“هجوم دهوك” ومآلات الوجود العسكري التركي في شمال العراق

فراس إلياس

 

أثار الهجوم الصاروخي الذي تعرض له منتجع برخ السياحي في محافظة دهوك التابعة لإقليم كردستان العراق في 20 يوليو 2022، والذي راح ضحيته العديد من القتلى والجرحى، بوادر خلاف دبلوماسي بين العراق وتركيا، خصوصاً بعد إن اتهمت الحكومة العراقية تركيا بالوقوف خلف هذا الهجوم، رغم النفي التركي لذلك، وإلى جانب التداعيات التي أثارها، أعاد هذا الهجوم الحديث مرة أخرى عن طبيعة الوجود العسكري التركي في شمال العراق، والخلاف الذي أثارته مذكرات التفاهم الأمني الموقعة بين الجانبين العراقي والتركي، ففي مقابل التحفظ العراقي عليها، تمكنت تركيا عبرها من شن العديد من العمليات العسكرية داخل الأراضي العراقية بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني “البككا”.

تُسلِّط هذه الورقة الضوء على طبيعة الوجود العسكري التركي في شمال العراق، وصور هذا الوجود، سواءً على مستوى القواعد أو العمليات أو الأهداف، إلى جانب البحث في هجوم دهوك وحيثياته، والتحديات الأمنية التي يواجهها العراق في هذا السياق، وانعكاس ذلك بالمجمل على مستقبل الوجود العسكري التركي.

 

طبيعة الوجود العسكري التركي

في عام 1982 عقد حزب العمال الكردستاني “البككا” الذي تصنفه الحكومة التركية إرهابياً، مؤتمراً في لبنان، قرر خلاله التمركز في شمال العراق، مستغلاً الفراغ الأمني الذي كان يعاني منه العراق بسبب الحرب مع إيران، وبدأ التموضع في معسكر “لولان” على الحدود العراقية التركية الإيرانية. شكّل هذا التحول أحد أبرز الملفات المعقدة في مسار العلاقات العراقية التركية منذ ثمانينات القرن الماضي، مما أجبر نظام “صدام حسين” على توقيع مذكرة تفاهم أمني مع تركيا في عام 1984، تسمح لتركيا الدخول 5 كم داخل الأراضي العراقية لملاحقة عناصر “البككا”. وعلى الرغم من أن مذكرة التفاهم الأمني نصت على سريانها لمدة عام واحد، إلا أن تركيا ظلت متمسكة بها من جانب واحد، وزاد من تعقيد هذه الحالة عدم تمكن العراق من فرض سلطته على المناطق الشمالية، بسبب قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بمنطقة كردستان العراق في التسعينيات، بعد غزو العراق للكويت في أغسطس 1990.

في سبتمبر 2007، وأثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي إلى تركيا، تم التوقيع على اتفاقية المجلس الأعلى للتنسيق الإستراتيجي بين البلدين، وتضمنت هذه الإتفاقية 10 مذكرات تفاهم، شملت الجوانب الإقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية، إلى جانب توقيع مذكرة تفاهم أمني سمحت لتركيا الدخول بعمق 35 كم داخل الأراضي العراقية لملاحقة عناصر “البككا”، إلاّ إن الجانب العراقي رفض إدخالها حيز التنفيذ، بعد رفض تركيا تطبيق البروتوكول الخاص بالمياه.

 

وفي إطار التعاون وتحسن العلاقات بين حكومة اقليم كردستان وأنقرة، شكل افتتاح “قاعدة زليكان” التركية في أكتوبر 2014، في أطراف جبال ناحية بعشيقة “42 كم شمال شرق محافظة نينوى”، أول وجود عسكري تركي صريح في شمال العراق، رغم وجود نقاط عسكرية تركية داخل الأراضي العراقية منذ تسعينيات القرن الماضي غير معلنة، لتشكل هذه القاعدة نقطة شروع تركيا في تنويع صور وجودها داخل العراق، تحت ذريعة ملاحقة عناصر “البككا”. وتشير تقارير إستخبارية ميدانية أن هذه القاعدة تضم ما يقرب من 1500 عنصر تركي “ضباط وجنود”، إلى جانب منظومات للقيادة والسيطرة، ومدارج هبوط طائرات مروحية، إلى جانب الدبابات والعربات المدرعة وأسلحة ثقيلة، ومنظومة اتصال لوجستي تربط العديد من مناطق الإنتشار التركي في شمال العراق عبر قيادة عمليات موحدة، وإلى جانب هذه القاعدة توجد هناك:

 

  • 12 قاعدة تركية متعددة المهام العسكرية منتشرة في مناطق “ديراشيش وماسيفي وميرجي وكاني ماسي وجيل سرزيري ودار سنكي وكوفان تبة وباطوفة وجيا كالكاهور ومطار بامرني وسوران”.
  • قواعد استخبارية أو مقرات للأمن التركي، وتنتشر في مناطق” العمادية وباتيفا وزاخو وكاراباسي”، وهي قواعد منتشرة في محافظة دهوك، إلى جانب مكاتب للإرتباط والتنسيق الإستخباري، قامت الإستخبارات التركية بإفتتاحها بعد عام 2003 في محافظة السليمانية.
  • نقاط عسكرية ثابتة، وتتمركز فيها القوات الخاصة التركية، وتمارس في بعض الأحيان مهام الشرطة العسكرية في المناطق التي تسيطر عليها، وأبرزها نقطة عسكرية في “سيدكان”، وبضع مقرات عسكرية في منطقتي “ديانا وجومان” القريبتين من جبال قنديل، من أجل إحكام السيطرة على مناطق “خامتير وهاكورك وكيلاشين”، على الحدود بين العراق وتركيا.
  • أبراج مراقبة وتعقب وتنتشر على طول الشريط الجغرافي الممتد بين العراق وتركيا، بدءاً من “معبر فيشخابور” وصولاً إلى منطقة “سوران”.
  • نقاط عسكرية متحركة تقتصر مهامها على مسك المناطق التي يتم إخراج عناصر “البككا” منها.

 

مناطق انتشار القواعد التركية المذكورة