مع انتخاب محمد باقر قاليباف رئيسًا لمجلس الشورى الإسلامي الإيراني في دورته الحادية عشرة تكون ملامح مرحلة سياسية مختلفة عن السنوات السابقة قد بدأت بالتشكل، بصورة تعيد التيار الأصولي في إيران إلى الواجهة، وتؤشر على سنة قادمة صعبة بالنسبة لزعيم تيار الاعتدال الرئيس الإيراني، حسن روحاني. وقد فاز قاليباف، عمدة طهران الأسبق وصاحب السجل الطويل في الحرس الثوري، بـ230 صوتًا من أصوات النواب الحاضرين في جلسة المجلس التي عُقدت يوم الخميس، 28 مايو/أيار 2020، البالغ عددهم 264 نائبًا من أصل 290 نائبًا هم المجموع الكلي لمقاعد المجلس. وتقدم قاليباف بشكل كبير على النائبين، فريدون عباسي (17 صوتًا) ومصطفى مير سليم (12 صوتًا). تناقش هذه الورقة المؤشرات التي ترسم ملامح المجلس الحالي والدلالات التي سيتركها ذلك على مجمل العملية السياسية والتنافس بين القوى المختلفة في الجمهورية الإسلامية، وماذا يعني توجه القيادة العليا في إيران إلى توحيد مؤسسات الحاكمية وخلق صف جديد من القيادة.
خامنئي يفسر عزوف الناس عن الانتخابات
تحمل الرسالة التي وجَّهها قائد الثورة الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي، إلى مجلس الشورى الجديد (المجلس الحادي عشر) تفسيرًا لحالة العزوف عن التصويت التي شهدتها إيران في الانتخابات التشريعية الأخيرة، في فبراير/شباط 2020، ويرى أن قلة الاهتمام بالوظائف التي يجب على النواب القيام بها جعل الناس غير عابئين بأهمية المجلس وانتخاباته. وكان مجلس صيانة الدستور قد رفض طلبات ترشيح ما يقرب من ثلث نواب المجلس في دورته العاشرة.
وقد اعتاد مجلس الشورى على بدء فعالياته برسالة من آية الله خامنئي، وبمقارنة هذه الرسالة مع الرسائل التي سبق وأن وجَّهها إلى المجلس في الدورات السابقة، نجده قد أشار إلى ما يرى أنها مواطن خلل أصابت أداء المجلس، وهو ما برز في مطلع الرسالة بوضوح.
ويأخذ خامنئي من المقولة الشهيرة للإمام الخميني بأن “المجلس على رأس الأمر”، مدخلًا لإعادة التذكير بأهمية المجلس والدور الذي يجب عليه القيام به، ومن أهم بنوده: التحقيق والتفحص، وحق المصادقة والرفض في تعيين كبار المسؤولين في السلطة التنفيذية، وحق التذكير والاستجواب والعزل، والأهم من ذلك مسألة التشريع: “إذا كان القانون صحيحًا وكافًيا وقابلًا للتنفيذ، وتم تفعيل ضمانات تطبيقه بشكل صحيح، فإن البلاد ستحقق أهدافها الكبيرة. هذه هي الوظيفة العليا للمجلس وهذه هي مهمته الحيوية والمهمة”(1).
وعكست رسالة خامنئي حالة من عدم الرضا عن أداء المجلس السابق على صعيد تحقيق العدالة: “يجب أن نعترف أنه في العقد الذي (وضعنا له شعار) التقدم والعدالة، لم نحقق درجة جيدة في باب العدالة”(2).
