في 19 من مايو/أيار 2020، قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، نقلاً عن مسؤول أميركي إن إسرائيل نفذت هجوماً سيبرانياً على منشآت ميناء شهيد رجائي في بندر عباس بجنوب إيران ، أدى لانهيار أنظمة الحاسوب التي تُنظم حركة السفن والشاحنات ونقل البضائع، وذلك رداً على هجوم إلكتروني إيراني على بنى تحتية مائية إسرائيلية، لكن مسؤولي الميناء الإيراني ادّعوا أنه لم يحدث أي خلل في سير النشاطات الجارية في الميناء.
وفي مساء يوم الخميس 25 من يونيو/حزيران 2020، أدى اندلاع حرائق بمحطة الكهرباء الرئيسية في مدينة شيراز الإيرانية إلى انقطاع الكهرباء عن مناطق واسعة من المدينة، كما وقع انفجار في مخازن للغاز في قاعدة شرق طهران في 26 من يونيو /حزيران 2020، وقد أشارت العديد من وسائل الإعلام، أن الانفجار حدث في موقع تجميع الصواريخ في منطقة خجير بالقرب من المنشآت العسكرية في بارشين، حيث تعتقد أيضاً أجهزة الأمن الغربية أن طهران أجرت تجارب تتعلق بتفجيرات قنابل نووية منذ أكثر من عقد من الزمان.
وفي صباح يوم الخميس 2 من يوليو/حزيران 2020، أعلن المتحدث باسم منظمة الطاقة النووية الإيرانية عن وقوع حادث في المنطقة المفتوحة من موقع نطنز النووي في محافظة أصفهان، وبعد مرور عدة أيام على هذه الحادثة، أعلنت إيران أن “الحادث” خلّف “أضرارا مادية جسيمة” وأنه “قد يبطئ” عملية تصنيع أجهزة طرد مركزي متطورة لإنتاج اليورانيوم المخصب.
إسرائيل متهمة
كل أصابع الاتهام تشير إلى إسرائيل من دون غيرها، فبحسب “عقيدة بيغن” فإن إسرائيل لا تسمح لأية دولة في المنطقة، والمقصود أية دولة في حالة عداء مع إسرائيل، أن تطوّر برنامجاً نووياً؛ حيث أدّت عقيدة بيغن إلى تفجير المفاعل العراقي في عام 1981، والعقيدة الاستراتيجية نفسها هي التي قادت لتفجير المفاعل الكوري الشمالي في سوريا قبل 11 سنة. ويقول المُحلّل العسكري روني بن يشاي من الواضح تماماً مَن سيكون ثالثاً قريباً، في إشارة إلى إيران.
وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني المعارض أفيغدور ليبرمان قال إن مسؤولا كبيرا في الأجهزة الأمنية صرّح بأن إسرائيل هي المسؤولة عن التفجير الذي شهدته إيران في منشأة نطنز النووية، وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد نقلت عن مسؤول استخباري شرق أوسطي مطّلع، أن إسرائيل هي المسؤولة عن الحادثة التي وقعت في منشأة نطنز النووية الإيرانية قبل أيام.
وقال المسؤول إن إسرائيل زرعت قنبلة في مبنى يتم فيه تطوير أجهزة طرد مركزي حديثة، ونسبت الصحيفة إلى مسؤول في الحرس الثوري الإيراني أن الحادثة جرت باستخدام مواد متفجرة.
كما اعتبرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الجمعة 03/07/2020، أن الانفجار الذي وقع في المنشأة النووية الإيرانية نطنز فجر الخميس، يشكّل تصعيداً في المعركة ضد إيران، وأن هذا الانفجار حمل رسائل إلى القيادة في طهران.
وقال محلل الشؤون الأمنية والعسكرية في “يديعوت” رون بن يشاي إن “سلسلة الانفجارات والحرائق الغامضة في إيران، لم تكن عفوية”. وتابع: “على الأرجح، بالإمكان التقدير أن جهة ما مهتمة بالبرنامج النووي والصاروخي الإيراني حاولت تمرير رسالة للقيادة في طهران، وتقضي بوقف تخصيب اليورانيوم أكثر من الكمية التي يسمح بها الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، والتوقف عن تطوير وبناء أجهزة طرد مركزي حديثة وسريعة لتخصيب اليورانيوم، والتوقف عن تطوير وبناء صواريخ طويلة المدى وبإمكانها إطلاق سلاح نووي”.
وأشار بن يشاي، بالاستناد إلى “تقارير أجنبية” أيضاً، إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة ألحقت أضرارا بمنشأة نطنز بواسطة هجمات سيبرانية، قبل 12 عاما، بالتعاون بين الوحدة 8200 في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي ووكالة التجسس الإلكتروني الأميركية، تم حينذاك زرع فيروس إلكتروني، يطلق عليه اسم “ستكينت” في حواسيب المنشأة وتسبب بتدمير قسم كبير من أجهزة الطرد المركزي
وأشار بن يشاي إلى الجهات التي لديها مصلحة بتمرير رسالة إلى إيران، والتسبب خلال ذلك بتشويش كبير في جهود إيران لتطوير برنامجها النووي: “واضح جداً أن إسرائيل والولايات المتحدة على رأس القائمة.
الردع والإجبار
من الواضح أن إسرائيل اختارت التصرّف حيال الملف الإيراني النووي في إطار الحرب في المنطقة الرمادية وبوسائل مختلفة، معظمها عسكرية، على الرغم من أنها ليست بالضرورة أن تكون عن طريق التكتيكات الحركيّة أو العسكرية الهجومية، من خلال هذه التحرّكات، ستكون إسرائيل قادرة على تجنيد الدعم والشرعية، وتكوين التعاون لإجراءات أمنية تخدم مصالحها.
يقوم التعامل مع إيران في سوريا وما يخصّ مفاعلها النووي، على استراتيجية القوة القسرية، وهي مصمّمة للتأثير على سلوك إيران، من خلال الاعتماد على مكوّنين: الردع والإجبار وهما مرتبطان بالدفاع والهجوم في كل الأمور لغرض إحداث التغيير أو المحافظة على الإقناع الفعّال والتوقيت الفعّال قبل بدء إيران بأيّ عمل، الغرض من الردع هو إقناعها بعدم البدء بأي عمل، ويُقاس نجاح الردع بأن يتصرّف الخصم وفقاً لمتطلّبات الرادِع، وعدم كسرها.
أما الإجبار فيعتمد على المساومة والتهديد بالقوّة، سواء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، ويعتمد الإجبار والإكراه على عاملين: أن تعتقد إيران أن إسرائيل سوف تنفّذ تهديداتها، وأن تُدرك وتقتنع إيران أن التهديدات سيكون لها تأثير كبير عليها، كل ذلك يعتمد على ما تحاول إسرائيل تثبيته بقدرتها على تنفيذ تهديداتها.
يبدو أن الأحداث الأخيرة وما سبقها من سرقة الملف النووي الإيراني عمليات اغتيال واختفاء واستهدفت بعض العلماء والفنيين الإيرانيين ممن لهم صلة بالبرنامج النووي، في عمليات استنزاف البرنامج النووي الإيراني تدريجياً من الداخل، من خلال تفريغه من الكوادر البشرية المتخصصة في التكنولوجيا النووية من علماء وفنيين، عبر التصفية الجسدية، الاختطاف، والتهجير، والهجمات السيبرانية وهو ما أسمته الـ “ديلي تلغراف” البريطانية بـ “الحرب الخفية”، و”صيد الرؤوس”، وتبدو تكاليفه أقل، وعوائده أضخم، كل ذلك جاء لإقناع إيران بجاهزية واستعداد إسرائيل لتنفيذ تهديداتها، وهذا يتطلب من الإيرانيين تغيير سلوكهم، وذلك من خلال وقف الفعل الذي بدأ، ووقف الإجراءات المُتّخذة بشأن التقدم بالمشروع النووي، والخروج من الأراضي السورية.
ردود إيران المحتملة
تعتبر إيران الأحداث الأخيرة ومن بينها حادثة الانفجار بمنشأة نطنز الإيرانية تخطي للخطوط الحمراء، والتطورات تشي أن المنطقة قد تتجه نحو ردود فعل متبادلة بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. حيث تتشبث طهران بحقيقة أن إسرائيل هي من تقف وراء الحادثة فأخذت تستعرض قوتها بحديثها عن بناء ما يطلق عليها بـ “مدن صواريخ” في مواقع تحت الأرض في الخليج، مع الأخذ بالاعتبار أن إيران لا تمتلك حاليا القدرة العسكرية أو الاقتصادية لمواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل مواجهة تقليدية، خصوصا بعد ما تعرضت له طهران من استنزاف جراء عقوبات واشنطن.
وعلى ذلك من المرجح أن يُسترشد رد إيران على الأحداث الأخيرة إن تثبتت بوقوف إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ورائها بثلاثة اعتبارات رئيسية:
1- الإصرار على التبادلية،
غالباً ما كان رد إيران مماثلاً للإجراءات التي اتخذها أعداؤها ضدها. فخلال الحرب بين إيران والعراق، جاء ردها على “حرب الناقلات” والغارات الجوية على طهران التي شنها نظام صدام حسين هو توجيه هجمات على سفن الشحن وإطلاق الصواريخ والقذائف على بغداد ومدن أخرى. ومنذ ذلك الحين تصر إيران على أنه إذا حدث وضع لن تتمكن فيه طهران من تصدير النفط من الخليج جراء الحصار البحري أو العقوبات المفروضة عليها، فلن يكون بوسع أي من جيرانها فعل ذلك أيضاً. وقد رد النظام مؤخراً على هجمات “القنبلة اللاصقة” على علمائه النوويين بهجمات مماثلة على دبلوماسيين إسرائيليين في جورجيا والهند وتايلاند.
وقد يكون رد إيران على الضربة المحدودة التي استهدفت بنيتها التحتية النووية بتوجيهها هي الأخرى ضربة محدودة ضد البلد المهاجم، مما يسمح لطهران بالحفاظ على وضعها كضحية وتقليل احتمالات التصعيد.
2- الرغبة في عدم توسيع نطاق الصراع
دون ضرورة على نحو لا تستطيع تحمله، سوف تحاول إيران تجنب تحويل الصراع مع إسرائيل إلى حرب أوسع نطاقاً مع أجزاء كبيرة من المجتمع الدولي. إلا أن طهران أساءت حساباتها مراراً وتكراراً وبالغت في استعراض قوتها في أوضاع مماثلة، لذا فإن احتمالات وقوع تصعيد غير مقصود ستكون كبيرة.
3- الرغبة في الرد بطريقة تردع شن هجمات إسرائيلية إضافية
وتدَخُّل لاحق من جانب الولايات المتحدة، رغم أنه لا يمكن استبعاد رد إيراني محدود على هجوم إسرائيلي محدود، إلا أنه من المرجح أن ترغب طهران بأن يكون انتقامها من إسرائيل مؤلماً قدر المستطاع من أجل ردعها عن شن أي هجمات لاحقة وقيام تدخل من قبل الولايات المتحدة. وتحقيقاً لهذه الغاية، من المرجح أن تتخذ ايران إجراءات مباشرة وغير مباشرة على حد سواء. لدى طهران سجل من الرد على الهجمات عن طريق الوكلاء أو وسائل أخرى غير مباشرة – في الزمان والمكان اللذين تختارهما.
ترى طهران أن البرنامج النووي عامل رئيسي لتحويل الجمهورية الإسلامية إلى قوة إقليمية، لذا فإن الهجوم الوقائي من جانب إسرائيل سيؤدي على الأرجح إلى رد إيراني واضح ضمن أحد خيارات الرد التالية:
- الهجمات الصاروخية ضد مواقع إسرائيلية حساسة، في حال تأكدت إيران أن الانفجارات تمت بفعل عبوات أو استهداف مباشر، من المرجح أن ترد إيران على استهداف منشآتها النووية عن طريق شن هجمات صاروخية على إسرائيل بطريقة مباشرة أو عن طريق وكلائها بالمنطقة لمعاقبتها وردعها عن شن هجمات إضافية، ويُعد الموقع النووي في ديمونة هدفاً جذاباً على رمزيته.
- الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيرة على الدول المجاورة، هدّدت إيران بمهاجمة أي دولة مجاورة تساعد في هجوم وقائي يستهدف منشأتها، تستطيع إيران استثمار الحرب في اليمن من خلال وكلائها هناك بشن هجمات ضد منشآت النفط والغاز أو محطات التحلية أو خطوط الأنابيب أو محطات الطاقة أو الموانئ الجوية والبحرية. ومثل تلك الخطوات سوف تُظهر لواشنطن الضرر الذي يمكن أن تلحقه إيران في حالة تدخل الولايات المتحدة ووقوفها بجانب إسرائيل.
- الهجمات السيبرانية، حيث تمتلك إيران قدرات نوعية في الحرب الإلكترونية، ويصنّف خبراء الأمن السيبراني إيران من بين الدول الخمس الأولى مع قدرات سيبرانية عالية الاختصاص والمهارات، فبعد عملية اختراق دودة “ستاكسنت” التي عطلت مفاعل بوشهر النووي الإيراني عام 2010 تم إنشاء قيادة الدفاع الإلكتروني. ولديها المجلس الأعلى للفضاء السيبراني، وفي حال تأكد لدى إيران أن الأحداث الأخيرة هي نتاج هجمات سيبرانية، فإنها قد تسلك نفس النهج بتعمد إلحاق الضرر المادي اعتمادا على هجمات سيبرانية، واستهداف مواقع حساسة أميركية وإسرائيلية، وقد نجحت إيران مؤخرا بشن هجوم إلكتروني ضد البنية التحتية للمياه والصرف الصحي (شبكة المياه في إسرائيل. هذا الهجوم أحدث ردود فعل قوية من حيث خطورته حال نجاحه، لأنه استهدف المياه الإسرائيلية، بالتالي أحدث خسائر بين المدنيين لقطع المياه وتلوثها.
تجد إيران نفسها ملزمة بالرد حفاظا على هيبتها ومنعاً لتمادي خصومها في ضرب العمق الإيراني، ومن المحتمل أن ترسم إيران استراتيجياتها للرد باتجاهات متعددة تتوافق مع قدراتها في الحاق الأذى بالأمريكيين والإسرائيليين سواء بالهجمات الإلكترونية أو شن هجمات صاروخية تستهدف مواقع إسرائيلية ومصالح أمريكية في المنطقة.
المصادر:
- تحليل ما بعد السيناريو الأسوأ ردود إيران المحتملة لتوجيه ضربة وقائية إسرائيلية، معهد واشنطن الرابط.
- تقرير إيران: قدرات سيبرانية ومجموعات عالية الاختصاص والمهارات في الحرب الإلكترونية والحرب السيبرانية الرابط.
- هل الانفجارات الثلاثة الغامضة في إيران مرتبطة؟، صحيفة “جيروازيلم بوست” الإسرائيلية الرابط.
- إيران تعترف بأضرار جسيمة في موقع نطنز النووي، ميدل إيست، الرابط.
- الرسائل من وراء “الانفجارات الغامضة” في إيران، يديعوت أحرنوت الرابط.
رابط المصدر: