مر أكثر من شهر ووتيرة أحداث غزة تتصاعد بلاهوادة ولم يعد واضحاً لدى أى من أطراف الأزمة متى وكيف ستنتهى وماهى النتائج المترتبة عليها مستقبلاً، إلا أن المتابع لهذه الحرب الوحشية سوف يقف عند بعض التطورات الرئيسية ومن أهمها أن إسرائيل قررت مواصلة العملية البرية والقتل والتدمير دون مراعاة أية قوانين أو ردود فعل خارجية إرتباطاً بالهدف الذى حددته منذ البداية وهو إنهاء حكم حماس للقطاع وتدمير بنيتها العسكرية فى الوقت الذى تحاول فيه المقاومة الفلسطينية مواجهة هذه العمليات قدر إستطاعتها .
ويمكن القول أن الحرب الإسرائيلية على القطاع أكدت أنه لاشئ أصبح يسمى بالخطوط الحمراء حيث أن المستشفيات والمؤسسات الدينية ومراكز إيواء النازحين أصبحت ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية، وبالتالى علينا أن توقع الأسوأ خلال الأيام القليلة المقبلة خاصة وأن محاولات التوصل إلى مجرد هدنة إنسانية مؤقتة يحتاج إلى جهود خارقة .
وبالرغم من أن الحرب لازالت مستعرة حتى الآن، إلا أننى أجد أنه من واجبى التركيز على بعض النقاط الهامة لعلها تكون مفيدة ليس فقط فى الوقت الحاضر وإنما فى المستقبل أيضاً، وفى رأيى أن مختلف الأطراف مطالبة أن تأخذها فى الإعتبار وأهمها مايلى :-
النقطة الأولى : أنه دون حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشاملاً فإنه لامجال أن تشهد المنطقة الإستقرار المنشود، كما أن إسرائيل لن تنعم بالأمن إلا فى ظل إقامة الدولة الفلسطينية، وأن التطبيع مع الدول العربية مهما إتسع حجمه وتعمقت طبيعته فلن يحقق لإسرائيل الأمن الذى تسعى إليه .
النقطة الثانية : أن القضية الفلسطينية تمثل بالنسبة لمصر قضية أمن قومى ومن ثم فإن مصر تحركت منذ اليوم الأول ليس فقط لإحتواء الأحداث ووقف إطلاق النار وزيادة حجم المساعدات ولكن للتأكيد على الثوابت التى تتبناها ومن بينها رفض فكرة العقاب الجماعى والتهجير القسرى وقتل المدنيين .
النقطة الثالثة : أن مسألة توطين الفلسطينيين فى سيناء ليست مجرد أفكاراً طرحتها مراكز الأبحاث الإسرائيلية أو ناجمة عن تصريحات رسمية وغير رسمية، بل هى جزء من مشروعات يمكن أن تجد طريقها للتنفيذ إذا لم تقف مصر بكل قوة أمامها، ومن المؤكد أن مصر قادرة تماماً على التصدى لأية مخاطر تهدد أمنها القومى .
النقطة الرابعة : أن إسرائيل تعد المسئولة الأولى عن إضعاف السلطة الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة ولم تحافظ إلا على بعض الأجهزة الأمنية حتى تساعدها على إقرار الأمن فى الضفة الغربية .
النقطة الخامسة : أن الأمن القومى العربى سوف يظل خاضعاً للعديد من المهددات على مستوى المنطقة مادام الموقف العربى لا يتعامل بالجدية المطلوبة مع المخاطر المحدقة به .
النقطة السادسة : أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التى أسقطت عملية السلام من أجندتها عليها أن تدفع ثمن هذا التجاهل، ولكن الأهم من ذلك أن عليها أن تستفيد من أحداث غزة التى أثبتت عدم إمكانية الإعتماد على عامل الأمن فقط .
النقطة السابعة : أن نكبة الإنقسام الفلسطينى بين الضفة الغربية وقطاع غزة التى حدثت منذ أكثر من عقد ونصف تعد أحد أهم الأسباب التى أدت بوصول الموقف الفلسطينى بصفة عامة إلى هذا الوضع المتردى .
النقطة الثامنة : أن الولايات المتحدة التى كنا نأمل أن تكون شريكاً كاملاً فى عملية السلام كما كان موقفها من قبل FULL PARTNER أصبحت شريكاً فى إنهيار عملية السلام برمتها بل وشريكاً فى أحداث غزة نظراً لإنحيازها الكامل لإسرائيل .
النقطة التاسعة : أنه لايمكن التعويل على المواقف الأوروبية والمنظمات الدولية التى تكتفى بالشجب والمناشدات بل أن بعض دول غرب أوروبا أعلنت تأييدها للعمليات الإسرائيلية .
ولعل أهم التداعيات المرتبطة بهذه الحرب أن بعض الدول ومراكز البحث العالمية بدأت تتحدث بإسهاب عن مستقبل قطاع غزة ومن هى الجهة التى يمكن أن تتولى السلطة هناك عقب إنتهاء الحرب وكأن المجتمع الدولى تناسى أن كل من الضفة الغربية وقطاع غزة يمثلان جناحى الدولة الفلسطينية ولايمكن الفصل بينهما فى أية تسوية .
ومن الإنصاف أن أؤكد على أن القيادة المصرية تتحرك وسط حقل ألغام إنطلاقاً من مسئوليتها التاريخية حيث رفضت أن تتحول القضية الفلسطينية من قضية لاجئين إلى قضية مساعدات إنسانية ومن ثم كانت سباقة لعقد مؤتمر القاهرة للسلام يوم 21 أكتوبر الماضى وحرص الرئيس السيسى على أن يحدد خلال المؤتمر خريطة طريق متكاملة للخروج من الأزمة كلها إبتداءاً من إدخال المساعدات ومروراً بالتهدئة ووقف إطلاق النار وإنتهاءاً بإستئناف المفاوضات السياسية التى تؤدى إلى حل الدولتين .
وبالرغم من حجم الكارثة فى غزة التى لايزال العالم يشاهد تطوراتها من مقاعد المتفرجين ويعلن فقط إدانته لما يتعرض له السكان الفلسطينيون العزل من عمليات قتل يومى مع سبق الإصرار والترصد، فإن المطلوب أن تتحمل الولايات المتحدة أساساً ثم المجتمع الدولى مسئولياتهم ويبتعدوا عن سياسة المعايير المزدوجة من أجل إنجاز الخطوات الثلاث التالية : –
الخطوة الأولى : دفع إسرائيل لوقف المجازر اليومية ضد السكان المدنيين الذين يدفعون ثمن تمسكهم بالأرض سواء من خلال هدنة إنسانية أو وقف فورى لإطلاق النار .
الخطوة الثانية : زيادة حجم المساعدات الإنسانية حتى تصل إلى كل أنحاء القطاع مع التركيز على دعم المستشفيات القابلة أن تعمل مرة أخرى وكذا وقف التهجير القسرى.
الخطوة الثالثة : إعادة بعث القضية الفلسطينية فور هدوء الأوضاع من خلال إستئناف المفاوضات وتنفيذ مبدأ حل الدولتين حتى لا تتكرر هذه المأساة مرة أخرى سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية .
المصدر : https://ecss.com.eg/38092/