ماذا يمكن أن تتعلمه البلدان النامية من تجربة المغرب في إصلاح قطاع الكهرباء؟

زينب عصمان

من أهم المتطلبات الأساسية للتحول الاقتصادي في أي بلد وجود إمدادات منتظمة للكهرباء. ويجري تعزيز الكهرباء المنتظمة بقطاع كهرباء يتسم بالاستدامة المالية، والتنظيم الفعال، وبجذب استثمارات مطردة. 

على الرغم من ذلك، خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، كان هناك تقدم غير متكافئ على هذه الجبهة في البلدان النامية في جميع أنحاء العالم. ويُعد المغرب أحد البلدان التي خطت خطوات كبيرة إيجابية.

وكانت تجربته في إصلاح قطاع الطاقة متميزة. كان للمغرب أهداف سياسية قوية بشأن كهربة الريف والحد من انبعاثات الكربون التي توقعت بالمصادفة جدول أعمال أهداف التنمية المستدامة، بحيث عكس نهج الإصلاح إفراد أولوية لهذه الأهداف. وهكذا حقق المغرب نحو 100٪ في كهربة الريف، وهو أيضًا من رواد الأداء في تنفيذ استراتيجية الطاقة المتجددة.  ويأتي أكثر من نصف الكهرباء الآن من محطات التوليد الخاصة وهناك مشاركة كبيرة من القطاع الخاص في قطاع التوزيع.

وقد تحققت هذه النتائج في إطار ترتيب مؤسسي يختلف عن المعيار المحدد، ولكنه ينجح في سياق المغرب الفريد من نوعه. فقد احتفظت المملكة بمرفق وطني قوي للكهرباء مملوك للدولة ومتكامل رأسيًا، وهو المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. ولم يكن لدى المغرب كيان تنظيمي مستقل حتى عام 2016 عندما تم إنشاء الهيئة الوطنية لضبط قطاع الكهرباء. وأُنشئت الوكالة المغربية للطاقة المستدامة في عام 2010 لقيادة قطاع الطاقة المتجددة ونشرها.

هناك العديد من الدروس، من هذا التقدم والمخاطر المتبقية في النظام، التي يمكن أن تستفيد منها البلدان النامية، ولاسيما بلدان أفريقيا، التي لا تزال تكافح بما لديها من مرافق غير فعالة واستثمارات غير كافية.

إنجازات المغرب في قطاع الكهرباء

في البحث، الذي أجريناه، درسنا أداء قطاع الكهرباء في المغرب على أساس أربع محددات. وهذه المحددات هي: تأمين إمدادات الكهرباء، والحصول على الكهرباء بأسعار ميسورة، وكفاءة المرافق والسلامة المالية، وتنظيم التعريفة، واسترداد التكلفة. وندرس أيضًا الترتيبات المؤسسية الأساسية لكل منها.

وقد وجدنا ما يلي:

فيما يتعلق بتأمين إمدادات الكهرباء، ارتفع حجم توليد الكهرباء في المغرب لأكثر من ثلاثة أضعافه، من أقل من 10 تيراوات/ساعة عام 1990 إلى 32 تيراوات/ساعة عام 2017 ، وقد زادت القدرة ضعفين تقريبًا، من 5233 ميجاوات عام 2005 إلى 8820 ميجاوات عام 2017. وتُعزى هذه الزيادة إلى حد كبير إلى الاستثمارات في قطاع الكهرباء حيث توفر محطات الكهرباء الخاصة أكثر من نصف (50.8%) الكهرباء التي يجري توليدها. بالإضافة إلى ذلك، زادت نسبة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة إلى نحو 34% من الطاقة المركبة (ومن المتوقع أن تصل إلى 42.7% بحلول عام 2020).

توليد الكهرباء بالجيجاوات/ساعة (1990-2017)

المصدر: دراسة زينب عثمان، وطيب أميغرود (2019)، دروس من إصلاحات قطاع الكهرباء: حالة المغرب. ورقة عمل لبحوث السياسات؛ رقم 8969. البنك الدولي، واشنطن (ص 15).
المصدر: دراسة زينب عثمان، وطيب أميغرود (2019)، دروس من إصلاحات قطاع الكهرباء: حالة المغرب. ورقة عمل لبحوث السياسات؛ رقم 8969. البنك الدولي، واشنطن (ص 15).

تمكن المغرب أيضًا من توفير الكهرباء للجميع تقريبا بتكلفة ميسورة.  كما ساعدت خطة المغرب الطموحة لكهربة الريف – برنامج كهربة المناطق الريفية المعمم – بتنسيق من المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، على توجيه النمو السريع في توفير الكهرباء للمناطق الريفية من 18% عام 1995 إلى 99.5% عام 2017. ومنذ إطلاق البرنامج عام 1996، تم توفير الكهرباء لأكثر من 42 ألف قرية و2.1 مليون منزل. ولا تزال الكهرباء ميسورة التكلفة للغاية، إذ تنفق الشريحة الأدنى من المستفيدين – التي تبلغ نسبتها 40% – ما لا يزيد عن 1% من دخلها الشهري لأدنى حد من استهلاك الكهرباء لتلك الفترة.

كهربة المناطق الريفية (1995 إلى 2017)

المصدر: دراسة زينب عثمان، وطيب أميغرود (2019)، دروس من إصلاحات قطاع الكهرباء: حالة المغرب. ورقة عمل لبحوث السياسات؛ رقم 8969. البنك الدولي، واشنطن (ص 24).
المصدر: دراسة زينب عثمان، وطيب أميغرود (2019)، دروس من إصلاحات قطاع الكهرباء: حالة المغرب. ورقة عمل لبحوث السياسات؛ رقم 8969. البنك الدولي، واشنطن (ص 24).

فيما يتعلق بكفاءة المرافق والاستدامة المالية، فهناك تباينات.

شهد الأداء التشغيلي تقلبًا بمرور الوقت في حين كان الأداء المالي في قطاع الكهرباء ضعيفًا بصورة مزمنة. فبعد فترة طويلة من الخسائر الصافية التي تطلبت عمليات إنقاذ من جانب الحكومة، بدأت المؤشرات المالية للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب في التحسن عام 2016. وعلى الرغم من التحديات المالية المستمرة، يُعد المكتب أداة تتسم بالكفاءة الفنية وتوفر الموارد البشرية الكافية. ولوقت طويل، كان قطاع الكهرباء في المغرب يعمل بدون وجود كيان تنظيمي، مما أدى إلى ضعف تطبيق منهجيات أفضل الممارسات لتنظيم التعريفات. إلا أن هذا الأمر تغير بين عامي 2014 و 2017، عندما طُبقت تعريفات جديدة في إطار عملية إعادة الهيكلة المالية، وتم إنشاء هيئة تنظيمية جديدة، هي الهيئة الوطنية لضبط قطاع الكهرباء، في عام 2016.

الدروس المستفادة من الترتيبات المؤسسية الفريدة لقطاع الكهرباء في المغرب

توجد ثلاثة دروس على الأقل من تجربة المغرب يمكن للبلدان النامية الاستفادة منها.

أولًا، سعى المغرب لتنفيذ الإصلاحات بطريقة انتقائية وتدريجية في بيئة يمكن أن تعيق فيها الكيانات القديمة الإصلاحات المفاجئة والبعيدة المدى. على سبيل المثال، كان واضعو السياسات انتقائيين في نهجهم بشأن خصخصة توزيع الكهرباء، من خلال امتيازات مُنحت لكل من شركة أمانديس وشركة ليديك وشركة ريدال وعززت الاحتكارات الجهوية القائمة، بدلاً من بيع المرافق البلدية بالكامل أو جزئياً. وفي مجال تنمية الطاقة المتجددة، تم ببطء تمكين منتجي الطاقة المتجددة من الدخول على شبكة الكهرباء. وقد قللت هذه الطريقة التدرجية من تعويق تأثير أصحاب المصلحة – مثل المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وبعض الوزارات وشركات التوزيع – وحصتهم السوقية.

ثانيًا، تختلف الترتيبات المؤسسية في المغرب عن الترتيبات المنصوص عليها في نموذج إصلاح قطاع الكهرباء في التسعينيات، إلا أنها تؤدي الوظائف الضرورية في التطبيق العملي. وفي عملية توسيع نطاق الحصول على الكهرباء على سبيل المثال، لعب المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب دورًا تنسيقيًا لأصحاب المصلحة المحليين والدوليين. ويتماشى ذلك مع نتائج تقرير عن التنمية في العالم 2017 حول الحوكمة والقانون والبحوث الأوسع نطاقًا التي تفيد بأن الوظائف التي تؤديها المؤسسات أكثر أهمية من الشكل الذي تتخذه. ومن ثم، أدت الترتيبات المؤسسية لقطاع الكهرباء في المغرب وظائف الالتزام والتنسيق والتعاون اللازمة لتحقيق أهداف جذب الاستثمارات الخاصة لتعزيز قدرات وإنتاج الطاقة المركبة.

ثالثًا، تمكن المغرب من متابعة الأهداف الاجتماعية والاقتصادية في قطاع الكهرباء بفضل اقتصاده القوي الآخذ في النمو. وهناك دعم متبادل بين الجهات المعنية بالكهرباء والمياه على مستوى البلديات، وبين العملاء في المناطق الحضرية والريفية، وبين مجموعات العملاء المختلفة في المناطق الحضرية. وقد تسنى ذلك بفضل النمو الاقتصادي القوي في المملكة والذي بلغ متوسطه 4.2% على مدار العقدين الماضيين، وقدرة عدد كبير نسبياً من مستهلكي الكهرباء على دفع تكاليفها. على الرغم من وجود قاعدة اقتصادية قوية، كان لهذه الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية أثرها على السلامة المالية للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، والذي أثبت على الرغم من ذلك قدرته على تحقيق التوازن بين هذه الاعتبارات المتضاربة.

ومع زيادة وتيرة الجهود لتوفير الكهرباء لأكثر من 800 مليون شخص يفتقرون إلى الكهرباء في جميع أنحاء العالم، معظمهم في أفريقيا، فإنه من الضروري تحديد أهداف السياسات ذات الأولوية ووضع هيكل إصلاحات هذا القطاع استنادًا إليها. الواقع أن المسارات المؤسسية لتحقيق هذه الأهداف تختلف حسب السياق العام في كل بلد، ولكن يمكن أن تسترشد بالمبادئ العامة للحوكمة الفعالة من حيث الكفاءة والاستدامة والإنصاف في قطاع الكهرباء.

 

رابط المصدر:

https://blogs.worldbank.org/ar/energy/what-can-developing-countries-learn-moroccos-experience-power-sector-reforms?cid=ecr_tt_worldbank_ar_ext

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M