وحددت رسالة خامنئي التي قرأها مدير مكتبه، محمد كلبايكاني، بحضور رؤساء الجمهورية والسلطة القضائية ومجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس خبراء القيادة إلى جانب كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، أولويات المجلس ممثلة بـ”الاقتصاد والثقافة”، وهو ما يؤشر بصورة أساسية إلى موضوع العقوبات وتعزيز الإنتاج الداخلي، وعودة تفعيل خطاب مواجهة الغزو الثقافي الغربي، وهي المقولة التي تحتل مكانًا بارزًا في خطاب آية الله خامنئي، وكذلك التيار الأصولي بأطيافه مجتمعة. وليكون المجلس على رأس الأمر فذلك له شروط وفق رسالة خامنئي أهمها أن “يقوم النواب بواجباتهم مع معرفة صحيحة بظروف وأولويات البلاد، وتوافر الخبرة، والحضور النشط والمنتظم، ونظافة اليد وأن يكونوا أهلًا لثقة الناس”(3).
ومع نهاية الدورة العاشرة وخروج علي لاريجاني الذي رأس مجلس الشورى لسنوات، هاجمت مواقع أصولية مجلس الشورى ولاريجاني، واتهمت المجلس بالمصادقة على مشاريع قوانين استعمارية (في إشارة إلى اتفاقية مجموعة العمل المالي)، والموافقة على عدد كبير من مشاريع القوانين الحكومية، ومعارضة الشفافية وعدم محاسبة الوزراء المقصرين مثل وزير النفط والإسكان، واتهامات استغلال المنصب والفساد التي لاحقت عددًا من النواب وتجاهل المجلس مخاوف الناس الاقتصادية بصورة أفقدته ثقة الناس.
رؤساء تعاقبوا على المجلس بتأثير متفاوت
سوف يسعى قاليباف ليكون رئيسًا مقتدرًا للمجلس، فيما تسعى بعض الكتل خاصة المشكَّلة من نواب محسوبين على تيار أحمدي نجاد إلى تحجيم دوره والحد من صلاحياته، وكان رئيس المجلس السابق، علي لاريجاني، قد واجه اتهامات بأنه “استبد في صلاحياته”.
يعطي القانون الإيراني صلاحيات لا یستهان بها لرئيس المجلس، وقد تعاقب على رئاسته شخصيات سياسية معروفة كان لبعضها تأثير فاق في تلك الفترة تأثير رؤساء السلطات الأخرى، ولعل الراحل هاشمي رفسنجاني هو الأبرز في هذه الاتجاه من بين ست شخصيات تناوبت على رئاسة المجلس منذ دورته الأولى في يونيو/حزيران عام 1979.
لا يزال رفسنجاني إلى اليوم الشخصية التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات لرئاسة المجلس على مدى الدورات الإحدى عشرة الماضية، بالنظر إلى أنه حصل على ما نسبته 95% من مجموع الأصوات لرئاسة المجلس في دورته الثانية، فيما لا يزال علي لاريجاني يحتل المرتبة الأولى من حيث مدة رئاسته للمجلس والتي وصلت إلى 12 عامًا متتالية، يليه هاشمي رفسنجاني، حيث انتقلت رئاسة المجلس في دورته الثالثة إلى مهدي كروبي بعد انتخاب رفسنجاني رئيسا للجمهورية عقب وفاة آية الله الخميني ووصول خامنئي إلى منصب القائد(4).
جدول 1 يوضح أسماء من تعاقبوا على رئاسة مجلس الشورى الإسلامي في إيران
دورات المجلس |
الاسم |
عدد الأصوات |
|||
الدورة الأولى |
أكبر هاشمي رفسنجاني |
146 |
|||
الدورة الثانية |
أكبر هاشمي رفسنجاني |
181 |
|||
الدورة الثالثة |
أكبر هاشمي رفسنجاني |
187 |
|||
الدورة الرابعة |
علي أكبر ناطق نوري |
191 |
|||
الدورة الخامسة |
علي أكبر ناطق نوري |
146 |
|||
الدورة السادسة |
مهدي كروبي |
193 |
|||
الدورة السابعة |
غلام علي حداد عادل |
226 |
|||
الدورة الثامنة |
علي لاريجاني |
237 |
|||
الدورة التاسعة |
علي لاريجاني |
177 |
|||
الدورة العاشرة |
علي لاريجاني |
237 |
|||
الدورة الحادية عشرة |
محمد باقر قالیباف |
230 |
المصدر: الباحثة استنادًا إلى سجلات مجلس الشورى الإسلامي
لقد كان حضور هاشمي رفسنجاني حينما رأس المجلس كبيرًا ومؤثرًا، بصورة فاقت تأثير مسؤولي السلطات الأخرى، وذلك بفعل علاقته الوطيدة مع آية الله الخميني وكذلك مع آية الله خامنئي، فضلًا عن دوره في مسار الثورة، ولعل تصويت المجلس على عدم كفاءة بني صدر وعزله من منصبه أبرز الأحداث التي تصدى لها رفسنجاني أثناء رئاسته لمجلس الشورى، وكان له دور أيضًا في تأسيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في مقترح قدمه إلى آية الله الخميني بغية إيجاد آلية لحل الخلاف بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور، وكذلك في إقناع مؤسس الجمهورية الإسلامية بقبول قرار وقف الحرب مع العراق. وكان الوحيد من بين رؤساء المجلس الذي استطاع الوصول إلى منصب رئيس الجمهورية.
وقد تفاوت تأثير رؤساء المجلس تبعًا لشخصية وحضور كل منهم، ولم يكن مهدي كروبي بلا تأثير على هذا الصعيد وإن كان تأثيره لم يصل إلى مستوى رفسنجاني، إلا أنه تقدم على حداد عادل وناطق نوري، ورافقت فترة رئاسته مواجهات عدة بين نواب المجلس والمؤسسات الأخرى، واستقال عشرات من نواب المجلس السادس المحسوبين على التيار الإصلاحي، الذين اعتصموا داخل المجلس احتجاجًا على قرار مجلس صيانة الدستور برفض ترشح أكثر من 360 شخصًا من بين 8150 تقدموا للترشح، حيث زادت نسبة رفض المرشحين بحدود 500% مقارنة بالمجلس السابق(5).
لكن كروبي عارض بشدة مقاطعة الانتخابات التي دعا إليها التيار الإصلاحي. وخلال رئاسته للمجلس، احتج كروبي على اعتقال أحد النواب ولزم بيته واشترط الإفراج عنه لاستئناف عمل المجلس وهو ما حدث بالفعل، كما سجَّل اعتراضه على الإغلاق الواسع الذي طال عددًا كبيرًا من الصحف والمطبوعات(6). وكان مقترح لحل الحرس الثوري أو إدغامه داخل هيكلية الجيش الإيراني قُدِّم خلال رئاسته للمجلس، وفق ما صرَّح به أول قائد للحرس الثوري، جواد منصوري(7)، وهو المقترح الذي مات مع انتقال السلطة من التيار الإصلاحي إلى الأصوليين دون مناقشته في الدورات اللاحقة، وانتهى مع نهاية عمل المجلس السادس.
استطاع علي أكبر ناطق نوري، الذي كان معروفًا كواحد من أهم قوى جناح اليمين منذ بداية الثورة، الفوز برئاسة مجلس الشورى في دورته الرابعة وكذلك الخامسة، وجاء مجلس الشورى الرابع بعد استبعاد عدد كبير من القوى الإسلامية اليسارية. وخلال رئاسته للدورة الرابعة اختلف المجلس مع هاشمي رفسنجاني، الذي كان رئيسًا للجمهورية، وهو الخلاف الذي قاد إلى عزل عدد من الوزراء. ولم تأت رئاسته للدورة الخامسة دون إثارة أيضًا إذ تنافس مع محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية ليقرر لاحقًا ترك المنافسة. بعد الانتخابات الرئاسية من 1997 إلى 1999، شهد المجلس خلافات بين نواب جناح اليمين والإصلاحيين.
خلال هذه الفترة، أدار ناطق نوري استجوابين لعبد الله نوري، وزير الداخلية آنذاك، وعطاء الله مهاجراني، وزير الثقافة والإرشاد. وتم استجواب نوري وعزله من منصبه في يونيو/حزيران 1998، بأصوات 137 من أصل 270 نائبًا حضروا الجلسة، وعيَّنه خاتمي بعدها مساعدًا له في شؤون التنمية السياسية. وفي عام 1999، استجوب 31 من أعضاء المجلس الخامس الوزير، عطاء الله مهاجراني، لكنه تمكن من كسب ثقة أعضاء المجلس مرة أخرى لمنصب وزير الثقافة والإرشاد، ليبادر بعدها إلى تقديم استقالته في ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام(8). انتقل نوري بعدها ليتقلد عددًا من المناصب أهمها رئاسة مكتب الرقابة التابع لمؤسسة المرشد، لكن مواقفه السياسية لم تبق كما السابق؛ إذ تقارب سياسيًّا مع هاشمي رفسنجاني والقوى الإصلاحية خلال السنوات الأخيرة من رئاسة أحمدي نجاد.
فاز غلام علي حداد عادل، الذي انتُخب في مجلس الشورى السادس بدلاً من علي رضا رجائي، برئاسة مجلس الشورى في دورته السابعة. وکان حداد عادل، الشخصية الأكاديمية التي ترتبط بمصاهرة مع عائلة خامنئي ؛ هو أول رئيس للمجلس من غير المعممين. حيث فاز بـ196 صوتًا مقابل 55 صوتًا لحسن سبحاني. رأس حداد عادل المجلس السابع الذي طغت على تركيبته الصبغة الأصولية بسبب الاستبعاد الواسع للإصلاحيين وعدم مشاركة غالبية القوى الإصلاحية في الانتخابات.
فاز حداد عادل بأعلى الأصوات عن مدينة طهران في انتخابات المجلس في دورته الثامنة، لكنه خسر أمام علي لاريجاني في التنافس على رئاسة المجلس، ورَأَس حداد عادل الذي يجيد العربية وترجم القرآن الكريم إلى الفارسية، اللجنة الثقافية في مجلس الشورى الثامن. من مواقف حداد عادل المعروفة دفاعه عن خصخصة التعليم، وكغيره من رؤساء المجلس كانت عينه على رئاسة الجمهورية إذ ترشح لها، دون أن ينجح على غرار زملائه باستثناء رفسنجاني.
قد يكون علي لاريجاني، وهو من عائلة معروفة بنفوذها في إيران، من بين الشخصيات الأكثر خبرة الذين تقلبوا على مناصب عدة على مدى 41 عامًا هي عمر الجمهورية الإسلامية. ولعل من أبرز المناصب التي تقلدها رئاسته لمؤسسة الإذاعة والتليفزيون التي تتبع بشكل مباشر لمؤسسة القيادة، وشغله منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي منذ عام 2005 وحتى أكتوبر/تشرين الأول من العام 2007 حيث قدَّم استقالته، وشغله منصب كبير المفاوضين في الملف النووي الإيراني. سعى في 2005 نحو رئاسة الجمهورية لكنه لم يوفق في الانتخابات التي انتقلت للدور الثاني لتُحسم المنافسة لصالح أحمدي نجاد على حساب هاشمي رفسنجاني. استطاع لاريجاني أن يفوز برئاسة المجلس التشريعي للمرة الأولى في دورته الثامنة ليستمر في رئاسته لمدة 12 عامًا. ومع انتهاء الدورة العاشرة، في مايو/أيار من العام 2020، ودَّع لاريجاني رئاسة المجلس بعد أن أحجم عن الترشح مجددًا للانتخابات عن مدينة قم، ليعينه آية الله خامنئي مستشارًا خاصًّا له وعضوًا في مجمع تشخيص مصلحة النظام. ورغم أنه ما زال يُصنَّف على أنه أصولي معتدل إلا أن لاريجاني يمتلك علاقات جيدة مع قيادات إصلاحية كما كانت له علاقات قوية مع الراحل، هاشمي رفسنجاني، ولم تَشُبْ علاقته مع الرئيس حسن روحاني أية شائبة بعكس علاقته مع أحمدي نجاد والتي اتسمت بالتوتر وصلت حدَّ الصدام العلني في مجلس الشورى ودفعت بآية الله خامنئي إلى التدخل؛ فقد وجَّه أحمدي نجاد اتهامات مباشرة بالفساد لأفراد في عائلة لاريجاني، وهي العلاقة التي بقيت متوترة حتى بعد خروج أحمدي نجاد من الرئاسة إذ وجه في أكثر من مرة اتهامات بالفساد لصادق لاريجاني الذي كان يرأس السلطة القضائية.
في الانتخابات التشريعية العاشرة، حل لاريجاني ثانيًا كنائب عن مدينة قم مسجلًا تراجعًا عن الدورة التاسعة حين حل أولًا، ويُعزى هذا التراجع إلى دعمه الواضح لحكومة روحاني ودوره في مصادقة البرلمان على الاتفاق النووي وورود اسمه في قائمة “الأمل” المحسوبة على تيار الاعتدال.
قاليباف: يقدم ملامح نهج المجلس الجديد
رغم كثير من النقد الذي يُوجَّه لقاليباف؛ ومن ذلك عدم إلمامه بقوانين ولوائح مجلس الشورى إلا أن نقاط قوة كبيرة يتمتع بها الرجل صاحب السيرة الأمنية والعسكرية؛ إذ كان مديرًا لقوى الأمن الداخلي، وقائدًا لمقر خاتم الأنبياء، وهو واحد من المقرات الاقتصادية الضخمة للحرس في فترة 1994-1997، وقائدًا لسلاح الجو التابع للحرس من 1997 إلى 2000. ولعل علاقته القوية مع الحرس الثوري هي أبرز نقاط قوته، وقد كان قاليباف من بين الذين تابعوا عملية نقل جثمان سليماني ودفنه بعد اغتياله مطلع العام 2020، وقد ارتبط معه بصداقة قوية. كما تصدت مواقع إعلامية مقربة من الحرس للدفاع عن قاليباف في مواجهة الاتهامات بالفساد وقت كان عمدة لمدينة طهران وتحدثت عن سعي لتشويه سمعته، كما أن قاليباف يتمتع بعلاقات إقليمية قوية مع “محور المقاومة”.
وعلى عكس لاريجاني، لا يرتبط قاليباف بعلاقات قوية مع التيار الإصلاحي، وقد كان من الموقِّعين على خطاب تحذيري وجَّهه 24 من قادة الحرس الثوري إلى الرئيس الإيراني، محمد خاتمي، إبان احتجاجات جامعة طهران 1999؛ حيث تضمنت الرسالة اسم قاليباف، وفيها حذَّر 24 من قادة الحرس الثوري الإيراني، خاتمي “بأن يدرك الأمرَ اليوم لأن غدًا سيكون متأخرًا جدًّا، ونَدَمُ الغد لا يمكن جبرانه”. وحذروه من أن “كأس صبرهم قد فاضت”، ويعتقدون أنه “من غير الجائز لهم الصبر والسكوت في حالة عدم التصدي للأمر”.
وكذلك الحال بالنسبة لحسن روحاني، وبالعودة إلى المناظرات التي جرت في الانتخابات الرئاسية، عام 2013، وكذلك في العام 2017، نجد أن قاليباف وروحاني قد تبادلا انتقادات لاذعة، ويبدو أن جملةً أطلقها روحاني في مناظرات 2013 ستبقى عالقة في ذاكرة قاليباف لمدة طويلة؛ إذ خاطب منافسه بالقول: “لستُ بعقيد؛ أنا رجل قانون” في انتقاد لسيرة قاليباف الأمنية الذي ردَّ بأنه يفتخر لأنه كان ضابطًا. وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2017 وجد قاليباف الفرصة مناسبة ليطلق انتقادات حادة ضد روحاني وحكومته متهمًا إياها بالفشل في كثير من الملفات. وكان سيشكِّل منافسًا صعبًا لروحاني لولا انسحابه لصالح إبراهيم رئيسي عشية يوم الاقتراع.
ورغم هذا التوتر إلا أن قاليباف أبدى حرصًا على إرسال رسائل يتجاوز من خلالها صورة المرشح الرئاسي المنسحب في سعي لتقديم نفسه بوصفه رئيسًا لمجلس الشورى، المكلف بإدارة ملف العلاقة بين النواب والحكومة، ووعد بألا يسعى المجلس إلى المواجهة مع حكومة روحاني لكن المجلس في الوقت ذاته لن يتساهل معها. من جانبه، بادر روحاني في خطابه أمام المجلس إلى الدعوة إلى التعاون مع الحكومة، موضحًا أن عمل المجلس ليس تنفيذيًّا ولا قضائيًّا، وأن استقلال السلطات لا يعني التنازع والمواجهة فيما بينها، وأنه يمكن تحقيق الأهداف وحفظ استقلال السلطات بالتعاون.
حمل خطاب قاليباف الأول أمام المجلس الخطوط العريضة لما سيكون عليه مسار ونهج المجلس، ولعل أهم عنوان ورد في هذا النهج هو “رفض التفاوض مع واشنطن”(9).
وقد حمل الخطاب اتهامًا ضمنيًّا لحكومة روحاني “بقلَّة الكفاءة وتجاهل مبادئ الثورة، والرهان على العدو”. وحدد قاليباف مجموعة من التهديدات التي تستهدف النظام حاليًّا بالتالي:
أولًا: تقليص رأس المال الشعبي للنظام، نتيجة لعدم الكفاءة الإدارية المتفشية وابتعاد المسؤولين عن مبادئ الثورة.
ثانيًا: التحدي الاقتصادي والمعيشي وقد تسبب في ضرر اجتماعي واسع النطاق.
ثالثًا: الفساد المتفشي الذي تغلغل في نسيج الهياكل المختلفة.
رابعًا: زيادة التمييز والسخط والظلم.
خامسًا: تضخم النظام الإداري والتنفيذي في البلاد وهو تهديد يحول دون إمكانية الحكم الرشيد.
سادسًا: إضعاف مؤسسة الأسرة من خلال طريقة الحياة الغربية، وهو ما اعتبره تهديدًا مقلقًا يتطلب اهتمامًا خاصًّا وفوريًّا.
وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، نجد النقاط التالية في نهج المجلس:
- استراتيجية التعامل مع الولايات المتحدة ستكون باستكمال سلسلة الانتقام لدم سليماني.. وقد بدأت العملية بهجوم غير مسبوق على قاعدة عين الأسد، وستكتمل بالطرد الكامل للجيش الأميركي من المنطقة.
- المجلس الحادي عشر ملتزم بمواصلة طريق سليماني في زيادة قوة محور المقاومة، كاستراتيجية غير قابلة للتغيير، ويعتبر أن من واجبه الثوري دعم الشعب الفلسطيني، وحزب الله في لبنان، وجماعات المقاومة، مثل: حماس والجهاد الإسلامي، والشعب اليمني المضطهد.
- المفاوضات والتسوية مع الولايات المتحدة عملية غير مثمرة، بل ضارة.
- تعزيز نفوذ إيران الإقليمي “لقد شكَّل هذ النفوذ عمقًا استراتيجيًّا ونفوذًا جيوسياسيًّا وهو فرصة تزيد من قوة الردع العسكرية، وتحول دون التفكير بمهاجمة إيران”(10).
وعند العودة إلى مفردات حديث قاليباف، نجده محمَّلًا بتأثيرات خطاب آية الله خامنئي، ومشبعًا بمفرداته، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن، والبُعد الثقافي في العلاقة مع الغرب.
رئاسة المجلس بروفة لانتخابات الرئاسة في 2021
تتكون أغلبية المجلس الحادي عشر من الأصوليين؛ إذ إن قلة قليلة من المستقلين والإصلاحيين تمكنوا من الفوز بمقاعد المجلس. على الرغم من أن نقطة قوة المجلس الحالي هي انسجامه فكريًّا وسياسيًّا وهو ما سينعكس على خططه وبرامجه، إلا أن أحد عيوبه أيضًا هي الخلافات الداخلية بين الأطياف الأصولية نفسها داخل المجلس. وقد اتضح ذلك بصورة جلية في المشاورات والخلافات التي سبقت انتخاب رئيس المجلس.
وسريعًا سيجد الأصوليون أنفسهم في مواجهة مشاكل سياسية واقتصادية مستعصية عليهم تقديم حلول لها، ومن أبرزها مشكلة العقوبات والعلاقة مع واشنطن. وليس من المستبعد أن يسعى قاليباف إلى الترشح للرئاسة مجددًا في صيف العام 2021؛ إذ سبق وأن ترشح مرات للمنصب، كان آخرها في 2017 عندما رضخ لإجماع التيار الأصولي وانسحب لصالح إبراهيم رئيسي الذي بات يرأس السلطة القضائية اليوم.
خلاصة
في العام الأخير لحكومة روحاني قد يسعى قاليباف إلى مقاربة مختلفة في العلاقة ليضمن دعم الإصلاحيين والمعتدلين له إذا ما قرر الترشح للرئاسة، لكنه في الوقت ذاته معني بإثبات كفاءته كعقائدي ملتزم داخل معسكره الأصولي والقدرة على تجنب العقبات التي سيضعها تيار أحمدي نجاد داخل المجلس، كما أنه يسعى بشكل حثيث لحجز مقعده في معسكر “الشباب الثوريين” الذين أشار إليهم خامنئي في خطاب أخير له أثناء لقائه مع عدد من الشباب، وتشير أحاديث خامنئي الأخيرة إلى سعي لخلق صف جديد من القيادة، يرى أنه قادر على تجاوز المعضلات الموجودة، وحل مشكلات البلاد ومواصفات هذه القيادة هي “شابَّة ومخلصة لمباديء حزب الله”(11) والشباب الذي يراه خامنئي ليس حكرًا على سن معينة بل هو النشاط والفاعلية.
سوف يسعى التيار الأصولي بكل قوته إلى الوصول إلى كرسي الرئاسة مما يوحد من توجه السلطات الحاكمة في إيران، ويخلق انسجامًا داخل صفوفها، ويخفف من حالة التضاد بينها، لكن ذلك يعني حملًا ثقيلًا يتعلق بمدى القدرة على التعامل مع تركة روحاني الثقيلة في الكثير من الملفات، وإذا كان التوجه فعلًا يقوم على المواجهة مع واشنطن، فما هي أدوات ذلك وكُلفته على الداخل الذي يعاني من مشاكل اقتصادية كان للعقوبات الأميركية دور كبير فيها. قد تجبر المشكلات المستعصية التيار الأصولي على العودة إلى سياسة “المرونة الشجاعة” في الدبلوماسية، وهو الوصف الذي أطلقه خامنئي على سياسة روحاني في 2013، لكن هذه المشكلات أيضًا قد تقود إلى سياسة تصعيدية مع تعزيز أدوات الردع إقليميًّا، وهو ما يعني تسخين ملفات عدة إقليميًّا، وهذا مرتبط بصورة أساسية باستراتيجية إيران في الإقليم في مرحلة ما بعد سليماني، و هي التي تتجه إلى أخذ ملامح جديدة على يد إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس. وحتى مع ترجيح سيناريو “المرونة الشجاعة” فإن ذلك لن يأتي إلا بعد تعزيز نقاط القوة والموقف التفاوضي، وهو ما يعني أن التصعيد أمر لا مفرَّ منه.
- پبيام رهبر معظم انقلاب اسلامی به مناسبت آغاز به کار یازدهمین دوره مجلس شورای اسلامی؛مجلس با نمایندگان کارشناس، فعال و پاکدست در رأس امور خواهد بود (رسالة القائد الأعلى للثورة الإسلامية بمناسبة بداية الدورة الحادية عشرة لمجلس الشورى الإسلامي: المجلس سيكون على رأس الأمر بنواب ذوي كفاءة، فاعلون ونظيفو اليد)، الموقع الرسمي لآية الله خامنئي، 7 خرداد 1399 (تاريخ الدخول: 28 مايو/أيار 2020): https://bit.ly/3gz7oyL
- المرجع السابق.
- رسالة آية الله خامنئي، مصدر سابق.
- مقایسه آرای روسای ۱۱ دوره مجلس در اولین اجلاسیه | قالیباف پایینتر از لاریجانی | هاشمی همچنان رکوددار (مقارنة أصوات رؤساء 11 دورة للمجلس في جلسته الأولى/ قاليباف أقل من لاريجاني/ هاشمي ما زال صاحب الرقم القياسي)، صحيفة همشهري، 8 خرداد 1399 ش(تاريخ الدخول: 29 مايو/أيار 2020): https://bit.ly/3dfMgf0
- منوجهر نظري، رجال ومقامات نظام تقنيني جمهورى اسلامى ايران “رجال ومقامات النظام التشريعي للجمهورية الإسلامية الإيرانية”، (مجلس شوارى نگهبان”مجلس صيانة الدستور”، 1359- 1395)، (تهران، موزه ومركز اسناد مجلس شوارى اسلامي، 1395)، ص 214.
- سرنوشت پنج رئیس مجلس | از هاشمی رفسنجانی و کروبی تا لاریجانی و…(مصير خمسة من رؤساء المجلس/ من هاشمي وكروبي إلى لاريجاني و..)، صحيفة همشهري، 6 اسفند 1398 (تاريخ الدخول: 29 مايو/أيار 2020): https://bit.ly/3dfljYV
- گفتگو با اولین فرمانده سپاه پاسداران؛برخی در پی انحلال سپاه گام برداشتند (حوار مع أول قائد للحرس الثوري: بعضهم خطا خطوة لحل الحرس)، جهان نيوز، 17 بهمن 1395(تاريخ الدخول 10 مايو/أيار 2020): https://bit.ly/3eDaX58
- سرنوشت پنج رئیس مجلس | از هاشمی رفسنجانی و کروبی تا لاریجانی و…(مصير خمسة من رؤساء المجلس/ من هاشمي وكروبي إلى لاريجاني و..)، صحيفة همشهري، مرجع سابق.
- قالیباف: مجلس یازدهم سازش با آمریکا را بیحاصل میداند/ بنای مچگیری نداریم( قاليباف: البرلمان الحادي عشر يعتبر التسوية مع الولايات المتحدة أمرًا غير مثمر/لا ننوي الترصد)، تسنيم نيوز11 خرداد 1399(تاريخ الدخول: 31 مايو/أيار 2020): https://bit.ly/2ZZaNRT
- نخستین نطق قالیباف در جایگاه ریاست مجلس(أول حديث لقاليباف من موقع رئاسة المجلس)، موقع تابناك، 11 خرداد 1399 ش(تاريخ الدخول: 31 مايو/أيار 2020): https://bit.ly/2TUyLK2
- در نشست با نمایندگان تشکلهای دانشجویی؛رهبر انقلاب اسلامی: دولت جوان و حزباللهی علاج مشکلات کشور است (في جلسة مع ممثلي الاتحادات الطلابية، قائد الثورة: الحكومة الشابة والمنتمية لحزب الله علاج لمشكلات البلاد)، وكالة أنباء ايرنا الرسمية، 28ارديبهشت 1399 ش(تاريخ الدخول: 30 مايو/أيار 2020): https://bit.ly/2ZUIDHw
رابط لمصدر: