مخاطر متنامية… تداعيات انسحاب مالي من G5 على مكافحة الإرهاب في الساحل

 منى قشطة

 

أعلنت مالي في 15 مايو الجاري انسحابها من كافة أجهزة مجموعة دول الساحل الخمس (G5) وهيئاتها بما فيها “القوة المشتركة لمكافحة الإرهاب” التي تشكلّت في عام 2017 لمكافحة الجهاديين في المنطقة. وبرّر البيان الصادر عن المجلس العسكري في مالي هذا الانسحاب بعدم السماح للأخيرة بترؤس المجموعة التي تضم أيضًا تشاد والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا؛ حيث كان من المفترض أن تتنقل رئاستها الدورية- التي تشغلها تشاد حاليًا- إلى باماكو، لكن بعض الدول الأعضاء اعترضت، وأرجعت السلطات في مالي هذا الاعتراض إلى مناورات دولة خارج الإقليم ترمي بشدة إلى عزل الأخيرة (في إشارة ضمنية إلى فرنسا).

وأضاف البيان ذاته أنه كان من المفترض أن تستضيف باماكو في فبراير 2022 مؤتمرًا لقادة دولها، على أن تُعلن بدء ولاية الرئاسة المالية لمجموعة دول الساحل الخمس. لكن بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على هذا الموعد، لم يُعقد الاجتماع. ويُذكر أن المجموعة لم تعقد اجتماعًا سياسيًا رفيع المستوى منذ نوفمبر 2021، بينما لم تجتمع لجنة الدفاع والأمن التابعة لها منذ أكثر من ستة أشهر على خلفية الديناميكيات السياسية والأمنية الصعبة التي تشهدها منطقة الساحل.

وكاستجابة للتداعيات السلبية المحتملة على المنطقة، أبدت دول المجموعة رفضها للخطوة المالية، مُطالبًة المجلس الانتقالي بإعادة النظر فيها مرة أخرى، فقد دعا الرئيس التشادي “محمد إدريس ديبي”-الذي يترأس مجموعة دول الساحل الخمس حاليًا- مالي إلى العودة للمنظمة الإقليمية وقوتها العسكرية، ودعا في 20 مايو الجاري إلي عقد مؤتمر استثنائي لقادة دول المجموعة في العاصمة الموريتانية نواكشوط؛ لبحث التطورات الأخيرة المتعلقة بانسحاب باماكو منها.

من جانبه، دفع رئيس النيجر “محمد بازوم” بموت القوة المشتركة التابعة للمجموعة التي تقاتل الجماعات المسلحة في غرب أفريقيا بعد إعلان مالي الانسحاب منها، وأضاف أن عزلة باماكو في غرب أفريقيا أمر سيئ للمجموعة كلها. وذهبت موريتانيا في نفس الاتجاه، فقال وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي الناطق باسم الحكومة “محمد ماء العينين ولد أييه” إن انسحاب مالي من المجموعة غير مبرر وستكون له تأثيرات كبيرة.

وفي ضوء ما سبق، تسلط هذه الورقة الضوء على خلفيات القرار المالي بالانسحاب من مجموعة دول الساحل الخمس، فضلًا عن التداعيات المحتملة جراء هذا القرار على نشاط الجماعات الإرهابية، والجهود الإقليمية المشتركة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي.

سياق مضطرب

يأتي قرار مالي بالانسحاب من مجموعة دول الساحل الخمس في سياق جُملة من التطورات السياسية التي شهدتها الدولة الواقعة غرب القارة السمراء منذ الانقلاب العسكري الذي وقع في مايو 2021، والذي أطاح بالرئيس الانتقالي آنذاك “باه نداو” ورئيس الوزراء “مختار عوين”، ليتولى قائد الانقلاب الكولونيل “أسيمي غويتا” رئيسًا رسميًا لدولة مالي. وهي التطورات التي فرضت انعكاساتها السلبية مشهدًا أمنيًا مضطربًا، وعزّزت من نشاط الجماعات الإرهابية في باماكو والبلدان المجاورة. وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

• تصاعد التوترات بين فرنسا ومالي: ينطوي قرار مالي الأخير بالانسحاب من مجموعة (G5) على اتهامات “غير مباشرة” لفرنسا بعرقلة توليها الرئاسة الدورية للمجموعة؛ وذلك في ضوء تصاعد التوترات بين باريس وباماكو التي بلغت ذروتها في مطلع العام الجاري مع إعلان المجلس العسكري طرد السفير الفرنسي من البلاد عقب تبادل تصريحات حادة بين حكومتي البلدين. تلى ذلك إعلان فرنسا وشركائها الأوروبيين وكندا في 17 فبراير الماضي، انسحابهم العسكري من مالي وإنهاء العمليتين العسكريتين لمكافحة الجهاديين “برخان” و”تاكوبا” وإعادة ممارسة مهامهما في منطقة الساحل، وخصوصًا في النيجر وخليج غينيا.

في حين كانت أحدث مؤشرات هذا التوتر إعلان المجلس العسكري الحاكم في مالي في 3 مايو الجاري إلغاء الاتفاقيات الدفاعية الموقعة مع فرنسا وشركائها الأوروبيين، مبررًا ذلك بما وصفه بـ “الانتهاكات الصارخة” للسيادة الوطنية التي ارتكبتها القوات الفرنسية الموجودة في البلاد.

• العزلة الإقليمية: جاءت الخطوة المالية الأخيرة في خضم سلسلة العقوبات الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية التي فرضتها عليها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) منذ 9 يناير الماضي بسبب محاولة الحكومة تمديد الفترة الانتقالية لمدة خمس سنوات، بدءًا من 1 يناير 2022، على الرغم من الالتزام بإجراء الانتخابات في فبراير العام الجاري. علاوة على تبني بعض دول مجموعة الساحل الخمس، مثل النيجر وتشاد، مواقف متشددة تجاه الانقلاب العسكري في مالي، إلى جانب رفضها الشديد لوجود قوات فاجنر الروسية في المنطقة؛ إذ عبّرت هذه الدول غير مرة عن قلقها البالغ إزاء وجود المرتزقة الروس على حدودها مع مالي، ورأت أن قرار الأخيرة بالتعاون مع مرتزقة دون التشاور معها يعد إخلالًا بالمواثيق المنظمة للمجموعة، لاسيما أن هؤلاء المرتزقة ارتبط وجودهم في أفريقيا بمذابح راح ضحيتها المئات من المدنيين.

وفي هذا الصدد، تطرح بعض التحليلات إمكانية أن تبرز تلك العقوبات كملفات رئيسة على أجندة المفاوضات بين مالي وبلدان المجموعة للحصول على بعض التنازلات بشأنها مقابل إعادة تفعيل عضويتها، حيث تتطلع موريتانيا وتشاد إلى أقناع باماكو بالعدول عن قرارها والقبول بالتفاوض بشأن عودتها. وربما تترافق تلك التنازلات المحتملة مع اشتراط رئاستها للمجموعة الذي كان سببًا رئيسًا للانسحاب.

• تصاعد النشاط الإرهابي في غرب أفريقيا والساحل: يأتي القرار المالي في سياق أوضاع أمنية مُلتهبة تشهدها دول غرب أفريقيا ومنطقة الساحل جرّاء تصاعد النشاط المتطرف للجماعات الإرهابية النشطة في المنطقة وعلى رأسها تنظيم “داعش” والجماعات الأخرى المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، إذ يشير مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام في نسخته التاسعة المنشورة بتاريخ 1 مارس 2022 إلي زيادة كبيرة في أعداد الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل، ولاسيما عند تقاطع حدود “بوركينا فاسو ومالي والنيجر”، إذ  تم تسجيل أكثر من 1600 حالة وفاة إرهابية في البلدان الثلاثة في عام 2021، ارتفاعًا من حوالي 1300 في 2020. ويُصنف المؤشر دول مجموعة ال (G5) –باستثناء موريتانيا وتشاد- ضمن قائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب عالميًا خلال عام 2021.

تداعيات محتملة

ترتيبًا على المشهد السابق، ثمّة مجموعة من الارتدادات السلبية لقرار مالي الأخير بالانسحاب من مجموعة دول الساحل الخمس على المشهد الأمني في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل بشكل عام ودول المجموعة بشكل خاص، فعلي الرغم من أن قوات هذه المجموعة لم تنجح بشكل كامل في تحقيق نجاحات ملموسة في محاربة الجماعات الجهادية التي تنشط في المنطقة إلا أنها –على الأقل- توفر درجة متدنية من مستويات التنسيق والتعاون الأمني بين هذه الدول، وهو ما يتماشى مع طبيعة التهديدات الإرهابية العابرة لحدود الدول والتي تجعل من الأهمية بمكان وضع استراتيجيات مشتركة ومتسقة بين دول الجوار لمُجابهتها. وفيما يلي أبرز التداعيات المحتملة للخطوة المالية الأخيرة:

• احتمالية تفكك المجموعة: ربما يدفع انسحاب مالي من مجموعة (G5) باتجاه تشرذمها، لا سيما في ظل وجود حزمة من التحديات الهيكلية التي تفرض قيودًا على قدراتها التشغيلية، أبرزها: الافتقار إلى التدريب والمعدات والدعم اللوجيستي والتمويل الذي تفاقمت أزمته في ظل الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة، والتي أدت إلى تحويل دعم دول الاتحاد الأوروبي -المانح الأبرز لمجموعة دول الساحل- صوب أوروبا.

هذا إلى جانب الاضطرابات السياسية التي شهدتها معظم دول المجموعة، فقد أسفرت الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو إلى جانب محاولة فاشلة في النيجر إلى ضعف التنسيق بين الدول الأعضاء، ودفعت بعض هذه الدول إلى إيلاء الأولوية للحفاظ على أمنها الداخلي على التهديدات المشتركة مع حدودها. على سبيل المثال، أعلنت تشاد في أغسطس 2021 سحب ما يقرب من نصف عدد قواتها التي نُشرت في فبراير من نفس العام مع باقي قوة دول المجموعة لمكافحة الإرهابيين في منطقة المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وذلك للتركيز على التحديات الأمنية التي تواجهها في الداخل مع الجماعات التشادية المتمردة التي أودت بحياة الرئيس التشادي السابق “إدريس ديبي”. ناهيك عن الاتهامات المستمرة التي تلاحق القوات التابعة للمجموعة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في الإقليم كعمليات القتل خارج نظام القضاء، والاعتقالات التعسفية والاحتجاز والمعاملة السيئة.

 • تراجع جهود مكافحة الإرهاب في مالي والمنطقة: من المرجح أن يؤدي قرار الانسحاب إلى عجز الجيش المالي عن التعاطي مع انعدام الأمن المتزايد في البلاد، لاسيما بعد فقدانه لدعم القوات والمخابرات الفرنسية، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم خطر التغلب على الجماعات الجهادية المسلحة التي تُعزز من قبضتها شمال ووسط البلاد. بجانب أن استعانة السلطات في مالي بقوات فاجنر المرتزقة لمحاربة الإرهاب تتطلب تكاليف سياسية واقتصادية يصعب تحملّها على المدي الطويل، لاسيما في ظل العزلة الاقتصادية التي اعتمدتها المنظمات الإقليمية والدولية ضد القيادة العسكرية لمالي، والتي من المحتمل أن تستمر على خلفية التطورات الأخيرة.

وتمتد تبعات القرار السلبية كذلك إلى الجهود الإقليمية المشتركة الجارية لمحاربة الإرهاب في المنطقة، وبالأخص في جانب الحدود المشتركة الثلاثة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ فجغرافيًا ترتبط مالي بحدود برية مع ثلاث من دول المجموعة (موريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر) وهو ما جعلها مركزًا رئيسًا للقطاعات العسكرية الثلاثة التي تتفرع عن قوات المجموعة، حيث تقع الأولى في منطقة “ليبتاكو-جورما” العابرة لحدود مالي وبوركينافاسو والنيجر، والثانية على طول الحدود بين مالي وموريتانيا، والثالثة على طول الحدود بين النيجر وتشاد.

ومن ناحية أخري، تعد مالي البؤرة الرئيسة التي تتمركز فيها الجماعات التابعة لتنظيمي “داعش” و “القاعدة” واللذين يمتد نشاطهما بشكل مباشر إلى باقي دول المنطقة، وعليه ستصبح التداعيات الأمنية للانسحاب المالي من التنسيق الأمني والاستخباراتي مع دول (G5) خطيرة على جهود مكافحة الإرهاب وعمليات التهريب والاتجار بالبشر وانتقال المقاتلين المتطرفين بين دول المنطقة.

• تنامي نشاط تنظيم “داعش” في المنطقة: ربما تُمثل الخطوة المالية الأخيرة بما تحمله من مخاطر “انفراط عقد” مجموعة دول الساحل الخمس فرصة سانحة لتنظيم “داعش” الإرهابي لتمديد نشاطه وتعزيز نفوذه في منطقة الساحل، لاسيما بعد قيام الأخير خلال العام الجاري بتدشين “ولاية الساحل” كفرع مستقل عن ولايته في غرب أفريقيا.

وقد أعلن التنظيم “لأول مرة” في مارس الماضي مسؤولية هذا الفرع عن هجوم استهدف قاعدة للجيش المالي في تيسيت بمنطقة جاو بالقرب من المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وكان هذا الإعلان أحد المُحفزات الرئيسة لانعقاد اجتماع التحالف الدولي لمواجهة “داعش” خلال مايو الجاري في المغرب لبحث سبل مواجهة التهديدات التي يطرحها إعادة تموضع تنظيم “داعش” بالقارة السمراء.

ختامًا، ينطوي قرار باماكو الأخير بالانسحاب من مجموعة دول الساحل الخمس على مخاطر أمنية عديدة، بعضها يتعلق بتقويض جهود مكافحة الإرهاب المشتركة في منطقة غرب أفريقيا بشكل عام وفي الساحل الأفريقي بشكل خاص، إضافة إلى محاولات التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم “داعش” الاستفادة من الأوضاع السياسية المضطربة بين دول المنطقة لتعزيز نفوذها في القارة السمراء.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/70042/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M