- ناثانيال ألين
- وماثيو لايم
ترجمة: قراءات إفريقية
في قتٍ سابق من العام الجاري، استطاع مشروع صحفي دوليّ، اعتمد على 50 ألف رقم هاتف يشتبه في اختراقهم من برنامج بيجاسوس للتجسُّس، أن يكشف مدى انتشار التجسس الرقميّ من هذا البرنامج الذي صنعته شركة NSO Group الإسرائيلية، والذي يُحوِّل الهواتف إلى أدوات للمراقبة؛ عن طريق منح المهاجمين قدرات وصول كاملة لبيانات الأجهزة المخترقة.
ويُعدّ هذا البرنامج من أكثر البرامج تطورًا في مجال التجسُّس الإلكتروني، وتشتمل ضحاياه على صحيفيين وناشطين وسياسيين. وبين هذه الأرقام المشتبه في اختراقها كان هناك 14 رقمًا لزعماء دوليين؛ نصفهم كانوا أفارقة، بمن في ذلك اثنان من زعماء دول حاليين وهما رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا بالإضافة إلى الملك المغربي محمد السادس، هذا إلى جانب رؤساء وزراء حاليين أو سابقين في كل من مصر وبوروندي وأوغندا والمغرب والجزائر.
وكون القادة الأفارقة من ضمن ضحايا هذا البرنامج لا يجب أن يكون مفاجأة؛ حيث اعتمدت بعض حكومات القارة على هذا البرنامج، بالإضافة إلى برامج أخرى؛ لتعقُّب الإرهابيين والمجرمين المحتملين، بالإضافة إلى التطفل والتجسس على أجهزة المعارضين السياسيين، بل والتجسس على المواطنين أيضًا.
كما تشير تقارير الشركة صانعة البرنامج إلى أن الكثير من الحكومات في القارة السمراء يستخدمون البرنامج لأغراض التجسس الدولي أيضًا، بما يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الميول الاستبدادية لزعماء تلك الدول، كما يثير التساؤلات حول إذا ما كانت أجهزتهم الأمنية تخضع للمساءلة بشكل صحيح بشأن كيفية استخدام المعلومات التي يستقونها من تلك البرامج التجسسية.
وفي المجمل يشير مصطلح “مستخدم بيجاسوس” إلى البلدان الإفريقية الخمسة التي تم تحديدها إما من الشركة المصنّعة أو من مطوّري البرنامج، عن تلك الدول التي تحمل تراخيص تشغيل البرنامج الضارّ، وقد تم العثور على ضحايا للتجسس في جميع البلدان المشتبه في تشغيلها لهذا البرنامج، باستثناء موزمبيق. وعلى النقيض، كانت هناك إصابات مؤكدة في ثماني دول إفريقية لا يشتبه في تشغيلها للبرنامج، ولكن يفترض أن الضحايا في تلك البلدان قد تم استهدافهم إما بشكل متعمد أو عرضي من دول أخرى تشغّل هذا البرنامج. والأسهم في الشكل عاليه تشير إلى العمليات عابرة للحدود في إفريقيا وأي البلدان كانت الهدف.
رقمنة التجسس في إفريقيا:
في السابق، تركزت مخاوف التجسس الإلكتروني في إفريقيا حول اختراق الصين للاتحاد الإفريقي الذي تم نشره على نطاق واسع. في حين أن التهديد من الصين والقوى الإلكترونية الكبرى الأخرى لا يزال كبيرًا، فإن اكتشافات مشروع بيجاسوس توفر أول مؤشر موثق علنًا على أن البلدان الإفريقية تستخدم قدرات التجسس الرقمي للتجسس على الحكومات الأخرى، بما في ذلك الحكومات الإفريقية. ويبدو أنه تم اختيار رامافوزا كهدف محتمل من قبل رواندا في عام 2019م. كما أدرج المغرب العشرات من المسؤولين الجزائريين والفرنسيين، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كأهداف محتملة.
قد يكون هذا فقط غيض من فيض؛ فبيجاسوس ليس برنامج التجسس الإلكتروني الوحيد الذي يُقصد به ظاهريًّا مساعدة تطبيق القانون في محاربة المجرمين، والذي يتم استخدامه لأغراض شائنة؛ فتعد المراقبة الرقمية صناعة مزدهرة في إفريقيا. لا يشمل اللاعبون الرئيسيون مجموعة NSO فحسب، بل تشمل أيضًا شركة Huawei ومقرها الصين ومجموعة Gamma Group ومقرها المملكة المتحدة وشركة Hacking Team ومقرها ميلانو وشركة Amesys الفرنسية . لقد باعت كل هذه الشركات أدوات تجسس إلكتروني لعملاء أفارقة استخدموا البرنامج لتعقب المعارضين أو قمعهم، ويبدو أن العديد من القادة الأفارقة يدركون أن أجهزتهم ليست آمنة؛ فقد اتخذ البعض، مثل بول كاغامي في رواندا، والحسن واتارا من كوت ديفوار، تدابير صارمة لتأمين هواتفهم.. ويقال: إن آخرين، مثل الكاميروني بول بيا، يتجنبون الاتصالات المحمولة تمامًا.
ووفقًا لما كشف عنه مشروع بيجاسوس، فقد تم استهداف السياسيين والمسؤولين الحكوميين من 34 دولة بواسطة برامج التجسس، في حين تشير أرقام الشركة المصنّعة إلى أن 30 منهم كانت في جنوب الكرة الأرضية، مما يعكس مدى ضعف البلدان في الجنوب بشكل عام أمام قدرات التجسس الرقمي، وذلك يرجع إلى ضعف الاستثمارات في تطوير الأمن الرقمي والحماية السيبرانية، كما يعكس ذلك أيضًا تفضيل قطاعات الأمن ووكالات التجسس في تلك البلدان لبرامج رخيصة نسبية أنشأتها جهات خارجية بدلاً من إجراء عمليات تطوير داخلية وهو الأمر الأكثر شيوعًا في البلدان الصناعية الكبرى ذات القدرات الهجومية العالية في المجال السيبراني.
أدوات التجسس الرقمية تحرّض على النزعات الاستبدادية:
بالنسبة للأنظمة الاستبدادية مثل رواندا، فإن جاذبية أدوات التجسس الرقمي واضحة. فبيجاسوس تقدم منصة سهلة الاستخدام لتتبُّع المعارضين السياسيين المحليين والنشطاء الدوليين والحكومات الأجنبية في وقت واحد. وفقًا لمنظمة العفو الدولية، استخدمت رواندا برمجيات NSO لاستهداف ما يصل إلى 3500 “ناشط وصحفي ومعارض سياسي وسياسيون أجانب ودبلوماسيون“.
يبدو أن نظام بيغاسوس كان مفيدًا بشكل خاص في السماح للحكومة الرواندية بمحاولة إسكات المعارضة السياسية خارج حدود البلاد. بالإضافة إلى رامافوزا، استخدمت رواندا نظام بيغاسوس لمراقبة رئيس المخابرات السابق والمؤسس المشارك لحزب المعارضة كايومبا نيامواسا، الذي يعيش في المنفى في جنوب إفريقيا، ونجا من محاولات متكررة لاغتياله. كما تعرَّض الجهاز المحمول لكارين كانيمبا، وهي مواطنة أمريكية بلجيكية مزدوجة الجنسية وابنة الناشط الذي ألهم فيلم Hotel Rwanda، للخطر. تقاتل كانيمبا لتحرير والدها من السجن بعد أن اختطفته السلطات الرواندية قسرًا العام الماضي في دبي.
ومع ذلك؛ فإن الأنظمة الاستبدادية ليست هي الوحيدة المشتبه في استخدامها لبرمجيات بيجاسوس الضارة؛ فتشير البيانات التي جمعتها مجموعة الأبحاث سيتيزن لاب إلى أن زامبيا وموزمبيق، وهما دولتان تقتربان من الديمقراطية، ربما يكونان أيضًا من بين مشغّلي برنامج بيجاسوس؛ حيث من المحتمل أن تستخدم تلك الحكومات برامج التجسس من أجل إنفاذ القانون بصورة مشروعة، ولكن لا تتوفر معلومات كثيرة عن كيفية تشغيل البرنامج مِن قِبَل هاتين الحكومتين، ففي حالة موزمبيق لم يجد سيتيزن لاب أيّ عمليات تجسس مرتبطة ببيجاسوس داخل البلاد، ولكن كشف مؤخرًا أن مسؤولي الأمن السيبراني في زامبيا اعترضوا الاتصالات المشفرة، وتتبعوا تحركات المعارضين السياسيين باستخدام التكنولوجيا المزودة من الخارج، فمن المحتمل أن تكون بيجاسوس قد استخدمت لتقويض الديمقراطية على مستوى ما في زامبيا. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن احتضان زامبيا لبيغاسوس يبدو أنه تزامن مع عهد الرئيس المخلوع مؤخرًا إدغار لونجو، الذي قاد فترة شهدت زيادة التراجع الديمقراطي.
التجسس الرقمي ومساءلة القطاع الأمني:
ركزت معظم التقارير والتحليلات على كيفية استخدام الحكومات لأدوات التجسس الرقمي لتقويض الديمقراطية من خلال المراقبة والرقابة على شخصيات المعارضة السياسية ونشطاء حقوق الإنسان والمتظاهرين. لكن انتشار برامج التجسس القوية وسهلة الاستخدام يمنح مسؤولي قطاع الأمن قدرة إضافية على مراقبة المسؤولين الحكوميين المدنيين.
فالمغرب وهو أحد أكبر عملاء مجموعة NSO قد استخدم بيجاسوس لاستهداف ما يصل إلى 10000 رقم. وهي، إلى جانب رواندا، الدولة الإفريقية الوحيدة المؤكدة أنها استخدمت برمجيات بيجاسوس الخبيثة للتجسس على مسؤولين حكوميين أجانب. لكن هذا ليس كل شيء؛ فيبدو أن أجهزة المخابرات المغربية قد استهدفت ملكهم محمد السادس أيضًا كأحد مصادر الاهتمام لهم، وتعد تلك هي الحالة الوحيدة المؤكدة لقيام أجهزة أمنية لبلد ما باستخدام برنامج بيجاسوس لمراقبة زعيم بلادهم الحالي. وفي المكسيك وهي العميل الوحيد لبيجاسوس الذي استهدف عددًا أكبر من ذلك الذي استهدفته المغرب، فإن الرئيس السابق فيليبي كالديرون يبدو أنه قد أُضيف كشخص للتجسس عليه بعد مغادرته لمنصبه.
فإذا تمكنت أجهزة الاستخبارات الأمنية في المغرب وأماكن أخرى من استخدام برامج التجسس الرقمية لمراقبة رؤساء الدول دون علمهم وموافقتهم، فمن المحتمل أن تكون العواقب مزعزعة للاستقرار بشكل كبير. ففي هذا العام، شهدت وإفريقيا ست محاولات انقلاب وأربعة انقلابات ناجحة، والتي تعد الأكثر منذ 1990م، كما أنه حتى في البلدان التي تواجه فيها الخدمات الأمنية رقابة ومساءلة محدودة، فقد يسهل الحصول على تكنولوجيا المراقبة الرقمية تقويض السيطرة المدنية على قطاع الأمن وتنسيق المحاولات غير القانونية للاستيلاء على السلطة.
عدم وجود حلول فعَّالة للحدّ من برامج التجسس:
إذا كانت هناك أيّ أخبار سارة لأولئك الذين يرغبون في الحدّ من انتشار أدوات التجسس الرقمي؛ فهي أن الأنظمة المتورطة بشكل مباشر في التجسس عبر الحدود قد واجهت رد فعل عنيفًا لقيامها بذلك؛ فقبل الكشف عن أن رواندا حاولت اختراق هاتف رامافوزا، كانت حكومتا رواندا وجنوب إفريقيا تتخذان خطوات لتحسين العلاقات بينهما. وقد أدت اكتشافات بيغاسوس، إلى جانب التوترات الأخرى بشأن التدخل العسكري الإقليمي في موزمبيق، إلى تعريض هذه الجهود للخطر.
أما بالنسبة للمغرب؛ فقد كانت التداعيات أكثر حدة؛ حيث تُجري الحكومة الفرنسية تحقيقًا أن يؤدي إلى توجيه اتهامات جنائية للمسؤولين المغاربة لاستخدامهم نظام بيجاسوس للتجسس على الصحفيين الفرنسيين. كما كانت السلطات الجزائرية غاضبة هي الأخرى؛ فبعد شهر من الكشف عن مشروع بيغاسوس، قطعت الجزائر رسميًّا العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وأشارت إلى وجود “أعمال تجسس جماعية ومنهجية” كأحد أسباب عديدة للقرار.
وعلى الرغم من ردود الفعل العنيفة، إلا أن هناك القليل من الحلول للحد من التجسس الرقمي من هذا النوع؛ حيث يقول خبراء مثل ستيفين فيلدشتاين بأن ما هو مطلوب حقًّا لوقف ذلك الاتجاه هو “نظام ضوابط ملزم وقابل للتنفيذ لوقف انتشار أدوات المراقبة الخطرة إلى الجهات السيئة”، لكن في الوقت الحالي، يبدو من غير المرجَّح أن يكتسب مثل هذا الإطار التنظيمي زخمًا دوليًّا. ومِن ثَم سيكون مسار العمل الأكثر جدوى وفوريًّا هو أن تقوم البلدان المتقدمة تقنيًّا في جميع أنحاء العالم بحظر الشركات بشكل مستقل من بيع برامج التجسس ومنتجات المراقبة إلى البلدان التي تسيء استخدامها، كما أضافت وزارة التجارة الأمريكية مؤخرًا مجموعة NSO إلى ما يسمى بـ “قائمة الكيانات”، مما أدى إلى عزل الشركة عن الموردين الأمريكيين، وقد يجعل هذا الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لـ NSO في العمل، ولكنه قد لا يفي في النهاية بغرض معالجة الانتشار الأوسع لبرامج التجسس الرقمية.
من غير المرجّح أن يؤدي وضع قيود على بيع وتصدير مثل هذه التكنولوجيا إلى القضاء على انتشار برامج التجسس عبر جنوب الكرة الأرضية. هذا صحيح بشكل خاص في إفريقيا؛ حيث تفرض الدول قيودًا قليلة على الأشخاص الذين تتعامل معهم. ومن ثَم فإنه من غير المرجّح أن تعمل عمليات الحظر العالمية والأطر التنظيمية الدولية على الحدّ من انتشار برامج التجسس؛ طالما لا يوجد سوى دولة أو شركة واحدة غير ممتثلة ولديها القدرة والنية على بيع أدوات التجسس الإلكتروني لمن يدفع أعلى سعر.
نتيجة لذلك، يقع عبء التخلي عن استخدام تكنولوجيا برامج التجسس في الشؤون المحلية والدولية على عاتق الدول الإفريقية نفسها؛ لضمان استخدام هذه التكنولوجيا بشكل مسؤول وللأغراض الصحيحة، يجب على الأفارقة مواصلة العمل لبناء مؤسسات قوية وديمقراطية وتعزيز الرقابة التنفيذية والقطاع الأمني الفعال.
__________________
* ناثانيال ألين أستاذ مساعد في مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني وعضو مجلس العلاقات الخارجية.
** ماثيو لايم زميل أكاديمي في مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني.
[1] – نشر على الرابط التالي: https://www.brookings.edu/techstream/how-digital-espionage-tools-exacerbate-authoritarianism-across-africa/
.
رابط المصدر: