ديفيد بولوك
من الناحية النظرية، قد تؤثر إيران وتركيا والخليج والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى بأشكال مختلفة على موسكو، لكن التمعّن الدقيق في الوضع يشير إلى أنّ معظم هذه الروابط محدودة الفائدة في أحسن الأحوال.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، ومن المؤكد تقريباً في الأسابيع القليلة المقبلة، تمثّل الشاغل الأكبر في مجال السياسة الخارجية على مستوى العالم في الأزمة التي أثارتها التهديدات العسكرية الروسية الجديدة ضد أوكرانيا المجاورة. ونتيجة لذلك، بذل المحللون جهداً كبيراً لفهم ما قد يربط هذه الأزمة بالمناطق المجاورة الأخرى، وكيف يمكن أن تضطلع عواصم إقليمية أخرى بدور في احتواء هذا العدوان الروسي الذي يلوح في الأفق أو في مواجهته. والأزمات ليست كجزيرة، اقتباساً للشاعر جون دون، أي أنّها لا تنشأ بمنأى عن أزمات أخرى. لذا فإنّ التطورات المحيطة بأوكرانيا لها بالفعل أصداء في أماكن أخرى.
وفي هذا السياق، أشار بعض الخبراء إلى قوى الشرق الأوسط الكبرى مثل تركيا أو إسرائيل أو إيران كجهات فاعلة محتملة في أزمة أوكرانيا، وكل منها لديه علاقات مهمة مع موسكو. وتكهّن آخرون بشأن الدور الذي يمكن أن يضطلع به كبار مصدّري الطاقة في الشرق الأوسط، مثل المملكة العربية السعودية أو قطر، إذا جرى فرض عقوبات صارمة ضد صادرات روسيا الحيوية من الغاز إلى أوروبا في أعقاب غزوها لأوكرانيا. ولا يزال البعض الآخر يركز على الروابط المحتملة بين التوترات الشديدة الحالية بشأن أوكرانيا والمفاوضات النووية الإيرانية المتزامنة، أو الصراع السوري المحتدم، وهما ساحتان رئيسيتان في الشرق الأوسط تشارك فيهما روسيا والولايات المتحدة مشاركةً نشطة.
ومع ذلك، فإن الفحص الدقيق للحقائق يشير إلى أن معظم هذه الروابط المزعومة هي في الواقع ضعيفة جدّاً، أو محدودة على الأكثر. ولوضع هذه النقطة ضمن المنظور المطلوب، يتبع أدناه مسح سريع للجهات الفاعلة. نبدأ بالجهة التي لديها أهمّ خلفية، إن لم يكن أقرب صلة، ألا وهي إيران.
كتبت زميلتي آنا بورشفسكايا بشكل واضح عن دافع روسيا لإيجاد روابط بين استفزازاتها ضد أوكرانيا والجبهات الأخرى، بما في ذلك إيران. ولفترة من الوقت، بدا أن البعض في واشنطن كان يميل إلى أن يحذو حذوها: أي ربما إلى الاندفاع إلى عقد اتفاق نووي مع طهران بوساطة روسية من أجل المساومة مع موسكو بشأن أوكرانيا؛ أو على الأقل إزالة “الإلهاء” النووي الإيراني من جدول الأعمال لبعض الوقت، من أجل زيادة التركيز العالمي على أوكرانيا. وقد يكون الجدل حول مثل هذه الحسابات مسؤولاً، جزئيّاً على الأقل، عن الانقسامات العامة غير المعتادة التي ظهرت الأسبوع الماضي داخل فريق التفاوض الأمريكي في مفاوضات فيينا النووية مع إيران. لكن في الآونة الأخيرة، أدت التصريحات التي أدلى بها عددٌ إضافي من كبار المسؤولين الأمريكيين إلى إضعاف التكهنات بشأن أي مقايضات بين الملفين الأوكراني والإيراني.
ومن وجهة نظر طهران، فإن الاعتماد الدبلوماسي والاقتصادي على روسيا يمنع تقريباً أي اعتراض على تهديداتها الجديدة ضد دولة أخرى. وإنّ وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية أو الخاضعة للرقابة ليس لديها الكثير لتقوله عن الأزمة الأوكرانية، حتى لو كانت تتحدث ببلاغة عن “الاعتداءات” الأمريكية أو الإسرائيلية. وظهر مثالٌ متطرف، وحتى مناف للعقل، عن سياسة “الريال السياسي” الإيرانية المنافقة هذا الأسبوع، في عناوين يوم واحد لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية التي لم تشمل أي شيء عن أوكرانيا، ولكنها نشرت هذه القصة ضمن أهم العناوين: “خبير تشيلي: التحالف الإيراني الصيني الروسي سينهي هيمنة الغرب!”
وترتبط تركيا ارتباطاً وثيقاً بأوكرانيا، فهي تقع أيضاً على سواحل البحر الأسود، وتمتلك روابط تاريخية وعرقية وسياسية معاصرة مع تلك الدولة الواقعة في شرق أوروبا. وفي هذا السياق، شكّل تصريح الرئيس أردوغان بأنه إذا غزت روسيا أوكرانيا، فإن تركيا ستفي بالتزاماتها تجاه حلف “الناتو”، مفاجأة سارة هذا الأسبوع. وفي غضون ذلك، تتحدث تقارير موثوقة عن وصول بعض الطائرات العسكرية التركية بدون طيار – التي استُخدمت بفعالية في مناطق القتال الأخيرة في مناطق بعيدة مثل ليبيا وسوريا وأذربيجان – إلى أوكرانيا. ولكن، كما أشار بشكل صحيح سونر چاغاپتاي من “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، فإن علاقات تركيا الدقيقة والخطيرة أحياناً مع روسيا ترغم أنقرة على موازنة هذه المصالح المتنافسة بعناية شديدة، في محاولة لتجنب التشابك الكبير مع أوكرانيا.
وبالنسبة إلى الجانب المتعلق بالطاقة في هذه القصة، فإن المصادر البديلة لإمداد الطاقة في الشرق الأوسط، للتعويض عن أي قطع افتراضي للصادرات الروسية، هي للأسف أقل بكثير من المُتصور. وكما أشار زميل آخر، سايمون هندرسون، بذكاء، لن تكون صادرات الغاز الإسرائيلية أو المصرية المتاحة إلى أوروبا إلا قطرة في بحر، حتى لو كانت ممكنة من الناحية الفنية في الوقت الحاضر – وهي ليست كذلك. على أي حال، فإنّ إسرائيل حذرة جدّاً، لأسبابها الاستراتيجية الخاصة، من استعداء روسيا – ومن الواضح أن الدوريات الجوية الروسية السورية الجديدة مُصممة لتعزيز هذه الرسالة التحذيرية.
وبالمقارنة، فإن حجم صادرات قطر من الغاز واحتياطاته أكبر بكثير. ومع ذلك، فإن التعقيدات اللوجستية والتعاقدية لإعادة توجيهها إلى أوروبا ستكون شاقة حقاً. إذاً هنا مجدداً، يتبين أن الكثير من التغطية الإعلامية والتعليقات على هذا المنوال مبالغ فيها بشكل مفرط.
ومن المؤكد أن موقفاً أمريكياً أكثر حزماً بشأن قضايا الشرق الأوسط، سواء أكان ذلك في سوريا أم العراق أم إيران أم اليمن أو في أي دولة أخرى، قد يساعد في استعادة بعض مصداقية واشنطن بينما تسعى جاهدة لردع الغزو الروسي لأوكرانيا. ومع ذلك، فإنّ الروابط المباشرة بين تلك الأزمة والشرق الأوسط قليلة نسبياً عند التمعّن بها بدقة. وكما يقترح هذا المسح المُختصر، وإذا اعدنا صياغة كلمات الكاتب روديارد كبلينغ هذه المرة، “شرق أوروبا والشرق الأوسط: لن يلتقي الإثنان أبداً”.
.
رابط المصدر:
https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/azmt-awkranya-alshrq-yltqy-balshrq-alawst