آليات تسعير المواد البترولية في مصر: دراسة تحليلية في ظل الأوضاع المحلية والإقليمية

يُعد النفط الخام بمثابة المحرك الرئيس لكل خطط التنمية؛ فكل عناصر التنمية في حاجة ملحة إلى الطاقة، وعليه يُعد النفط الخام عنصرًا استراتيجيًا في هذه المعادلة (نقطة التوازن). وجاءت توترات الشرق الأوسط وما صاحبها من اضطرابات في البحر الأحمر وتأثر حركة الملاحة والشحن لتؤكد المخاوف العالمية من أزمة الطاقة والتخوف من اتساع دائرة الصراع. بالإضافة إلى تفاقم أزمة الوقود عالميًا وتأثر العديد من دول العالم بعا، حيث انعكست تبعاتها على الاقتصاد العالمي، وحدوث موجة حادة من التضخم العالمي، وبالتالي ارتفاع تكلفة الاستيراد لمختلف دول العالم. حيث يبلغ متوسط سعر البنزين عالميًا حاليًا حوالي 1.31 دولارًا لكل لتر بنزين، وعليه باتت أسعار البنزين محط أنظار العالم وذلك بعد الزيادات الحادة التي شهدتها مختلف دول العالم جراء أزمة الطاقة العالمية.

داخليًا، يُعد الدعم من القضايا الاقتصادية الحرجة في مصر، لما له من آثار مباشرة على عجز الموازنة العامة، وهو الأمر الذي تترتب عليه آثار إيجابية وسلبية في نفس الوقت على كافة قطاعات الدولة المختلفة. ولذلك فإن استمرار دعم المنتجات البترولية يلعب دورًا سلبيًا في قدرة قطاع الطاقة والنفط، حيث يؤثر على قدرته في النهوض. وقد شهد قطاع الطاقة في مصر بعض التغييرات المهمة والتي اقتضت بالضرورة التخفيف التدريجي لقيمة دعم المنتجات البترولية، وذلك لأن مفهوم الدعم هو ما يمثل قيمة ما تتحمله الدولة نتيجة لبيع هذه المواد بأسعار تقل عن تكلفة توافرها بالأسواق المحلية سواء عن طريق الإنتاج أو استيراد بعضها من خارج البلاد.

وتحتل مصادر الطاقة الأحفورية مثل النفط الخام والغاز الطبيعي مكانة خاصة في الاقتصاد المصري؛ إذ إن صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي طالما شكلت نحو 50% من إجمالي الصادرات المصرية في العديد من السنوات السابقة، وهو ما يعني أن موقع مصر في تقسيم العمل العالمي يمر حتمًا بإنتاج وتصدير الطاقة الخام، وهذا دون احتساب الصادرات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل السيراميك والأسمنت والحديد والصلب والبتروكيماويات. يضاف إلى هذا أن قطاع التنقيب عن النفط الخام والغاز الطبيعي واستخراجهما هو أكبر قطاع جاذب للاستثمار الأجنبي المباشر، وقد حظى قطاع الطاقة بنحو ثلثي إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ التسعينيات.

تضطر الدولة إلى الاعتماد على الاستيراد في توفير احتياجات السوق المحلية، وذلك مع تزايد استهلاك الوقود الأحفوري في مصر، وهو الأمر الذي يعرض الاقتصاد لتقلبات أسعار النفط الخام والضغط على بند المصروفات في الموازنة. وعليه، اعتمدت مصر بشكل رئيس على استيراد احتياجاتها من المنتجات والمواد البترولية، حيث بلغت نسبة هذا الاستيراد من إجمالي الطلب المحلي نحو 10% عام 2004، وارتفعت النسبة إلى أكثر من حوالي 40% مع زيادة معدل الاستهلاك المحلي في 2024.

رغم الزيادة الكبيرة سنويًا في مخصصات دعم الوقود في مصر بالعملة المحلية في الموازنة العامة، فإن واقع الأمر يُظهر تقلص تلك المخصصات عند حسابها بالدولار الأمريكي، نتيجة التراجع الكبير الذي شهدته قيمة الجنيه المصري خلال السنوات الأخيرة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن استهلاك مصر من النفط ارتفع، خلال عام 2022، إلى حوالي 750 ألف برميل يوميًا، مقابل حوالي 644 ألف برميل يوميًا في عام 2021، وحوالي 598 ألف برميل يوميًا عام 2020. حيث نجد أن مستويات الاستهلاك قد سجلت أعلى مستوى لها بقرابة حوالي 836 ألف برميل من النفط في عام 2016، ثم تراجع إلى حوالي 801 ألف برميل يوميًا في عام 2017، وإلى حوالي 720 ألف برميل في عام 2018، وإلى حوالي 686 ألف برميل يوميًا في 2019.

تُظهر البيانات المعلنة ارتفاع استهلاك مصر من المنتجات النفطية، خلال عام 2023، إلى حوالي 81 مليون طن، أي بنسبة ارتفاع سنوية حوالي 6.3%، والتي تضمنت حوالي 35.5 مليون طن من المنتجات النفطية، وحوالي 45.6 مليون طن من الغاز الطبيعي، كما يوضح الشكل التالي معدلات الاستهلاك النفطي في مصر خلال السنوات الماضية.

وعليه يمكن القول إن زيادة معدلات الاستهلاك النفطي وعدم وجود معادلة متزنة بين معدلات الاستهلاك ومستويات الإنتاج النفطي للدولة، يترتب عليها زيادة وفجوة كبيرة في فاتورة الاستيراد، مما يترتب عليه أعباء وضغوط على موازنة للدولة.

إجمالًا لما سبق، أي تكلفة يجب أن يكون لها عائد يقابل النفقات حيث يمثل بند الدعم خسارة اقتصادية ومالية على الدولة تحت مبدأ عدم تحقيق هذا العائد في حالة عدم وصوله لمستحقيه، وأن الغرض الأساسي من أي قرارات يتم اتخاذها بهدف تخفيض الدعم تكمن في محاولات إجراء تصحيحات أو تعديلات للتشوهات السعرية، وذلك لأن مفهوم الدعم يؤدي بالتبعية إلى سوء تخصيص الموارد، وعمليات الإفراط في الاستهلاك، وهو الأمر الذي يترتب عليه ارتفاع معدلات زيادة ونمو الاستهلاك بصورة ملحوظة. ذلك بالإضافة إلى الزيادات الكبيرة التي تتحملها الدولة والتي يتبعها آثار سلبية تتمثل بصورة مستمرة في العجز المزمن للموازنة العامة من خلال فواتير استيراد المنتجات والمواد البترولية.

وبالنظر إلى واردات مصر من المنتجات والمشتقات البترولية، نجد أن مصر استوردت شحنات وقود بقيمة بلغت حوالي 3.3 مليارات دولار خلال الربع الأول من العام الجاري 2024، بزيادة تصل حوالي 6% مقارنة بالربع الأول من العام الماضي 2023، والذي شهد واردات نفطية بقيمة حوالي 3.1 مليارات دولار.

استكمالًا لما سبق، ارتفعت قيمة واردات مصر من النفط الخام ومشتقاته خلال الربع الأول من العام الجاري (2024) بنسبة حوالي 5%، مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي، وذلك على خلفية زيادة الطلب محليًا، وسعي الحكومة لتأمين الوقود لمحطات الكهرباء.

سجلت واردات مصر من النفط الخام ومشتقاته في الربع الأول من العام الجاري زيادة قيمتها حوالي 173 مليون دولار عن فاتورة المدة نفسها من عام 2022، البالغة نحو 2.94 مليار دولار، وبلغت قيمة فاتورة مصر النفطية في يناير الماضي حوالي 1.08 مليار دولار ومرتفعة بذلك بنحو 140 مليون دولار، مقارنةً بالمستويات المسجلة خلال المدة نفسها من عام 2023، التي بلغت حوالي 0.939 مليار دولار (كانت قيمة واردات مصر من النفط ومشتقاته في 2023 قد انخفضت بنسبة حوالي 6% على أساس سنوي، على خلفية انخفاض أسعار الوقود عالميًا، بعد ارتفاعها في 2022 بسبب الحرب الروسية الأوكرانية)، وعليه تُشكل فاتورة دعم الوقود في مصر عبئًا إضافيًا على موازنة الدولة، كما يوضح الشكل التالي حركة واردات مصر من النفط الخام خلال الفترة السابقة.

أمام ما تقدم، ما يحدث من توترات في الشرق الأوسط وتوسع نطاق العمليات العسكرية في غزة ولبنان، بالإضافة إلى التهديدات الإسرائيلية بضرب المنشآت النفطية في إيران أسهم بشكل كبير في رفع أعباء التكلفة الفعلية على الدولة فيما يتعلق بالشحنات المستوردة من الخارج بنسبة حوالي 12% للثلاثة أشهر الماضية، بالإضافة إلى تزايد الضغوط على أسعار النفط العالمية، إذ ترتبط مصر بعقود استيراد للنفط الخام والوقود من بعض أسواق آسيا، وترتبط مصر بعقد سنوي مع العراق لاستيراد كميات من الزيت الخام، كما تستورد شحنات من الكويت والإمارات والسعودية.

فى أكتوبر من عام 2019، اعتمدت الدولة المصرية آلية جديدة من أجل التسعير التلقائي والعادل والتي تهدف إلى تحرير أسعار الوقود، وذلك من خلال ربطه بالأسعار العالمية للنفط الخام، ومن أجل خفض تكلفة دعم المواد والمنتجات البترولية في الموازنة العامة للدولة المصرية. مصر تستورد غالبية احتياجاتها من المنتجات والمشتقات البترولية، وبالتالي فإنها تواجه ضغوطات مالية كبيرة، وذلك بسبب الارتفاع الضخم في أسعار النفط منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتداعيات الحرب على غزة. وعليه فإن لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية هي المسؤولة عن تحديد أسعار البنزين الجديدة في مصر، وتهدف لجنة التسعير إلى تحقيق البيع لتلك المنتجات بشكل عادل، وفيما يلي أهم النقاط الرئيسة والتي تعتمد عليها طريقة وكيفية تحديد أسعار البنزين الجديدة من خلال لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية:

  • يتم تحديد الأسعار طبقًا لمعادلة سعرية.
  • تتضمن المعادلة السعرية الربط بين أسعار خام برنت وأسعار الصرف وكذلك التكلفة.
  • تم ربط أسعار المنتجات البترولية في السوق المحلية بالأسعار العالمية وذلك في ضوء التكلفة بشكل تلقائي.
  • يتم مراجعة سعر بيع المنتجات البترولية، فى السوق المحلية على ألا تتجاوز نسبة التغيير فى سعر البيع المستهلك ارتفاعًا أو انخفاضًا عن 10% من سعر البيع الساري.
  • يتم ربط سعر بيع المنتجات البترولية بالسوق المحلية باستثناء البوتاجاز والمنتجات البترولية المستخدمة من قبل قطاعى الكهرباء والمخابز.
  • تطبق آلية التسعير التلقائى على المنتجات البترولية تسليم المستهلك شاملًا الضريبة على القيمة المضافة باستثناء البوتاجاز والمنتجات البترولية المستخدمة من قبل قطاعى الكهرباء والمخابز.

وعليه تأخذ اللجنة في اعتبارها، خلال مراجعة الاسعار، التطورات التي تشهدها الأسواق العالمية، وحركة أسعار النفط العالمية خلال الفترة التي تسبق قرارها. وبشكل عام ووفقًا للتغيرات التي  الذي تحدث لأهم مؤثرين ومحددين لتكلفة إتاحة وبيع المنتجات البترولية فى السوق المحلية وهما:

  • السعر العالمي لبرميل خام برنت (ارتفاع حالي بنسبة حوالي 10%).
  • تغير سعر الدولار أمام الجنيه.

ونص قرار تشكيل اللجنة -التي حُدد لها الاجتماع بشكل دوري كل 3 أشهر (الاجتماع القادم بعد 6 أشهر) للنظر في أسعار البنزين في مصر والمشتقات النفطية الأخرى- على مراجعة أسعار المنتجات النفطية بأنواعها وفقًا لمعادلة سعرية تراعي 3 مكونات رئيسة وهي: أسعار النفط العالمية من خام برنت، وسعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري، واحتساب قيمة النقل والتكرير والأعباء الأخرى، الشكل التالي يوضح الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود يوم 18 أكتوبر 2024.

وعليه، تتوقع الحكومة أن تؤدي هذه الزيادة إلى توفير حوالي 36 مليار جنيه (745 مليون دولار) في ميزانية الدولة خلال العام المالي 2024-2025، وقررت الحكومة رفع لتر بنزين 80 الأقل جودة بنسبة 12.4% إلى 13.75 جنيه، وسعر لتر بنزين 92 بنسبة 10.9% إلى  15.25 جنيه، على أن يصل سعر لتر بنزين 95 الأعلى جودة بعد الزيادة إلى 17 جنيهًا بنسبة حوالي 13%. كما رفعت سعر بيع لتر السولار بنسبة حوالي 17.4% إلى 13.50 جنيه (تكلفة لتر السولار على الدولة حوالي 20 جنيهًا)، كما زاد سعر بيع لتر الكيروسين بنسبة حوالي 17.4% إلى حوالي 13.5 جنيه. وزاد سعر المازوت الصناعي بنسبة 13% إلى 9500 جنيه للطن الواحد بنسبة حوالي 11.7%، ورفع سعر غاز تموين السيارات إلى 7 جنيه / متر مكعب بنسبة حوالي 7.7%. ويهدف القرار أيضًا إلى تقليل الفجوة بين أسعار بيع المنتجات البترولية وتكلفة إنتاجها واستيرادها، لافتة إلى أنه من المقرر تأجيل اجتماع اللجنة المقبل ليكون بعد 6 أشهر من الآن.

أمام ما تقدم، الدولة تستورد الجزء الأكبر من احتياجاتها من المنتجات البترولية من الخارج، بإجمالي يصل إلى نحو حوالي 100 مليون برميل سنويًا، وهو رقم كبير للغاية، ولنا أن نتخيل في هذا الصدد أن الموازنة العامة للدولة 2021-2022، كانت قائمة على حساب سعر برميل البترول على أساس 60 دولارًا للبرميل الواحد (حاليًا يتم احتسابه علي حوالي 80 دولارًا للبرميل)، وهو السعر الذي كان سائدًا خلال تلك الفترة التي تم إعداد موازنة الدولة خلالها، بل كان متوقعًا أن يستمر هذا السعر خلال العام المالي الماضي. حيث تجاوز دعم المواد البترولية حوالي 120 مليار جنيه العام الماضي 2023.

تعتمد مصر على سد احتياجاتها من المواد البترولية من الإنتاج المحلي ثم استيراد المتبقي من الخارج وذلك لسد الفجوة بين الإنتاج المحلى والاستهلاك. وعليه ينعكس تأثير زيادة أسعار النفط سلبيًا على الموازنة العامة للدولة، إذ خصصت الحكومة دعمًا للمواد البترولية بقيمة 119.41 مليار  بموازنة العام المالي 2023-2024 مقابل 58 مليار جنيه في العام المالي السابق 2022-2023 بزيادة قدرها نحو 61 مليار و325 مليون جنيه بنسبة زيادة 105.6%. وحددت الموازنة أن دعم البترول تم احتسابه على أساس متوسط سعر للبرميل الواحد يبلغ 80 دولارًا (فرق سعري حالي ومتغير حوالي 7 دولارًا للبرميل)، ومن شأن كل زيادة بقيمة دولار واحد في سعر برميل النفط عن السعر المحدد بالموازنة أن تؤدي إلى تغير في حجم الدعم المخصص لذلك البند بحوالي أكثر من 4 مليارات جنيه.

بشكل عام، توجد في الحقول المصرية للنفط حوالي 3 أنواع من النفط؛ الأول: هو الخام الخفيف والحلو الموجود في الحقول البرية بالصحراء الغربية، في حين يُستخرج النوعان الآخران -وهو من الخام المتوسط والحامض- من حقول خليج السويس وبلاعيم البحرية ويُجرى تكريره محليًا. حيث تظهر البيانات المعلنة استقرار احتياطيات مصر من النفط بنهاية عام 2023 عند حوالي 3.3 مليارات برميل، وكان أعلى مستوى سجله احتياطي مصر من النفط الخام عام 1987، إذ بلغ حوالي 4.7 مليارات برميل، مقابل حوالي 2.9 مليار برميل، وذلك في عام 1980، الذي يُعد أدنى مستوى له. حيث ظل احتياطي مصر من النفط الخام يتراوح صعودًا وهبوطًا ما بين مستويات حوالي 3.1 و4.7 مليارات برميل من النفط الخام، كما هو موضوح في الشكل التالي.

في الواقع تُعد مصر من ضمن أكبر عشر دول منتجة للنفط في القارة الأفريقية لعام 2023، وتنتج نحو 582 ألف برميل يوميًا، وتحتل المرتبة الخامسة ولديها أكبر سعة لتكرير النفط الخام في القارة الأفريقية ومع زيادة الطلب من الأسواق الأوروبية تتطلع إلى تحسين أنشطة البحث والاستكشاف، مع التركيز بشكل خاص على حفر آبار استكشافية جديدة وذلك بهدف إضافة احتياطيات جديدة من النفط الخام (الطريق الأمثل لتحقيق الإكتفاء الذاتي من المنتجات والمشتقات البترولية).

وعليه يمكن القول إن مصر تحظى بدور رئيس في أسواق الطاقة على المستوى الإقليمي والدولي، حيث يرجع ذلك على الأرجح إلى القرب الجغرافي والموقع الاستراتيجي عند مفترق طرق التجارة الدولية للنفط الخام والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى التحكم في مسارين رئيسيين للنقل في قناة السويس وخط أنابيب السويس والبحر الأبيض المتوسط (سوميد).

الاستراتيجية المصرية التي تهدف إلى زيادة طاقات مصافي التكرير القائمة أنجزت عددًا من المشروعات المهمة، وذلك بهدف تأمين إمدادات المنتجات النفطية بالسوق المحلية، بشكل كامل خلال العام الجاري (2024). حيث الدولة المصرية تعمل جاهدة على زيادة معدلات الحفر والتنقيب، وذلك بهدف زيادة احتياطياتها النفطية.

وعليه، تسعى الدولة إلى خفض فاتورة استيراد المشتقات النفطية في ظل ارتفاع مستويات الطلب المحلي علي المشتقات البترولية، وتُشكل زيادة إنتاج النفط في مصر إحدى أدوات الحكومة لتحقيق أهدافها، خاصة أن حجم استهلاك الدولة من الديزل يصل إلى حوالي 12 مليون طن سنويًا، والبنزين حوالي 6.7 مليون طن، لذلك يجب تعزيز الاستثمارات في مجال البحث والاستكشاف وذلك عن طريق زيادة طرح المزايدات للمناطق الواعدة ذات التقديرات العالية من الاحتياطي النفطي. بالإضافة إلى ضرورة تنويع شحنات النفط الخام وذلك من خلال تنويع المنابع وذلك لأن الغرض الرئيس هو الوصول إلى نقطة التوازن بين الاستهلاك المحلي ومستويات الإنتاج (الإشكالية الرئيسية هي كيفية الوصول إلى نقطة التوازن بين الإنتاج والاستهلاك)، لذلك من الحلول السريعة ضرورة التعاون مع دول الجوار فيما يتعلق بمسألة زيادة شحنات النفط الخام وضخها في معامل التكرير والتي لا تعمل بالطاقة القصوي حاليًا وضرورة استغلال ضعف البني التحتية في بعض دول الجوار، والجدير بالذكر أن مصر تمتلك القدرة الأكبر في تكرير النفط الخام فى القارة الأفريقية، وبالإضافة إلى أن العمل على سرعة الإنتهاء من المشروعات الجديدة، سيعمل على توافر قدرات إضافية تساعد على تعزيز أمن الطاقة في مصر، بالإضافة إلى تحقيق هدف الإكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية.

هناك فجوة كبيرة بين معدلات الإنتاج والاستهلاك والطلب المحلي من النفط الخام ومشتقاته البترولية ومن اعتماد الدولة المصرية على الواردات النفطية، ولذلك نجد إنه هناك إحتمالية كبيرة في إن تُسهم ارتفاع مستويات أسعار النفط في زيادة فاتورة الواردات النفطية بما قد يؤثر على الاحتياطي النقدي المصري بشكل سلبي.

واستكمالًا لما سبق، يجب دراسة تطبيق آلية التسعير التلقائي للمواد البترولية، وطرحها للحوار المجتمعي، حيث سيسمح التسعير التلقائي بوجود مرونة، بما يحمي الموازنة والاقتصاد المصري من تقلبات سعر الصرف وأسعار النفط الخام. ونجد إنه على الرغم من الحديث عن رفع الدعم عن الوقود منذ بدء تنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي قبل أكثر من 5 أعوام، فإن التسعير الحالي ليس تلقائيًا، حيث أن التسعير التلقائي للوقود في مصر يعني الوصول به إلى تحرير كامل، وربطه بالتغيرات العالمية، بحيث لا تتحمل الدولة أي أعباء مالية.

نجحت مصر العام الماضي (2023) في تحقيق حوالي 65 كشفًا جديدًا، انقسمت ما بين حوالي 51 كشفًا للنفط الخام، و14 كشفًا للغاز الطبيعي، في الصحراء الغربية وخليج السويس ودلتا النيل وسيناء. حيث استطاعت إضافة حقول جديدة على خريطة الإنتاج، منها 5 حقول للنفط الخام والغاز الطبيعي تنتج حوالي 15 ألف برميل خام ومكثفات يوميًا، و144 مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي يوميًا.

ووفقًا لما سبق، تتبلور ملفات ومحاور تحقيق الوصول إلى هدف الاكتفاء الذاتي من المنتجات والمشتقات البترولية خلال الفترة المقبلة في النقاط التالية:

  • زيادة وجذب الاستثمارات في الطاقة الأحفورية أو التقليدية، مع ضرورة العمل على ملف مستحقات الشركات الأجنبية.
  • تحسين كفاءة الطاقة وترشيد استخداماتها.
  • زيادة وتعزيز أنشطة البحث والاستكشاف وإضافة احتياطيات جديدة.
  • ترشيد استخدام النفط التقليدي وذلك من خلال زيادة الحوافز ضمن برامج تعويض السيارات القديمة بأخرى تعمل بالغاز الطبيعي.
  • تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في صناعة البتروكيماويات والتكرير.
  • تسريع خطط تأهيل ورفع قدرات معامل التكرير.

خلاصة القول، تطورات خطيرة شهدها ملف النفط والطاقة العالمي وذلك منذ عام 2022، حيث تُعد الأسواق النفطية العالمية مرتبطة ببعضها البعض، حيث أن تأثر سعر النفط العالمي سيؤثر على أسعار البنزين وغيره من المشتقات والمنتجات البترولية في جميع دول العالم. وعليه تأثرت فمصر كبقية دول العالم بالارتفاعات السعرية والتي شهدتها أغلب الأسواق النفطية على مستوى العالم خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن الدولة المصرية بذلت جهودًا كبيرًا بهدف الحفاظ على السيطرة على أسعار البنزين والمشتقات البترولية، حيث تحملت عبئًا ماليًا كبيرًا، وذلك لدعم المواد البترولية بالإضافة إلى القدرة المصرية على توفير المنتجات البترولية محليًا. وهو الأمر الذي قلص الإعتماد على الاستيراد بشكل كبير خلال العام الماضي (2023)، وذلك لوجود خطة استراتيجية لتحقيق الإكتفاء الذاتي من المشتقات البترولية خلال العام الجاري، عن طريق التوسع في إنشاء معامل التكرير، وهو الأمر الذي سيساعد الدولة فى إطالة حالة الاستقرار والاستدامة فى ملف المنتجات والمواد البترولية، وبالإضافة إلى زيادة معدلات الحفر الاستكشافي، وتعزيز التعاون الإقليمي في صناعة النفط الخام والغاز الطبيعي.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M