مآلات محتملة.. ماذا بعد اختيار كمال كيليجدار أوغلو مرشحًا للمعارضة التركية؟

ماري ماهر

 

حاولت المعارضة التركية لملمة صفوفها التي تواردت أنباء تصدعها قبل أيام بانسحاب حزب الجيد بزعامة ميرال أكشنار من تحالف الطاولة السداسية “تحالف الأمة” المعارض، بعدما تسربت معلومات برفضها الدفع بزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو كمرشح رئاسي مشترك، إذ أُعلن التوصل لصياغة توافقية يوم 6 مارس الجاري تقضي بترشيح كيليجدار أوغلو، على أن يتم تعيين منصور يافاش وأكرم إمام أغلو، رئيسا بلديتي أنقرة وإسطنبول على الترتيب، نائبين للرئيس حال فوزه. وتنعكس هذه التطورات على المشهد الانتخابي المثقل بالتحديات الداخلية المتعلقة بصعوبة الأوضاع الاقتصادية وتصاعد الغضب الشعبي تجاه اللاجئين السوريين، ولا يمكن إغفال متغير زلزال 6 فبراير وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية، الذي وإن لم يؤثر على المواعيد الإجرائية للانتخابات بإجرائها وفق موعدها المُعلن مسبقًا يوم 14 مايو المقبل، فإنه سيكون موضوعًا للسجال السياسي في برامج المرشحين.

محاولة القفز على الخلافات

لم يحمل إعلان 6 مارس مفاجآت كبيرة، فأسماء الصيغة التوافقية الثلاثية للمعارضة كانت مسارًا للتكهنات والسجالات طوال الفترة الماضية، بشأن أيهم سوف يقع عليه الاختيار لمنافسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الانتخابات المقبلة التي تعتبر الأكثر أهمية وحساسية في تاريخه السياسي. ورغم اتساع فرص إمام أوغلو ويافاش للفوز مقارنة بكيليجدار أوغلو، فإن اسمه طُرح بقوة كمرشح محتمل في ظل طموحه الشخصي للوصول، واستشعاره بالاستحقاق للوصول لهذا المنصب وتلمحيه غير مرة بالاستعداد للترشح نيابةً عن الطاولة السداسية، مع تفضيله بقاء منافسيه المحتملين – من الحزب ذاته – في مناصبهما التنفيذية كرؤساء بلديات. وبعض مخاض عسير تم الاستقرار على تلك الصيغة، ربما بهدف احتواء الانشقاقات الداخلية والحيلولة دون تفكك التحالف قبل حوالي شهرين من الانتخابات، وللاستفادة من القاعدة الجماهيرية المؤيدة لكليهما أملًا في تحقيق أفضل النتائج الممكنة.

وقد مهدت بعض العوامل والمخاوف الطريق أمام ترشح كيليجدار أوغلو، رغم كونه الاختيار الأسوأ بحسب استطلاعات الرأي التي لا تُظهر قدرته على هزيمه أردوغان، ورغم حقيقة أنه لا يتمتع بشخصية كاريزمية ولم يسجل نصرًا انتخابيًا ضد أردوغان منذ أن أصبح رئيسًا لحزب الشعب الجمهوري عام 2010، ومن أهم تلك العوامل احتمالية مواجهة إمام أوغلو فرض حظر سياسي قد يمنعه من تولي منصبه، وهي المشكلة ذاتها التي واجهها أردوغان عندما فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات العامة في نوفمبر 2002، وكان على أردوغان الانتظار حتى مارس 2003 قبل أن يتولى منصب رئيس الوزراء، وأيضًا الخشية من عدم جاذبية يافاش للناخبين الأكراد بسبب جذوره السياسية باعتباره قوميًا تركيًا.

وتهدف الصيغة الثلاثية، لتقوية جبهة المعارضة واجتذاب قطاعًا واسعًا من الناخبين؛ فكلٌ من الثلاثة يمكنه تحقيق جذب لفئة أو فئات متعددة، فكيليجدار أوغلو ينتمي للأقلية العلوية التي تشكل ما بين 15% و20% من سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة ما يجعله مرشحًا مثاليًا لهم، بالإضافة إلى أن دعمه لحقوق الأكراد يجعلهم مصوتين محتملين له (قاعدتهم التصويتية تتجاوز 12%)، ونظرًا لخلفيته الاقتصادية كونه عمل في وزارة المالية ثم ترأس مؤسسة التأمين الاجتماعي التركية خلال التسعينيات، تجعله يراهن عليها لاجتذاب الناخبين الغاضبين من السياسات الاقتصادية غير التقليدية لحكومة أردوغان، التي تسببت في ارتفاع التضخم وسلسة انهيارات في قيمة العملة المحلية “الليرة”. أما يافاش فهو سياسي هادئ انتمى سابقًا لحزب الحركة القومية اليمين ويتمتع بشخصية كاريزمية، وغالبًا ما ترفع عن الخوض في السجالات السياسية مع الحزب الحاكم وهو ما يمنحه قبولًا داخل القاعدة التصويتية القومية. فيما يتمتع إمام أوغلو بخبرة سياسية وتنفيذية واسعة وكان الشخص الوحيد الذي نجح في تحدي أردوغان وحزب العدالة والتنمية في صناديق الاقتراع، وأمكنه إلحاق الهزيمة به مرتين خلال الانتخابات البلدية عام 2019، وهو قادر على اجتذاب التصويت الكردي بناءً على دعم حزب الشعوب الديموقراطي الذي حصل عليه عام 2019، ويتمتع ببلاغة خطابية تمكنه من تقديم الحجج ومواجهة أردوغان وكسب أصوات الجماعات الكردية والسنية والعلوية وغيرها من المجموعات الانتخابية.

وتبرز خلال المرحلة المقبلة الحاجة إلى محادثات أوسع بين قادة المعارضة لتوضيح صلاحيات إمام أوغلو ويافاش كنائبين للرئيس، وإرضاء قادة الأحزاب الأربعة الأصغر ضمن تحالف الطاولة السداسية، نظرًا لأنه وفقًا للتسوية الأخيرة لن يستطيع كيليجدار أوغلو الالتزام بوعوده السابقة بتعيين قادة أحزاب المعارضة الخمسة الآخرين في التحالف كنواب للرئيس إذا فازت الكتلة السداسية في الانتخابات الرئاسية.

ملامح البرنامج الانتخابي

اتفقت أحزاب الطاولة السداسية في اجتماع استضافة حزب الشعب الجمهوري يوم 2 أكتوبر 2022، على تشكيل تسع مجموعات عمل لإعداد وثائق سياسية تكون بمثابة برنامج انتخابي للتحالف، وفي 30 يناير 2023 أعلنت المجموعات وثيقة مشتركة من 200 صفحة، يمكن عرض خطوطه العريضة كالتالي:

• استعادة الديمقراطية وسيادة القانون: تتعهد الوثيقة للمعارضة بإلغاء النظام الرئاسي أو ما أسمته “حكم الرجل الواحد” وإنشاء نظام برلماني معزز، عن طريق إجراء تعديلات دستورية على الدستور الحالي، تعتمد إقامة نظام برلماني تستعيد فيه السلطة التشريعية بعض الصلاحيات والاختصاصات التي انتزعتها منه التعديلات الأخيرة بما في ذلك الميزانية. واستعادة استقلال القضاء وضمان نزاهته من خلال نزع الطابع السياسي عن المحكمة الدستورية ومجلس القضاة والمدعين العامين، وتحسين الضمان الدستوري للوظيفة القضائية، والاعتراف بالمجلس الأعلى للانتخابات ومحكمة الحسابات كمحاكم عليا، بما يحد من مخاطر تدخلات السلطة التنفيذية في استقلال القضاء. علاوة على إصلاح المؤسسات العامة، وإلغاء سلطة وزارة الداخلية في إقالة رؤساء البلديات المنتخبين وتعيين أمناء بدلًا منهم، وإعادة تنظيم بعض المؤسسات العامة مثل المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون ومجلس التعليم العالي عبر منحهما استقلالية أكبر للحيلولة دون استخدامهما كأداة من قبل الحكومة. والتأكيد على ضمان الحقوق والحريات، وتوسيع نطاقات حرية التعبير، وحرية الصحافة، وحرية تكوين الجمعيات، ودمج مفهوم الكرامة الإنسانية في الدستور كأساس للنظام الدستوري، وإدماج حقوق الحيوان أيضًا.

• معالجة الأزمة الاقتصادية: قدمت المعارضة خطوطًا عريضة لرؤيتها الاقتصادية دون وضع خطة إجرائية تنفيذية واضحة، شملت وقف سياسات أردوغان الاقتصادية غير التقليدية (خفض أسعار الفائدة)، وإعادة هيكلة وتعزيز المؤسسات الاقتصادية، ويشمل ذلك تشكيل لجنة لتقييم حالة الاقتصاد وتفعيل مؤسسات التخطيط الاستراتيجي القائمة وإلغاء صندوق الثروة التركي. وتحقيق الانضباط المالي من خلال محاربة “الإسراف العام”، وإجراء مراجعة قانونية ومالية لجميع مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي تنفذها حكومة أردوغان، وإضفاء الطابع المؤسسي على عمليات صنع القرار بشأن الإنفاق العام. واتباع سياسة اجتماعية شاملة من خلال توسيع نطاق المساعدة والخدمات الاجتماعية وتحسين آليات إعادة التوزيع. فضلًا عن تنشيط الاقتصاد التركي عن طريق تنفيذ الإجراءات المطلوبة للمشاركة في مؤسسات وبرامج التحول الرقمي التي أنشأها الاتحاد الأوروبي، وتشكيل مؤسسات جديدة للتكيف مع الصفقة الأوروبية الخضراء، وتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

• إعادة صياغة السياسة الخارجية: اتسمت مقاربة السياسة الخارجية للمعارضة بالغموض ولم تُظهر اختلافًا جذريًا عن مقاربة أردوغان، كما أن البرنامج الانتخابي لا يشير إلى قضايا محددة عند وصف السياسة الخارجية المستقبلية لتركيا، باستثناء التعهد بإعطاء الأولوية للدبلوماسية والمحادثات متعددة الأطراف للتعامل مع قضايا شرق المتوسط وقبرص واليونان، بما يضمن الالتزام بحماية المصالح الوطنية لتركيا، كذلك تتضمن الوثيقة المشتركة التعهد بإعادة النظر في الاتفاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن إعادة قبول طالبي اللجوء. وأيضًا انتقاد الديناميكية الحالية في علاقات تركيا مع روسيا ومنظمة شنغهاي للتعاون، مع التلميح بتغييرها دون الإشارة لقضايا محددة مثل صفقة S-400 أو الحرب الروسية الأوكرانية، مع التعهد بإقامة علاقات “متوازنة مؤسسيًا وبناءة” مع روسيا وعلاقات “واقعية ومستدامة” مع المنظمات الإقليمية، مثل منظمة شنغهاي للتعاون ورابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان”.

واكتفت الوثيقة بتحديد مبادئ عامة للسياسة الخارجية تقوم على مأسستها، والاعتراف بانتماء تركيا للتحالف الغربي والتخلي عن السعي وراء التوجهات الاستراتيجية غير الغربية، واستمرار العلاقات المتوازنة مع روسيا والصين بما لا يُعرض التزامات أنقرة تجاه التحالف الغربي للخطر، وتأكيد محاولة تركيا الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي الكاملة، والحاجة إلى التركيز على إصلاح سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان. ويمكن إيعاز انخفاض التركيز على قضايا السياسة الخارجية إلى التباينات الكبيرة بين الأحزاب بشأنها، ومحدودية تأثيرها على السلوك التصويتي للناخبين كونها لا تحتل الأولوية بالمقارنة بالقضايا المحلية وأهمها الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

عوامل حاكمة

نظريًا، تتوقف قدرة المعارضة على اجتذاب الأصوات وتحقيق تقدم خلال الانتخابات المقبلة وتنفيذ برنامجها الانتخابي على مجموعة من العوامل، نذكر منها الآتي:

• موقف حزب الشعوب الديمقراطي: يعتبر موقف الحزب الأبرز ضمن تحالف “العمل والحرية” اليساري حاسمًا بالنسبة للانتخابات كونه يتمتع بقاعدة انتخابية تقدر بحوالي 12%، ما يجعله الحصان الأسود لأي انتخابات ونظرًا لعدم قدرة المعسكرين المنافسين على تأمين 50%، وبينما تصاعدت الخلافات مؤخرًا بشأن ضم الحزب للطاولة السداسية حيث تبنت بعض الأطراف داخل تحالف الأمة – حزب الجيد تحديدًا – موقفًا متشددًا من التواصل أو التنسيق أو التحالف مع حزب الشعوب الديموقراطي خشية اتهامه بالعمل مع حزب العمال الكردستاني، وتلويح الحزب بتقديم مرشحه الرئاسي الخاص، إلا أن الدفع بكيليجدار أوغلو قد يحظى بتأييد الشعوب الديمقراطي بالنظر لمواقفة المهادنة للأكراد والمؤيدة لحقوقهم باعتبارهم أحد مكونات المجتمع التركي، وسبق أن جادل جورسيل تكين العضو البرلماني من حزب الشعب الجمهوري، بأن حزب الشعوب الديمقراطي يمكن أن يدير وزارة إذا فازت المعارضة. وقد فسرت رسالة لصلاح الدين دميرطاش، الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي المسجون، كتب فيها “انطلق السيد كمال”، أنها دعم من حزبه لترشيح كيليجدار أوغلو.

• جاذبية البرنامج الانتخابي: عندما تقدم حزب العدالة والتنمية للانتخابات للمرة الأولى عام 2002، نشر خطة عمل طارئة تضمنت قائمة بالأولويات التي سينفذها فور توليه المنصب وتراوحت من التدابير الاقتصادية إلى السياسة الخارجية والرفاهية، وهو ما أعطى مبررًا لانتخابه، لكن رغم اتفاق تحالف الطاولة السداسية بشأن الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي، تَبرز تباينات بين أطرافه بشأن سبل معالجة المشكلات القائمة إذ تعددت أجندات الأحزاب فيما يتعلق بمشكلة اللاجئين وإعادة استقلال البنك المركزي ومحاربة الفساد، واختلفت مقارباتها بشأن قضايا السياسة الخارجية. بالإضافة إلى عدم تقديمهم  خطة مشتركة بشأن كيفية إصلاح الاقتصاد، نظرًا لغياب توافق الآراء حول آليات التنفيذ والقائمين عليها، فقد كانت هناك منافسة بين الفريق الاقتصادي لـحزب الجيد بقيادة بيلج يلماز، وحزب المستقبل بقيادة وزير الاقتصاد السابق على باباجان، حول من سيكون مسؤولاً عن الاقتصاد، وهو ما يضعف ثقة الناخبين، كذلك فإن التعهد بتشديد ضمانات الحقوق والحريات في الدستور ليس كافيًا لإقناع الناخبين، فالسبب الرئيس وراء الانتهاك المنهجي للحقوق والحريات الأساسية على مدى العقد الماضي، لم يكن الأحكام الدستورية بل طريقة تفسيرها.

• تنظيم حملة دعائية فعالة: تحتاج المعارضة جهدًا لتعبئة الجماهير وإيصال برنامجها للناخبين، من خلال جميع القنوات الممكنة لتوسيع قاعدتها الجماهيرية، واستقطاب جزء من ناخبي حزب العدالة والتنمية والمقاطعين والمترددين، وتتطلب قدرة التحالف على تنظيم حملات انتخابية فعَّالة إتاحة مناخ تنافسي عادل يوفر حرية التعبير عن الرأي وعقد التجمعات الانتخابية، والتعاون مع المجموعات التطوعية للتواصل مع الجماهير، والوصول العادل لوسائل الإعلام لعرض برامج المرشحين، وهي مسألة تواجه تحديات بالنظر لقدرة الحكومة الأكبر على توظيف موارد الدولة للتعبئة الانتخابية، حيث يُعفي النظام الرئاسي الرئيس أردوغان من القواعد التي تحظر على الوزراء وأعضاء البرلمان استخدام موارد الدولة أثناء جولات الحملة الانتخابية، علاوة على استخدام وسائل الإعلام التي تسيطر الحكومة على حوالي 90% منها لتوجيه الناخبين وتشكيل قناعاتهم والترويج للسياسات الحكومية.

• درجة تماسك جبهة المعارضة: رغم ظاهر توافق المعارضة ووحدتها، لاتزال الصورة الذهنية بشأنها تتعلق بوجود خلافات وانقسامات مكتومة تتعلق بالخطوات التنفيذية للبرنامج الانتخابي، وبالمنافسات على المناصب الحكومية حيث تطمح أكشنار لتولي منصب رئيسة الوزراء بعد العودة للنظام البرلماني، وتشعر الأحزاب الصغيرة في التحالف بالقلق من التهميش بعد الانتخابات المقبلة. ويُشير البعض لاستجابة المعارضة لكارثة الزلزال كمؤشر لعدم تحركها ككتلة واحدة، حيث قام زعيم كل حزب بجولة في المناطق المتضررة على حدة. وتحتاج الطاولة السداسية لتجاوز خلافاتها والتحرك ككتلة موحدة لاستقطاب قاعدة جماهيرية عريضة، وإقناع الناخبين المترددين والمقاطعين بالتصويت له. وفي سبيل إظهار توحد الجبهة الداخلية للمعارضة وحل إشكالية مشاركة أطرافها جميعًا في إدارة مرحلة ما بعد الانتخابات – حال فوزها – تعهد كيليجدار أوغلو ببناء عملية صنع القرار على أساس التوافق والتشاور حول القضايا المهمة، وتمثيل كل أحزاب التحالف داخل الحكومة الجديدة بوزير واحد على الأقل.

• حشد التأييد لكمال كيليجدار أوغلو: تغلف شخصية كيليجدار أوغلو نقاط ضعف متعددة أهمها انتمائه للأقلية العلوية، بينما يواجه حزب العدالة والتنمية الذي يستخدم الحجج الدينية لتحقيق مكاسب سياسية، وفقدانه للشخصية الكاريزمية التي تشكل جزءًا أصيلًا من الثقافة السياسية للشعب التركي، ورئاسته لحزب الشعب الجمهوري الذي يشكل امتدادًا للأيديولوجية الكمالية التي تضررت منها بعض الشرائح المجتمعية، ما يحتاج معه جهدًا مضاعفًا لإقناع الناخبين بالتصويت له، عبر التركيز على مكامن قوته السياسية والشخصية وهي قليلة، ومنها: قدرته على جمع أحزاب ذات أيديولوجيات مختلفة ضمن تحالف الطاولة السداسية، وسعيه إلى تبني سياسات توافقية مع الأحزاب الأخرى خلال العامين الأخيرين، ولعبه دورًا في دخول حزب الجيد إلى البرلمان، وتحقيقه فوزًا كبيرًا بالمدن الكبرى في الانتخابات المحلية لعام 2019، واستطاعته انتزاع رئاسة الحزب من منافسه محرم إينجه والاحتفاظ بها رغم التهديدات العديدة، والانخراط في مسار المصالحات السياسية مع الشرائح المتضررة من سياسات حزبه.

• القدرة على توظيف الغضب الشعبي: تحاول المعارضة استغلال الأزمة الإنسانية الناتجة عن الزلزال والهشاشة الاقتصادية للتأثير على السلوك التصويتي للناخبين، لكن يبدو أن الأمر ليس سهلًا؛ فاستطلاعات الرأي التي أجرتها شركة “إم إيه كيه” (MAK) على عينة قوامها ألفين شخصًا عقب الزلزال أظهرت استمرار تقدم الائتلاف الحاكم عند مستوى يتراوح بين 40% و41% فقد ألقى 34% من المبحوثين باللوم على المقاولين في أضرار الزلزال، بينما حمَّل 28% فقط المسؤولية للحكومة. ووفقًا لاستطلاع آخر أجرته مجموعة “تيم” البحثية بين 19 و20 فبراير على عينة قوامها 1930 شخصًا، احتفظ الائتلاف الحكومي بنسبة تأييد بلغت حوالي 44%. ولا تزال الشخصية الكاريزمية لأردوغان تشكَّل عامل جذب لقاعدة شعبية عريضة من الناخبين القوميين والمحافظين والمتدينين، بجانب امتلاكه مهارات شخصية تمكنه من إعادة تقديم نفسه للناخبين مرات ومرات، وإقناعاهم بقدرته على إدارة الدولة.

• إمكانية تحقيق نصرًا رئاسيًا وتشريعيًا مزدوجًا: أظهرت استطلاعات الرأي قبل الزلزال أن التحالف بين حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان وحزب الحركة القومية لا يزال قويًا (تتراوح نسبة تأييد الأول بين 26% و32% والثاني بين 6% و8%)، مما يعني أنه حتى لو تمكن تحالف الطاولة السداسية من الفوز بالرئاسة، فإنه لن يحقق سيطرة على الهيئة التشريعية؛ إذ يبدو أن العديد من الأحزاب الصغيرة بقيادة كبار السياسيين السابقين المنشقين عن حزب العدالة والتنمية (حزب المستقبل بقيادة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم برئاسة نائب رئيس الوزراء علي باباجان) وحزب النصر المناهض للاجئين الذي تأسس حديثًا، وحزب السعادة الإسلامي؛ لا تبلغ عتبة الـ7% اللازمة للولوج إلى البرلمان، وهو ما يضع التزام المعارضة بالعودة إلى النظام البرلماني على المحك لأنها تحتاج إلى أغلبية برلمانية لإجراء التعديلات الدستورية اللازمة.

ختامًا، من المتوقع أن يشهد المشهد الانتخابي احتدامًا متصاعدًا كلما اقتربنا من موعد 14 مايو، وسيسعى كل طرف إلى توظيف الأدوات المتاحة كافة لتوسيع قاعدته الانتخابية وإقناع الجماهير بانتخابه. ورغم أن السيناريوهات بشأن نتائج الانتخابات لا تزال مفتوحة، لكن في بلد لا يشهد مفاجآت سياسية كبيرة يُمكننا –دون الجزم بذلك– ترجيح استمرارية النظام القائم؛ بالنظر إلى بعض الشواهد التي تُظهر درجة معقولة من القبول الشعبي للنظام الحالي مقابل خطوط الصدع القائمة داخل صفوف المعارضة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76031/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M