تناقش هذه الورقة واقع القطاع الصحي في العراق على مدار عقدان من الزمن، اذ على مدار العقدين الماضيين، والتي تلت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، شهد نظام الرعاية الصحية في البلاد تدهوراً شديداً، ولا يزال يعاني أزمات مستمرة.
إن نظام الرعاية الصحية الحالي في العراق معقد، ويواجه العديد من التحديات الجدية. ترتبط هذه الأزمة بشكل كبير بالتعقيدات الاقتصادية والسياسية التي عصفت بالعراق منذ عام 2003، والتي تشمل السياسات الصحية غير الكفوءة، وغياب القيادات المستقلة سياسياً والخبيرة في هذا المجال الحيوي والمهم، إضافة إلى الفساد المستشري وعدم كفاية التخطيط المستدام طويل الأجل، والمبني على مناهج علمية عالمية. هذه المعوقات قد أدت إلى انخفاض جودة وكفاءة وإمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية لمعظم العراقيين، وخاصة لأولئك في ظروف اقتصادية صعبة، ويعيشون تحت وطأة الفقر بنسب عالية. علاوةً على ذلك يهمين على القطاع الصحي فساداً سياسياً متفشياً أسوة بباقي مؤسسات الدولة، معظم مراكز الرعاية الأولية والثانوية في العراق لا تزال تعاني من نقص في العاملين، وتفتقد إلى المستلزمات الصحية التخصصية التي تواكب معايير الرعاية في القرن الحادي والعشرين.
في الوقت نفسه، تتوسع أنظمة الرعاية الصحية الخاصة الكبيرة بسرعة في جميع أنحاء البلاد، وتعمل كطرق بديلة لنظام الصحة العام. هذه العملية، التي تحظى بدعم سياسي، تؤسس نظام رعاية صحية ثنائي المسار، أحدهما مصمم لمن يستطيعون تحمل تكاليف هذه الخدمات الصحية الخاصة والآخر لمن لا يستطيعون، مما يزيد من فجوة عدم المساواة الصحية والخدمات داخل المجتمع. كما يوجد غياب واضح للقيادات الصحية التي لديها رؤية طويلة الأمد لتقديم وتنفيذ استراتيجيات صحية جديدة وتحويلية. تشمل هذه، على سبيل المثال، أساليب ونظام الوقاية الفعّالة والشاملة وحلول الصحة الرقمية التي تستفيد من البنى التحتية الرقمية والاتصالات المتاحة والمستخدمة على نطاق واسع. إذا تم تنفيذها بنجاح، والاستفادة من التجارب الدولية في هذه المجالات يمكن أن تمكن هذه الحلول من التخفيف من الواقع الصحي على درجات عالية وتخفيف الضغط الحالي على القطاع الصحي، إضافة إلى خلق فرص اقتصادية رقمية كبيرة. يهدف هذا البحث إلى رسم خريطة لأزمة الرعاية الصحية والنظام الصحي في العراق وإقليم كردستان، كما يسلط الضوء على التحديات التي تجابه قطاعي الرعاية الأولية والثانوية التخصصية، ويوضحها ببعض الأمثلة من دراسات أجريت مؤخراً. كما يؤكد على أهمية تقديم حلول وخدمات صحية رقمية حديثة ومبتكرة وإدخالها في النظام الصحي. كما يتناول البحث دراستين رائدتين للصحة الرقمية والنقالة (m- Health) أُجريتا في العراق لتحسين الإدارة والتوعية التعليمية لمرضى السكري ومرضى ما قبل الولادة كأمثلة على هذه الحلول والأنظمة الصحية والابتكارية في مجال الأمراض المزمنة.
المصدر : https://www.bayancenter.org/2024/08/11732/