مفهوم القوة والقوة الإلهية

اعداد : التجاني صلاح عبد الله (كاتب وباحث سوداني)

  • المركز الديمقراطي العربي

 

الملخص :

تتناول الدراسة مفهوم القوة والقوة الإلهية، حيث ان مطلب القوة وزيادة القوة لدي الدولة هو من الضروريات التي تحتاجها الدول، لحماية رقعتها وصون حدودها أكثر من أي مطلب آخر لان بها تقوم الدولة، ويحفظ الأمن، مع ذلك فان زيادة قوة الدولة هو من العوامل الهامة إن لم يكن أهمها على الإطلاق في نفاذ السيادة على الداخل، وربما على الخارج بقدر اقل إن لم يكن مساويا له، وبالعكس فان نقصان قوة الدولة لا يؤدي إلى فقدان سيادتها على الداخل والخارج فحسب، بل هي دولة مهزومة عند أول هيعة للحرب. غير ان الباحث يعتقد ان معني ومفهوم القوة الإلهية هو أكبر من أي قوة مكتسبة ومحسوسة، ويستند في ذلك الي اول مواجهة بين المسلمين والمشركين في بدر الكبرى.

وقسم الباحث الدراسة الي محاور، منها تعريف القوة في المدرسة الواقعية والمدرسة السلوكية، والليبرالية والبنائية، وتحدث عن مفهوم توازن القوي ثم تطرق الي أنواع القوة؛ مثل القوة الصلبة (العسكرية) ,و القوة الناعمة و القوة الذكية(التحويلية) وذكر الباحث مثالا لذلك ان الولايات المتحدة كمثال,تمتلك وسائل القوة الصلبة والقوة الناعمة، والقوة التحويلية، وأنها تستخدم كل تلك الأنواع مجتمعة او متفرقة في علاقاتها مع المجتمع الدولي، فقداستخدمت القوة الصلبة بل والمفرطة في اجتياح الدول كما في المثال العراقي والبنمي، وتستخدم القوة الذكية مع بعض الدول بالتهديد والابتزاز ومطالبتها بان تدفع الدول اموالا طائلة نظير حمايتها ورد العدوان عنها، ثم تحدث عن المفاهيم المتداخلة مع مفهوم القوة الناعمة وانتهي الباحث الي لب الدراسة وهو مفهوم القوة الإلهية ,الذي يمثل اهم مجال في مجالات القوة علي اختلاف أنواعها واشكالها ومدارسها ,وهو المجال الذي يغفل عنه الكثيرون ووضح إن معني القوة الإلهية لا يخضع لأي توزيع وأنصبة في مفهوم توازن القوي، سواء كانت ضمن التوزيع المتساوي للقوة بين أعضاء المجتمع الدولي، أو توزيعا متساويا بين مجموعة معينة من الدول، أو ضمن توزيع متساوي بين تحالفات دولية، أو ضمن التوزيع غير المتساوي لصالح دولة معينة، وهي من ثم خاصية تنفرد بها الدولة المسلمة، لا يضرها أو ينقص منها في ذلك شيء. كما إن القوة الإلهية لدي المسلمين هي أضعاف أضعاف ما لدي الدولة من القوة المحسوسة، مع انه لا يصح المقارنة بينها وبينها، والله هو ذو القوة المتين ولا شيء يغلبه ويعجزه. وذكر الباحث مثالا لمعني القوة الإلهية وهو مشاركة الملائكة في القتال في اول مواجهة مع المشركين في بدر، وسرد مثالا لأهمية الراي وقوته وان التشاور قيمة أساسية من جملة القيم التي على أساسها يتم التحكم في الصراع بدرجة عالية، وتوجيه القوة توجيها سليما، وان الرأي الذي أشار به الصحابي الحباب بن المنذر، يوضح أهمية الشورى وان النبي صلي الله عليه وسلم قبل راي الحباب وأتي عليه، وكان هذا عاملا مهما في انتصار المسلمين، وهي قوة سخرها الله للصحابي الحباب بن المنذر. وان الدولة تحتاج إلى رجال وقوة، ولكن رجال أتقياء يعرفون الله، والي قوة ولكنها في حاجة أمس إلى القوة الإلهية، ان مشاركة الملائكة القتال مع المسلمين في الميدان في بدر سواء كانت مشاركة في القتال أو مشاركة بالحضور وليس القتال على اختلاف الروايات، يؤكد معني القوة الإلهية التي ينعم بها الله على عباده المؤمنين، واختتم الباحث الدراسة بالأدلة من الآيات والأحاديث.

تمهيد:

إن مطلب القوة وزيادة القوة هو من الضروريات التي تحتاجها الدول، لحماية رقعتها وصون حدودها أكثر من أي مطلب آخر، لان بها تقوم الدولة، ويحفظ الأمن، في هذا المعني كان موسوليني _رغم دمويته وفظاعته _يقول:( إن ايطاليا لا تحتاج إلى خطط وبرامج، لكنها تحتاج إلى رجال وقوة).

وإذا كانت الدولة تسعي بشكل حثيث إلي زيادة قوتها وسيطرتها، فإن هذا ليس معيارا ومقياسا البتة للعدوانية أو سوء النوايا، لأن زيادة واكتساب القوة حق طبيعي وبديهي، فضلا عن أهميته المتناهية لحماية الحدود والدفاع عن البيضة.

مع ذلك فان زيادة قوة الدولة هو من العوامل الهامة، إن لم يكن أهمها على الإطلاق في نفاذ السيادة على الداخل وربما على الخارج بقدر اقل إن لم يكن مساويا له، وبالعكس فان نقصان قوة الدولة لا يؤدي إلى فقدان سيادتها على الداخل والخارج فحسب، بل هي دولة مهزومة عند أول هيعة للحرب.

