وفاء صندي
تشهد العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسى، بقيادة الولايات المتحدة، توترا بسبب زيادة وجود الناتو العسكرى بالقرب من الحدود الروسية، بذريعة حماية أوكرانيا من تهديد روسى محتمل. وربما يزيد من حدة هذا التوتر الرد الكتابى الأمريكى على مبادرة الضمانات الأمنية التى تقدمت بها روسيا، والذى لم تجب فيه على أهم طلب روسى، وهو وقف تمدد حلف شمال الأطلسى (الناتو) نحو الشرق، ولم تأخذ بالاعتبار مخاوف روسيا الجوهرية بشأن ذلك، ورفض نشر أنظمة صاروخية قرب حدود روسيا.
تعاطى روسيا مع الرد الأمريكى سيحدد الى شكل كبير الاتجاه الذى ستمضى إليه الأزمة. السيناريو الأول، على الرغم من ان الردود لم تلق أصداء إيجابية من موسكو، إلا أن ذلك لن يمنع أن تمثل هذه الردود الكتابية فرصة لإعادة إحياء المسار الدبلوماسى المتعثر. السيناريو الثانى، ربما لن يتأخر الرد الروسى كثيرا، بحيث يمكن أن يكون إقدام روسيا على القيام بعملية عسكرية ضد أوكرانيا مسألة وقت فقط. على الأرجح لن تكون غزوا بالمعنى التقليدى إنما ستكون عملية او مجموعة من العمليات النوعية التى تهدف الى فرض واقع جديد فى أوكرانيا. فى هذه الحالة، تستعد أمريكا وحلف الناتو الى اتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية ضد روسيا لمواجهة تداعيات هذا التطور فى حال حدث.
كما أشرت الى ذلك فى مقال سابق، مسألة فرض عقوبات إضافية قاسية على روسيا يثير قلق بعض الدول الأوروبية التى أعربت عن مخاوفها من أن يؤدى ذلك إلى الإضرار باقتصاداتها، وإلى دفع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى قطع أو تقليص إمدادات الغاز لأوروبا. تعتبر الدول الأوروبية أكثر المناطق اعتمادا على الغاز الذى يستخدم لتزويدها بخمس طاقتها، لكن معظم إمداداتها تأتى من خارج الاتحاد الأوروبى، وعلى وجه الخصوص روسيا. ولعل الأزمة الأخيرة بين بيلاروسيا ودول أوروبية حول المهاجرين، وما سبقها من عقوبات أوروبية على مينسك، والأزمة الأوكرانية المستمرة، إضافة إلى أزمة ارتفاع أسعار الغاز فى أوروبا، تعطى لمحة عن الغاز الروسى وأهميته بالنسبة إلى دول الاتحاد الأوروبى وتأثيره أيضا.
اعتمدت السياسة الغربية خلال العقود الماضية على إستراتيجية السيطرة على مصادر الطاقة والتحكم فيها، من الاستخراج والإنتاج، وصولا إلى الإمداد، إما بطريقة مباشرة وإما من خلال دعم أنظمة موالية لها. هذه السياسة كانت الركيزة الأساسية للهيمنة الغربية، وكانت أيضا محور الصراع على الساحة الدولية، من الشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا بشكلٍ أساسي. لذا، إن النظرة الأوروبية – الأمريكية إلى مصادر الغاز الروسى تنطلق من كونها غازا سياديا تمتلك موسكو القدرة على حمايته والدفاع عنه إنتاجا وإمدادا، فى الوقت الذى فشل الغرب فى إحداث أى تغيير أو تأثير فى هذا الملف أو الضغط على روسيا بشأنه.
لا شك أن الدول الأوروبية منزعجة من اعتمادها على الغاز الروسى، وهى فى حال وجدت بديلا يضمن لها مصالحها الاقتصادية، ستذهب باتجاهه، وهذا ما يثبته دعم بعض دول الاتحاد الأوروبى لمشاريع أمريكية بديلة، بحيث ستكون هذه الدول أكثر قدرة على مواجهة ما تراه «نفوذا» روسيا فى القارة وخارجها، وستكون قادرة على فرض المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على موسكو. ومن بين هذه الحلول البديلة التى تتدارسها أمريكا هى إمكانية إمداد قطر لأوروبا بالغاز المسال. وتعد قطر واحدة من أكبر منتجى الغاز الطبيعى المسال فى العالم، حيث يتم بيع حوالى ثلاثة أرباع هذا الوقود إلى دول آسيوية تفتقر للطاقة مثل اليابان وكوريا. وتوفر قطر نحو 5% من الغاز الطبيعى لأوروبا. ومن الحلول المطروحة أيضا تواصل أمريكا مع حلفائها وشركائها، لاسيما الدول الأخرى المنتجة للغاز، فى الشرق الأوسط لفهم القدرة الإضافية الموجودة لديهم، وكيف يمكن لأمريكا نقل وتوسيع هذه القدرة إلى أوروبا.
المشكلة المطروحة أن أوروبا ليست على رأى واحد، ولا تزال المحاولات الأمريكية فى إقناع الدول الأوروبية بالبديل عن الغاز الروسى متأرجحة بين خلافات داخل دول الاتحاد تمنع السير بها، وصعوبات وعوائق سياسية ولوجستية. فى الحالتين، تطوع موسكو الاختلال فى العلاقات الدولية لمصلحتها، وتستغل الثغرات التى تتركها أمريكا خلفها من آسيا الوسطى إلى القوقاز وشرق المتوسط، فيما المصالح والأولويات فى الساحة الدولية باتت تحدد وفق الجغرافيا الحيوية، لا وفق ما يريده الكونجرس الأمريكى.
نقلا عن جريدة الاهرام الخميس 3 فبراير 2022
.
رابط المصدر: