نتائج انسحاب مالي من G5 وتغير خريطة التحالفات الدولية

 رحمة حسن

 

يُعد انسحاب مالي من تجمع دول الساحل الخمس “G5” خطوة نحو تعزيز فكرة تغيير شكل التحالفات الثنائية في الإقليم، والخروج عن التحالفات الجماعية التي ربطت تلك الدول بعلاقات مع فرنسا في ظل التنافس الروسي في المنطقة، والذي أتبع زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الأخيرة إلى الجزائر، مما يهدد استمرار عمل التجمع عقب تحول مساره من الأهداف الاقتصادية للتعاملات السياسية والعسكرية وتغير شكل الحكم في المنطقة، وهو ما يهدد مصالح بعض التحالفات في المنطقة في ظل الإعلان عن الانسحاب من كافة مؤسساته وبزوغ أشكال جديدة من المؤسسات القائمة على الأهداف الجديدة المُعاد تشكيلها.

تقويض مالي والعلاقات المتوترة مع الغرب

بدايةً يمكن تعريف تجمع دول الساحل والصحراء، وفقًا للواء أ.ح/ محمد صلاح مساعد وزير الدفاع للعلاقات الخارجية، بأن هدفه الأساسي الاقتصادي وأسسته ست دول أفريقية (ليبيا، السودان، تشاد، النيجر، ومالي، وبوركينافاسو) في عام 1998، وصدقت 15 دولة، على معاهدة التجمع، وعقب أحداث عام 2011 زاد الاضطراب في المنطقة، وبدأت دول المنطقة في تشكيل قوات عسكرية مشتركة تحت مُسمى (G5) من منظور أمني لتأمين الحدود بين النيجر وتشاد، والحدود بين مالي وموريتانيا، هذا إلى جانب قوات عسكرية مشتركة أُخرى لمحاربة تنظيم “داعش”.

وفي ظل إعادة تشكيل العلاقات، وفي ضوء الخلافات التصعيدية التي عاشتها دولة مالي إثر الانقلابين الذي أدى للحكم العسكري منذ يونيو الماضي وتولي رئيس المجلس العسكري الكولونيل أسيمي جويتا رئيسًا انتقاليًا؛ وتأخر تسليم البلاد لحكم مدني يرضي الغرب وبعض المؤسسات الأفريقية، فعلقت “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا – إيكواس” عضوية مالي وفرضت عقوبات اقتصادية في يناير الماضي على خلفية تأجيل الانتخابات التي كان مقررًا لها فبراير الماضي، وطالبت الإيكواس بإجراء الانتخابات في غضون مدة تتراوح من 12 إلى 16 شهرًا كشرط لعودة مالي، لكن السلطات المالية حددت مدة انتقالية في مدة زمنية تتراوح من عامين لخمس سنوات، على خلفية المخاوف الأمنية في البلاد.

فدخلت مالي في مرحلة التقويض الدولي، للضغط عليها من أجل التوصل لحكم مدني، وهو ما وصفته مالي أنه سبب انسحابها من تجمع دول الساحل الخمس G5 التي تشكلت في 16 فبراير 2014 واعتمدت اتفاقية التأسيس في 19 ديسمبر 2014 وتضم بجانب مالي موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر، على خلفية عدم انعقاد قمة للمجموعة كانت مقررة في باماكو خلال فبراير الماضي، على أن تتسلم خلالها مالي رئاسة المجموعة وفقًا لما أعلنت عنه السلطات المالية يوم الأحد 15 مايو 2022.

ولتأكيد فرضية السلطات المالية عن التقييد الدولي للسلطات الحالية، أعلنت عن فشل محاولة انقلاب قادها عدد من الضباط وجنود الصف ضد السلطات الحالية التقدمية في البلاد والتي احبطتها القوات الأمنية المالية في ليل 11-12 مايو الماضي، والتي أعلنت عنها السلطات المالية عقب عدة أيام من المحاولة وذلك يوم الاثنين 16 مايو 2022، والتي وصفت تلك المحاولة بأنها بدعم من “دول غربية” تم اعتقال عشرة ضباط على إثرها، وتعزيز الإجراءات الأمنية عند مداخل العاصمة باماكو وعلى الحدود. وسبق وأن تعرض جويتا لمحاولة اغتيال فاشلة في يوليو 2021 دون إفصاح الحكومة عن مزيد من التفاصيل آنذاك.

وهو ما يضعنا أمام محاولات تصعيد للسلطات المالية في ظل توتر العلاقات مع الغرب وخاصة فرنسا بمشاركة الولايات المتحدة والدول الأوروبية والتي سحبت قوات البرخان وتاكوبا من العمليات في مالي مقابل زيادة أعدادها في النيجر المجاور، في محاولة لتضييق الخناق على السلطات الحالية إثر التعاون مع قوات فاجنر الروسية وتأخير العملية الانتقالية، فجاء الانسحاب المالي من مجموعة دول الساحل الخمس و وهيئاتها ومن قوتها العسكرية المكلفة بقتال الجماعات المسلحة في المنطقة والمشكلة منذ عام 2014، في ظل اتهام مالي لهم بأن هذه الدول مرتبطة بدول خارج المنطقة تسعى لعزل باماكو. مما يوضح تغير شكل التحالفات الجماعية إلى تحالفات ثنائية جديدة.

دوافع الانسحاب

تدهور العلاقات المالية الفرنسية: تحاول مالي الرد على الانسحاب الفرنسي بقرار تصفه بالأحادي، بالخروج من كافة التحالفات التي ترى فيها بأن تلك التجمعات بمثابة تحالف مع فرنسا سواء سياسي أو عسكري، حيث اتهمت السلطات المالية الدول الأعضاء في التجمع بارتباطها بالغرب مما يهدد استقلال دول مجموعة الساحل، وسبق قرار الانسحاب إلغاء اتفاقيات الدفاع مع فرنسا وشركائها الأوروبيين “اتفاق وضع القوات سوفا” وكافة الاتفاقيات التي تحدد إطارًا قانونيًا لوجود قوتي برخان الفرنسية وتاكوبا الأوروبية في مالي، وكذلك اتفاقية التعاون الدفاعي المبرمة في 2014 بين مالي وفرنسا وأنه سيدخل حيز التنفيذ عقب 6 أشهر من الإخطار، والذي وصفه الاتحاد الأوروبي بالأمر المؤسف واعتبرته فرنسا “غير مبرر”، في خطوة متبوعة لمطالبة روسيا الحليف الجديد في المنطقة بعقد اجتماع غير رسمي لمجلس الأمن الدولي، على خلفية قرار مالي فسخ اتفاقاتها الدفاعية مع فرنسا حيث يتعين على الهيئة أن تقرر في يونيو المقبل، ما إذا كانت ستجدد مهمتها لحفظ السلام في مالي التي يبلغ قوامها 14 ألف جندي وشرطي، باعتبار أن فرنسا ليس لها أساس قانوني لتنفيذ عملياتها بانتهاء الفترة القانونية للاتفاقيات في 2 مايو لعمليات البرخان وتاكوبا،  في خطوة عكست حجم تدهور العلاقات بين باماكو وحلفائها السابقين عقب طرد السفير الفرنسي وإصدار السلطات المالية مذكرة استدعاء بحق وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ونجله توماس، ليمثلا أمام المحكمة في باماكو في قضية “اعتداء على الممتلكات العامة”.

هذا إلى جانب الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وخروق الطيران الفرنسي للمجال الجوي المالي واتهامات بالتجسس، والمساس بالسيادة الوطنية في ظل حملة ضد الوجود الاستعماري لفرنسا، عقب تعاون مالي مع قوات فاجنر الروسية. مقابل اتهامات فرنسية لحكومة مالي بالتعاون مع فاجنر لنشر اتهامات ملفقة ضد القوات الفرنسية بارتكاب جرائم حرب.

علاقات وثيقة مع روسيا: أثر التقارب الروسي المالي على العلاقات مع فرنسا في دول الساحل والصحراء وخاصةً في مالي عقب تغير شكل نظام الحكم في البلدان التابعة لدول التجمع الخمس، والذي بدأ باتهام المجلس العسكري المالي بالتعاون مع قوات فاجنر الروسية المنتشرة حاليًا في أفريقيا الوسطى ومالي، وتتمتع روسيا بعلاقات وثيقة مع المجلس العسكري المالي من خلال تبادل الخبرات العسكرية والتدريبية للقوات المسلحة المالية، وعززت الأخيرة من تواجدها بإرسال  شحنتين عسكريتين روسيتين لمساعدة السلطات على محاربة القوات المتطرفة في بداية أبريل الماضي، في إطار الاتفاقية العسكرية الموقعة بين البلدين، التي تعطي حرية أكثر للجيش المالي في التحكم في معداته عكس التعاون الفرنسي بحسب خبراء.

وعمدت روسيا الاتحادية على الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع حلفائها وعدم تأثرها بالحرب المندلعة في أوكرانيا، في محاولة لتغيير شكل التحالفات وموازين القوى الروسية مقابل العالم أحادي القطب، واحكام الإغلاق على النفوذ الغربي في أفريقيا، وهو ما ظهر في زيارة قائد القوات الجوية المالي إلى موسكو مع بدايات العمليات العسكرية في أوكرانيا لتزويد بلاده بمعدات عسكرية لسد الفراغ الذي يتركه الانسحاب الغربي من البلاد، وهو ما انعكس على امتناع مالي ضمن 35 دولة عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس الماضي لإدانة العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا.

دفع هذا التعاون إلى الضغط الأوروأمريكي على السلطات المالية من خلال ترك الساحة للجماعات المتطرفة وتعرية قوات فاجنر أمام القدرة على مواجهتها، فيما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلال مقابلة له مع شبكة “ميدياسيت” الإيطالية إن مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة موجودة في مالي “على أساس تجاري”، في بداية مايو الحالي، وأن نظيره الفرنسي والاتحاد الأوروبي أعربا له عن أهمية أفريقيا لهم، وعدم وجود دور لروسيا في أفريقيا.

النتائج المترتبة على الانسحاب

تغيير شكل التحالفات:  انطلاقًا من الرؤية الروسية بالقضاء على العالم أحادي القطبية بالسياسة المشتركة لمعسكر الغرب “الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”، واعتباره الدافع الأساسي في الحرب الروسية الأوكرانية، جعلت من دوافعها الاقتصادية في شمال ووسط أفريقيا ذريعة لتغيير شكل التعاون الاستراتيجي والعسكري هناك، من خلال السيطرة على مناطق النفوذ الغربي وخاصةً فرنسا، فجاءت زيارة لافروف الأخيرة إلى الجزائر، فبجانب العلاقات الثنائية والاستراتيجية بين البلدين ولضمان التنسيق بشأن الغاز الجزائري، كان ملف دول الساحل والصحراء على الطاولة، نظرًا للقرب الحدودي والتأثير المباشر للجزائر في المنطقة، والرؤية المشتركة حول العديد من القضايا وخاصةً ليبيا والصحراء الغربية ومالي والدعم الروسي العسكري للجزائر التي ترغب في التوسع للسيطرة أفريقيًا في المجالات العسكرية والتكنولوجية والطاقة، وبالتالي فإن اتباع روسيا سياسة منع فرض العقوبات ستلقي رواجًا لدى العديد من دول التجمع، والتي ستدفع نحو مزيد من التنسيق الجزائري الروسي بشأن العملية السياسية في مالي مع الحفاظ على شكل الحكم الحالي الذي يدين بالولاء لروسيا، في ظل الدعم الشعبي له والذي ظهر مؤخرًا في تجمع مئات الماليين في باماكو لدعم المجلس العسكري وانتشار الأعلام الروسية بينهم منددون بالعقوبات التي فرضها تجمع دول غرب أفريقيا الاقتصادي.

في المقابل ستقوم الدول الأوروبية نحو فرض مزيد من العقوبات بالتعاون مع المؤسسات الاقتصادية في غرب أفريقيا، لتغيير شكل الحكومة الحالية عقب سلسلة الانقلابات الأخيرة وخاصةً في بوركينا فاسو ومالي وغينيا إما بدعم الانتقال السلس للسلطة أو الدعم الخفي لبعض الجماعات الموالية، هذا إلى جانب تعزيز التواجد العسكري حتى لا تترك الساحة خالية أمام سيطرة قوات فاجنر على المناطق الاقتصادية الحيوية لأوروبا.

احتمالية تفكك التجمع G5: يذهب الخبراء إلى احتمالية تفكك دول التجمع G5 وذلك للسيطرة الفرنسية على المجموعة، وهو السبب وراء الانسحاب المالي، ويمكن ربط الأمر بتغير شكل الحكم في المنطقة مما دفع الأمم المتحدة وأوروبا والولايات المتحدة برفض الانقلابات التي حدثت في مالي، وكذلك بوركينا فاسو وهما أحد أعضاء G5  بجانب تشاد الذي اغتيل رئيسه المُوقع على الاتفاقية “إدريس ديبي” على يد الإرهابيين، وموريتانيا التي غيرت الانتخابات شكل الحاكم والنيجر التي لن تتخلى عنها فرنسا، فكان آخر اجتماع للتجمع بقيادة فرنسية والتي اتجهت لاتخاذ تدابير اقتصادية ودبلوماسية بالتنسيق مع منظمة دول غرب أفريقيا الاقتصادية، للضغط على “مالي وبوركينا فاسو” للانتقال السلمي للسلطة وتعليق عضويتهما، وهو ما رفضته الحكومات العسكرية لتلك الدول، وأدى هذا التوتر إلى وقف الاجتماعات الدورية للتجمع، ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في تقرير سلمه لمجلس الأمن في 11 مايو الانقلابات العسكرية في البلدين  بأنها “ستضر بالقدرة العملانية لقوة مجموعة الساحل للتصدي للجهاديين”، وهو ما يفسر تعزيز التواجد الفرنسي في النيجر وبوركينافاسو لحماية نفوذها في ظل تأثير الوضع الأمني على دول الجوار وبالتالي تهديد المصالح الغربية هناك.

وهو ما يضعنا أمام تفكك الهدف الذي أنشئ التجمع من أجله، وخاصة بعد الانسحاب الأحادي من دولة مالي الذي تشكل على أساس “تعزيز روابط التنمية الاقتصادية والأمن، ومحاربة تهديد الجماعات الإرهابية المنتشرة في هذه المنطقة كتنظيم داعش ونصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، والمرابطون، وبوكو حرام.

تعميق دور دول الميدان:  استعادت المبادرة نشاطها عقب توقف اجتماعات “G5” وتضم مبادرة دول الميدان “السيموك” الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا وتأسست عام 2010، والتي سبق أن علقت نشاطها عقب إعلان تجمع دول الساحل الخمس، وفي ظل التقارب الروسي مع مالي والجزائر والتعويل على الدور الجزائري مع دول الساحل وتأمينه وتعاون الجزائر مع النيجر عبر خط الغاز المار خلالها من نيجيريا إلى الجزائر،  وبتوقف  G5 عن الاجتماعات زادت احتمالية أن تحل تلك المبادرة محل تجمع دول الساحل بعد أن شهدت نواكشوط العاصمة الموريتانية في بداية الشهر الحالي أعمال الدورة العادية لاجتماع رؤساء أركان “دول الميدان”، للتنسيق العسكري بشأن مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة.

أعطى عدم الاستقرار السياسي والأمني في دول تجمع الساحل والصحراء الفرصة للاعبين الدوليين في تغيير شكل التحالفات في المنطقة، وهو الأمر الذي تستهدفه الدول الإقليمية الكبرى لتعزيز تواجدها الأفريقي، فتلعب الجزائر دورًا في استعادة الدور المحوري من خلال إزاحة التجمع التنموي G5 والذي تتبناه القوى الغربية وعلى رأسها فرنسا، وخلق دور أكثر عمقًا لمبادرة دول الميدان المتزعمة إياه ومقره جنوب الجزائر من خلال التعاون الروسي الجزائري، والذي يضم المنطقة من الحدود الليبية وحتى الحدود الموريتانية، وهي المنطقة الأكثر تهديدًا للمصالح الغربية سواء من الناحية الاقتصادية أو الجيوسياسية باعتبارها أهم منابع وطرق الهجرة غير الشرعية والجريمة غير المنظمة إلى أوروبا. وهو ما يضعنا أمام ضرورة التنسيق المصري ودول المنطقة لتفعيل دور مركز مكافحة الإرهاب في دول الساحل والصحراء ومقره القاهرة، بعقد اجتماعات دورية لوزراء الدفاع بالمنطقة لضمان استمرار التنسيق المصري خاصةً مع دولتي تشاد والنيجر لقربهما الحدودي.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/69943/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M