ان زيادة القوة قد لا يعني الرغبة في فرض ضغوط علي الآخرين ,بمقدار ما يكون مدفوعا بدوافع ذات طبيعة اقتصادية أو سيكولوجية أو اجتماعية أو ثقافية ,كما أن السعي لتحقيق مثل هذه الأحداث غير السياسية ,يفرض بدوره قيودا علي استخدام القوة السياسية خارج حدود الدول القومية ,وثمة بعض الدول تستخدم الجزء الأكبر من طاقتها _قوتها للتنمية الذاتية وتحسين مستوي الحياة الثقافية والاجتماعية داخلها ,وثمة دول أخري تركز علي القوة من زاوية مختلفة ,حيث تسعي لضمان أمنها من خلال عدم التورط ,أو العزلة أو الحياد أو الاسترضاء أو القبول بالدوران في فلك قوة أعظم.( 1)

تعريف القوة:

رغم الصعوبة في تعريف مصطلح القوة، حيث أن صعوبته وقساوته تكمن انه من المصطلحات والمعاني الجامعة، مما يجعل حصره في أسطر قليلة أمرا شاقا، فقد ذكر “كارل دويتش:” إن تعريف القوة في ابسط معانيها، هي القدرة على السيطرة في صراع ما والتغلب على العوائق، وفي هذا المعني طرح “لينين” قبل الثورة الروسية على زملائه مشكلة أساسية في السياسة، وهو السؤال المكون من كلمتين “من؟ ومن؟” بمعني من سيكون سيد العمليات والأحداث؟ ومن سيكون ضحيتها. (2)

ويعتبر “جوزيف ناي” أن القوة هي المقدرة على التأثير في الآخرين، وان تحصل على النتائج التي تريدها، وثمة طرق ثلاثة لتنجز هذا: بالإكراه(العصا)بالمال(الجزرة)وبالجذب والإقناع، العصا والجزرة صورة من صور القوة الصلبة، أما الجذب والإقناع فتسمي القوة الناعمة، تعد كل أبعاد هذه القوة مهمة.(3)

ويعرف “جون ميرشايمر” القوة بأنها: قدرات مادية محددة، تملكها الدولة وتمثل أصولا ملموسة، تحدد قدرتها العسكرية بالأساس، أما ” كينيث والتز” يعرف القوة بالتركيز على القدرات الممثلة في حجم السكان والإقليم وتوافر الموارد، والقدرة الاقتصادية والقوة العسكرية، واستقرار النظام السياسي وكفاءته.

مع ذلك يمكن القول: ان القوة هي إستطاعة الأفراد او الجماعات او الدول، في امتلاك الوسائل المحسوسة وغير المحسوسة التي تتيح التمكن من الآخرين وهزيمتهم، وهي تجسيد لمعني السيادة، عليه فان الدولة ذات السيادة هي قطعا دولة قوية في بنيتها ومكوناتها، ويصح المعني إذا قلبنا القول، أن كل دولة ليست لها سيادة هي دولة مهزومة ضعيفة، هذا إذا صح وصفها دولة أصلا!

القوة في المدرسة الواقعية:

تعتبر المدرسة الواقعية التي من أبرز كتابها ومنظريها “هانس مورجانثو” و” نقولا سبيكمن”، أن القوة ودورها في سلوكيات الدول والعلاقات الدولية، هي الأصل الذي ترتكز عليه طبيعة هذه العلاقات وان قوة الدولة وزيادتها وتنميتها بكل السبل المتاحة العسكرية والاقتصادية وغيرها، هو صمام الأمان في مجتمع دولي تغلب فيه الفوضى والفلتان.

الافتراضات الأساسية لهذه المدرسة قامت علي فوضي العلاقات الدولية ,والتي تتمثل أهم تجلياتها في حضور الصراع والحرب كمظهر أساسي للعلاقات ,واحتمال قائم علي الدوام بما يجعل الشاغل الأساسي لكل دولة هو تحقيق مصالحها الوطنية ,وفي مقدمتها البقاء وحماية أمنها ,وهو ما يقتضي زيادة قوتها ,ووفقا لهذا التصور الغالب تصبح القوة معنية بالأساس بتحليل كيف تستطيع دولة استخدام مواردها المادية ,لإرغام دولة أخري علي القيام بتصرف أو سلوك ,لم تكن ترغب في القيام به ,أو الدفاع عن ذاتها في مواجهة مثل هذا السلوك ,وتصبح الموارد الأولي بالتركيز هي حجم الجيش ومدي تسلحه ,وغيرها  من مؤشرات الموارد العسكرية للدولة وثروة الدولة ومستوي تطورها الاقتصادي ,وقدراتها الإنتاجية وغيرها من مؤشرات الموارد الاقتصادية(القابلة عند الضرورة للتحويل لخدمة القدرات العسكرية للدولة)والمؤشرات المتعلقة بالخصائص  الديموغرافية والجغرافية للدولة وموقعها وشكلها.(4)

يري “هانس مورجانثو” أن السياسة الدولية هي صراع من اجل القوة، وعليه فان سلوكيات الدول تحركها وتدفعها الرغبة المتأصلة في اكتساب المزيد من القوة، والمحافظة عليها ولا تألوا جهدا في إنفاذ ذلك باستخدام كل الوسائل المتاحة.

ويؤكد على أهمية القوة السياسية أو قوة الأيديولوجيا باعتبارها “علاقة نفسية بين من يمارسونها ومن تمارس عليهم، تمنح الأولين السيطرة على بعض ما يقوم به الآخرون من أعمال، بما يملكونه من نفوذ يؤثرون به في عقولهم، وشدد “مورجانثو”على أنه مهما كانت الأهداف المادية لأي سياسة خارجية كالحصول على مصادر للمواد الأولية، أو إجراء تغييرات إقليمية أو غير ذلك فإن إنجازها يتطلب دائما السيطرة على سلوك الآخرين من خلال التأثير في عقولهم. (5)

ويعتبر “سبيكمن “أن المجتمع الدولي في حقيقته يتسم بفوضوية كبيرة، وغياب القوانين الفعالة التي تنظم العلاقات بين الدول بسبب غياب الطرف القادر علي فرض القانون، وانه لا بد من استخدام القوة للمحافظة على وجودها. أما“اورغنسكي” فانه يرجع مقياس القوة إلى الوضع الاقتصادي للدولة، وعليه قسم الدول بحسب العامل الاقتصادي إلى ثلاث مراحل:

  • 1_المرحلة الأولي: مرحلة القوة الكامنة
  • 2_المرحلة الثانية: مرحلة إنماء القوة
  • 3_المرحلة الثالثة: مرحلة إظهار القوة

  القوة في المدرسة السلوكية:

يعرف منظري المدرسة السلوكية ومنهم “روبرت دال “القوة بأنها:قيام الطرف الأول بفرض أمر معين علي الطرف الثاني، ما كان الطرف الثاني ليقوم به ما لم تكن علاقة القوة موجودة بينهما.

وحتى تتسم أي علاقة تفاعلية بالقوة يفترض توفر الشروط التالية:

  • 1_تنازع قيم ومصالح وأهداف بين طرفين في وضع تفاعلي.
  • 2_رضوخ احد طرفي النزاع لمطالب الطرف الآخر.
  • 3_استطاعة احد الأطراف التهديد بمعاقبة الطرف الآخر في وقت يستوعب هذا الأخير طبيعة التهديد والنتائج المترتبة عنه في حالة عدم الانصياع, ويصدق أيضا نوايا الطرف الأول بالتهديد بالمعاقبة. (6)

القوة في المدرسة الليبرالية:

تتبني المدرسة الليبرالية الأفكار التي تعتمد على قدرة المؤسسات في الدول والفواعل على خلق علاقات اقتصادية تكاملية، بما يضيق الفجوة في نشوب الصراع والحروب.

تركز المدرسة الليبرالية في تيارات رئيسية منها ,علي أن تزايد تدفق السلع والخدمات والتجارة والاستثمارات بين الدول والفاعلين المختلفين ,يعزز أهمية القوة الاقتصادية مقارنة بالقوة العسكرية ,كما يفسح المجال لأدوار فاعلين من غير الدول مثل الشركات متعددة الجنسيات بما تملكه من موارد ,مع تحررها نسبيا من التزامات وأعباء الإنفاق لدي الدول ,وامتدادا لذات الفكرة فإن زيادة كثافة العلاقات الاقتصادية وغير الاقتصادية بين الفاعلين من شأنه توليد علاقات اعتماد متبادل ,حيث يتأثر الفاعلون حال حدوث أي انقطاع أو تغيير في العلاقات بشكل متبادل وبدرجة كبيرة وأن كانت ليست متساوية أو متماثلة بالضرورة ,ويمكن ذلك الفاعلين الأقل تأثرا في شبكات الاعتماد المتبادل من توظيفها للضغط بشكل مباشر أو غير مباشر لتحقيق مصالحهم ,كما يستطيع الفاعلون الأقل قوة ممارسة الضغط علي باقي أعضاء شبكات الاعتماد المتبادل ,من خلال تضخيم حجم المخاطر التي قد تنجم عن انسحابهم أو خروجهم من علاقات الاعتماد المتبادل أو عجزهم عن  الاستمرار فيها.(7)

القوة في المدرسة البنائية:

تتبني المدرسة البنائية قوة الأفكار والإقناع والتفاعل الاجتماعي، بدلا من التركيز على القوة بمعناها العسكري، لأجل خلق بنيات وهويات تتوافق مع رؤيتها واستراتيجيتها، بمعني أن قوة الفكر والإقناع هي الموجه الرئيس للقوة في معانيها الأخرى.

توازن القوي:

من المصطلحات والمفاهيم التي ينبغي الإشارة إليها في دراسة القوة وأنواعها مفهوم توازن القوي، وهو مفهوم يعبر عن الحالة التي تكون فيها كل الدول على مستوي متقارب من القوة، لان أي تميز لواحدة منها بامتلاك كل وسائل القوة من شأنه أن يجعل الدول الباقية تحت رحمتها وسيطرتها، مما يؤدي إلى اختلال في المنظومة العالمية، وتبرز من ثم سياسات القطب الأوحد وسيطرة الدولة القوية، مثل ما تمارسه الولايات المتحدة اليوم تحت قيادة ترامب.

لا تعتبر فكرة توازن القوي فكرة واحدة، وليس هناك اتفاق مستقر على اعتبارها ذات معني واحد، بل توجد معان عديدة لها ومن هذه المعاني: أن توازن القوي يعني توزيعا متساويا للقوي بين أعضاء المجتمع الدولي او توزيعا قويا متساويا بين مجموعة معينة محددة من الدول، او توزيعا متساويا بين تحالفات او ائتلافات دولية، او توزيعا غير متساو لصالح دولة معينة. (8)

يدل استخدام هذه العبارة بطريقة موضوعية أو وصفية علي توزيع القوي بين الدول بشكل متساو أو غير متساو ,وهي تدل عادة علي حالة لا تتفوق فيها دولة علي أخري ,ومن الناحية الفرضية فإنها تعبر عن سياسة ترويج تساوي القوي القائمة علي افتراض أن عدم توازنها أمر خطير ,لذلك يتعين علي الدول الحذرة التي لا تقف في الطرف المتضرر من ميزان القوي ان يتحالف بعضها مع بعض ضد دولة مهيمنة ,او ان تتخذ تدابير أخري من شانها أن تعزز قدرتها علي وضع حد لأي معتد ,كما يمكن لأي دولة أخري أن تختار دورها التوازني فتغير انحيازها مع طرف ما لمصلحة أخر متى دعت الحاجة من اجل المحافظة علي هذا التوازن, وتستدعي سياسة توازن القوي أن تهدئ اي دولة من مسعاها المستقل الي القوة ,لان توافر الكثير من القوة لدولة واحدة قد يولد لدي الدول الأخرى شعورا بالخوف منها والعدوانية نحوها.(9)

إن طبيعة الصراع والنزاعات بين الدول يعتبر من الاسباب الموضوعية والعامل الرئيس لزيادة القوة، وتسخير المؤسسات العلمية والبحثية والعسكرية والمعلوماتية لهذا الغرض، وقد تميل الي اقامة الاتحادات والتكتلات والتحالفات لزيادتها، او تلجأ الي هذه الفرضيات باعتبارها ذرائع متاحة لسد النقص والضعف الذي يضرب الدولة، وكلا يدعي وصلا بليلي!

يمكن القول دون وجل ان سياسة توازن القوي تعتبر كابح من كوابح الضرورة التي تقتضيها المعاملات والعلاقات الدولية، والتي نجحت فيما يقارب ثلاثمائة عام في عدم تمكن دولة واحدة بالهيمنة والسيطرة العالمية.

أنواع القوة:

في فكر العلاقات الدولية والعلوم السياسية، تتباين انواع القوة وفقا للمدارس والافكار التي تنادي بها كل مجموعة، ومن الضروري ان نتطرق الي انواعها ثم نتحدث عن مفهوم القوة الالهية ان شاء الله تعالي.

أولا: القوة الصلبة (العسكرية) هي كل اشكال القوة المحسوسة التي تعتمد عليها الدولة للدفاع عن حدودها وذاتها.

ثانيا: القوة الناعمة  يعرف مصطلح القوة الناعمة بأنها القوة الفارضة علي الدولة ب بالإذعان والانقياد للدولة أ، من غير ان تمارس الدولة أ عليها اي ضغوطات عسكرية او قوة صلبة، وهو المصطلح الذي أتي به جوزيف ناي عام 1990 في مقال يحمل اسم (القوة الناعمة).

بشكل عام يمكن تسكين التعريفات المختلفة السائدة للقوة الناعمة بين طرفي متصل ,يراوح بين  جاذبية مظاهر الثقافة الشعبية وصولا إلي جميع أشكال القوة عدا الاستخدام الفعلي للقوة العسكرية ,فاضيق تعريفات القوة  الناعمة تقصرها علي قوة  الدولة الناجمة عن جاذبية مسلسلاتها وأفلامها  وموسيقاها ,ورواياتها  وأدبها  ورياضاتها ومطبخها  واكلاتها وسلاسل مطاعمها ,وأزيائها  وصيحات ملابسها وغيرها من الأعمال الفنية, وعناصر ثقافتها الشعبية او الجماهيرية التي تذيع وتنتشر عبر الحدود بين الجماهير العادية او النخب علي السواء.(10)

وضع “جوزيف ناي”_ مبتكر مصطلح القوة الناعمة _ثلاثة موارد تعتبر اصولا للقوة الناعمة وهي:

1_ثقافة الدولة بما تنطوي عليه من عوامل جذب للآخر.

2_قيم الدولة السياسية.

3_سياسة الدولة الخارجية التي يفترض ان تكون متناغمة متجانسة, بمعني ان لا تحمل الشيء ونقيضه في وقت واحد.

لكن ان تجمع موارد القوة الناعمة مع القوة الصلبة في استراتيجية ذكية ليس دائما عملا سهلا، فعلي سبيل المثال قد يساعد تأسيس معهد كونفوشيوس في مانيلا لتعليم الثقافة الصينية على انتاج القوة الناعمة، لكن من غير المرجح ان ينجح في بيئة تمارس فيها الصين التعدي على الفلبين من جراء امتلاكها لجزيرة متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وما دامت الصين أكثر حزما في مطالبها الإقليمية مع جيرانها، فهذا يصعب عليها امكانية تحقيق اهدافها في القوة الناعمة. (11)

ثالثا: القوة الذكية(التحويلية)

تعرف القوة التحويلية بأنها: القوة الناتجة عن دمج القوتين الصلبة والناعمة، ومن ثم مقدرة الدولة علي التعامل بهذه القوة المزدوجة مع كل الفواعل الدولية.

ما من شك أن الولايات المتحدة كمثال تمتلك وسائل القوة الصلبة والقوة الناعمة، بل والقوة التحويلية، وأنها تستخدم كل تلك الأنواع مجتمعة او متفرقة في علاقاتها مع المجتمع الدولي، فقداستخدمت القوة الصلبة بل والمفرطة في اجتياح الدول كما في المثال العراقي والبنمي، وتستخدم القوة الذكية مع بعض الدول بالتهديد والابتزاز ومطالبتها بان تدفع الدول اموالا طائلة نظير حمايتها ورد العدوان عنها، والامثلة واضحة في عالمنا المعاصر.

أما الوسائل التي استخدمتها الولايات المتحدة لبسط نفوذها وسلطانها فقد كانت تتراوح ما بين الوعود السياسية، والتهديد باستخدام القوة العسكرية او الحصار الاقتصادي، وأساليب العمل المخابراتية، أما أكثر أساليب العمل المتبعة في فرض الهيمنة والنفوذ وتكريس حالة التبعية، فقد كانت متمثلة بالأساليب والأدوات الاقتصادية. (12)

وقت الحرب في أفغانستان كانت المشاركة الاوروبية  في تدمير القاعدة وحرمان طالبان من استعادة قوتها ,كانت موضع الخلاف الاكثر اثارة كما يقول “مارتن غريفيثس” , في كتاب (المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية )وأن الفكر الاوروبي كان منقسما حول ضرورة تلك الحرب ,وفي تعليق شهير كان احد الخبراء قد المح في 2003 الي الخلفية السيكولوجية لتوجه أوروبا نحو استخدام القوة العسكرية بقوله: (الأوربيون مصرون علي تناول المشكلات بكثير من التدقيق وقدر أعظم من الحنكة ,يحاولون التأثير في الاخرين بالمكر والمخادعة ,انهم اكثر قدرة علي تحمل الفشل واكثر صبرا عندما لا تأتي الحلول سريعا ,انهم بشكل عام يفضلون الردود السلمية علي المشكلات ,يفضلون المفاوضات والدبلوماسية والإقناع علي القسر والاكراه ,وهم اسرع في اللجوء إلي القانون الدولي والاتفاقيات الدولية والرأي  الدولي ,والتقاضي في النزاعات ..انهم غالبا ما يهتمون بالاجراءت اكثر من اهتمامهم بالنتيجة ,معتقدين ان الاجراءات في نهاية المطاف ستصبح هي الموضوع.

وبالنظر الي استخدام الاتحاد الاوروبي للقوة التحويلية فانه يمكن ملاحظة الاتي:

1_ان الاتحاد الاوروبي لا يميل الي تغير الدول بالتهديد بغزوها، وهي صفة اتصفت بها كثيرا الولايات المتحدة، مثال لذلك عندما قررت اجتياح وغزو بنما وخلع الجنرال نورييغا عنوة، الا ان الاتحاد الاوروبي يميل الي قطع الاتصال بالدول التي بينه وبينها عداء ويلجأ الي مثل هذه القوة والتي يتبعها بأصناف اخري من القوة الناعمة.

2_ان قوة التمدد والاتساع التي يتبعها الاتحاد الاوروبي لضم دولا جديدة في مظلته، تفرض عليه ان يضع لها معايير وشروط تؤهلها لعضوية الاتحاد الاوروبي تتمثل في:

1_وجود مؤسسات مستقرة ضامنة للديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الانسان.

2_وجود اقتصاد سوق فعال قادر علي مواجهة التنافسية، ومعايير سوق الاتحاد الاوروبي.

3_القدرة الادارية على تنفيذ قوانين وقواعد الاتحاد الاوروبي الادارية المعمول بها.

المفاهيم المتداخلة مع مفهوم القوة الناعمة:

  • مفهوم”هابرماس”عن القوة الاتصالية

يعطي “هابرماس” نموذجا مختلفا في ممارسة القوة بين الفاعلين، فهو يعتمد على قوة الحوار والاتصال بين الفواعل المتنازعة، مما يعني اولا تنازلا من جميع الاطراف عن استخدام القوة الصلبة وانخراطهم في الاتصال والحوار بما يمكن معه توجيه النزاع الي الاستفادة من المصالح المشتركة التي تجمعهم، وترفع كل الاطراف عن المصالح الضيقة المتنازع عليها.

مفهوم “كينيث بولدنج”عن القوة التدميرية والقوة الانتاجية والقوة التكاملية

وهي الفرضيات التي قدمها “بولدنج” في نهاية الثمانينات من القرن العشرين عن القوة التدميرية التي من الممكن ان تنتهجها الفواعل، والقوة التكاملية التي تعني باتحاد الفاعلين والانصراف الي تحصيل المصالح والفوائد والاهداف المشتركة لديهم، والقوة الانتاجية التي تهتم بالإنتاج والقدرة على الدفع وتقديم المقابل.

  • مفهوم”فوكو”عن القوة التنظيمية

يهتم مفهوم “فوكو “بتطويع الافراد من خلال خلق الاحساس الذاتي الدائم بالمراقبة والمتابعة بما يؤدي في النهاية الي التزام الافراد وخضوعهم الذاتي للدولة وقد ضمن “فوكو” هذا المفهوم في كتابه (النظام والعقاب) عام 1975.

  • مفهوم” مايكل مان” عن القوة الاجتماعية (القوة الممتدة والمكثفة والسلطوية والمنتشرة والتوزيعية والقوة الجمعية)

وضع “مايكل مان” ثلاثة فروض اساسية للتميز بين القوة, الفرض الاول هو التمييز بين القوة الممتدة التي يستطيع فيها الفاعل السيطرة علي مجموع كبير من الفاعلين في اماكن مختلفة ,والقوة المكثفة التي تهتم بتكوين درجة كبيرة من الالتزام لدي الفاعلين الخاضعين لها ,والفرض الثاني التمييز بين القوة السلطوية التي تقوم علي توجيهات معبرة من ارادة فاعل معين ووعي الاخرين بهذه التوجيهات والتزامهم بها ,وبين القوة المنتشرة التي تنتشر لا مركزيا بين الفاعلين دون توجيه مباشر من فاعلين اخرين ,والفرض الاخير هو التمييز بين القوة التوزيعية التي يؤدي زيادة اي طرف من القوة الي نقصان نصيب الاطراف الأخرى منها, وبين القوة الجمعية وهي القوة المشتركة التي يتعاون فيها فاعلين او اكثر .

مفهوم “جرامشي “عن قوة الهيمنة

ينطلق فكر قوة الهيمنة والسيطرة عند “جرامشي” من الفرضية التي تري ان الدولة مهما كانت من القوة والتنظيم، فإنها لا يمكن ان تدوم معتمدة على العنف والدماء، وانه في سبيل البحث عن طريقة ومنهج أفضل ودائم، فانه ينبغي للنخبة توظيف آلياتها الاعلامية والقانونية والثقافية وغيرها للتلاعب بالوعي الشعبي للأفراد، واستمالتهم بذلك للانقياد واتباع القيادة النخبة.

  • مفهوم “بورديو “عن القوة الرمزية

القوة الرمزية في مفهوم “بيير بورديو” هي سيطرة العادات والتقاليد على اختلاف صورها على الفاعلين دون وعي منهم عادة.

رغم تلاقي المفهوم في العديد من أبعاده مع مفهوم “الوعي الزائف “في الفكر الماركسي، فإن “بورديو “لم يجعل القوة الرمزية او الثقافية تابعة بالضرورة للقوة والهياكل الاقتصادية، وإن لم ينكر إمكانية توظيفها لصالح الأخيرة، كما أن مفهوم “بورديو “يناقش أشكالا مقصودة وغير مقصودة للسيطرة عبر ممارسات تمتد لتصل الي اللغة والمعاملات اليومية الحياتية العادية ذاتها، وليس بالضرورة السيطرة من خلال معتقدات او أيدولوجيات او خطابات معينة. (13)

مفهوم القوة المعيارية:

وهو المفهوم الذي قدمه “إبان مانرز”، ويعتبر القوة المعيارية هي القدرة على تحديد وتشكيل ما يتم اعتباره عاديا، ويقترب المفهوم في مقصد “مانرز” من مقاصد “كار” في قوة الرأي التي تحدث عنها، ومقاصد “جالتونج”في قوة الأيدلوجيا، وهي كلها تهتم بالقدرة على التأثير في افكار وتوجهات الاخرين من خلال التأثير في افكارهم.

مفهوم قوة تحديد جدول الأعمال:

وهي قدرة الفواعل على تقديم وطرح قضايا بصورة رئيسية وآنية، في مقابل تهميش قضايا وموضوعات أخري.

يعد “بيتر باشراش “و”مورتون باراتز “من أبرز الأسماء الرائدة في لفت الانتباه إلى هذه القوة في المجال السياسي، في دراستهما المعنونة “وجهان للقوة “حيث أكدا على ضرورة عدم الاقتصار على تحليل القوة في مواقف الصراع السياسي، إذ أن ثمة وجها خفيا سابقا للقوة يرتبط بإخراج واستبعاد بعض الموضوعات من دائرة التفاوض أو الصراع، والسماح بتصعيد قضايا اخري. (14)

القوة الالهية: المجال الخامس:

في كتابه رقعة الشطرنج يقول” بريجنسكي ” :(أميركا تحتل مرتبة عليا في المجالات الحاسمة الأربعة للقوة العالمية: وهي المجال العسكري ,الذي تملك فيه قدرة وصول عالمية لا مثيل لها ,والمجال الاقتصادي الذي تبقي فيه ذات قدرة تحرك رئيسية في النمو العالمي ,حتى ولو واجهت تحديات في بعض المظاهر من قبل المانيا واليابان (لا تملك أي دولة منهما المزايا الأخرى للقوة العالمية) ,والمجال التكنولوجي حيث تحافظ فيه علي المجالات الحادة والحساسة في الابتكار, والمجال الثقافي الذي تتمتع فيه بالرغم من بعض السلبيات بإغراء لا يمكن منافسته ,وخاصة بين شبان العالم الذين يرون في الولايات المتحدة دولة تملك نفوذا سياسيا ,لا تقترب أي دولة أخري من مجال القدرة علي منافسته ,وهكذا فان الجمع بين هذه المجالات الأربعة هو الذي يجعل من أميركا تلك القوة العظمي العالمية الوحيدة حصرا).(15)

والحق أن لا المجال العسكري الذي تزعمت الولايات المتحدة فيه العالم، وبلغت فيه مكانا متميزا لا تزاحمها فيه دولة، ولا أن المجال الاقتصادي والتكنولوجي والثقافي الذين لا تضائها أو تقربها فيهم دولة في المجتمع الدولي، كافية لجعلها القوة العظمي في العالم لأنها تفتقد المجال الخامس الذي أغفله “بريجنسكي “وهو القوة الإلهية ومعرفة الدولة ربها، والاتكال عليه!

وإذا كان البعض يصف الإسلام بالضعف وانعدام القوة، مثل “فرانسيس فوكوياما” في كتابه (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) الذي ذكر فيه: انه يمكن للإسلام استعادة بلدان فلتت منه لفترة، ولكنه لا يقدم الإغراءات أبدا لشبيبة برلين وطوكيو وباريس أو موسكو (16)

فإنه لا يدري ولا يدري أنه لا يدري ، فأي إغراء أكبر من جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين،أي إغراء أكبر ! وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لأصحابه في غزوة بدر: “قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض”. فقال عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: “نعم”. قال: بخ بخ . فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: “ما يحملك على قول بخ بخ؟”. قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال:” فإنك من أهلها “، فاخرج تمرات من قرنه (جعبة النشاب) فجعل يأكل منه ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة قال: فرمي بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل.

إن معني القوة الإلهية لا يخضع لأي توزيع وأنصبة في مفهوم توازن القوي، سواء كانت ضمن التوزيع المتساوي للقوة بين أعضاء المجتمع الدولي، أو توزيعا متساويا بين مجموعة معينة من الدول، أو ضمن توزيع متساوي بين تحالفات دولية، أو ضمن التوزيع غير المتساوي لصالح دولة معينة، وهي من ثم خاصية تنفرد بها الدولة المسلمة، لا يضرها أو ينقص منها في ذلك شيء.

إن القوة الإلهية لدي المسلمين هي أضعاف أضعاف ما لدي الدولة من القوة المحسوسة، مع انه لا يصح المقارنة بينها وبينها، والله هو ذو القوة المتين ولا شيء يغلبه ويعجزه.

والقوة الإلهية هي إعانة الله القوي لعباده المسلمين في كل شيء، الإعانة التي يطلبها الفرد المسلم في صلواته الخمس كل يوم، وهو سبحانه وتعالي مجيب الدعوات، فان المسلم إذا رفع يديه يدعو الله فانه سبحانه وتعالي يستجيب، والله يقول في كتابه الكريم:( وقال ربكم ادعوني استجب لكم) [غافر:60] .

إن معني القوة الإلهية يظهر ويتحقق لدي الفرد المسلم الصالح في حياته كلها، في حله وتر حاله في حربه وسلمه، إذا توكل عليه وأناب إليه وتاب إليه، واستعان به وحده، ودعاه وحده، ووحده ولم يشرك به شيئا، والله تعالي يقول (إن الله يدافع عن الذين امنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور)[الحج:38] .

سأتناول فيما تبقي مثالا يوضح معني القوة الإلهية، وهو مشاركة الملائكة في القتال في اول مواجهة مع المشركين في بدر.

الحباب بن المنذر: قوة الرأي

يمثل التشاور قيمة أساسية من جملة القيم التي علي أساسها يتم التحكم في الصراع بدرجة عالية ,وتوجيه القوة توجيها سليما, والله تعالي يقول:(وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين ) [ آل عمران:159] ومن أمثلة الشورى والأخذ بالرأي الآخر الظاهرة في التاريخ الإسلامي ,مشورة ورأي الصحابي الحباب بن المنذر  رضي الله عنه.

قال ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية): قال ابن اسحاق:

فحدثت عن رجال من بني سلمة انهم ذكروا أن الحباب بن منذر بن الجموح قال يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا ان نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال:” بل هو الرأي والحرب والمكيدة “. فقال: يا رسول الله فان هذا ليس بمنزل، فأمض بالناس حتى نأتي ادني ماء من القوم فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون.

فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: “لقد أشرت بالرأي”.(17)

فان الرأي الذي أشار به الحباب بن المنذر، يوضح أهمية الشورى وان النبي صلي الله عليه وسلم قبل راي الحباب واتي عليه، وكان هذا عاملا مهما في انتصار المسلمين، وهي قوة سخرها الله للصحابي الحباب بن المنذر.

القوة الإلهية: مدد السماء

صحيح أن الدولة تحتاج إلى رجال وقوة، ولكن رجال أتقياء يعرفون الله، والي قوة ولكنها في حاجة أمس إلى القوة الإلهية، ان مشاركة الملائكة القتال مع المسلمين في الميدان في بدر سواء كانت مشاركة في القتال أو مشاركة بالحضور وليس القتال على اختلاف الروايات، يؤكد معني القوة الإلهية التي ينعم بها الله على عباده المؤمنين.قال تعالي:

“ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون، إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين، بلي إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وما جعله الله إلا بشري لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم “[ آل عمران: 123-126]

وقال تعالي:

(إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين،وما جعله الله إلا بشري ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم ،إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط علي قلوبكم ويثبت به الأقدام) [الأنفال:9_11]

قال ابو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيره:

حدثني سليمان بن عبد الجبار قال: ثنا محمد بن الصلت قال: ثنا ابو كدينة عن قابوس عن ابيه عن ابن عباس 🙁 ممدكم بألف من الملائكة مردفين) قال: وراء كل ملك ملك.

حدثني ابن وكيع قال: ثنا أبو أسامة عن ابي كدينة يحي بن المهلب عن قابوس عن ابيه عن ابن عباس 🙁 مردفين) قال متتابعين.

قال: ثنا هانئ بن سعيد عن حجاج بن أرطاة عن قابوس قال سمعت ابا ظبيان يقول:( مردفين) قال: الملائكة بعضهم على إثر بعض

قال: ثنا المحاربي عن جويبر عن الضحاك قال (مردفين) قال: بعضهم على إثر بعض. (18)

والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأ:(بألف من الملائكة مردفين) بكسر الدال، لإجماع أهل التأويل على ما ذكرت من تأويلهم ان معناه: يتبع بعضهم بعضا ومتتابعين، ففي إجماعهم على ذلك من التأويل الدليل الواضح على ان الصحيح من القراءة ما اخترنا في ذلك من كسر الدال بمعني: أردف بعض الملائكة بعضا ومسموع من العرب: جئت مردفا لفلان: اي جئت بعده. (91)

وأما قوله :(إذ يوحي ربك الي الملائكة أنى معكم): انصركم (فثبتوا الذين امنوا) يقول: قووا عزمهم وصححوا نياتهم في قتال عدوهم من المشركين.

وقد قيل: إن تثبيت الملائكة المؤمنين كان حضورهم حربهم معهم وقيل: كان ذلك معونتهم إياهم بقتال أعدائهم وقيل: كان ذلك بان الملك يأتي الرجل من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ويقول: سمعت هؤلاء القوم _يعني المشركين يقولون: والله لئن حملوا علينا لننكشفن، فيحدث المسلمون بعضهم بعضا بذلك فتقوي أنفسهم قالوا: وذلك كان وحي الله الي ملائكته. (20)

وقال ابو محمد الحسين بن مسعود البغوي في تفسيره:

(إذ يوحي ربك الي الملائكة) الذين امد بهم المؤمنين (أنى معكم) بالعون والنصر (فثبتوا الذين امنوا) أي: قووا قلوبهم قيل: ذلك التثبيت حضورهم معهم القتال ومعونتهم اي: ثبتوهم بقتالكم معهم المشركين. وقال مقاتل: أي بشروهم بالنصر، وكان الملك يمشي أمام الصف في صورة الرجل ويقول: ابشروا فان الله ناصركم. (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب) قال عطاء: يريد الخوف من أوليائي (فاضربوا فوق الأعناق) قيل: هذا خطاب مع المؤمنين وقيل: هذا خطاب مع الملائكة، وهو متصل بقوله (فثبتوا الذين امنوا) وقوله :(فوق الأعناق) قال عكرمة: يعني الرؤوس لأنه فوق الأعناق وقال الضحاك: معناه فاضربوا الأعناق وفوق صلة كما قال تعالي: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) [محمد :4] وقيل : معناه فاضربوا علي الأعناق فوق بمعني: علي.

(واضربوا منهم كل بنان) قال عطية: يعني كل مفصل، وقال ابن عباس وابن جريج والضحاك: يعني الاطراف والبنان جمع بنانة وهي أطراف أصابع اليدين والرجلين، قال ابن الانباري: ما كانت الملائكة تعلم كيف يقتل الادميون فعلمهم الله عز وجل. (21)

الأحاديث التي تذكر مشاركة الملائكة في القتال يوم بدر

قال الإمام مسلم في أثناء حديث عن غزوة بدر من حديث ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم، فنظر الي المشرك أمامه فخر مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد خطم انفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك اجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال:” صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة”.

وروي الإمام مسلم:

حدثنا زهير بن حرب _واللفظ له_حدثنا عمر بن يونس الحنفي ,حدثنا عكرمة بن عمار حدثني ابو زميل هو سماك بن الحنفي ,حدثني عبد الله ابن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلي الله عليه وسلم الي المشركين وهم ألوف ،واصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا ،فاستقبل نبي الله صلي الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني ،اللهم آت ما وعدتني ،اللهم ان تهلك ان تهلك هذه العصابة من اهل الاسلام لا تعبد في الارض ،فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتي سقط رداؤه عن منكبيه .فاتاه ابو بكر فاخذ رداءه فألقاه علي منكبيه ثم التزمه من ورائه ،وقال :يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فانه سينجز لك ما وعدك ،فانزل الله عز وجل :”إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين”، فأمده الله بالملائكة.(22)

وقال الهيثمي في الزوائد:

وعن ابن عباس قال: لم تقاتل الملائكة مع الني صلي الله عليه وسلم إلا يوم بدر وكانت فيما سوي ذلك إمدادا. وقال الهيثمي وعن ابي داود المازني، وكان شهد بدرا قال: إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه إذ وقع قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري. (23)

قال ابن اسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر انه حدث عن ابن عباس قال: حدثني رجل من بني غفار قال: اقبلت انا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا علي بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة(الدائرة) فننتهب مع من ينتهب قال: فبينا نحن في الجبل اذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم، فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه، وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت.

قال ابن اسحاق: وحدثني عبد الله بن ابي بكر عن بعض بني ساعدة عن ابي اسيد مالك بن ربيعة وكان شهد بدرا قال بعد أن ذهب بصره: لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا اشك فيه ولا أتماري.

قال ابن اسحاق: وحدثني أبي اسحاق بن يسار عن رجال من بني مازن بن النجار عن ابي داود المازني وكان شهد بدرا قال: إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه اذ وقع رأسه قبل ان يصل اليه سيفي فعرفت انه قد قتله غيري.

قال ابن اسحاق: وحدثني من لا اتهم عن مقسم مولي عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عباس قال: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد ارسلوها على ظهورهم ويوم حنين عمائم صفراء.

قال ابن اسحاق: وحدثني من لا اتهم عن مقسم عن ابن عباس قال: ولم تقاتل الملائكة في يوم سوي بدر من الايام وكانوا يكونون فيما سواه من الايام عددا ومددا لا يضربون. (24)

الأحاديث التي ذكرت المشاركة ولم تصرح بالقتال

قال البخاري رحمه الله:

“باب شهود الملائكة بدرا” حدثني ابراهيم بن موسي أخبرنا عبد الوهاب حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما “أن النبي صلي الله عليه وسلم قال يوم بدر: هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب.

وقال أيضا:

حدثني اسحاق بن ابراهيم أخبرنا جرير عن يحي بن سعيد عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه _وكان ابوه من اهل بدر قال:

جاء جبريل إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال: ما تعدون اهل بدر فيكم؟ قال: “من أفضل المسلمين “_أو كلمة نحوها _قال وكذلك من شهد بدرا من الملائكة “. (25)

المصادر:

1_. جيمس دورتي وروبرت بالتسغراف، النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية_ترجمة د. وليد عبد الحي (الكويت: كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع، ط.1،1985)، ص.15

2_ كارل دويتش، تحليل العلاقات الدولية_ترجمة شعبان محمد محمود شعبان (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط.1،1983)، ص.83

3_ جوزيف س.ناي، هل انتهي القرن الامريكي (الرياض: العبيكان للنشر، ط.1،6102)، ص.9

4_ علي جلال معوض، مفهوم القوة الناعمة وتحليل السياسة الخارجية (الاسكندرية: مكتبة الإسكندرية، ط.1،9102 )،ص.27

5_المصدر السابق ص.34

6_ ناصيف يوسف حتى، النظرية في العلاقات الدولية (بيروت: دار الكتاب العربي، ط.1،5891)، ص.121

7_ علي جلال معوض، مفهوم القوة الناعمة وتحليل السياسة الخارجية (الاسكندرية: مكتبة الإسكندرية، ط.1،9102 )،ص.30

8-جمال زهران، منهج قياس قوة الدول واحتمالات تطور الصراع العربي _الإسرائيلي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط.1،6102 )،ص.23

9_ مارتن غريفيثس وتيري أوكالاهان، المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية (دبي: مركز الخليج للأبحاث، ط.1،2008)، ص.154

10_ علي جلال معوض، مفهوم القوة الناعمة وتحليل السياسة الخارجية (الاسكندرية: مكتبة الإسكندرية، ط.1،9102 )،ص.18

11_ جوزيف س.ناي، هل انتهي القرن الامريكي (الرياض: العبيكان للنشر، ط.1،6102)، ص.95

12_ عبد القادر محمد فهمي، الفكر السياسي والاستراتيجي للولايات المتحدة الامريكية (عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع، ط.2009،1)، ص.93-92

13_ علي جلال معوض، مفهوم القوة الناعمة وتحليل السياسة الخارجية (الاسكندرية: مكتبة الإسكندرية، ط.1،9102 )،ص.45

14_المصدر السابق ص.46

15_زبغنيو بريجنسكي، رقعة الشطرنج الكبرى (بيروت: مركز الدراسات العسكرية، ط.2،9991) ، ص.25

16_فرانسيس فوكوياما،نهاية التاريخ والانسان الاخير (بيروت: مركز الإنماء القومي،ط.1،3991 )،ص.17

17_ ابو الفداء اسماعيل بن كثير_البداية والنهاية _الجزء الثالث (بيروت: مكتبة المعارف.1،1990)،ص267

18_ ابو جعفر محمد بن جرير الطبري _ تفسير الطبري_الجزء الحادي عشر (القاهرة: هجر للطباعة والنشر والتوزيع، ط.1،2001)،ص54

19_المصدر السابق ص.57

20_المصدر السابق ص.69

21_ ابو محمد الحسين بن مسعود البغوي _تفسير البغوي_المجلد الثالث (الرياض: دار طيبة للنشر والتوزيع، ط.1،1989)،ص334

22_ احمد محمد العليمي باوزير_مرويات غزوة بدر (المدينة المنورة: مكتبة طيبة، ط.1،1980)،ص192

23_المصدر السابق ص 237

24_ عمر عبد السلام تدمري _ السيرة النبوية لابن هشام_الجزءالثاني (بيروت: دار الكتاب العربي،ط.3،1990)،ص274-275

25_ احمد محمد العليمي باوزير_مرويات غزوة بدر (المدينة المنورة: مكتبة طيبة، ط.1،1980)،ص241

 

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=63446

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M