د. أسعد كاظم شبيب
ولدت مع تغيير النظام السياسي في العام 2003 الذي كان يوصف بأنه شمولي وشكلي من حيث وجود المؤسسات الرقابية والتشريعية، تجربة جديدة تمثلت بإقرار النظام البرلماني وفوض بموجب الدستور النافذ صلاحيات رقابية وتشريعية كبيرة له، إضافةً إلى صلاحيات دستورية بالموافقة على منح الثقة لرؤساء السلطة التشريعية والتنفيذية (الوزراء والجمهورية) أو عزلهم.
هذه التجربة رغم حداثتها بالنسبة للعراق ما بعد الأنظمة الرئاسية الشمولية منذ قيام أول جمهورية في الخمسينات وإلى نهاية حكم حزب البعث، إلا أنها ما زالت تواجه عقبات التطوير بحكم عدد من الأسباب منها ما يرجع إلى الأحزاب والكتل السياسية كبنية سياسية ومخرج سياسي داخل البرلمان بعد كل انتخابات برلمانية، تسعى إلى فرض أجنداتها السياسية بحدود مصالح الشخص أو الجهة أو حتى تمثيل الأجندات الخارجية، فيما تمثل هيمنة زعيم الكتلة أو الحزب على كل أهداف وبرامج البرلمان، ومن الأسباب الأخرى المخرج المكوناتي الطائفي والعرقي داخل البرلمان فهي لا تمثل المكونات بقدر تمثيل مصالح الأحزاب بعنوان المكونات والطوائف والأعراق، ومن أبرز دلائل ذلك تمرير القوانين بما يعرف بالسلة الواحدة أو توزيع اللجان داخل مجلس النواب بل حتى الموظفين الاعتياديين داخل مجلس النواب، من هنا وصف مجلس النواب بأنه مؤسسة تشريعية في العراق، صحيح أنه لا يقارن مع الجمعيات التي عرفها العهد الجمهوري كمؤسسات شكلية تخضع بالكامل لتوجهات الحزب الحاكم، إلا أن بمقارنة التجربة مع المؤسسة البرلمانية في العهد الملكي، نجد أن الأخير أكثر نضوجا وتمثيلا لرأي الشعب، حيث أن البرلمان كان يسيطر عليه ما يعرف أبناء الطبقة الارستقراطية والعشائر العراقية لكنه كان يحمل أجندات وطنية تمثل الواقع السياسي آنذاك، بينما التجربة البرلمانية في عراق ما بعد النظام الشمولي تحمل تعقيدات المشهد السياسي وغياب الدور التشريعي والرقابي وتقدم أجندات أخرى كالسعي وراء السلطة التنفيذية وأداء الأدوار التنفيذية، والتورط في ملفات الفساد عبر شراء الأصوات لصالح هذا المرشح أو ذاك، أو السكوت عن فساد أعضاء السلطة التنفيذية لأجندات حزبية أو مالية.
هذه الأسباب وغيرها شكلت عائق أمام المهام الوطنية الملقاة على عاتق مجلس النواب كسلطة تشريعية منتخبة تمثل الشعب وطموحاته ومتطلباته داخل مجلس النواب، وهذا الإخفاق والتعثر وضياع فلسفة وأدوار المجلس النيابي لابد لها من إصلاح، ونأمل من السلطة التشريعية بأعضائها الحاليين أن تبادر إلى ذلك قبل أن تدخل وسائل أخرى ضاغطة كالشارع المحتج لأن إصلاح السلطة التشريعية مقدمة لكل الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن النظام السياسي في العراق يتقدم في السلطة التشريعية على كل السلطات وهي الموكلة بكل المهام وفي كل الأوقات، ومع كل الدعوات إلى إصلاح هذه السلطة بل وصلت الحالة إلى المطالبة بإلغاء النظام البرلماني وتبديله بتعديل دستوري إلى رئاسي، من هنا فأن التجربة البرلمانية بسبب الإخفاق تواجه تحديات حقيقية، وأن المطالبات الاحتجاجية الأخيرة ركزت على السلطة التنفيذية لأنها تحسب سياسيا ومكوناتيا على الساسة الشيعة، وتركزت أيضا في الوسط والجنوب ولم تكن هناك رغبة حقيقية في الإطاحة في رئاسة السلطة التشريعية، إلا أن مطلب تغيير أعضاء المجلس عبر الانتخابات المبكرة لا يزال مطروحا وبقوة، وهو قد يكون حلا وقتيا وليس حلا إصلاحيا متكاملا طالما أن عناصر إصلاح هذه المؤسسة لم تكتمل انطلاقا من البنية السياسية ومن الوعي السياسي وصولا إلى تعديل القوانين الضابطة لعمل مجلس النواب، من هنا من غير إصلاح هذه المؤسسة فأن آفاقها البعيدة تبدو أمام سيناريو الرفض.
ومن أجل أن نتجاوز العقبات التي تواجهها المؤسسة البرلمانية في العراق بعد عام 2003 نوصي بالآتي:
1- إن المؤسسة التشريعية تواجه إخفاق كبير وهذا الإخفاق لابد أن توضع حلول قانونية جدية وسريعة.
2- العمل على إصلاح البنية السياسية المكونة لمجلس النواب والمتمثلة بالأحزاب والكيانات السياسية وهذا يتطلب تعديل قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015.
3- مراجعة النظام الداخلي المنظم لعمل مجلس النواب بما يضمن الصرامة في أي مخالفة برلمانية.
4- إبعاد اللجان النيابية عن الافرازات الطائفية والعرقية التي كانت سببا رئيسيا في إعاقة عمل مجلس النواب مثلما أشرنا.
5- الفصل بين العمل التشريعي والرقابي لعضو مجلس النواب وأداء الأدوار التنفيذية والتدخل في عمل السلطة القضائية.
6- تقليص عدد أعضاء مجلس النواب عبر تعديل دستوري، وإقرار ذلك في قانون الانتخابات.
7- اعتماد قانون انتخابي يعتمد على الدوائر المتعددة لكل محافظة.
8- اعتماد معيار الكفاءة والخلاص للوطن في تولي رئاسة المجلس ونوابه وهذا ينطبق أيضا على السلطة التنفيذية وهو وأن كان مطلبا مثاليا في الوقت الحالي لكنه غير مستحيل إذا ما تحققت قيم دولة المواطنة وانتخاب الأصلح في إدارة مؤسسات الدولة.
رابط المصدر: