أحمد عليبة
أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 2656 بشأن التمديد للبعثة الأممية لدى ليبيا لمدة عام، بعد تعيين عبد الله باتيلي مبعوثًا أمميا جديدًا، وبالتبعية تناول القرار الإشارة إلى الأدوار التي تتولاها البعثة الأممية لمواكبة تطورات الأزمة الليبية من حيث العودة إلى الانقسام الحاد في المشهد الليبي عمومًا. وعلى الرغم من وضوح القرار الأممي على هذا النحو، إلا أن الأطراف الليبية سعت إلى تفسير القرار بما يناسب أجندتها السياسية؛ فحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية رأت أن القرار يبقي عليها في المشهد السياسي لحين انتهاء المرحلة الانتقالية بالانتخابات وأنها تعمل في هذا السياق.
ذلك في حين أن كافة المعطيات الأممية ومنها تحركات البعثة منذ تولي “باتيلي” تعكس منظورًا آخر وهو أن حكومة “الوحدة” طرف في الأزمة السياسية الراهنة شأنها شأن الأطراف الأخرى؛ فقد أشار القرار الأممي إلى دعم مسار المصالحة الاجتماعية التي يتولاها المجلس الرئاسي، وبالتالي تبنى القرار حصرًا الإشارة إلى جهود المجلس الرئاسي من دون الإشارة إلى أي حكومات. كذلك فإن القرار الأممي يتبنى دعم “باتيلي”، إلا أنه ليس من المتصور أن يقدم الأخير خطة عمل متكاملة في إحاطته الأولى أمام مجلس الأمن، بل على العكس من ذلك تشير مداخلته إلى الحاجة إلى المزيد من الوقت في ظل غياب الأفق بشأن إمكانية تغير الواقع الليبي، لذا شخّص “باتيلي” حجم التحديات الهائلة والمعقدة في المشهد الليبي، وأنه لا يزال في مرحلة الاستكشاف وبلورة الطرح الممكن لمداخل التسوية المستقبلية.
الاتجاه السائد لدى أعضاء مجلس الأمن هو محاولة إحداث اختراق في ملف الأزمة الليبية، من خلال عملية إجراء الانتخابات كتتمة لمرحلة الانتقال السياسي، وبالتالي تميل الأطراف الدولية المنخرطة في ملف الأزمة إلى تبني “خطة قصيرة الأجل” لمرحلة أو بصيغة أخرى خريطة طريق عاجلة، إلا أن ما طرحه باتيلي يتعارض مع هذا التوجه، بالإشارة إلى حجم التعقيدات والعقبات الهائلة في الملف الليبي والتي تحتاج إلى تفكيك هادئ حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة وتأتي بأثر عكسي؛ فهناك حاجة أولًا إلى التوافق على الإطار الدستوري للانتخابات، وألمح في هذا الصدد إلى غياب الإرادة لإنجاز الأطراف المعنية للقاعدة الدستورية بالتأكيد على أن توجهاتهم لا تصب في هذا المسار.
والعامل الآخر يتعلق بأولوية موازية، وهي الحاجة لاستقرار البيئة الأمنية لإجراء الانتخابات، مع الأخذ في الحسبان إشارة المبعوث الأممي إلى حالة التحشيد والتحشيد المضاد المستمرة من قبل الأطراف، والتي تتجلى مظاهرها في هيمنة الفصائل المسلحة على العاصمة، بالإضافة إلى الدعم الخارجي الذي يعزز من حالة الانقسام سياسيًا واقتصاديا وأمنيا، في ظل الوجود العسكري الأجنبي في البلاد، والذي تظهر المؤشرات أنه في تزايد في ظل الإجراءات التي تقوم بها حكومة الوحدة مع تركيا، إلى جانب توجه قوى أجنبية أخرى إلى تعزيز وجودها العسكري أكثر مما هو عليه لإحداث توازن، وهي معضلة أخرى لا يمكن تخفيف تداعياتها بدون انعقاد اللجنة العسكرية المشتركة وتفعيل دورها من حيث الالتزام بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار.
في هذا السياق، أيضًا غالبًا ما يتم اختزال قرار وقف إطلاق النار في المخاوف من العودة إلى حالة الاحتراب الأهلي، في حين أن قرار وقف إطلاق النار (أكتوبر 2020) تضمن العديد من البنود التي تمت مخالفتها، منها الاستمرار في إبرام المزيد من الاتفاقيات العسكرية وتجميد برامج التدريب المطلوبة، وحصر السلاح، وحصر الفصائل والمليشيات المسلحة، تمهيدا لعملية التسريح وإعادة الدمج والهيكلة بشكل عام، وهو ما لم يحدث.
بل على العكس تم انتهاك كافة هذه المقررات من جانب حكومة الوحدة، ويُربط هذا السياق أيضًا بعملية ترسيم الحدود البحرية ما بين ليبيا وتركيا، والتي تواجه انتقادات حادة من المجتمع الدولي؛ إذ لا يسمح الاتفاق السياسي للحكومة منتهية الولاية- حتى في الوضع الطبيعي- إبرام اتفاقيات جديدة تتعلق بقرارات سيادية، تفاديًا لتكرار ما فعلته حكومة الوفاق الوطني السابقة، هذا بخلاف ما ترتبه هذا الاتفاقيات من انعكاسات على أطراف دولية أخرى، وهو ما دفع القوى الدولية إلى تبني عدم اعتماد الاتفاق من جانب الأمم المتحدة.
في الأخير، ما يمكن تصوره هو أنه لا توجد خطة عاجلة للوصول إلى الانتخابات، وأن البعثة الأممية الجديدة تميل مبدئيًا إلى اتخاذ خطوات أولية لتدارك آثار فشل المرحلة الانتقالية السابقة، بما يعني أنها ليست بصدد استكمال أعمال البعثة السابقة، وأنها بصدد الإعداد لخريطة طريق جديدة، الأمر الذي يفسر ما يُطرح حاليًا من احتمال اللجوء إلى تبني تشكيل حكومة جديدة موحدة لإنهاء حالة الانقسام الموجودة من جهة، ومن جهة أخرى تحديد صلاحيات الحكومة الجديدة بشأن الوصول إلى الانتخابات، وبالتالي العود على بدء في الملف، وهي مسألة محفوفة بالمخاطر التي لا تقل عن المخاطر الحالية في ظل استدامة الأزمة.
.
رابط المصدر: