اعداد : سارة عبدالسلام الشربيني – باحثة في الشئون الأفريقية
العنوان | أرقام الصفحات |
مقدمة | 3-4 |
المبحث الأول: بيئة الصراع | 5-12 |
المطلب الأول: نشأة جنوب السودان | 5-6 |
المطلب الثاني: الخصائص الاجتماعية والثقافية للمجتمع | 6-10 |
المطلب الثالث: أطراف الصراع | 10-12 |
المبحث الثاني: واقع الصراع في جنوب السودان | 13-23 |
المطلب الأول: نشأة الصراع وتطوره | 13-16 |
المطلب الثاني: طبيعة الصراع وأسبابه | 17-22 |
المبحث الثالث: نتائج الصراع | 23-27 |
المطلب الأول: المواقف الإقليمية والدولية من الصراع | 23-25 |
المطلب الثاني: آثار الصراع | 25-27 |
خاتمة | 28-29 |
قائمة المراجع | 30-31 |
مقدمة:
يقع جنوب السودان جنوب خط عرض 10 درجات وشمال بحيرة ألبرت في أوغندا، ومساحة إقليم جنوب السودان حوالي 700000 كم مربع، يتكون من ثلاثة أقاليم، هي: الإقليم الإستوائي وعاصمته جوبا وهي عاصمة جمهورية جنوب السودان بعد الانفصال عن السودان، وإقليم بحر الغزال وعاصمته واو، وإقليم أعالي النيل وعاصمته ملكال، ولكن بعد تطبيق نظام الحكم الفيدرالي في السودان عام 1991، تمت إعادة تقسيم الجنوب إلي عشر ولايات، هي: بحر الجبل، وأعالي النيل، وشمال بحر الغزال، وغرب بحر الغزال، ووأراب، والبحيرات، والوحدة، وشرق الاستوائية، وغرب الاستوائية، وجونقلي.
وقد نشأت دولة جنوب السودان بعد انفصالها عن السودان عام 2012، وتعد جنوب السودان أحدث دولة بالعالم، واخر الدول المعترف بها في العالم، ومن هنا انضمت لكل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وغيره من المنظمات الاقليمية الفرعية، ولكن الصراعات والمشكلات في الدولة الوليدة قد خيبت آمال المجتمع الدولي بشأنها، وأصبحت تواجه العديد من التحديات التي تهدد مستقبلها كدولة وليدة، ويعد واقع وطبيعة الصراع في جنوب السودان معقدا للغاية نظرا لوجود أكثر من بعد للصراع، ونظرا لكون جنوب السودان دولة وليدة تواجه العديد من التحديات ونظرا لوجود أسباب تاريخية وأسباب جذرية تقف وراء اندلاع الصراع وتفاقمه، وللصراع في جنوب السودان العديد من الآثار السلبية أبرزها تحول ذلك الصراع إلى حرب أهلية نتج عنها العديد من الآثار السلبية على الأوضاع الانسانية والاقتصادية بالدولة.
أولا موضوع الدراسة
تتناول الدراسة موضوع أثر الصراع السياسي في جنوب السودان علي الاستقرار ومستقبل الدولة في ظل العديد من التحديات التي تواجه جنوب السودان.
ثانيا أهمية الدراسة
تنبع أهمية الدراسة من كون جنوب السودان أحدث دولة في العالم، ومن كون الصراع قد يعرضها لنموذج الدولة الفاشلة، بالتالي يجب لفت الانتباه إلي خطوره الوضع وطرح سيناريوهات مستقبلية للتنبؤ بمستقبل الدولة ومحاولة لايجاد حلول بقبل أن تتفاقم الأوضاع السلبية أكثر.
ثالثا إشكالية الدراسة
تطرح الدراسة تساؤل رئيسي : إلي أي مدي يؤثر الصراع في جنوب السودان علي الاستقرار، وما مستقبل الدولة؟
رابعا فروض الدراسة:
- هناك علاقة ارتباطية طردية بين التعددية الاثنية في جنوب السودان وبين تفاقم الصراع
- هناك علاقة ارتباطية طردية بين تفاقم الصراع ووصول جنوب السودان إلي نموذج الدولة الفاشلة.
المبحث الأول – بيئة الصراع
تعد أولي خطوات دراسة الصراع في جنوب السودان الدولة الوليدة، التعرف علي بيئة الصراع، وأهم ما يميزها، وفي سبيل التعرف علي ذلك، يتم التطرق في البداية إلي نشأة جمهورية جنوب السودان، ثم التعرف علي بنية المجتمع الجنوبي وما يتسم به من تعددية اجتماعية وثقافية ودينية، ثم التعرف علي أطراف الصراع.
المطلب الأول – نشأة جنوب السودان وانفصاله
أولا دولة جنوب السودان ونشأتها:
يقع جنوب السودان جنوب خط عرض 10 درجات وشمال بحيرة ألبرت في أوغندا، ومساحة إقليم جنوب السودان حوالي 700000 كم مربع، يتكون من ثلاثة أقاليم، هي: الإقليم الإستوائي وعاصمته جوبا وهي عاصمة جمهورية جنوب السودان بعد الانفصال عن السودان، وإقليم بحر الغزال وعاصمته واو، وإقليم أعالي النيل وعاصمته ملكال، ولكن بعد تطبيق نظام الحكم الفيدرالي في السودان عام 1991، تمت إعادة تقسيم الجنوب إلي عشر ولايات، هي: بحر الجبل، وأعالي النيل، وشمال بحر الغزال، وغرب بحر الغزال، ووأراب، والبحيرات، والوحدة، وشرق الاستوائية، وغرب الاستوائية، وجونقلي.[1]
وقد كانت جنوب السودان جزءا من السودان، ولكن بعد صراعات وخلافات عميقة، استطاع جنوب السودان الانفصال عن السودان ويصبح جمهورية جنوب السودان، وقد جري استفتاء حق تقرير المصير لشعبي جنوب السودان في 9 يناير من عام 2011، كاستحقاق لاتفاقية السلام الشامل بين الحكومة المركزية في السودان وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان والذي أنشأها جون جارنج عام 1983، وكان قد تم توقيع اتفاقية السلام الشامل بين الطرفين في 9 يناير عام 2005 في العاصمة الكينية نيروبي، وأسفر الاستفتاء عن انفصال جنوب السودان، لتصبح في التاسع من يوليو عام 2011، الدولة رقم 54 في قائمة الدول الأفريقية المستقلة، ورقم 193 في العالم.[2]
وبهذا أحدثت جنوب السودان باتنفصالها تحولا جذريا في الخارطة الجيوبوليتيكية بالمنطقة، وقد توالت الاعترافات الدولية بجمهورية جنوب السودان، وتم تبادل التمثيل الدبلوماسي بين جنوب السودان والعديد من دول العالم، وانضمت إلي العديد من المنظمات الإقليمية والدولية، علي رأسهاالأمم المتحدة، والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيجاد)، كما تلقت العديد من المساعدات الاقتصادية والعسكرية والإنسانية.[3]
المطلب الثاني – الخصائص الاجتماعية والثقافية لمجتمع جنوب السودان
يتسم مجتمع جنوب السودان بالتعددية، وللتعددية عدة أبعاد في مجتمع جنوب السودان، حيث يتسم المجتمع بتعددية قبلية، وتعددية لغوية، وتعددية دينية، وهو ما يتضح في التالي:
أولا التعدد القبلي:
اتفق علماء الأجناس علي تقسيم سكان جنوب السودان وفقا لتركيبهم الجسماني وخصائصهم العرقية والسلالية ولهجاتهم إلي عدة أنماط رئيسية كالتالي:
- المجموعة النيلية :
وهم مجموعة قبائل تقطن حول النيل شرقا وغربا في مديريتي أعالي النيل، وبحر الغزال وشمال المديرية الإستوائية،[4] وتعد أهم تلك القبائل كالتالي:
- الدينكا: وتمثل الأغلبية العددية في النيليين، حيث عدد سكانها يتعدي المليوني نسمة، تعيش في فضاء جغرافي يمتد في شمال مديريات الإقليم الجنوبي إلي الجنوب حول مجري النيل، فتقطن قبائل الدينكا ولايات: أعالي النيل، وجونقلي، وأراب، والبحيرات، والوحدة، وشمال بحر الغزال، ويعتقنقون ديانات تتنوع بين الوثنية والمسحية وقليل منهم يعتنق الإسلام، ويعتبر العلماء أن أصل قبيلة الدينكا من القبائل الأثيوبية التي هاجرت إلي السودان، وتعتبر الدينكا جزءا من المكون الثقافي والإثني للمجموعة الناطقة ب (اللو
)، والتي تمتد في إقليم شرق أفريقيا، وتواجه قبيلة الدينكا تذمر القبائل الجنوبية الأخرى من سيطرتها علي جميع أمور الجنوب.[5] - قبيلة النوير: وتأتي في المركز الثاني من الناحية العددية بعد قبيلة الدينكا، يبلغ عددهم ما يقارب المليون نسمة، ويعيشون في إقليم المستنقعات والسدود، علي جانبي بحر جبل الأدني، حيث تمتد منطقة تمركزهم جنوب خط عرض (30:7) شمالا حتي السوباط، ومعروف عنهم مقاومتهم الشديدة والدائمة للنفوذ الأجنبي حتي أنهم آخر قبيلة استسلمت للمستعمرين، وكانوا دائمي الخصام مع قبيلة الدينكا.[6]
- قبيلة الشلك: أقل عددا بكثير من الدينكا والنوير، تعيش في شريط علي الضة الغربية للنيل الأبيض من كاكا في الشمال إلي بحيرة نو في الجنوب، ولهم لغة خاصة بهم، ويعتزون بتراثهم وتقاليدهم، وتميزت قبائل الشلك باقتصاد مستقر علي ضفاف النيل الأبيض قوامه الزراعة وصيد الأسماك والرعي، ولهم مؤسسة حاكمة تقوم علي فكرة الحاكم الإله، ويعتقدون أن روح جدهم الأول قد تم تقمصها في سلسلة من ملوكهم، الذي يحمل واحد منهم لقب
(الرث)، ويشكل الرث مركز نظامهم الإداري.[7] - الجموعة النيلية الحامية:
وقد أطلق عليهم هذا الاسم نظرا لتشابههم في بعض السمات السلالية والعرقية مع النيليين، ويعيشون في المديرية الاستوائية، ويتداخل بعضهم إلي الحدود الجنوبية بين السودان وأوغندا، وتعد قبيلة الباريا أهم قبائل تلك المجموعة والأكثر عددا، ويعيش أبناء تلك القبيلة في منطقة بحر الجبل الجنوبي وجنوب شرق جنوب السودان، وتختلف من حيث اللغة والحضارة عن القبائل النيلية الأخرى، ومقسمة إلي طبقات ولها طقوس دينية .خاصة، وتضم قبائل أبرزها المورلي، والداداينجا، واللاتوكا،[8] وهي علي النحو الآتي:
- قبائل المورلي:
تقطن هذه القبيلة جنوب أعالي النيل في منطقة نهر البيبور، وتمتد حدودها إلي جبال بوما من الناحية الجنوبية الشرقية، وهناك اختلاف حول أصولهم فالبعض يعتقد أنهم من أصل كيني والبعض الآخر يعتقد أنهم من أصل أوغندي، ويقوم نشاطهم الاقتصادي علي الزراعة والصيد خاصة أن أراضيهم تمتلئ بالأنهار، وأهمها نهر البيبور.[9]
- قبائل الداداينجا:
تسكن هذه القبائل في منطقة شكدم، التي تبلغ مساحتها ألف وثمانمئة ميل مربع، وقد جاءت تلك القبائل من منطقة كروما جنوب غرب إثيوبيا، وتؤمن هذه القبيلة بالإله لوريبو الذي يعتقد سكان القبيلة بسيطرته علي حياتهم، وأرزاقهم.[10]
- قبائل اللاتوكا:
يسكنون بالقرب من مدينة توريت، وهي منطقة كثيرة الجبال علي شكل حدوة حصان، وتنقسم قبائل اللاتوكا إلي عدة فروع أهمها هيلبو، وامتونق، ولانقو، وهيبوي، وتعود أصول قبائل اللاتوكا إلي شرق أفريقيا، وتتركز السلطة في هذه القبائل في أيدي المحاربين الشباب الذين يقومون بإدارة شئون القرية، ولهم سلطة مطلقة في فرض إرادتهم علي الجميع.[11]
- المجموعة السودانية:
تنتمي إلي هذه المجموعة قبائل الزاندي والموز والبون جو والقريشر، أما مصطلح الجماعة السودانية فهو مصطلح سلالي عرقي، وليس اصطلاحا سياسيا، وتنتشر قبائل هذه المجموعة في فضاء جغرافي يقع أساسا غرب النيل وقرب الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية لجنوب السودان. وتعد الزاندي أبرز القبائل في هذه المجموعة، وأتت إلي جنوب السودان من وسط أفريقيا في القرن التاسع عشر حيث كانت مناطقها الأصلية منابع نهر الكونغو، وتتميز الزاندي بقدرة استيعابية ثقافية، حيث استطاعت استيعاب السكان الأصليين عندما هاجروا لجنوب السودان، وأصبحت القبيلة كبيرة العدد.[12]
تعد اللغات وسيلة التعبير والتواصل الأولي، وأهم عوامل توثيق وتقوية الصلات بين الشعوب، ويتسم مجتمع جنوب السودان بتععدية لغوية كبيرة، حيث يصل عدد اللغات في جنوب السودان إلي أكثر من 12 لغة، وأكثر من 250 لهجة محلية ثانوية، هذا بالإضافة إلي أنه لم تفرض أي لغة من تلك اللغات كلغة أساسية للدولة، ومن هذه اللغات العربية، الإنجليزية، دينكا، زاندي، نوير، ليو، لانجو، ترجو، سيدي، مورو، مادي، باري، وباك. وهذا التعدد اللغوي إذا لم يتم إدارته بشكل صحيح من الدولة سوف يشكل نقطة ضعف كبيرة تؤثر بالسلب في الاندماج الوطني بين أبناء الدولة، كما يسبب إنعزال وعدم تفاهم بين القبائل مما يؤثر سلبا علي الوحدة الوطنية بين أبناء الدولة.[13]
يعد البعد الديني من العناصر التي تميز الجماعات البشرية عن بعضها، ويحدد نوع الصلات بينها، وله تأثير علي قوة الدولة، فعدم الانسجام وعدم إدارة تلك التعددية من قبل الدولة بشكل صحيح يؤثر بالسلب علي الوحدة الوطنية وتشكل عامل مساعد في التفكيك والانقسام بين أبناء الدولة، وتتسم جنوب السودان بتععدية لغوية، حيث تنتشر الوثنية بشكل واسع فيمثل الوثنيون حوالي 65% من السكان، وحوالي 18% مسلمون، و17% من السكان يعتنقون المسيحي، فالتعدد الديني هنا يندمج في أكثرية وثنية، وأقلية مسيحية مما يؤكد إمكانية وجود تدخلات سياسية في البعد الديني، وهو ما يخلق العديد من الأزمات.[14]
ومما سبق نجد أن مجتمع جنوب السودان يتسم بتعددية كبيرة، ويتسم بوجود عدة جماعات اثنية، تختلف فيما بينها في الأصل والثقافة واللغة والدين، ولكل جماعة من تلك الجماعات نظام الحكم والإدارة الخاص بها، كذلك لكل قبيلة العادات والتقاليد والرموز الخاصة بها.
المطلب الثالث – أطراف الصراع
يمكن حصر أطراف الصراع الرئيسية في طرفين رئيسيين، طرف يمثل الحكومة بقيادة سلفا كير وطرف يممثل المعارضة بقيادة رياك مشار، ولكل طرف منهما مصالح تتعارض مع الطرف الآخر، فضلا عن أن لكل طرف أسلوب معين ورؤية معينة في إدارة الصراع وذلك ما يتضح في الآتي:
أولا الرئيس سلفا كير وحكومته:
كان سلفا كير نائبا لجون جارانج مؤسس الحركة الشعبية لتحرير السودان، وبعد وفاة جارنج في 2005، تولي كير رئاسة الحركة، ومن ثم بعد الانفصال في 2011، تولي رئاسة دولة جنوب السودان، ويستند كير فيما يخص التأييد الشعبي إلي قاعدة إثنية، تتكون من إثنيته الدينكا، والتي تمثل القبيلة الأكبر عددا في المجموعة النيلية، وتتمثل أهم أهداف كير ومصالحه في إحكام سيطرته علي السلطة والاستمرار في الحكم واستمرار الحركة الشعبية كحزب حاك في البلاد، كما يستند إلي تأييد بعد الاثنيات التي استطاع أن يستقطب قادتها التقليديين، ويعين بعض من نخبها في حكومته وذلك علي نحو ما يحدث مع قبيلة الزاندي، حيث يتخذ كير وزيرة دائمة من الزاندي في حكومته، كما يحافظ كير علي علاقات جيدة مع معظم الأطراف في جنوب السودان، ويري كير أنه يجب توحيد العمل السياسي تحت مظلة واحدة وهي مظلمة الحركة الشعبية، ويرفض أي نوع من المعارضة التنافسية القومية.[15]
أما فيما يخص أسلوبه في إدارة الصراع، فقد قام كير بإعلان حالة الطوارئ في البلاد، وفرض حظر التجوال، كما تم اعتقال عددا من القيادات التي اشتبه تورطها في الانقلاب، وقام بزيارة السودان بهدف تأمين جبهته الشمالية، وطلب الدعم من الخرطوم، كما ناشد حلفاءه الإقليميين لنجدته، ولكن فيما يخص ذلك فلم تتدخل أي دولة بشكل مباشر سوي أوغندا والتي تدخلت عسكريا لمساندة النظام في جنوب السودان، كما سعي سلفا كير للتمسك بالسلطة، فقام بإلرغاء الانتخابات التي قد كان مزمع القيام بها في عام 2015 إلي نهاية عام 2018، كما تم تحرير قانون الأمن الوطني عام 2014 بما يوسع صلاحيات جهاز الأمن الوطني في التفتيش والاعتقالات والمصادرة ويحصن مسئولي الجهاز والذي يعد بمثابة جهاز الاستخبارات في البلاد، كما قام كير بالتفاوض مع ميليشيا (ديفيد ياو ياو) المتمردة والتي تتمي لقبيلة المورلي الإثنية،وذلك بهدف تامين جبهته الداخلية وتقليص دوائر الصراع من حوله، حيث وقعت الحكومة اتفاقا معا في التاسع من مايو 2014، وتم بموجب هذا الاتفاق تعيين ياو ياو حاكما لمنطة البيبور، فضلا عن هذا فقد اقترح البعض نقل العاصمة من جوبا إلي واو، بحيث يصبح مركز السلطة السياسية والثقل العسكري في غرب بحر الغزال، بعد أن فقد كير الكثير من شعبيته في أعالي النيل والولايات الاستوائية.[16]
ثانيا نائب الرئيس السابق رياك مشار، وفريقه وأبرزهم ، مايبور جارنج ابن جون جارانج مؤسس الحركة الشعبية، وباجان أموم أمين عام الحركة الشعبية :
ينتمي مشار إلي إثنية النوير، وتعد أهم وأبرز أهدافه الوصول للسلطة والحكم تحت مظلة الحركة الشعبية ولكن من منظور إصلاحي، فوفقا لما يعلنه فهو يريد تبني سياسات إصلاحية ديمقراطية داخل الرحكة الشعبية والتي تحولت لحزب حاكم بعد الانفصال، وهو يحافظ علي علاقات جيدة مع الكثير من الأطراف كما يفعل سلفا كير، أما فيما يخص التأييد الشعبي فهو يستند إلي قاعدة إثنية تتكون من إثنيته النوير، كما أنه يحظى بتأييد أفراد من إثنيات أخري بما فيها الدينكا نفسها والتي ينتمي إليها سلفا كير. [17]
أما فيما يخص إدارة ذلك الفريق بقيادة مشار للصراع، طالب مشار القوات المسلحة في جنوب السودان بالإطاحة بسلفا كير لأنه أصبح خطرا علي الوحدة الوطنية في جنوب السودان، كما دعا كل من الأمم المتحدة والقوي الدولية والإقليمية إلي اتخاذ إجراءات ضد كير، وحماية البلاد من حكمه الديكتاتوري، وبهذا سعي مشار لتدويل الصراع والاستقواء بالخارج، كما كان مشار قد عارض نقل العاصمة من جوبا إلي واو، مؤكدا أن ذلك يعد مناورة من سلفا كير لتمزيف وحدة الصف، فضلا عن ذلك فقد قام بمحاولة إضعاف تحالفات كير الإقليمية، فقام بزياردة إلي كل من إثيوبيا وكينيا، والسودان، قام قام بالتخطيط لمذبحة بانتيو والتي راح ضحيتها الآلاف من مواطني دارفور، وذلك بهدف قطع الطريق أمام كير للتقارب بين جوبا والخرطوم، كما طرح الفيدرالية كمتطلب ضروري لتسوية الصراع السياسي.[18]
كما توجد بعض الأطراف الثانوية في الصراع وهي بعض الأحزاب اتلموجودة في جنوب السودان، كالحركة الشعبية لتحرير السودان- التغيير الديمقراطي، والحزب الشيوعي لجنوب السودان، والمؤتمر الوطني الأفريقي، والجبهة الديمقراطية المتحدة الوطنية، ومنتدي جنوب السودان تلديمقراطي، وغيرهم، تعد أهم وأبرز مصالح تلك الأحزاب المشاركة في السلطة، وتري أنه يجب تسوية الصراع سلميا، كما ينادون بالتنافسية السياسية، كما أنهم لا يظهرون أي تأييد لمشار أو كير، فهم أطراف محايدة تماما.[19]
المبحث الثاني – واقع الصراع في جنوب السودان
يعد واقع وطبيعة الصراع في جنوب السودان معقدا للغاية نظرا لوجود أكثر من بعد للصراع، ونظرا لكون جنوب السودان دولة وليدة تواجه العديد من التحديات ونظرا لوجود أسباب تاريخية وأسباب جذرية تقف وراء اندلاع الصراع وتفاقمه، وللتعرف علي واقع الصراع في جنوب السودان، يتضمن هذا المبحث مطلبين: المطلب الأول يشمل نشأة الصراع ومراحل تطوره، أما المبحث الثاني فيتضمن طبيعة الصراع والأسباب التي أدت لوجود الصراع وتفاقمه.
المطلب الأول – نشأة الصراع وتطوره
يتم في هذا المطلب التطرق إلي نشأة الحركة الشعبية لتحرير السودان لمعرفة بداية التصدعات والانشقاقات والصراعات النخبوية داخل الحركة، ومن ثم التطرق إلي طبيعة الصراع وتفاقمه، وذلك كالتالي:
أولا نشأة الحركة الشعبية لتحرير السودان:
بعد أن أعلن جعفر النميري رئيس السودان الأسبق في عام 1983 إلغاء اتفاق أديس أبابا 1972، والذي كان قد أنهي الجولة الأولي من الحرب الأهلية السودانية، قامت إحدي الكتائب العسكرية بالتمرد والانشقاق عن الجيشلا الاسوداني، وكان جون جارنج حينها عقيدا بالجيش السوداني، وقد كلفه النميري بالتفاوض مع تلك الكتيبة، فقام جون جارنج بالتحالف معها بدلا من التفاوض وأنشأ الحركة الشعبية لتحرير السودان، والجيش الشعبي ذراعها العسكري.[20]
ثانيا تطور مسار الصراع داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل الانفصال:
يعد الصراع الحادث الآن في جنوب السودان نتيجة طبيعية لكافة الصراعات والانشقاقات داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان منذ نشأتها، ولكن هذه الصراعات قد توارت وراء حرب الحركة وصراعها مع الحكومة المركزية في السودان، فقد تعرضت الحركة لعدد من الانشقاقات في صفوفها كالتالي:[21]
- في عام 1987، قام كل من “كاربينو كوانين” نائب القائد العام للجيش الشعبي، و”أروك تون أروك”، و”وليم نون بان”، بالانقلاب علي جون جارنج مؤسس الحركة، وذلك بهدف السيطرة علي قيادة الحركة والجيش الشعبي، ولكن فشل هذا الانقلاب وتم التكتم عليه واعتقال قادته وسجنهم.
- في عام 1991، قام كل من “رياك مشار”، و”غردون كونج”، و”لام أكول أجاوين”، بمحاولة الانقلاب علي جون جارنج ولكنهم فشلوا أ”يضا في ذلك، ومن ثم أعلنوا انشقاقهم عن الحركة في 28 أغسطس 1991، وانضم إليهم بعض من القادة، ولكن معظمهم عاد لاحقا إلي الحركة.
- في أغسطس 1992، قام خمسة من القادة وجميعهم من قبيلة الدينكا بالانشقاق عن الحركة ، كما لحق ذلك انشقاق قادة آخرون ك “وليم نون بان” و”مارتن ماجير”.
- كما تعرضك مجموعة رياك مشار هي الأخرى للانشقاق، ففي أبريل 1994، اختلف كل من مشار ولام أكول حول اسم الحركة، وانشق مشار تحت الاسم الذي يتمسك به، وفي شهر أغسطس من نفس العام انشق أربعة من المكتب التنفيذي لرياك مشار.
- في عام 2004، قبيل الانتهاء من ترتيبات السلام الشامل بين الحركة والحكومة المركزية للسودان، شاعت أنباء وتقارير عن وجود خلافات حادة بين جارنج ونائبه الأول “سلفا كير ميارديت”، وقيل أنها وصلت حد الانشقاق، ولكن جارنج نفي ذلك، وبعدها لقي جارنج حتفه في يوليو 2005 عندما تحطمت مروحيته لدي عودته من أوغندا.
- وفي عام 2009، أعلن لام أكول من الخرطون انشاء الحركة الشعبية لتحرير السودان-التغيير الديمقراطي، واصفا حزب الحركة الشعبية بالمنغلق علي نفسه، والمنهمك في صراعات داخلية لا مبرر لها.
ثالثا الصراع بعد الانفصال وتطوره
ظل الصراع قائما بين قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، وقد خلف سلفا كير جون جارنج بعد وفاته ، وقد استمرت الخلافات بين القادة إبان المرحلة الانتقالية، ولكنها لم تتفجر إلا بعد الانفصال، فتحولت الحركة إلي حزب سياسي يحكم البلاد، وتولي كير رئاسة البلاد، وأصبح مشار نائبا له، ومن هنا برز في الحزب تياران: تيار محافظ يمثله كير والملتفون حوله، وتيار إصلاحي يرغب في تعديلات هيكلية إصلاحية داخل الحزب، يتزعمه مشار والمصطفون حوله، وقد تفجر الصراع تحديدا بعد عامين من الانفصال.[22]
ففي عام 2013، تحديدا في يوليو، قام سلفا كير بأكبر تغيير وزاري شهده جنوب السودان بعد انفصاله، فقام بتغيير حكومته بالكامل، وقام بإعفاء رياك مشار من منصبه، كما اتخذ كير قرارا بإحالة عدد من المسئولين إلي التحقيق بتهم فساد، وأبرزهم باكان أموم، الأمين العام للحزب، ومن ثم تفجرت النزاعات في الجنوب، بعد أن أعلن رياك مشار عزمه خوض الانتخابات الرئاسية التي كان مقرر إقامتها في عام 2015، وفي العاشر من نوفمبر من عام 2013، تقرر عقد اجتماع للقادة الجنوبيين فس الفترة من 23 نوفمبر إلي 25 من نفس الشهر، لتدارس وثائق طال انتظار مناقشتها وإجازتها من بينها الدستور والتشريع، وإعادة انتخاب رئيس الحزب بناء علي اللوائح التي تنص علي انتخابه كل خمسة أعوام، والمتأخرة منذ أبريل 2010.[23]
ولكن ما سبق لم يحدث، وقام سلفا كير بإلغاء ذلك، وإلغاء الانتخابات التي كان من المقرر إقامتها عام 2015، فبدأ القادة المعارضون لكير حراكا مكثقا مستهدفين تغيير قيادات الحزب والحكومة، وقد تزامنت هذه التفاعلات مع انعقاد مجلس التحرير، وهي الهيئة الاعلي عسكريا وسياسيا في الحركة الشعبية، فهاجم سلفا كير في هذا الاجتماع مشار هجوما عنيفا، وخرج كير في صباح اليوم التالي بزيه العسكري، ليعلن في مؤتمر صحفي أن قوات الحكومة أحبطت محاولة إنقلابيىة، يقف علي رأسها رياك مشار، لكن مشار نفي ذلك واتهم كير بالسعي إلي إقصائه، وتلي ذلك حركة اعتقالات واسعة شملت العشرات من قادة الحركة ووزراء في الحكومة.[24]
رابعا التحول إلي صراع قبلي مسلح وحرب أهلية
في ليلة الخامس عشر من ديسمبر عام 2013، اندلعت مواجهات قبلية في العاصمة جوبا، بين قوات موالية للرئيس سلفا كير، وقوات موالية لنائبه المقال رياك مشار، فوقع آلاف الضحيا بين قتيل وجريح، وتدفق آلاف من النازحين ، وسرعان ما انتقل هذا الصراع إلي جميع أنحاء البلاد، فتوالت الأخبار عن استيلاء قوات موالية لمشار علي مدينة بور، عاصمة ولاية جونقلي، وبانتيو عاصمة ولايه الوحدة، وملكال عاصمة ولاية أعالي النيل، وهي مدن استراتيجية مهمة نظرا لوقوعها في مناطق نفطية، لكن القوات الموالية لسلفا كير تمكنت بعد ذلك من استعادة بور، وملكال، وقد زادت خطورة الأوضاع في ظل تزايد احتمالات توقف انتاج النفط، وهو ما يشكل ضربة قاصمة لاقتصاد البلاد، لذا اتجهت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة نحو مزيد من التدهور والتردي.[25]
وتشير الأرقام إلي تجاوز عدد القتلى عشرة آلاف مواطن من المدنيين والعسكريين، وارتفاع أعداد النازحين إلي الداخل، خاصة لمعسكرات الأمم المتحدة، و اللاجئين للخارج خاصة دول الجوار الأفريقي، فوفقا لتقديرات المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فقد بلغ عدد النازحين للداخل في 15 يونيو 2016، ما يقارب 1,69 مليون مواطن، فضلا عن زيادة أعداد اللاجئين للخارج ليبلغ 871,536 مواطنا، وأصبحت الأوبئة والتعذيب البدني والنفسي مشهدا مألوفا في حياة المواطنين، وساد الخوف من وقوع مذابح عرقية بين الدينكا والنوير، خاصة بعد المذبحة المروعة التي شهدتها مدينة بانتيو عام 2014، التي راح ضحيتها المئات ومعظمهم ينتمون إلي شمال السودان و إلي الدينكا، وهو الأمر الذي دفع إلي موجات من العنف الانتقامي ضد جماعات النوير في بور وملكال.[26]
المطلب الثاني – طبيعة الصراع وأسبابه
طبيعة الصراع في جنوب السودان معقدة للغاية نظرا كون الصراع يعمل بعدين، فالصراع هناك ليس سياسيا فقط وانما هو أيضا صراع اثني، لذا فتسويته معقدة للغاية فهي لن تتم غفقط من خلال الاتفاقيات السياسية وانما يجب معالجة الصراع من جذوره، وقد واجه جنوب السودان العديد من التحديات منذ استقلاله في 2011، ويعد أبرز تلك التحديات هو الصراع النخبوي علي السلطة خاصة مع إقحام القبلية والعنف القبلي في ذلك الصراع، فتتحول الصراعات إلي صراعات معقدة للغاية ويتم تصعيدها حتي تصل إلي حروب أهلية، هذا فضلا عن الصراعات المسلحة المرتبطة بالصراع علي الموارد و الثروة وملكية الأراضي والماشية، وأحيانا يتم اقحام الجيش الشعبي لتحرير السودان في تلك الصراعات وبدلا من أن يكون أداة لتحقيق الاستقرار والسلام يصبح جزءا من المشكلة، وللصراع عدة أبعاد في جنوب السودان، وهو ما يتضح في التالي:
أولا أبعاد الصراع
- البعد الاثني للصراع
فكما ذكر سالفا أن طبيعة المجتمع في جنوب السودان طبيعة تعددية قبلية، حيث يتكون معظم مواطني جنوب السودان من النيليين والذين ينقسمون إلي عدة قبائل أبرزها الدينكا والنوير والشلك، وتاريخيا هناك صراع بين قبيلتي الدينكا والنوير، وهو ما قد يفسر الصراع بين سلفا كير ورياك مشار، حيث ينتمي سلفا كير إلي الدينكا وهي القبيلة التي تمثل الأغلبية حيث تمثل حوالي 40% من الجماعة النيلية، بينما ينتمي مشار إلي قبيلة النوير، والتي تمثل حوالي 20% من الجماعة النيلية.[27]
٢– الصراع السياسي:
كما ذكر سالفا أن الصراع داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان كان موجودا قبل الانفصال، لكنه لم يظهر جليا أو يؤدي إلي نتائج كارثية لانشغال قادة الحركة بالصراع مع الحكومة المركزية في السودان الشمالي، وبعد الانفصال ظهر الصراع النخبوي إلي السطح في عام 2013، عندما قام سلفا كير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان ورئيس الحركة الشعبية بإعفاء نائبه رياك مشار وجميع أعضاء الحكومة من مناصبهم في أكبر تغيير وزاري شهدته الدولة الوليدة منذ انفصالها، كما قام كير في قرار آخر منفصل بإحالة باكان أموم الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان إلي التحقيق وذلك عقب تصريحات علنية انتقد فيها أداء الحكومة، وبعدها قام رياك مشار بالتصريح بأنه ينوي الترشح في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 2015، فتفجرت الصراعات بين القيادات الجنوبية بصورة علنية، وقد قام مشار في إعلانه بمساندة عدد من المسئولين السابقين الذين أطاح بهم الرئيس سلفاكير، وبذلك تفجر الصراع السياسي بين القادة الجنوبيين علي السلطة.[28]
تحولت الحركة إلي الجزب الحاكم في جنوب السودان بعد الانفصال، وتولي سلفا كير رئيس الدولة، وقام باتخاذ رياك مشار نائبا له واتخذ حكومته من حزب الحركة الشعبية، وبذلك أصبح هنا تياران داخل الحزب والحكومة، أولهما التيار المحافظ بزعامة سلفا كير، والتيار الإصلاحي بزعامة كل من رياك مشار نائب سلفا كير وباجان أموم الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، ونادي التيار الإصلاحي بعدة إصلاحات في الحزب، وهو ما رفضه التيار المحافظ بزعامة سلفا كير، مما أدي إلي تفجر الصراع بين سلفا كير ورياك مشار، وفي عام 2015، اتفق الطرفين علي وقف اطلاق النار، والمصالحة وذلك في أروشا في تنزانيا، وتتم التوقيع علي الاتفاق تحت ضغوط شديدة مما دل علي هشاشة السلام، فلم تزل أسباب الصراع، ولم يقتنع الأطراف ببعضهم البعض، وقد تجدد الصراع مرة أخري في عام 2016 فوصل الصراع إلي اشتباكات بين عناصر من الدينكا والنوير.[29]
ثانيا أسباب الصراع
الصراع في جنوب السودان معقد للغاية، نظرا للتداخل بين البعد الاثني والعنف القبلي، وبين الصراع النخبوي بين القيادات السياسية علي السلطة، كما أنه معقد نظرا لوجود عدة عوامل وأسباب مفسرة له منها أسباب تاريخية، وهو ما يتضح في التالي:
- النظام الإداري لبريطانيا في جنوب السودان إبان الاستعمار:
شهدت القارة الافريقية موجة من الاستعمار الأوربي في أواخر القرن التاسع عشر، وذلك عقب مؤتمر برلين بعد أن تم تقسيم الدول الأفريقية إلي مناطق نفوذ بين الدول الأوربية، وقد وقع وادي النيل تحت دائرة النفوذ البريطاني، فقد كان مهما للبريطانيين السيطرة علي السودان وخاصة جنوب السودان ليتمنكوا من التحكم في مصر والسودان، وقد كانت الخطة البريطانية تتمثل في اتجاهين الاتجاه الأول يخص السودان وهو التدخل المسلح فيها للقضاء علي الثورة المهدية وذلك عقب احتلال مصر، والاتجاه الثاني يخص جنوب السودان وهو استغلال حالة الفوضى التي لحقت به عقب انسحاب قوات الثورة المهدية منها لمجابهة الخطر القادم من الشمال، وقد كانت جنوب السودان محل تصارع استعماري بين كل من بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا، فأسرعت بريطانيا بالتدخل في السودان عام 1898، وبعد عدة معارك راح ضحيتها آلاف المواطنين السودانيين تمكنت بريطانيا من السيطرة علي السودان الشمالي والقضاء علي حكومة الثورة المهدية، أما فيما يخص الجنوب فقد أعاقت مقاومة شعب الباغندا في شمال أوغندا تقبد البريطانيين، وبعد معارك ضارية تمكنت بريطانيا من فرض سيطرتها علي السودان الجنوبي أيضا. [30]
وقد اتبعت بريطانيا سياسة في جنوب السودان الهدف منها إبعاد جنوب السودان عن كافة المؤثرات العربية، وقد عرفت هذه السياسة بسياسة جنوب السودان، ووفقا لما جاء في مذكرات ملنر باشا فإن الواجب اتباعه في جنوب السودان هو فصل الشمال عن الجنوب تماما بإقامة حد فاصل من الشرق للغرب يضم أنهار البارو والسوباط وبحر الجبل والنيل الأبيض، وأنه يجب الحفاظ بقدر الإمكان علي جنوب السودان بعيدا عن المؤثرات العربية والإسلامية، وما يؤكد علي ذلك سلسلة القوانين التي تم إصدارها في السودان، ومن هذه القوانين قانون المناطق المغلقة عام 1925 والذي من خلاله تم منع الاتصال بين الشمال والجنوب لأي شخص شمالي، كذلك قانون تقييد حرية التجار والذي تم من خلاله منع التجار غير الجنوبيين من مزاولة مهنة التجارة في المديريات الجنوبية سوي بالحصول علي رخصة من السلطات في جنوب السودان.[31]
وفضلا عما سبق فقد أرادت بريطانيا ضم جنوب السودان إلي ممتلكاتها في شرق أفريقيا و قد اتبعت بريطانيا في جنوب السودان نظاما إداريا يكرس للقبلية ويزيدها، فقد كانت سياستها تجاه الجنوب بناء سلسلة من الوحدات القبلية المستقلة تنظم في أطر إدارية هذا فضلا عن اللاتعريب وإبعاد جنوب السودان عن كافة المؤثرات العربية والإسلامية، وقد أبقت هذه السياسات علي تخلف الجنوب عن الشمال كما عمقت القبلية، وعندما صدر قانون الإدارة الاهلية للسودان تم استثناء الجنوب بحجة أنه لا يزال يحتاج لهذا النوع من الإدارة كما ورد في التقارير البريطانية.[32]
- الأسباب الجذرية: الفساد، المحسوبية، الإفلات من العقاب:
منذ استقلال جنوب السودان في 2011، استنفذت الحكومة إلى حد كبير إمكاناتها الاقتصادية وحسن نواياها السياسية، وأصبحت تستخدم القوة السياسية لتأمين الثروة، فقد أعقب توقيع اتفاقية السلام الشامل في عام 2005 بين السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان زيادة كبيرة في التمويل الحكومي، بالإضافة إلى أن الحكم في جنوب السودان سيطرت عليه مجموعة متناوبة من النخب التي تتنقل بسلاسة بين المناصب الرئيسية في الحكومة، والحركة الشعبية لتحرير السودان، ومع تغير الأوضاع السياسية في يوليو 2013، أعاد الرئيس سلفا كير تشكيل حكومته بالكامل، وأزال النخب البارزة، مثل نائب الرئيس السابق رياك مشار، كما تمت إحالة مجموعة من الوزراء المتنوعين عرقيا والموظفين رفيعي المستوى إلي التحقيق لاتهامهم بالفساد، وقد لعب معظم هؤلاء الأفراد أدوارا قيادية في القرارات الاقتصادية والسياسية للبلاد في حكومة ما بعد الاستقلال ، وبعد طردهم من الحكومة انضم الكثيرون إلى كتلة المعارضة السياسية التي سرعان ما تحولت إلى معارضة مسلحة.[33]
في عام 2012 اتهم الرئيس سلفا كير 75 وزيرا ومسؤولا بسرقة 4 مليارات دولار من أموال الدولة والمطالبة بالأموال لإعادتها، لكن وفقا للتقارير الإخبارية، تم استرداد 1.5٪ فقط من هذا المبلغ. وتم استثمار جزء ضئيل فقط من الثروة المستردة في البلاد، ونادرا ما يتم إعادة استثمار إيرادات قطاع النفط في القطاعات المهمة للاقتصاد، وبعد اندلاع الصراع، قتلت النخب من كلا الجانبين عشرات الآلاف من الأشخاص، كما تشرد ملايين آخرين ، وملايين آخرين أو ما يقرب من 40 في المائة من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي ولكن لم يتم إنشاء أداة لمحاسبتهم حتى اليوم، هذا فضلا عن قطاع أن جنوب السودان تعتمد في اقتصادها علي النفط بنسبة 98%، ولكن إيرادات النفط لا تذهب في تمويل قطاعات مهمة من الاقتصاد في جنوب السودان، ولا تذهب لبناء الدولة الوليدة والتننمية. [34]
- الأسباب المتعلقة بالبعد الاثني والعنف القبلي وافتقاد الهوية المشتركة:
- العنف القبلي:
يعد التنافس علي الموارد في ظل انعدام الأمن وعدم الثقة في مؤسسات الدولة وضعفها، أهم مصادر العنف القبلي تاريخيا، هذا بالإضافة إلي التنازع علي حقوق ملكية الأرض والماشية، كما أن امتلاك السلاح وسهولة دخوله إلي الدول أهم أسباب العنف القبلي و تأجج الصراعات في المجتمعات المحلية، لا سيما في ظل تراجع وضعف الحكم العرفي للقادة التقليديين في المجتمعات المحلية لصالح الشباب حاملي السلاح، ومن الصعب وجود تدخل سريع ومباشر من جانب أجهزة الأمن في الدولة في ظل انعدام البني التحتية، وذلك يتيح الفرص لخسائر فادحة في الأرواح في وقت قصير للغاية، علي سبيل المثال ما حدث بعد اتفاق نيفاشا للسلام بين شمال السودان وجنوب السودان عام 2005، حيث جري صراع كبير بين قبائل المورلي ولونوير في الفترة من 2009 إلي 2001، وهو الصراع الذي أسفر عن نزوح 350ألف شخص، ومقتل 2500 شخص.[35]
- افتقاد جنوب السودان إلي الهوية المشتركة
فبرغم تشدق القيادات الجنوبية بالشعارات السياسية إلا أنهم لا يزالون قيادات قبلية اتفقت إبان التمرد ضد عدو مشترك هو الشمال، وسرعان ما ضعف ترابطهم بعد انفصال الجنوب فبرزت مجددا الاصطفافات القبلية داخل قوات الجيش الشعبي، فهناك عشرات الفصائل المسلحة تمثل الدينكا والنوير والشلك والقبائل الاستوائية مثل المنداريا والباريا والأشولي، وغيرها، وهذا الضعف في بناء الهوية الوطنية قد تفاقم بعد أن فشلت القيادات الجنوبية في التحول من حركة تحرير وثورة إلي دولة، كما أن كل طرف من طرفي الصراع أخذ يعتمد لفي تأييده الشعبي علي جماعته الاثنية أو قبيلته، ويحاول كسب رضا وتأييد القبائل الأخرى كما أن الجيش الشعبي لم يصبح جيشا وطنيا يمثل كل مواطني السودان ويحفظ الأمن والاستقرار بل أصبح يتكون من ميليشيات مسلحة ويدخل في الصراع بل وأحيانا يصبح طرف من أطراف الصراع.[36]
- الأسباب المتعلقة بالصراع بين سلفا كير ورياك مشار:
- الاختلاف على العلاقة مع الشمال
فبينما ترى مجموعة سلفاكير أن استقرار الجنوب مشروط باستقرار علاقته مع الشمال، وبالتالي ضرورة تسوية الخلافات مع الشمال، وبناء علاقة مستقرة مع الشمال تضمن تدفق النفط عبر أنابيب، وموانئ الشمال، واستمرار التبادل التجاري وتدفق السلع والخدمات من الشمال للجنوب تجنبا للإنهيار الاقتصادي والأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تمر بها البلاد، يري الجانب الآخر بقيادة مشار أنه يجب الاستمرار في النضال، والتحالف مع الحركة الشعبية لتحري السودان –قطاع الشمال، فضلا عن هذا، هناك الاختلاف حول منطقة أبيي حيث أجرى أبناء المنطقة في الحركة الشعبية والداعمون لرياك مشار، استفتاء من طرف واحد لقبيلة دينكا نقوك قررت بموجبه ضم المنطقة إلى الجنوب، لكن سلفا كير رفض الاعتراف بنتيجة الاستفتاء باعتبارها غير قانونية وخارج برتوكول أبيي المتفق عليه بين حكومتي الشمال والجنوب، علاوة على أنها تؤجج التوتر بين البلدين في وقت يحاول فيه تنفيذ اتفاقية التعاون التي يراهن عليها في إنقاذ اقتصاد بلاده من الانهيار.[37]
- اختلاف الطبائع الشخصية والمقدرات القيادية بين كير ومشار:
حيث يستند سلفاكير على تاريخه النضالي كمقاتل من الدرجة الأولى ورجل استخبارات، يحتفظ بذخيرة من المعلومات المهمة، دون أن تسند ذلك معرفة بإدارة دولة ما بعد الاستقلال تواجه تحديات كثيرة، وتتطلع إلى تحقيق التنمية، وبناء الدولة. بينما يعتبر رياك مشار أستاذا جامعيا مثقفا علي دراية ومعرفة أكاديمية كبيرة، بالإضافة إلى رصيد الخبرة العسكرية والنضالية الطويلة، كما أن مشار يعتبر نفسه علي معرفة ودراية عميقة بمتطلبات الدولة في هذا الظرف التاريخي، فهو بالتالي أحق بقيادة البلاد. وقد برز التصادم في طموح كير ومشار من الخلال التنافس المبكر علي الاستحقاق الانتخابي الذي كان مقررا إقامته عام 2015، فقد أعلن رياك مشار عزمه المبكر خوض الانتخابات على مقعد رئاسة الجمهورية، فاعتبر كير ذلك تهديداة وتحديا لموقعه في رئاسة البلاد .كما أن معركة الانتخابات المبكرة تعني ضرورة خوضها على مستوى السلطة التنفيذية السلطة السياسية العسكرية التي هي مجلس التحرير من أجل توظيف إمكانيات هذه الأجهزة المالية والإدارية في المعركة الانتخابية.[38]
المبحث الثالث – نتائج الصراع
نتج عن الصراع العديد من النتائج والآثار، هذا فضلا عن المواقف الاقليمية والدولية من الصراع، ويتضمن هذا المبحث مطلبين: المطلب الأول يتضمن بعض المواقف الاقليمية والدولية من الصراع، أما المطلب الثاني فيتضمن الآثار الناتجة عن الصراع من آثار اقتصادية وتدهور للأوضاع الانسانية.
المطلب الأول – المواقف الإقليمية والدولية من الصراع
أصاب الصراع في جنوب السودان المجتمع الدولي بخيبة أمل، حيث أن جنوب السودان أحدث دولة في العالم، وقد دعمت أنفصالها العديد من القوي الدولية والإقليمية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي دعمت انفصال جنوب السودان بشكل كامل ومباشر، لذا سارع المجتمع الدولة لإحتواء الصراع في جنوب السودان خاصة أن جنوب السودان تعد نقطة تقاطع مصالح العديد من القوي، كالولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوربي، وهو ما يتضح في التالي:
أولا المواقف الإقليمية:
قام الاتحاد الأفريقي بإدانة العنف المرتبط بالحرب الأهلية، كما شكل فريق من المحققين للوقوف علي حقيقة مذبحة بانتيو، كما هدد بإحالة ملف انتهاكات حقوق الانسان في جنوب السودان إلي مجلس الأمن الدولي، تمهيدا لتقديمه للمحكمة الجنائية الدولية، لكن الاتحاد الأفريقي لم ينشر نتائج لجنة التحقيق، وفي ظل ضعف إمكانيات الاحاد تم تحويل الصراع إلي المنظمة الإقليمية المعنية وهي منظمة إيجاد، للاستفادة من الدعم المالي والسياسي الذي تتمتع به منظمة إيجاد، خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كانت إيجاد أكثر تفاعلا مع الصراع فأوفدت وزراء خارجيتها إلي جنوب السودان هدفا للتوفيق بين أطراف الصراع، ودعت إلي إرسال قوة لحفظ السلام في جنوب السودان ، وهو الاقتراح الذي أيدته مفوضية الاتحاد الأفريقي.[39]
أما فيما يخص دول الجوار الجغرافي والإقليمي، فنجد أوغندا قد استجابت لمناشدة سلفا كير وتدخلت عسكريا في الصراع لصالح كير، نظرا لوجود اتفاقات للتعاون الدفاعي بين الدولتين، تجيز التدخل العسكري عند الاقتضاء، كما حرص موسيفيني علي قطع الطريق أمام عودة متمردي جيش الرب للمقاومة إلي قواعدهم الخلفية في جنوب السودان، ورغبته في الفوز بنصيب من الثروة النفطية لجنوب السودان، وتوطيد العلافقات التدجارية معها،[40]وتعد أوغندا أكثر دول الجوار الجغرافي لجنوب السودان مساندة ودعما لها، فقد كانت تساند الحركة الشعبية لتحرير السودان إبان صراعها مع الحكومة المركزية بالسودان الشمالي، ويرجع ذلك للعلاقة الطيبة التي جمعت بين جون جارنج والرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، هذا فضلا عن العلاقة الوطيدة بين موسيفيني وسلفا كير أيضا، كما يرجع ذلك أن أوغندا تزعم أن الحكومة المركزية في السودان تدعم عناصر جماعة جيش الرب وتوفر ملاذات آمنة لها،[41] وقد كانت أوغندا أول الدول التي أعلنت انحيازها لكير ضد مشار وقد استجابت لطلب كير ودخلت عسكريا في العاصمة جوبا، وساهمت في دحر المتمردين، وانتشرت في كافة أرجاء العاصمة، وتعد أوغندا من أكثر الدول المستفيدة من الاستقرار السياسي في جنوب السودان نظرا للاستفادة الاقتصادية الكبيرة التي قد تنالها أوغندا من جنوب السودان، كما أن الحرب والصراع في جنوب السودان من شأنه أن يهدد وبقوة الأمن القومي الأوغندي، وتعد أوغندا أكثر الدول تضررا من الصراع والحرب الأهلية في جنوب السودان.[42]
أما بالنسبة لكينيا، فتعد أيضا من المتضررين من الحرب الأهلية في جنوب السودان، لكنها فضلت المشاركة في جهود الوساطة بدلا من التدخل العسكري، وذلك نظرا لعدم رغبتها في التورط في مزيد من الصراعات الإقليمية، لتدخلها في عام 2011 ضد حركة الشباب المجاهدين في جنوب السودان واستمرار وجود قواتها ضمن بعثة (أميصوم) في الصومال، أما فيما يخص السودان فقد بادرت الحكومة والمعارضة السودانية بالدعوة إلي وقف القتال والتفاوض السلمي، كما استقبلت الحكومة السودانية اللاجئين من جنوب السودان علي أراضيها، وعلي الرغم من ذلك فقد وردت بعض التقارير تشير إلي تقديم الخرطوم دعم تسليحي إلي قوات مشار بهدف زعزعة استقرار دولة الجنوب[43]، أما فيما يخص موقف إثيوبيا، فقد تبنت رسميا تسوية الصراع، حيث استضافت المفاوضات عبي أرضها في أديس أبابا، وذلك نابعا من هدف إثيوبيا الدائم بالاضطلاع بدور إقليمي قوي في المنطقة لا سيما في مسألة تسوية الصراعات، مما يعضد من مكانتها السياسة في المنطقة، كما أنها علي علاقة جيدة بالحركة الشعبية، فضلا عن أنها لا ترغب في اندلاع حرب علي حدودها الغربية.[44]
ثانيا المواقف الدولية:
أولا فيما يخص الأمم المتحدة، فقد قامت بالتحذير من اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق في جنوب السودان، وأدانت أعمال العنف التي ارتبطت بالصراع، خاصة مذبحة بانتيو وحملت المسئولية عنها لمشار،مؤكدة أنها تمت منن وراء دوافع إثنية، وأنه يجب إجراء تحقيق دولي بشأنها، ودعت إلي التسوية السلمية للصراع، لكنه المنظمة لم تقم بفرض حظرا شاملا علي صادرات السلاح إلي جنوب السودان، وهو ما أثار الاتهمامات بتخاذلها، وأعاد للأذهان موقفها المتخاذل قبيل اندلاع الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.[45]
وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فهي تسعي بكل قوة إلي تحقيق الاستقرار في جنوب السودان حفاظا علي مصالحها النفطية ومشروعها بجنوب السودان، كما أنها كانت من أكثر الداعمين إن لم تكن الداعم الأهم علي الإطلاق لانفصال جنوب السودان، وقد قدمت لها العديد من المساعدات قبل وبعد الانفصال، فسارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلي دعوة طرفي الصراع للجلوس علي طاولة المفاوضات، ووقف الحرب، كما ضغطت علي مشار وكير بالتوقيع علي اتفاق السلام.[46]
أما فيما يخص الصين، فقام وزير خارجيتها يمحاولة إقناع الطرفين للوصول لتسوية سلمية للصراع، فالصين أيضا تسعي لاستقرار جنوب السودان حفاظا علي مصالحها الاقتصادية، فهي تعد الشريك التجاري الأول لجنوب السودان، والمستثمر الأكبر في قطاع النفط فيها، كما شاركت الصين بكتيبة قوامها 700 جندي ضمن بعثة يوناميس، لكن الصين لم تطرح مبادرات سياسية معينة، ولم تفرض عقوبات علي أطراف الصراع، أما فيما يخص الاتحاد الأوربي، فقد كان الأقل تفاعلا في البداية، فاكتفت بالمطالبات بوقف إطلاق النار، والبحث عن تسوية سلمية، ولكن بعد ذلك اضطر الاتحاد الأوربي إلي فرض إجراءات عقابية ضد عدد من القيادات الجنوبية للضغط عليهم من أجل القبول بالتسوية.[47]
المطلب الثاني – آثار الصراع
تفاقم الصراع السياسي في جنول السودان، وتحول إلي حرب أهلية، ومن ثم أدي ذلك إلي عواقب وخيمة علي جنوب السودان، وتلك العواقب يمكن تصنيفها، كعواقب سياسية، واقتصادية، وإنساني، وهو ما يتضح في الآتي:
أولا الآثار الاقتصادية:
واجه جنوب السودان بعد الانفصال العديد من التحديات أبرزها: سوء توزيع الموارد، والصراع عليها، وسوء توزيع التمويل، وضعف وفساد الجهاز افداري للدولة، فضلا عن ضعف الخبرات والكوادر الفنية، ولكن ازداد الوضع الاقتصادي تأزما مع انخفاض أسعار النفط العالمية، وتوقف ضخ النفط عبر ميناء بور سودان في السودان منذ يناير 2012، هذا فضلا عن الحرب الأهلية والصراع الذي أدي لانخفاض إنتاج النفط، حيث سيطر المتمردين علي العديد من حقول النفط، وهناك حقولا أخري تم تدميرها، فقد انخفض انتاج النفط إلي 120 ألف برميل يوميا بعد أن كان 165 ألف برميل في عام 2014، وذلك أدي إلي ارتفاع معدل التضخم، واستمر في الارتفاع إلي أن وصل 730% في أغسطس 2016، كما انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 48%؛ فاتسعت دائرة الأشخاص الذين يعانون من نقص الغذاء، وارتفع مستوي الفقر حتي وصل إلي 65,9%، أي ما يقرب من ثلث السكان في حلة فقر مدقع.[48]
ثانيا تدهور الأوضاع الإنسانية:
أدي الصراع المسلح والحرب الأهلية في جنوب السودان، لتدهور الأوضاع الإنسانية للغاية، حيث جاءت تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية، ومنظمة الأغذية والزراعة، وبرنامج الغذاء العالمي، لتحذر من كارثة إنسانية مروعة في جنوب السودان، ومن مجاعة هي الأسوأ منذ الثمانينات حيث يعاني ما يقرب من 3,9 مليون شخص من انعدام أمن غذائي وأمراض سوء تغذية حادة، بينما يعاني 3,6 مليون شخص من حد الكفاف، وذلك في ظل عدم القدرة علي إيصال المساعدات الإنسانية لهم نتيجة لاحتدام المواجهات العسكرية داخل البلاد، كما احتلت جنوب السودان المرتبة الحادية عشرة عالميا بالنسبة للأطفال الذين يعانون من الجوع بنسبة 32,5 من الأطفال تحت سن الخامسة، هذا فضلا عن ارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال الرضع بنسبة مخيفة، هذا فضلا عن ارتفاع معدلات الأمية، وارتفاع معدلات السكان الذين لا يستطيعون الحصول علي مياه صالحة للشرب ، ومن ثم فمؤشرات التنمية البشرية في جنوب السودان، تعد الأسوأ عالميا.[49]
خاتمة:
أولا نتائج الدراسة:
خلصت الدراسة إلي عدة نتائج، أهمها:
- أن الصراع السياسي في جنوب السودان، يحمل بعدا إثنيا، والعنف القبلي من أكثر العوامل الجذرية والمحفزة للصراع.
- أن الصراع في جنوب السودان صراعا نخبويا أيضا، فلكل من مشار وكير طموح خاص في تولي السلطة والسيطرة، وكانت الشرارة الأولي في اشتعال الصراع هي تصادم طموحهما.
- الصراع السياسي في جنوب السودان يؤثر بالسلب علي الاستقرار في الدولة كما أنه أدي إلي العديد من العواقب الاقتصادية والإنسانية الوخيمة.
- أن الصراع إذا استمر علي هذا الوضع من الممكن أن تواجه جنوب السودان نموذج الدولة الفاشلة كما هو الحال في الصومال، فلا يزال يعتمد جنوب السودان علي العائدات النفطية والمعونات الأجنبية، في ظل غياب آليات تنظيمية لرأس المال المحلي، فضلا عن غياب البيئة المحفزة للاستثمارات الأجنبية، كما أن الفساد المتأصل في بنية النظام الإداري لحكومة جنوب السودان منذ المرحلة الانتقالية التي عقبت اتفاق نيفاشا للسلام بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وبين الحكومة المركزية في السودان قد يؤدي إلي نموذج الدولة الفاشلة، هذا فضلا عن الصراعات النخبوية، واقحام الجيش في الصراعات وعدم وجود اندماج وطني داخل الجيش والدولة، هذا كله قد يصل بجنوب السودان اذا لم يتم تدارك الوضع إلي سيناريو الدولة الفاشلة.
ثانيا السيناريوهات المستقبلية للصراع ومستقبل الدولة:
- استمرار حالة اللاسلم واللاحرب ، وتقاسم السلطة والثروة
ويستند هذا السيناريو إلي تقارب النفوذ والقوي واحتمال تساويهما بين مشار وكير، فالطرفين يتمتعان بسلطة وتأييد شعبي ودعم خارجي.
- اندلاع الحرب الأهلية الكامنة واستمرارها
ففي ظل استمرار علو الولاءات الاثنية الفرعية علي الولاء الوطني للدولة، وفي ظل الصراع النخبوي علي السلطة واقحام الانتماءات الاثنية لذلك الصراع يمكن أن يتحقق هذا الاحتمال وبقوة.
- تنفيذ اتفاق سلام هش
يستند توقع هذا المسار الي تزايد الضغط علي الأطراف الداخلية من قبل القوي الإقليمية والدولية ، ومع حدوث ذبلك السيناريو ستظل التحديات قائمة وستتجدد الصراعات، وقد تصل جنوب السودان إلي نموذج الدولة الفاشلة.
ويري الباحث أن السيناريو الأول الخاص بتقاسم السلطة والثروة هو الأقرب نظرا لتساوي الطرفين في القوة والنفوذ والتأييد الداخلي والخارجي، كما أنه من الصعب تعديل اتفاق السلام وانفاذه في ظل تعنت الطرفين، وحتي ان تم انفاذه فهو اتفاق هش لا يضمن السلام الدائم وذلك في ظل زيادة العسكرة والتسلح وضعف مؤسسات الدولة بل وعدم وجودها من الأساس.
قائمة المراجع:
أولا المراجع العربية:
- الكتب:
د.عبداللطيف فاروق أحمد، انفصال جنوب السودان وتأثيراته علي الأمن القومي المصري (القاهرة: المكتب العربي للمعارف، الطبعة الأولي 2016)
- المقالات
- د.آدم محمد أحمد عبدالله، “الحرب الأهلية في دولة جنوب السودان وأثرها علي دول الحوار”، مجلة السودان (الخرطوم: مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية، العدد الخامس، يناير 2015)
- د.أيمن شبانة، “جنوب السودان واتفاق فبراير: تقاسم السلطة وانعدام الثقة”، مجلة الديمقراطية (القاهرة: مؤسسة الأهرام، العدد 58، المجلد 15، أبريل 2015)
- د.أيمن شبانة، “آفاق التسوية في جنوب السودان”، السياسة الدولية ( القاهرة: مؤسسة الأهرام، العدد 204، أبريل 2016)
- د.فيصل محمد موسي، “الجذور التاريخية لمشكلة جنوب السودان”، مجلة جامعة سبها للعلوم الاجتماعية (سبها: جامعة سبها، العدد 1، 1994).
- سفين جلال فتح الله، محمد ظاهر كوخا صادق، “المقومات الجيوبوليتيكية لجنوب السودان”، مجلة جامعة كركوك للدراسات الإنسانية (كركوك: جامعة كركوك، العدد2، المجلد السابع، السنة السابعة 2012)
- عبدالمنعم عثمان زكريا محمد، “تحديات التحول الديمقراطي في أفريقيا (دولة جنوب السودان نموذج)”، مجلة السودان (الخرطوم: مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية، العدد 8، ديسمبر 2016)
- التقارير
- أ.د هويدا عبد العظيم، د. باسم رزق عدلي (محرران)، التقرير الاستراتيجي الأفريقي 2016-2017 (القاهرة: مركز البحوث الافريقية، الإصدار الحادي عشر، مارس 2018)
- المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الصراع في جنوب السودان.. خلفياته وتداعياته المحتملة (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يناير 2014)
- البحوث المنشورة:
- سعيد إسماعيل ندا، “الصراع في جنوب السودان.. مستقبل التسوية”، بحث منشور من خلال مركز حرمون للدراسات المعاصرة (الدوحة: مركز حرمون للدراسات المعاصرة، مايو 2017)
- الرسائل العلمية:
- عبد المنعم عثمان زكريا محمد، أثر التدخل الخارجي في دولة جنوب السودان علي الأمن القومي السوداني) رسالة دكتوراه مقدمة إلي كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، جامعة النيلين، 2017)
ثانيا المراجع الأجنبية:
- BOOKS
Bereketeab, Radie (Editor), State Building And National Identity Reconstruction In The Horn Of Africa (Bern: Springer Nature, first edition, 2017)
- Articles
Badal, Raphael K., “Conflict in Southern Sudan”, Mahawer Magazine (Khartoum: Mohammed Omar Bashir Center For Sudanese Studies, NO.11, VOL.10, 2004)
Dessalegn , Aziza Geleta,” The Cause and Consequence of Conflict in South Sudan”, International Journal of Political Science and Development (Vol. 5(1), pp. 15-21, January 2017)
- Reports
Aljazeera Center For Studies, Armed struggle for power in South Sudan (Doha: Aljazeera center for studies,7 January 2014)
[1] د.عبداللطيف فاروق أحمد، انفصال جنوب السودان وتأثيراته علي الأمن القومي المصري (القاهرة: المكتب العربي للمعارف، الطبعة الأولي 2016) ص 43.
[2] نهي نديم، “تطورات الأوضاع في جنوب السودان ومستقبل الدولة”، في أ.د هويدا عبد العظيم، د. باسم رزق عدلي (محرران)، التقرير الاستراتيجي الأفريقي 2016-2017 (القاهرة: مركز البحوث الافريقية، الإصدار الحادي عشر، مارس 2018) ص35.
[3] نفسه.
[4] د.فيصل محمد موسي، “الجذور التاريخية لمشكلة جنوب السودان”، مجلة جامعة سبها للعلوم الاجتماعية (سبها: جامعة سبها، العدد 1، 1994) ص37.
[5] سفين جلال فتح الله، محمد ظاهر كوخا صادق، “المقومات الجيوبوليتيكية لجنوب السودان”، مجلة جامعة كركوك للدراسات الإنسانية (كركوك: جامعة كركوك، العدد2، المجلد السابع، السنة السابعة 2012) ص445.
[6] نفسه.
[7] المرجع السابق، ص 446.
[8] د.عبداللطيف فاروق أحمد، مرجع سبق ذكره، ص 47.
[9] نفسه.
[10] المرجع السابق، ص 48.
[11] نفسه.
[12] عبد المنعم عثمان زكريا محمد، أثر التدخل الخارجي في دولة جنوب السودان علي الأمن القومي السوداني) رسالة دكتوراه مقدمة إلي كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، جامعة النيلين، 2017) ص 118.
[13] سفين جلال فتح الله، محمد ظاهر كوخا صادق، مرجع سبق ذكره، ص ص 444-445.
[14] المرجع السابق، ص 445
[15] سعيد إسماعيل ندا، “الصراع في جنوب السودان.. مستقبل التسوية”، بحث منشور من خلال مركز حرمون للدراسات المعاصرة (الدوحة: مركز حرمون للدراسات المعاصرة، مايو 2017) ص 14.
[16] د.أيمن شبانة، “آفاق التسوية في جنوب السودان”، السياسة الدولية ( القاهرة: مؤسسة الأهرام، العدد 204، أبريل 2016) ص 165.
[17] سعيد إسماعيل ندا، مرجع سبق ذكره، ص 15.
[18] د.أيمن شبانة، مرجع سبق ذكره، ص165.
[19] سعيد إسماعيل ندا، مرجع سبق ذكره، ص 16.
[20] سعيد إسماعيل ندا، مرجع سبق ذكره، ص ص11-12.
[21] نفسه
[22] المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الصراع في جنوب السودان.. خلفياته وتداعياته المحتملة (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يناير 2014) ص ص1-2.
[23] المرجع السابق، ص 3.
[24] نفسه.
[25] د.أماني الطويل، “القابلية للتصعيد: تعقيدات الصراع في جنوب السودان”، السياسة الدولية (مؤسسة الأهرام، العدد 197، المجلد 49، يوليو 2014) ص 135.
[26] نهي نديم، مرجع سبق ذكره، ص 37.
[27] د. أماني الطويل، مرجع سبق ذكره، ص 136.
[28] المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، م.س.ذ، ص 2.
[29] المرجع السابق، ص 12.
[30]Raphael K. Badal, “Conflict in Southern Sudan”, Mahawer Magazine (Khartoum: Mohammed Omar Bashir Center For Sudanese Studies, NO.11, VOL.10, 2004) p 27.
[31] د.فيصل محمد موسي، “الجذور التاريخية لمشكلة جنوب السودان”، مجلة جامعة سبها للعلوم الاجتماعية (سبها: جامعة سبها، العدد 1، 1994) ص 41.
[32] Raphael K. Badal, op.cit., p.28
[33] Aziza Geleta Dessalegn,” The Cause and Consequence of Conflict in South Sudan”, International Journal of Political Science and Development (Vol. 5(1), pp. 15-21, January 2017).
[34] Idem.
[35] د.أماني الطويل، مرجع سبق ذكره، ص ص 134-135.
[36]Aljazeera Center For Studies, Armed struggle for power in South Sudan (Doha: Aljazeera center for studies,7 January 2014) P 4.
[37] Idem.
[38] Idem.
[39] د.أيمن شبانة، “آفاق التسوية في جنوب السودان”، مرجع سبق ذكره، ص 165.
[40] المرجع السابق، ص 166.
[41] د.آدم محمد أحمد عبدالله، “الحرب الأهلية في دولة جنوب السودان وأثرها علي دول الحوار”، مجلة السودان (الخرطوم: مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية، العدد الخامس، يناير 2015) ص ص 211-212.
[42] نفسه.
[43] د.أيمن شبانة، “آفاق التسوية في جنوب السودان”، مرجع سبق ذكره، ص 166.
[44] د.آدم محمد أحمد عبدالله، مرجع سبق ذكره، ص 215.
[45] د.أيمن شبانة، “آفاق التسوية في جنوب السودان”، مرجع سبق ذكره، ص 166.
[46] عبد المنعم عثمان زكريا محمد، مرجع سبق ذكره، ص ص 155- 156.
[47] د.أيمن شبانة، “آفاق التسوية في جنوب السودان”، مرجع سبق ذكره، ص 166.
[48] نهي نديم، مرجع سبق ذكره، ص ص 38-39.
[49] المرجع السابق، ص 40.
رابط المصدر: