في ثاني محطة له ضمن جولته الشرق أوسطية عقب زيارة الرياض، يتبعها زيارة قطر وإسرائيل، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم 6 فبراير في العاصمة القاهرة، بوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وذلك من أجل التباحث بشأن مستجدات الوضع في غزة ومسار المفاوضات بشأن صفقة تحرير المحتجزين الإسرائيليين ووقف إطلاق النار والخطط ذات الصلة بغزة ما بعد الحرب، وذلك انطلاقًا من محورية الدور المصري ومساعيها للتهدئة والوساطة من أجل التوصل لاتفاق نهائي لوقف إطلاق النار، واستعادة الاستقرار في المنطقة. انطلاقًا مما سبق، تهدف المقالة لمناقشة أبعاد زيارة بلينكن إلى القاهرة، وما تحمله من دلالات ورسائل متبادلة، وذلك على النحو التالي:
ملفات متعددة.. أبعاد زيارة بلينكن إلى القاهرة
ملفات متعددة تصدرت أجندة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والوفد المرافق له، في زيارته للقاهرة ولقاءه بالرئيس السيسي ونظيره المصري سامح شكري واللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة، تضمنت مناقشة مستجدات مسار المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة، وتحرير المحتجزين الإسرائيليين ورفض التهجير القسري للفلسطينيين، بالإضافة إلى تناول التصعيد في البحر الأحمر، ناهيك عن تأكيد الجانب المصري على الدور المحوري لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهو ما يُمكن تناوله على النحو التالي:
صرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، المستشار د. أحمد فهمي، أن بلينكن نقل للرئيس السيسي تأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، بما يدعم جهود الحفاظ على الاستقرار والسلام والتنمية في المنطقة، بالإضافة إلى التركيز على تطورات الجهود المكثفة، الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، وتبادل المحتجزين، وإنفاذ المساعدات الإغاثية اللازمة لإنهاء المعاناة الإنسانية بالقطاع، مع تسليط الضوء على الجهود المصرية في قيادة عملية تقديم وتنسيق وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة في ظروف ميدانية صعبة، بالتنسيق مع المؤسسات الأممية والإغاثية ذات الصلة.
كما أكدت القاهرة خلال اللقاء على أهمية الدور المحوري الذي تقوم به وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على هذا الصعيد، بالإضافة إلى تأكيد السيد الرئيس على ضرورة تنفيذ القرارات الدولية والأممية المعنية بالأزمة، واتخاذ خطوات جادة تجاه التسوية العادلة والشاملة للقضية الفلسطينية، بما يضمن استقرارًا مستدامًا في المنطقة.
على الجانب الآخر، أكد بلينكن -وفقًا لبيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية- حرص واشنطن على استمرار التنسيق والجهود المشتركة مع مصر، للتوصل إلى تهدئة وحماية المنطقة من اتساع نطاق الصراع، مشيدًا بالجهد المصري المقدر الداعم للأمن والاستقرار في المنطقة. كما ذكر بيان الخارجية الأمريكية أن بلينكن ناقش مع السيسي “الجهود الجارية لتأمين إطلاق سراح جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس”. كما شدد على رفض الولايات المتحدة لأي تهجير قسري للفلسطينيين من غزة والالتزام بإقامة دولة فلسطينية توفر السلام والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.
علاوة على ذلك، أوضح بلينكن أن الطرفين ناقشا الأهداف المشتركة لتحقيق الاستقرار والازدهار الإقليميين، بما في ذلك وقف هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر.
دلالات لقاء بلينكن بالرئيس السيسي وما يحمله من رسائل متبادلة
بعث لقاء الرئيس السيسي بوزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن والوفد المرافق له، وما تم مناقشته من قضايا بحزمة من الرسائل المتبادلة بين الجانبين المصري والأمريكي، كما حملت عدة دلالات، أبرزها التالي:
- محورية الدور المصري في منطقة الشرق الأوسط ولحلحلة أزمة غزة: كشفت زيارة بلينكن للقاهرة ولقاءه بالرئيس السيسي، عن الإدراك الأمريكي بمحورية الدور والمكانة المصرية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وفي إطار ما يُبذل من جهود من أجل التوصل لاتفاق نهائي لوقف إطلاق النار وتحرير المحتجزين الإسرائيليين، بالإضافة إلى استعادة الاستقرار في البحر الأحمر بشكل خاص.
فلا يزال المنظور الأمريكي للقاهرة بأنها رمانة ميزان الشرق الأوسط، وبوابته لضمان الحفاظ على مصالحها، ومصالح شركاءها وعلى رأسهم إسرائيل في المنطقة، وهو يستدل عليه بما نقله بلينكن على لسان الرئيس الأمريكي بايدن بحرص واشنطن على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، بما يدعم جهود الحفاظ على الاستقرار والسلام والتنمية في المنطقة.
- التأكيد على الجهود المصرية الحثيثة لادخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة: حيث تأتي الزيارة كفرصة لتأكيد القاهرة على ما تبذله من جهود ضخمة من أجل إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة في خضم ما تفرضه تل أبيب من عراقيل، والتي تبعث في مضمونها برسالة نفي واستنكار للادعاء الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية حول مسؤولة القاهرة عن عدم تقديم مساعدات إنسانية كافية لغزة، ورفض إدعاء المحامي في فريق الدفاع الإسرائيلي، كريستوفر ستيكر، بأن “الدخول إلى قطاع غزة من مصر تحت السيطرة المصرية، وأن إسرائيل ليس عليها أي التزام بموجب القانون الدولي على هذه المنطقة”.
- التأكيد على الرفض المصري لتقدم القوات الإسرائيلية في رفح جنوب قطاع غزة: تكتسب زيارة بلينكن للقاهرة أهمية متزايدة، في ظل الرفض المصري المتكرر لتقدم القوات الإسرائيلية في غزة جنوبًا باتجاه مدينة رفح على الحدود المصرية التي تؤوي نحو أكثر من مليون ونصف نازح فلسطيني، والذي ينجم عنه وقوع أزمة إنسانية حادة، فضلًا عن دفع الفلسطينيين للتهجير قسرًا نحو الحدود المصرية حيث شبة جزيرة سيناء، وهو السيناريو الذي أعلنت القاهرة منذ الأيام الأولى للحرب على غزة عن رفضه جُملة وتفصيلًا.
ولطالما أكدت الدولة المصرية ولاتزال على رفض التهجير القسري للفلسطينيين، وتصفية القضية الفلسطينية، وما لذلك من تداعيات خطرة على أمن مصر القومي، وعلى مسار المفاوضات لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو نفس الموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة وكذلك الاتحاد الأوروبي.
- رفض تسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا): حرص لقاء الرئيس السيسي بوزير الخارجية الأمريكي بلينكن على البعث برسالة ضمنية برفض تسيس وكالة الأونروا والتشكيك في دورها المحوري والمهم في تقديم الدعم للفلسطيينيين، عقب اتهام إسرائيل 12 موظفا في الوكالة بالمشاركة في عملية طوفان الأقصى، والذي على إثره علقت نحو 20 دولة مساعداتها للوكالة، ما سيسفر عن خسارة ما يقرب من 65 مليون دولار بحلول نهاية فبراير2024، وهو ما يعني استخدام تل أبيب سلاح التجويع كأداة حرب ضد الفلسطينيين، وهو ما ترفضه القاهرة التي اعربت عن دعمها الكامل لدور الوكالة فيما تواجهه من تحديات.
نهاية القول، تدرك واشنطن أن مفتاح حل وتسوية الصراعات والأزمات في منطقة الشرق الأوسط، يأتي عبر النافذة المصرية، وبالتالي لا يُمكن تجاوز القاهرة فيما يجري من مباحثات أمريكية للتوصل لاتفاق لوقف الحرب على غزة، وتحرير المحتجزين الإسرائيليين، لا سيما الأمريكيين، واستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما يجعل من الحرص الأمريكي على تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع مصر أحد القنوات الرئيسة لحفاظ واشنطن على مصالحها في المنطقة.
المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/80746/