تسعى السلطات الأمنية الألمانية لاتخاذ سياسات أكثر حزمًا وشدة تجاه فصائل تيارات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، من خلال تتبع ورصد مصادر التمويل المختلفة، وتشير تقارير ذات صلة أن جماعة الإخوان تنشط فى التخفى تحت ستار من المنظمات والجمعيات فى العاصمة برلين بهدف دعم خطابات التطرف والجماعات الإرهابية من ناحية، وغسيل الأموال من ناحية أخرى.
وينتظر حزب «البديل من أجل ألمانيا» حاليا وصول مشروعه لتجفيف منابع تمويل الجماعات المتطرفة إلى مرحلة المناقشة فى أروقة «البوندستاج»، بعدما قدَّم لإحدى اللجان المختصة فى البرلمان الألمانى فى منتصف مارس الماضي.
ويعمل عدد من جماعات الإسلام السياسى الموجودة فى العواصم الأوروبية مستغلة الأنشطة المتنوعة التى تقدمها للجاليات المسلمة، على نشر خطاب الكراهية والعنف من خلال برامج تعليمية تعتمد على مؤلفات عناصر الإخوان، وهو ما يمثل خطورة كبيرة على أمن هذه البلاد، لأنها فى النهاية مجتمعات موازية ترفض الانخراط فى المجتمع الغربى كما تعمل على تقويض قيم الديمقراطية والحرية بهذه البلاد.
وقبل أشهر، قرر المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا، إسقاط عضوية جمعية «الجماعة الإسلامية الألمانية DMG »التى تصنفها الأجهزة الأمنية الألمانية جماعة تابعة للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية، وحملت جمعية DMG اسم «التجمع الإسلامى بألمانيا» سابقا، وجاء قرار المجلس باستبعادها بناء على تأييد وأغلبية الثلثين التى تشترطها اللائحة التأسيسية.
قرار ينتظر المناقشة
قال الدكتور جاسم محمد، مدير المركز الأوروبى لدراسات ومكافحة الإرهاب، إن « حزب البديل من أجل ألمانيا» قدَّم مشروعا لإحدى اللجان الخاصة بالبرلمان الألماني، بهدف تجفيف منابع ومصادر تمويل جماعات الإسلام السياسى وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، حيث ينتظر القرار الحصول على مجموعة كافية من الأصوات لضمان مناقشته، موضحا أن الحزب المسيحى الديمقراطى سبق أن قدم مشروع قرار مشابه فى أبريل ٢٠٢١.
وأضاف مدير المركز أن ألمانيا تسعى للتضييق على جماعات الإسلام السياسى مثل جماعة الإخوان وحزب الله وغيرهما، والتزام سياسات أكثر شدة فى محاربة الإرهاب والتطرف، لذا تقوم ألمانيا بمتابعة المراكز والمنصات الإسلامية التى تدعو للتطرف، وتقوم بغسيل الأموال وترتبط بأجندات خارجية، وهو ما دفع حزب البديل لمناقشة وطلب وقف مصادر التمويل الخارجية، لأن هذه الجماعات تمثل مصدر تهديد لأمن ألمانيا وأوروبا بشكل عام.
وتابع، أن المخاوف فى ألمانيا تتصاعد بشأن جماعات وأحزاب الإسلام السياسى والتنظيمات المرتبطة بها كتنظيم الإخوان، حيث تسعى تيارات الإسلام السياسى إلى استغلال الجاليات المسلمة بهدف التقرب إلى صانعى القرار الألمانى والأحزاب السياسية واستغلال حرية الديمقراطية ليس فقط لتحقيق أهداف سياسية ولكن لإعادة تشكيل المجتمع الألماني.
وشدد «جاسم» على ضرورة كسب الأصوات لضمان تمرير أى مشروع قرار داخل البرلمان الألماني، وهذا يعنى أن نجاح مشروع القرار لحزب البديل يعتمد على مدى قدرة الحزب بكسب أصوات داخل البرلمان، خاصة أصوات حزب الاتحاد المسيحى الديمقراطي.
جماعات خطرة على الأمن
وأكد مدير المركز أن الاستخبارات الألمانية، تحذر دائما فى تقاريرها، من خطورة جماعة الإخوان الإرهابية، وتتزايد خطورة الجماعة أكثر من بقية التنظيمات المتطرفة، كونها تعيش وسط شرائح المجتمع، وتتسلل إلى مؤسسات ألمانية، باستخدامها واجهات عمل منها شركات تجارية ومنظمات ومجالس إسلامية. وتعتبر مجموعة «ديتيب»” DITIB التركية واحدة من أبرز المجموعات التى تنشط تحتها الإخوان.
ورصدت الاستخبارات الألمانية فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٢ تزايد عدد عناصر الإخوان القيادية فى العاصمة برلين، بشكل كبير، محذرة من نشاط هذه المجموعة. وهناك تحذيرات من هيئة حماية الدستور صدرت فى ١٠ يناير ٢٠٢٢ من خطر انتشار تنظيم الإخوان المسلمين فى البلاد، حيث ارتفع عدد العناصر الرئيسية لتنظيم الإخوان فى ألمانيا من (١٣٥٠) فى عام ٢٠١٩ إلى (١٤٥٠) فى ٢٠٢٠.
يوجد فى ألمانيا ما يقارب ٩٦٠ جمعية ومركز إسلامي، غالبيتها تعمل تحت مظلة «الاتحاد التركى الإسلامي»” DITIB ديتيب”. ويعتبر المجلس الأعلى للمسلمين فى ألمانيا ZMD من أبرز المؤسسات الإسلامية فى ألمانيا. ويضم المجلس العديد من المنظمات الإسلامية والمساجد التى تخدم عموم الجاليات الإسلامية فى ألمانيا. ويتعاون المجلس مع السلطات الألمانية فى العديد من المجالات لاسيما المتعلقة بمحاربة التطرف.
تمويلات ضخمة مريبة
ولفت «جاسم» إلى أن تقريرا أصدره المركز الأوروبى لدراسات ومكافحة الإرهاب تحدث بشكل تفصيلى عن مشروع القرار الذى كشف: عن انفاق الميزانية الاتحادية الخاصة بالمشاريع الإسلامية بلغت تكاليف مؤتمر الإسلام الألمانى (DIK) وتمويل مشاريع لتنفيذ أهداف DIK والحوار بين الأديان ما يقارب ٧ مليون يورو خلال عام ٢٠٢١.
وكانت تكاليف «برنامج الوقاية من التطرف الإسلاموي» خلال عام ٢٠٢١ نحو٥ مليون يورو. كما بلغت مخصصات الميزانية الفيدرالية لعام ٢٠٢١ حوالى ١٥١ مليون دولار لتدابير تعزيز التنوع والتسامح والديمقراطية.
مطالبات بتتبع مصادر التمويل
حدد تقرير «المركز الأوروبي» مطالب المشروع والمتمثلة في: تخصيص ما لا يقل عن ثلث الأموال المعتمدة فى الميزانية الاتحادية، والمتاحة للإجراءات المذكورة أعلاه لمحاربة الإسلام السياسى فى الميزانية القادمة. ويدعو مشروع القرار الى تقديم تقرير سنوى إلى «البوندستاج»، البرلمان الألمانى حول تمويل المنظمات الإسلامية فى ألمانيا، ويركز على المجالات التالية: رصد ومتابعة التبرعات المالية الى الجمعيات والمراكز الإسلامية من ألمانيا وخارجها أو مساعدات مالية من الحكومة الاتحادية، الاعفاءات الضريبية، وضع الأصول بما فى ذلك الأصول العقارية، تمويل التنظيمات الإسلامية من حصيلة الضرائب وعن طريق الهبات الأجنبية.
إعداد سجل يتم فيه جمع كل المعلومات عن مصادر تمويل أتباع المساجد القائمة. وتخصيص كراسى فى الجامعات والمؤسسات العلمية الاتحادية حول البحث النقدى والتدريس فى الإسلام السياسى “مع تقديم مجلد مناسب لمدى تعقيد هذا المجال فى الموازنة الاتحادية لعام ٢٠٢٢.والسيطرة على مصادر التمويل والوقاية الممكنة ضد شراء العقارات فى ألمانيا أمر أساسى لمجتمعنا وديمقراطيتنا للحماية من الهجمات الإرهابية المحتملة.
وإن مخاطر تهديد الجماعات الإسلامية فى ألمانيا وأوروبا مازال مستمر. ويجب أن تتواجد “مجموعة الخبراء فى الإسلام السياسي” التى أسستها وزارة الداخلية الاتحادية عام ٢٠٢١ لمدة عام بشكل دائم كهيئة متخصصة.
وطالب تقرير المركز المشار إليه، أن تعمل الحكومة الألمانية على معرفة المعلومات حول وضع العقارات والأصول المالية لجماعة الإخوان الإرهابية، فعلى سبيل المثال الحكومة الألمانية لا تملك تفاصيل حول استحواذ جماعة الإخوان على عقار فى برلين مقابل ٤ ملايين يورو دفعته مؤسسة مرتبطة بجماعة الإخوان، مسجلة فى ماركفيلد فى بريطانيا، هذا النوع من العمليات يمكن أن يكون ضمن عمليات غسيل الأموال التى يقوم بها الإسلام السياسى فى ألمانيا وأوروبا.
وحذر مدير المركز من جماعة الإخوان الإرهابية، ومن تواجدها فى ألمانيا، فهى أحد اللاعبين الرئيسيين فى تقديم الدعم اللوجستى إلى التنظيمات المتطرفة ونشر الكراهية وبناء مجتمعات موازية، تسعى الجماعة نحو توسيع الدعوة لتطبيق الأفكار المتطرفة وتحقيق أهدافها بشكل منظم وخفي.
.
رابط المصدر: