
2- التحول إلى مركز اقتصادي واستثماري:
السيناريو الآخر هو أن تنجح روسيا في أن تصبح مركزًا اقتصاديًّا رئيسيًّا في المنطقة؛ من خلال توفير الاستثمارات الضرورية في القطاعات الحيوية مثل الطاقة والبنية التحتية والنقل.
وفي حال اتبعت موسكو إستراتيجية مبتكرة للاستثمار في مشاريع كبيرة لوجستية وتجارية داخل دول مثل الصومال وإثيوبيا وإريتريا، قد يتمكن النفوذ الروسي من جعل هذه البلدان اقتصادات تابعة لروسيا تجذب الاستثمارات الأجنبية وخاصة في مجالات التنقيب عن الموارد الطبيعية.
3- التحالف مع القوى المحلية لموازنة القوى الإقليمية:
في هذا السيناريو، تقوم روسيا ببناء تحالفات مع قوى محلية قوية داخل دول القرن الإفريقي مثل إثيوبيا والصومال وإريتريا لتشكيل تحالفات عسكرية وإستراتيجية تكون موجهة لموازنة نفوذ القوى الإقليمية الأخرى مثل تركيا أو الولايات المتحدة.
ويمكن لروسيا أن تبني هيكلًا من التحالفات الدفاعية للمساعدة في تقوية حضورها العسكري، وتعزيز استقرار النظام الإقليمي ضد التدخلات الغربية، مما يجعل من الممكن لها تعزيز استثماراتها العسكرية[17].
4- تزايد الصراعات والنزاعات الإقليمية:
في حال تصاعدت المنافسة في المنطقة بشكل غير متوقع بسبب تدخل القوى العالمية الأخرى مثل الصين والولايات المتحدة، قد يصبح النشاط الروسي في القرن الإفريقي مصحوبًا بتحديات جديدة على شكل صراعات محلية أو نزاعات إقليمية.
مما يعني أن تصبح روسيا مجبرة على القيام بمناورات سياسية وعسكرية لتعزيز نفوذها، مما يزيد من حدة المواجهات المحتملة مع القوى الغربية أو الإقليمية المنافسة.
5- التركيز على التجارة البحرية والوجود العسكري في البحر الأحمر:
على المدى الطويل، من الممكن أن تسعى روسيا لتوسيع وجودها العسكري في البحر الأحمر بشكل خاص لتعزيز مصالحها البحرية والتجارية في هذا الطريق الإستراتيجي الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي.
وقد تشمل هذه الإستراتيجية إنشاء قواعد بحرية واستخدام الصومال بوابة للنفوذ في طرق التجارة العالمية، مما سيسمح لروسيا بالحفاظ على حضور قوي بالقرب من مضيق باب المندب وفتح فرص تجارية وعسكرية جديدة[18].
السمعة السيئة في وسط وغرب إفريقيا:
ورغم الجهود الروسية لتعزيز نفوذها في وسط وغرب إفريقيا وتحسين صورتها كحليف إستراتيجي؛ تواجه تحركاتها هناك انتقادات واسعة قد تؤثر سلبًا على فرصها في تحقيق هذا الهدف.
أحد أبرز الجوانب السلبية هو ارتباط التدخل الروسي بنشاط شركات عسكرية خاصة مثل مجموعة”فاغنر”، التي تورطت في تقارير تتحدث عن انتهاكات لحقوق الإنسان واستغلال الموارد الطبيعية في الدول التي تعمل بها.
هذا الارتباط يُثير شكوكًا حول نوايا روسيا الحقيقية، ما يُضْعِف من قدرتها على تقديم نفسها كقوة مسالمة وداعمة للاستقرار الإقليمي.
بالإضافة إلى ذلك، تعتمد روسيا في نفوذها على دعم أنظمة سياسية تواجه شعوبها، وهو ما قد يؤدي إلى تعزيز الانقسامات الداخلية بدلاً من حلها.
وعلى الرغم من تقديم الدعم الأمني والاقتصادي، يظل هذا الدعم موجهًا في كثير من الأحيان لخدمة مصالح النخب الحاكمة بدلاً من المجتمعات المحلية. وهذه الديناميكية يمكن أن تعمق التصورات السلبية عن الدور الروسي، خاصةً بين الدول الإفريقية التي تسعى لتحقيق تنمية حقيقية تتجاوز المساعدات المشروطة التي تعتمد عليها إستراتيجيات القوى العالمية[19].
وفي خضم التغيرات السياسية والأمنية التي يشهدها القرن الإفريقي، يبقى السؤال الذي يثير الكثير من النقاش
هل تتمكن روسيا من تعزيز نفوذها في هذه المنطقة الحيوية على حساب القوى التقليدية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؟ وهل سيكون لتوسعها العسكري والاقتصادي تأثير طويل الأمد في استقرار الدول التي تتنافس للعب دور محوري في هذا الفضاء متعدد الأطراف؟ أم أن روسيا، كما حدث في فترات سابقة، ستواجه صعوبات في كسر الحواجز التي يضعها النفوذ الغربي والإقليمي؟
وهل ستنجح موسكو في بناء تحالفات حقيقية تقاوم الانقسامات الداخلية، أم أن الحروب الباردة الجديدة ستفاقم من التدخلات السياسية والاقتصادية لتجعل المنطقة مجرد مسرح لتنافس العظماء؟ وبينما تتصاعد الإستراتيجيات الجيوسياسية في القرن الإفريقي، يبقى من المستحيل الجزم بما قد ينتج عن هذا التدخل الروسي في مستقبل مشهد يزداد تعقيدًا كل يوم.