ماذا يعني توسط الصين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران؟

فردوس عبد الباقي

 

بوساطة صينية؛ توصلت كل من إيران والسعودية إلى اتفاق في بكين يوم 10 مارس 2023 حول استئناف العلاقات الدبلوماسية بين كل من طهران والرياض، وإعادة فتح السفارات خلال شهرين كحد أقصى. وهو ما ينهي نحو سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين البلدين عندما أعلنت السعودية قطع العلاقات في يناير 2016. فماذا يعني هذا الاتفاق الجديد؟

تغير المعادلات الدولية

● تحاول الصين بوساطتها في عودة العلاقات السعودية الإيرانية أن تؤكد على مبادئها في مبادرة الأمن العالمي التي سبق أن روجت لها كأحد سبل إصلاح النظام الدولي الحالي، فقد أكدت فيها أن التحديات التي تواجه البشرية تستلزم التعاون الشامل والمستدام، وبناء السلام عبر إنشاء هيكل أمني متوازن يقدم نهجًا جديدًا للقضاء على أسباب الصراعات الدولية، وتحقيق الاستقرار والأمن دون توجه أحادي القطبية وإنما عبر تعددية تعاونية.

● من هذا المنطلق تحاول الصين خلق مجموعة من الدول التي تتبنى وجهة نظرها حول النظام العالمي التي يمكن من خلالها مواجهة وجهات النظر الغربية أو الأمريكية تحديدًا.

● كانت دول الخليج أحد الدول الداعمة لتلك المبادرة، وهو ما دفع بكين إلى تبني مسألة حل القضايا التنافسية في المنطقة بما يجعلها بديلًا عن اللاعبين التقليديين في المنطقة، لكنها تحاول التظاهر بعدم السعي إلى إحلال تلك القوى التقليدية خاصةً على المستوى العسكري؛ لأنها ليست مستعدة بعد لتحمل تكلفة الوجود العسكري في منطقة نزاعية كمنطقة الشرق الأوسط، ولأن تركيزها الأساسي حاليًا يدور حول منطقة بحر الصين الجنوبي وتايوان ومحيطها الإقليمي بشكل عام بعد تطوير قدراتها المحلية.

الوساطة الصينية في القضايا الدولية

● من أهم الأسباب التي منعت الصين في بداية تأسيسها من الدخول في جهود الوساطة أن هذا يتناقض مع مبدأ عدم التدخل، علاوة على أن الصين كانت تعتقد أن ذلك يضمن لها تعظيم مصالحها مع وجود مجال للمناورة الدبلوماسية، بالإضافة إلى أن النزاعات المطروحة وقتها لم تكن تمس مصالحها الأساسية وأمنها بعكس الوضع الحالي.

● من الأسباب التي تجعل الوساطة الصينية الآن محل ترحيب عن مثيلتها الغربية أن القيم التي تقوم عليها الوساطة الصينية تعكس المرونة في لعب الأدوار، بمعنى إتاحة المساحة للمناورة والتكيف مع الظروف المتغيرة أو حسب الاقتضاء، وهو ما يجعلها لا تتدخل ما لم تكن مصالحها في خطر.

● استخدمت الصين أداة الوساطة في المنطقة لإثبات اختلاف نهجها عن النهج التاريخي للقوى الدولية الكبرى ذات التاريخ الاستعماري، فتاريخ الصين التعاوني مع دول المنطقة هو ما سهّل عليها نجاح تلك الوساطة.

● رغم أن الخبرة المعلنة لقوة الوساطة الصينية ليست كبيرة، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت نشاطًا ملحوظًا، ففي عام 2017 وحده توسطت الصين في تسع قضايا منها: نزاع ميانمار على الروهينجا، والقضية الفلسطينية، والنزاع بين الكوريتين، وجنوب السودان، مقارنة بثلاث قضايا فقط في عام 2012؛ العام الذي تلاه الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق التي دفعت إلى تركيز جهود الوساطة في مناطق مثل جنوب آسيا والشرق الأوسط وشرق أفريقيا التي تعد جميعها مناطق محورية في المبادرة.

● تشير خبرة الوساطة تلك إلى أن الصين تتوسط في القضايا ذات الزخم العالمي، لذا فقد ساعد النشاط الصيني المتزايد في الوساطة لحل النزاعات في تعزيز صورة بكين كقوة دولية مسؤولة ويخدم الهدف الذي وضعه الرئيس الصيني “شي جين بينج” بتحويل الصين إلى قوة عالمية بحلول عام 2049 من خلال ظهورها كلاعب بنّاء على الساحة الدولية لا ينكفئ على مصالحها الداخلية فقط.

ملاحظات على الوساطة بين إيران والسعودية

● النمط المتغير في وساطة الصين بين إيران والسعودية عن باقي جهود الوساطة التي قامت بها في السابق هو أن الصين فيما سبق كانت تسلك النهج متعدد الجنسيات لحل النزاع؛ بمعنى أنها كانت واحدة ضمن جهات عديدة فاعلة في التوسط بين الجهات المتنازعة، بما يجعل لها فضل في حالة نجاح تلك الوساطات أو التهرب من المسؤولية الكاملة في حالة فشلها. لكن ما حدث في حالة طهران والرياض إنما يعكس رغبة بكين في الظهور بأنها صاحبة الرؤية الكاملة لنجاح تلك الوساطة، في ظل تنافس الرؤى الدولية حول ماهية النظام الدولي الحالي وما يجب أن يكون عليه.

● لا تزال الصين تعتمد في جهودها للوساطة على النهج التقليدي رفيع المستوى بين الحكومات والمبعوثين الخاصين. فضلًا عن أنها جهود مصممة لتناسب سياسة عدم التدخل التي تنتهجها الصين، لذا يعد دورها كـ”وسيط للسلام” أو “الوسيط النزيه” أحد الطرق المشروعة للتدخل في سياسة الدول الداخلية دون الخروج عن هذا المبدأ الأساسي، ويزيد من نفوذها السياسي في المنطقة في مقابل نفوذ القوى الأخرى التي تحمل في تعاملها مع دول المنطقة خلفيات تاريخية وسياسية ودينية وغيرها.

● من أهم معايير استمرار نجاح الوساطة الصينية بين إيران والسعودية هو أن يتغير تركيز تلك الجهود على حل النزاع على المدى الطويل بدلًا من إدارة الصراع والحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار.

● قد تفتح تلك الوساطة الباب أمام الصين لبحث حل الأزمة السورية بالتعاون مع روسيا؛ لأن كلًا منهما يتفق في دعم النظام السوري برئاسة الرئيس بشار الأسد والإبقاء عليه، بعكس الجهود الغربية التي تركز على إنهاء الحرب الأهلية من خلال انتقال سياسي.

● من المرجح أن الزيارة التي أجراها الرئيس الصيني إلى لرياض في أواخر العام 2022 تمثل أحد إرهاصات الاتفاق الثلاثي المذكور، إذ أكدت الزيارة على التطور السريع الذي تشهده العلاقات الصينية الخليجية، وهو ما فتح ضرورة قيام الصين بتهدئة التنافس بين كل السعودية وإيران التي تعد هي الأخرى أحد أهم الدول في الشرق الأوسط في علاقتها مع الصين.

● دخول الصين في تلك العلاقة التنافسية قد وجهها إلى إدارة علاقتها بكل منهما بشكل حيادي بما يحمي مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية، فإذا أرادت الصين تحسين علاقتها مع الغرب مستقبلًا سيكون عليها التراجع عن علاقتها مع إيران. وبما أن الغرب لا يزال يواجه احتياجًا لمصادر الطاقة الخليجية، فإن تحسين العلاقات بين إيران والسعودية سيكون بمثابة ورقة جديدة مع الصين في فرض نفوذها بناء على تحسين علاقتها مع كافة الأطراف التنافسية.

● انطلاقًا من أن المرتكز الأساسي للصين في منطقة الشرق الأوسط هو اقتصادي، فمن مصلحتها استقرار الأوضاع الأمنية لتأمين وضعها الاقتصادي، وهو ما دفعها من قبل إلى إبرام الاتفاق ذي الـ25 عامًا مع طهران؛ لإيجاد مرتكز أساسي لها في منطقة الشرق الأوسط دون الاعتماد على مدى نجاح المفاوضات النووية المتوقفة حاليًا.

● يضاف إلى ذلك أن استقرار الأوضاع في المنطقة يضمن لها استقرار طرق التجارة والاستثمار في طريق الحرير الجديد، بما يساهم في تحسين الظروف الأمنية للمواطنين والشركات الصينية التي تعمل في تلك المناطق.

● من جانب آخر، فإن تحسين العلاقات بين إيران والسعودية يعود بالنفع مستقبلًا على بكين، خاصةً في إمدادات الطاقة إذا ما تزايدت حدة العقوبات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة على الصين مع تطور الوضع في بحر الصين الجنوبي وجزيرة تايوان.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75990/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M