- كان تعزيز التعاون والشراكة في قطاع الذكاء الاصطناعي ضمن أولويات زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لدول الخليج.
- توخت إدارة ترمب تحقيق هدف مزدوج يتمثل باستقطاب الأموال الخليجية لتعزيز تنافسية الشركات الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي، وفي الوقت نفسه إبعاد الحلفاء الخليجيين عن الصين في هذا القطاع الحيوي.
- تتمتع دول الخليج، سيما الإمارات والسعودية، بمزايا تنافسية في مجال الذكاء الاصطناعي، أهمها فوائض الطاقة والبيئة الرقمية الملائمة، فضلاً عن الموقع الجغرافي الاستراتيجي.
قام الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأولى جولاته الخارجية في ولايته الرئاسية الثانية خلال الفترة 13-16 مايو 2025، والتي شملت المملكة العربية السعودية ودولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة. وعَكَست تشكيلةُ الوفد الأمريكي عُمق اهتمام واشنطن بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي، فقد ضم الوفد عدداً من قيادات شركات التكنولوجيا الفائقة الولايات المتحدة، منهم إيلون ماسك مالك شركة تسلا، وآندي جاسي الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، وجنسن هوانغ الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا. وشهدت الزيارة توقيع الأطراف الأمريكية اتفاقات متنوعة مع السعودية والإمارات من أجل تعميق مستوى التعاون التكنولوجي معهما، منها اتفاق لإنشاء مجمع لتطوير الذكاء الاصطناعي في أبوظبي يعد الأكبر في العالم خارج أمريكا ويعمل بقدرة تصل إلى 5 جيجاوات، كما شهدت الزيارة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب اتجاه شركات مثل “غوغل” و”داتافولت” و”أوراكل” إلى استثمار 80 مليار دولار في التكنولوجيا التحويلية المتطورة في كلٍّ من السعودية والولايات المتحدة.
توجهات إدارة ترمب حيال الذكاء الاصطناعي
جاءت الزيارة في سياق شهد تزايُداً في حِدة المخاوف الأمريكية من إمكانية تضرر القطاع التكنولوجي فنياً وتجارياً، في حال عدم إعادة صياغة سياسة التنافس مع الصين، فقد ارتفعت احتمالات انخفاض قدرة الشركات الأمريكية على تمويل مشاريعها جراء سياسة تقييد صادرات الشرائح الإلكترونية الفائقة إلى الخارج التي اتبعتها إدارة بايدن، والتي شملت الصين وأغلب دول العالم. وأدت هذه السياسة إلى تراجع حصة شركة إنفيديا Nvidia – أكبر مُصمم للشرائح الإلكترونية الفائقة في العالم- في السوق الصينية، من 95% إلى 50% في آخر 4 سنوات. وسَبَق هذه التطورات تعرُّض أسهم الشركة إلى أكبر موجة هبوط في التاريخ الأمريكي خلال يوم واحد في يناير 2025، إذ انخفضت قيمة أسهمها بنسبة 16%، أي حوالي 600 مليار دولار، وذلك في أعقاب إعلان شركة “ديب سيك” DeepSeekالصينية نجاحها في تطوير نموذج للذكاء الاصطناعي اللغوي لا يعتمد على الشرائح الفائقة التي تنتجها إنفيديا، وبتكلفة مُعلنة تبلغ نحو 6 ملايين دولار أمريكي، في حين وصل إنتاج نموذج شركة Open AI المُشابه إلى تكلفة مُعلنة تجاوزت 100 مليون دولار.
ولتخفيض احتمالات امتلاك الصين ميزة تنافسية على صعيد جذب التمويل الدولي لشركاتها التكنولوجية، تبنت إدارة ترمب نهجاً سياسياً يرمي إلى تعزيز حصص القطاع التكنولوجي في السوق الخارجية، وتكثيف مساعي توطينه بالداخل، واتجهت إدارته إلى “إلغاء الضوابط” Dergulation التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على تشغيل القطاع، بما يتضمن قرارات تقييد صادرات الشرائح الإلكترونية إلى الخارج، كما استثنت إدارة ترمب عدداً من المنتجات التكنولوجية من رسوم التعريفات الجمركية، ومنها المعالجات الإلكترونية وشرائح الذاكرة، والتي تعد حيوية في تطوير الذكاء الاصطناعي. ولاقت تحركات ترامب تأييد أغلبية الحزب الجمهوري في مجلس النواب، ومرر المجلس في نهاية أبريل 2025 قانون ائتمان الاستثمار في أشباه الموصلات المتقدمة (BASIC)، الذي ينص على زيادة معدل ائتمان الاستثمار في التصنيع المتقدم (AMIC) من 25% إلى 35%، وتمديد فترة الائتمان لأربع سنوات، وقوبل هذا التشريع بترحيب من جانب جمعية مصنعي أشباه الموصلات الأمريكية.
أهمية الإمارات والسعودية في تطوير الذكاء الاصطناعي الأمريكي
بجانب القدرة التمويلية النسبية لدول مجلس التعاون الخليجي، تتمتع دولتا الإمارات والسعودية على وجه التحديد بأهمية نسبية في إنجاح مساعي واشنطن المتعلقة بتحقيق التفوق في الذكاء الاصطناعي، وذلك لعدة اعتبارات، أبرزها ما يأتي:
أولاً، تتمتع الدولتان بفوائض كبيرة من الطاقة يسهل استخدامها بتكلفة منخفضة بفضل تطور البنية التحتية، في وقت يُعد من الصعب تدريب الذكاء الاصطناعي دون استهلاك كميات هائلة من الطاقة، وعلى سبيل المثال يتطلب تدريب نموذج اللغة التوليدي Gpt-3 استهلاك آلاف الميجاوات في الساعة الواحدة، أي قرابة كمية الاستهلاك السنوي للمنازل الأمريكية للطاقة. وتملك الإمارات والسعودية ميزة تنافسية في هذا الصدد، بسبب عملهما على تطوير مشاريع الطاقة النظيفة، ما ييسر من فرص إنشاء مراكز ضخمة لإدارة البيانات. وفي هذا الصدد يُذكر أن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي التي ستعمل بسعة 5 جيجاوات والتي ستنشأ بتعاون أمريكي-إماراتي ستستخدم الطاقات النووية والشمسية والغازية التي تُنتجها. وربما تكون ميزة الطاقة هذه هي ما دفعت شركة أوراكل الأمريكية إلى الإعلان عن اتجاهها لاستثمار 14 مليار دولار في المجال السحابي السعودي خلال العشر سنوات المقبلة.
ثانياً، تتمتع دول الخليج، وخصوصاً الإمارات العربية المتحدة، ببيئة رقمية Ecosystem Digital ملائمة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ تتصدر دولة الإمارات مؤشر دول الإقليم في جاهزية تطوير الذكاء الاصطناعي الذي تُصدره جامعة أكسفورد، واحتلت الإمارات المرتبة العشرين عالمياً في هذا الصدد بسبب امتلاكها بعض المدن الذكية التي تصلح كأساس لتطوير واختبار تقنيات تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهو ما ينطبق بنسبة كبيرة على المملكة العربية السعودية. ويوضح الشكل التالي ترتيب دول الإقليم من حيث الجاهزية الحكومية لتطوير الذكاء الاصطناعي.
ترتيب جاهزية دول الشرق الأوسط لتطوير الذكاء الاصطناعي في عام 2024
ثالثاً، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بمزايا تنافسية في مجال تدريب الذكاء الاصطناعي على بيانات متنوعة، بسبب تنوع خريطتها السكانية، ما ييسر من فُرص تدريب الذكاء الاصطناعي على أنماط مختلفة من البيانات، كما تعد البيئة التشريعية الخليجية ملائمة لتحقيق هذا الغرض إلى حد كبير، إذ تملك دول المجلس أطراً تشريعية مرنة نسبياً تتيح للحكومات العمل على تعزيز تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، مقارنةً بدول الاتحاد الأوروبي التي قوبل مشروعها لإصدار قانون لتنظيم الذكاء الاصطناعي بانتقاد من جانب الحكومة الأمريكية، فيما ترتفع الميزة التنافسية لدول الخليج في ظل توتر علاقة بعض دول الاتحاد الأوروبي بعدد من شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية، على خلفية توجيه الاتحاد اتهامات لهذه الشركات بانتهاك قوانينه ذات الصلة بأعمالها، ومنها شركتا Apple وMeta.
رابعاً، قد يخصم التعاون بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي من فُرص تطوير الذكاء الاصطناعي في الصين، حال أدى إلى إعادة توجيه الموارد الخليجية بعيداً عن بيجين، كما قد يسهم انخفاض عدد المواهب البشرية في دول مجلس التعاون الخليجي في تعزيز فُرص تكاملها التكنولوجي مع الولايات المتحدة، ما قد تستثمره الأخيرة كسوق لمواردها البشرية بديلة عن السوق الصيني.
خامساً، يتيح الموقع الجغرافي لدول الخليج تيسير الربط بين مشاريع الذكاء الاصطناعي المدعومة أمريكياً في مناطق مختلفة، وخصوصاً منطقة شرق آسيا، فقد أعلنت شركة مايكروسوفت في عام 2024 رغبتها في استثمار 1.7 مليار دولار أمريكي في إنشاء خدمات سحابية في دولة إندونيسيا، فيما تملك شركة أمازون خططاً لاستثمار 9 مليارات دولار في سنغافورة، و5 مليارات دولار في تايلند، بينما ترغب شركة أوراكل في استثمار قرابة 65 مليار دولار في ماليزيا.
استنتاجات
مقارنة بأقاليم مختلفة، تملك دول مجلس التعاون الخليجي فُرصة كبيرة في التأثير في مسارات التنافس حول الريادة في الذكاء الاصطناعي، نتيجة امتلاكها فوائض من الطاقة التي يصعب توفيرها من قِبل أغلب دول العالم بنفس التكلفة، وتعززت الميزة التنافسية لدول المجلس في هذا السياق بسبب تبني حكوماتها خططاً تنفيذية لتطوير هذه التقنية، ما سمح بتحقيق تراكم تكنولوجي عزز فرص تطوير الذكاء الاصطناعي. كما تملك دول المجلس مزايا تنافسية على صعيد جودة البيانات التي يمكن توفيرها لتدريب تطبيقاته.
ودفعت هذه العوامل الولايات المتحدة الأمريكية إلى العمل على تعميق الشراكة التكنولوجية مع دول الخليج بهدف تسريع تطوير التقنية، وتخفيض فُرص استفادة منافسيها الدوليين الآخرين -خصوصاً الصين- من مزايا البيئة التكنولوجية المتقدمة في دول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية.