مشكلة التعليم الجامعي في العراق

الأستاذ الدكتور خالد عليوي العرداوي

أود في هذا المقال تسليط الضوء على مشكلة كبيرة جرى –ولا زال- تجاهلها رسميا وإعلاميا، ربما عمدا أو جهلا، إلا أنها محل نقاش المختصين وأصحاب الشأن من العارفين في أحاديثهم الشخصية، وفي خواطرهم التي ينشرونها في حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا على مقالاتهم بين فينة وأخرى، تلك هي مشكلة التعليم الجامعي في العراق.

يعلم الكثير أن التعليم الجامعي لدينا يعاني من مشكلة ما تحول دون تحوله إلى تعليم فعال قادر على قيادة زمام التحول والتغيير، على مستوى المجتمع والدولة، وانه على الرغم من الخطابات الرسمية المتفائلة، والدعايات الإعلامية المكابرة، إلا أن المشكلة تبقى قائمة، فيما تزداد وتتعقد من سنة إلى أخرى لتصبح عصية على المواجهة والحل. وطالما لا توجد مشكلة بدون أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة تقف خلفها، كذلك الحال مع مشكلة التعليم.

اعلم أن هناك الكثير من الأسباب المولدة لهذه المشكلة، بعضها يتعلق بالثقافة والبيئة الاجتماعية، والبعض الآخر مرتبط بالوضع السياسي غير المستقر وسلوك الطبقة السياسية، إلا أني لا أريد الخوض في كل هذه الأسباب، وسأحاول التركيز على خمسة أسباب رئيسة اجتهد في الاعتقاد أنها الأسباب الجوهرية التي إذا تم علاجها سُهل علاج ما عداها. وهذه الأسباب هي:

أولا- الكم على حساب النوع

يقاس تطور التعليم في إي دولة على مدى نجاحه في إعداد كوادر علمية موهوبة، قادرة على الاستجابة لحاجات المجتمع، سواء في تطوير التراكم المعرفي بمختلف العلوم، أم في تقديم الخدمات بمستوى عال من المهارة في جميع القطاعات الإدارية والخدمية التي تمس حياة أفراد المجتمع وتطلعاتهم نحو الحصول على ما هو أفضل.

وبهذا المقياس لم تنجح مؤسساتنا التعليمية -للأسف- لأنها كانت ولا زالت تمتد أفقيا بشكل مبالغ فيه على حساب التمدد العمودي، وأصبح هاجس قياداتنا التعليمية الأول هو الكم على حساب النوع، فكانت النتيجة أن لدينا (35) جامعة حكومية و(75) جامعة وكلية جامعة أهلية أي (110) مؤسسة جامعية، تظم في ثناياها المئات، وربما آلاف من الأقسام العلمية، لكن الأغلب الأعم منها لا وجود مؤثر له ضمن التصنيفات العالمية والإقليمية للجامعات المتقدمة.

ويرجع بروز هذه القضية إلى أمرين:

الأول هو استعجال الكثير من القيادات الجامعية في استحداث كليات وأقسام جديدة ضمن مؤسسات التعليم الحكومي بدون توفير البنية التحتية اللازمة لها من الأبنية والكوادر التدريسية والإدارية الكفوءة، بل جرت -في بعض الأحيان- حالات تم فيها استحداث أكثر من قسم علمي بنفس الكادر التدريسي أو البحثي، لتبرز النتائج السلبية لذلك بعد استحداث القسم المعني رسميا وظهور عجزه عن توفير الكوادر العلمية المتخصصة للعمل فيه، ولاسيما في الأقسام ذات الطبيعة العلمية الصرفة.

والآخر هو دخول الكسب المالي كعنصر حاسم في استحداث الكثير من الكليات والجامعات الأهلية، لكونها تمثل مشاريع مربحة لبعض السياسيين والتجار وأصحاب رؤوس الأموال الراغبين في الحصول على أرباح طائلة بتكاليف يسيرة، بصرف النظر عن جودة التعليم ومدى قدرته على منافسة نظيره في دول العالم الأخرى، أو مدى حاجة سوق العمل إليه، فظهرت لدينا مؤسسات جامعية أهلية غير لائقة، ولا تعتمد أنظمة صارمة في تعليم طلبتها وزيادة مهاراتهم ومعارفهم. وتقع المسؤولية الرئيسة في تفشي الأمر الأخير على عاتق اللجان الوزارية ذات العلاقة داخل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لسماحها بظهور هكذا مؤسسات جامعية إلى الوجود رسميا.

ثانيا- نظام قبول الطلاب

تنطوي آلية قبول الطلاب في مؤسساتنا الجامعية على خطأ فادح لسببين: الأول، اعتماد معدل النجاح في الدراسة الثانوية كمعيار وحيد واقعا في تقرير انتماء الطالب للكلية أو المعهد، وهذا المعيار هو معيار مضلل، فليس كل من حصل على معدل مرتفع هو مؤهل تماما ليدخل كلية الطب أو القانون أو غيرها، كما ليس كل من كان معدله ضعيفا غير مؤهل للدخول إليها.

إن معيار المعدل هو معيار خادع وغير دقيق، وفي نفس الوقت يقلل من قيمة تخصصات، فيما يعطي مكانة عالية معنويا لتخصصات أخرى، في وقت أدرك العالم أن جميع التخصصات مهمة في تقدم وتطور المجتمع، وان الناس بحاجة إلى متخصصين مهرة فيها جميعا، فهو بحاجة إلى الإداري والمدرس والمحاسب والمؤرخ الكفء، كما هو بحاجة إلى الطبيب والمهندس والمحامي والقاضي الكفء، وغيرها، ولا يمكن تطوير هذه التخصصات بمعيار المعدل لوحده، بل لابد من إيجاد معايير تنافسية أخرى، تستند إلى الاستعداد الفكري والعقلي والإبداعي والنفسي للطالب في اختياره لتخصصه الدراسي، لنضمن كفاءته فعلا في هذا التخصص الذي سيمضي فيه سنوات دراسته وحياته المهنية اللاحقة.

أما السبب الآخر، فيرتبط بأعداد الطلاب المقبولين في المؤسسة الجامعية، إذ من المعروف أن هناك ضوابط معينة تحكم عملية قبول الطلبة في أي مؤسسة جامعية قوامها حجم ونظام تصميم قاعات الدراسة، والغاية منها، وعدد ونوعية المختبرات، والمكتبات، وأعداد الطلاب لكل تدريسي وإداري، ووضع البيئة الجامعية من الناحية الجمالية والقدرة التحفيزية للطالب… وفي العراق يبدو أن هذه الضوابط لا يتم العناية بها كثيرا، فباستثناء عدد محدود من المؤسسات الجامعية تجد أن أعداد الطلبة المقبولين تزيد بشكل مرعب سنويا عن الطاقة الاستيعابية للمؤسسة الجامعية، نتيجة إلزام وزارة التعليم العالي بقبول كل الخريجين من المدارس الثانوية.

ما يحكم مؤسساتنا الجامعية اليوم ليس محافظتها على جودتها المعرفية وقدرتها التنافسية، بل عدد الطلبة الذين عليها استيعابهم من خريجي المدارس الثانوية، وهذا فعلا أمر يثير السخرية، إذ انه مع وجود مجتمع يعيش حالة الهبة الديموغرافية التي تعني أن عدد طلبة المدارس الثانوية سيبقى في زيادة مستمرة قد تصل يوما ما إلى الملايين، فالمطلوب من صانع السياسات التعليمية وضع سياسة تعليمية لا ترتكز على قبول جميع هؤلاء الخريجين، بل على انتقاء الأفضل بينهم، للدخول إلى المؤسسة الجامعية ممن يمتلكون المؤهلات الحقيقية، ليكونوا الأكثر مهارة بين أقرانهم في تخصصاتهم، على أن توفر الدولة لبقية الخريجين فرص عمل أو تدريب أو دراسة أخرى تتناسب مع مؤهلاتهم.

فالدولة لو وفرت فرص عمل لشبابها لوجدت أن الكثير من خريجي المدارس الثانوية عازفين عن إكمال دراستهم الجامعية، لأنهم إما غير مستعدين لتحمل معاناتها ومدتها الطويلة –نسبيا-من جانب، وإما لرغبتهم في الاستقرار المبكر في حياتهم بامتلاك عملهم الخاص وتشكيل أسرهم الخاصة، من جانب آخر. ويشكل تقاعس الدولة في القيام بواجبها السبب الرئيس وراء هدر طاقة الكثير من الشباب في مجالات دراسية لا تناسب إمكانياتهم، أو لا يحبونها حقا، على أمل حصولهم على فرصة أفضل في التوظيف داخل الدوائر الحكومية أو دوائر القطاع الخاص، وهو أمل يكاد يكون ضعيفا مع وجود أداء حكومي متخبط وسيء ومفتقر إلى الاستراتيجيات الفاعلة المستقرة.

ثالثا- مناهج الدراسة وطرائق التدريس

يخطأ من يعتقد أن البيئة الجامعية لدينا محفزة ودافعة إلى تثوير مهارات الطالب الإبداعية وقدراته المعرفية، فالحقيقة هي عكس ذلك تماما، وذلك نتيجة عائقين مهمين: الأول يرتبط بطبيعة المناهج الدراسية المعتمدة، والآخر يتعلق بطرائق التدريس.

فيما يتعلق بالمناهج الدراسية يكاد يكون معظمها مجرد مناهج نظرية، متخلفة كثيرا عن تهيئة الطالب للاستجابة لحاجاته الحياتية الفعلية بعد التخرج. لذا تجد أن معظم الطلبة بعد تخرجهم ونزولهم إلى سوق العمل يصابون بصدمة كبيرة نتيجة الفجوة الشاسعة بين ما تعلموه في قاعات الدرس، وبين ما يحتاجون إليه حقا من مهارات عملية في سوق العمل. لقد رأينا كثيرا من خريجي كليات القانون والتربية والعلوم السياسية والهندسة وباقي التخصصات يجهلون المتطلبات الأولية لمهنهم بعد تخرجهم، وبروز حاجتهم إلى مدة ليست قصيرة لتعلم أبجدياتها، مما يعني أن دراستهم الجامعية كانت مفتقرة إلى الإطار العملي الكافي، لتجعلهم على استعداد شبه تام لسوق العمل، بدلا من تخريج طلبة شبه أميين في هذا المجال. كما تعاني المناهج الدراسية من مشكلة أخرى، ترتبط بعملية استنساخها وتكرارها بين الكليات والأقسام المتناظرة في الجامعات المختلفة؛ لسهولة استحداث هذه الكليات والأقسام من جانب، وجمود العقلية العلمية وترددها من التجديد من جانب آخر، في وقت تجد أن التعليم في العالم يتطور بسرعة، ويستحدث مناهج وتخصصات جديدة تتلاءم مع متطلبات هذا التطور.

أما طرائق التدريس، فهي مجرد طرائق عتيقة تقوم على التلقين وإملاء المعلومات وحشرها في عقل الطالب، ومقياس نجاحها هو حصوله على شهادته الجامعية. هكذا طرائق تعليمية أبدا لن تطور مهارات الطلاب، ولن تساعدهم على توسيع أفاقهم الإبداعية. إن التعليم الحديث يعتمد طرائق تعليمية جديدة هدفها تشجيع العقل النقدي للطالب، وتحفيزه للبحث عما هو جديد وخلاق فيما يدرسه، بل وإطلاق العنان للشك والتأمل لديه في النظريات القائمة؛ لجعله يفكر عمليا أكثر في ما يتلقى من معلومات، بدلا من قبولها والاستسلام لها.

إن شيوع طريقة التلقين في تعليمنا الجامعي هي السبب وراء تلك الشكوى التي نسمعها دائما من زملائنا التدريسيين، ومن طلابنا –أيضا- بأنهم حفظوا الكثير من المعلومات في المنهج المقرر، ولكنهم نسوها تماما بعد الامتحان مباشرة، فالحفظ كان لغاية النجاح والحصول على الشهادة، لا لحب المعرفة وتطوير حس التأمل والإبداع الخلاق لدى الطالب.

كذلك ترتبط مشكلة تخلف طرائق التدريس بشكل أساس بضعف مهارات الكثير من التدريسيين في جامعاتنا؛ لتخرجهم من جامعات عراقية تعتمد نفس طريقة التلقين التي يعلمونها لطلابهم، وفاقد الشيء لا يعطيه كما يقال، ولعدم بذل وزارتهم جهدا جوهريا في تدريبهم تحت إشرافها المباشر في جامعات دولية مرموقة تعتمد على طرائق تدريس مغايرة، بل حتى التدريسيين الذين تخرجوا من جامعات دولية تعتمد طرائق تدريس معتبرة لم تنجح مؤسساتنا الجامعية في الاستفادة الفعلية منهم، ووجدوا –غالبا- أن هناك فجوة واسعة تفصل بينهم وبين بقية زملائهم لسبب أو آخر.

رابعا- غياب سياسة الإلغاء والتقليص

من العوائق المهمة في طريق تطوير نظامنا التعليمي ما يمكن تسميته بالاستحداث إلى الأبد، وجوهر هذا العائق هو أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لدينا عندما تستحدث كلية أو قسما علميا في تخصص ما لا تمتلك بعد ذلك الجرأة لإلغائها/إلغاءه عندما يتوقف سوق العمل عن استيعاب الخريجين منها/منه، وانعدام الحاجة لها/له سواء على مستوى الدراسات الجامعية الأولية أم على مستوى الدراسات العليا(ماجستير ودكتوراه). بل والطامة الكبرى هو استمرار السماح باستحداث كليات وأقسام جديدة في تخصصات توجد وفرة منها مسبقا، لذا برزت إلى الوجود مشكلة عجز سوق العمل عن استيعاب الخريجين في تخصصات لا يوجد طلب فعلي عليها.

وما يؤلم في هذا الموضوع، ليس فقط وجود هذه الكليات والأقسام وسكوت الجميع عن فكرة إلغائها أو تقليص القبول فيها إلى الحد الأدنى، بل المساهمة في تضليل شبابنا عند منحهم الأمل في مستقبل أفضل بعد التخرج منها، ثم يكتشفون وهم ذلك الأمل، ويستيقظون على واقع ضياع جهودهم وعمرهم في تخصصات لا تنفعهم في حياتهم العملية، فيخلق ذلك منهم مستقبلا قوة اجتماعية تكبت حنقها وغضبها على حكومات لم تحسن التعامل مع طاقاتها الشبابية، وهو كبت لن يلبث طويلا حتى ينفجر عندما تتوفر له الظروف المناسبة.

خامسا- البحث العلمي

أي سياسة بحث علمي ناجحة لا تكتمل بدون وجود التمويل المالي اللازم لها، ولكن تجد أن باب التمويل المالي للبحث العلمي في العراق هو صفر!!! أو في أحسن الأحوال 0.1 %!!!، وهذا الأمر لا يمكن مقارنته أبدا مع الدول المتقدمة في مجال البحث العلمي في منطقة الشرق الأوسط والعالم، بحيث إنني عندما كنت مديرا لوحدة بحث علمي ومن بعدها مديرا لأكثر من مركز بحث علمي في جامعة كربلاء للمدة من عام 2011 ولغاية نهاية عام 2019 وجدت نفسي في حيرة من أمري حول إمكانية تمويل الأنشطة البحثية للمؤسسة البحثية التي أديرها، فما مرصود من ميزانية مالية لتمويل هذه الأنشطة هو (صفر!!!) ضمن موازنة الجامعة، وهذا الكلام ليس الغرض منه التهويل بل هو واقع تم تأكيده في كتب رسمية، في وقت تجد أن أبوابا أخرى كباب الصيانة وباب وقود السيارات ترصد لها الملايين ضمن الموازنة السنوية للجامعة.

هذا الحال، عانى -ولا زال- منه كل مدراء المراكز والوحدات البحثية في داخل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، والتي يتجاوز عددها الـ 105 مركزا ووحدة بحثية، وقد اطلعت عن قرب على معاناة الكثير منهم خلال عضويتي في هيئة البحث العلمي في الوزارة، التي أجدها مجرد هيئة ميتة لا معنى لها ولم تقم بواجبها منذ تأسيسها إلى الوقت الحاضر، وغالبا عندما يجري عرض هذه المشكلة الجوهرية تجد أن الوزارة تحيل الأمر إلى الجامعات، فيما تحيل الجامعات الأمر إلى الوزارة.

فضلا على ما تقدم هناك عقبة أخرى تحول دون تطور مؤسساتنا البحثية مرتبطة بضعف كوادرها البشرية: البحثية والإدارية، لأسباب عديدة منها: عدم جدية الوزارة أو الجامعات في إعطاء هذه التشكيلات البحثية المكانة المناسبة لها لتلعب دورها المعروف عالميا، وعدم الجدية في متابعة عملها وتذليل العقبات أمامها لترتقي بمستواها أو إلغائها عندما تفشل بمهمتها.

كذلك لم تحرص الوزارة والجامعات على رفدها بأفضل الكوادر البشرية، لتكون فعلا خزانات معرفية عالية الجودة في كادرها البشري ومنتجها المعرفي، بل أن ما يجري في كثير من الأحيان هو عكس ذلك تماما. كما لم تتخذ الوزارة والجامعات خطوات ذات شأن، ووفق رؤية مدروسة لتدريب وتطوير هذه الكوادر من خلال توأمتها مع المؤسسات العالمية المناظرة في البلدان المتقدمة، وإخضاعها لدورات تطويرية مكثفة ومستمرة في جميع المستويات. ناهيك عن عدم الاعتماد على مخرجاتها المعرفية في صناعة وتطوير عملية اتخاذ القرار سواء داخل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أم خارجها.

ولا تختلف المعاناة في مجال البحث العلمي في الكليات والمعاهد عنها في المراكز والوحدات البحثية، إذ لا دعم لعملية البحث العلمي سواء في تشكيل الفرق البحثية، أو نشر أبحاث وكتب ودراسات الكوادر التدريسية وغيرها.

ومعالجة قضية تمويل البحث العلمي في العراق لن تتم ما لم يتوجه المشرع العراقي إلى وضع موازنة ثابتة للبحث العلمي ضمن أبواب الموازنة العامة للدولة تمنع القيادات الجامعية والوزارية من التهرب من مسؤوليتها في دعم البحث العلمي داخل نظامنا التعليمي.

فضلا على ما تقدم يعاني البحث العلمي – أيضا-في مجال الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه)؛ لضعف المختبرات المجهزة بكل حاجات الطالب في الاختصاصات العلمية الصرفة، والبعد النظري الخالص للمشاريع البحثية في التخصصات الإنسانية، ولوجود فجوة كبيرة بين مشروع البحث المعد، والبيئة المبحوثة في معظم هذه المشاريع. كما أن معظم هذه المشاريع لم تتم الاستفادة منها في سوق العمل داخل دوائر القطاع الحكومي ودوائر القطاع الخاص، وبقيت حبيسة الرفوف في المؤسسات الجامعية.

ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للمشاريع البحثية المعدة في مؤتمراتنا العلمية التي تجري في معظم التخصصات وفي جميع الجامعات، وهذا بحد ذاته مؤشر خطير ينبغي تداركه، فقوة المعرفة لا بكثرتها، بل بقدرة العقول المنتجة لها على وضعها موضع التطبيق لتحسين وتطوير المجتمع والارتقاء به نحو الأمام.

إن أي نظام تعليمي عندما يعاني من هذه الأسباب الخمسة المذكورة أعلاه فهو واقع في مشكلة كبيرة، ولا يمكن تخيل انه ذاهب معها نحو التطور، بل هو ينحدر تدريجيا باتجاه الانحطاط والتخلف، وربما تحوله إلى نظام صانع للمشكلات لا معالج لها، وتبدو مؤشرات ذلك -في الوقت الحاضر- من خلال ضعف مؤهلات معظم الخريجين من الجامعات العراقية، ومعاناة الكثير منهم، حتى الحاصلين على شهادات الماجستير والدكتوراه في الحصول على فرص عمل، وعدم معادلة شهاداتهم في الكثير من الدول المتقدمة، وعزوف الطلبة من الدول الأخرى عن الدراسة في الجامعات العراقية، فضلا على عزوف الباحثين والتدريسيين الأجانب عن العمل والتدريس في هذه الجامعات، وغير ذلك من المؤشرات التي من الخطأ غض النظر عنها.

أخيرا، نقول: ليست مصلحة نظامنا التعليمي الجامعي في إخفاء الحقائق، أو تجاهلها، أو اتهام من يسلط الضوء عليها، بل مصلحته في الحرص على بحث مشكلته بجميع أبعادها، وتلافي الأخطاء التي ارتكبت أو لا زالت ترتكب، فمصير التعليم يتوقف عليه مصير الوطن بكامله، ولا نهوض لوطن تكون سياسته التعليمية فاشلة أو جامدة وعصية على التغيير نحو الأفضل.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/education/22212

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M