كان عام 2022 عامًا آخر من الأعوام التي تسببت بها الحرب الروسية الأوكرانية في انطلاق واحدة من أكبر أمواج اللجوء عالميًا، وصدمات اقتصادية كبيرة في الغذاء والوقود. لعقود ظلت قارة أفريقيا مصدرًا لأزمات اللاجئين عالميًا، بداية من الصراعات في أثيوبيا، والساحل، والأجزاء الشرقية من جمهورية الكونغو وكوت ديفوار، ولعقود نجحت العديد من الدول في تطبيق سياسات دمج اللاجئين والاستفادة منهم من الناحية الاقتصادية، وفي بعض الأوقات تحويلهم إلى موظفين ودافعي ضرائب وقوى عاملة، لكن في التجارب الأخرى عانى ملايين اللاجئين من الاستعباد والعنف والاضطهاد والتمييز، وتحول جزء منهم إلى أفراد في الجماعات المسلحة. ولتقديم علاج لتلك الأزمات التي تعصف باللاجئين عالميًا، طورت مفوضية اللاجئين خطة استراتيجية خلال الفترة من 2022 – 2026 هدفها الأساسي توفير الحماية للاجئين والاستجابة لمشكلاتهم وتمكينهم في المجتمعات التي يعيشون بها وحل مشكلاتهم، لكن تحقيق تلك الأهداف يتطلب تعاون المجتمع الدولي بكافة أطيافه: مضيفين ومانحين، لإيجاد حلول للملايين الذين يخوضون رحلات خطيرة بحثًا عن أماكن آمنة للعيش، وقد وصل عدد اللاجئين عالميًا إلى 108 ملايين لاجئ، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ العالم يبرز وبوضوح حجم الصراعات وأزمات المناخ، بالإضافة إلى العديد من التحديات الأخرى التي تشهدها المناطق الجغرافية المتفرقة في جميع أرجاء العالم، فمنذ بدأت اتفاقية اللاجئين في 1951 والتي وضعت القانون الخاص بحقوق معاملة اللاجئين عبر دول العالم، كان العام 2022 عام إعادة اكتشاف كلمة لاجئ، حيث بينت الحرب الروسية الأوكرانية مدى التحيز تجاه التعامل مع اللاجئين عالميًا، حيث فتحت أوروبا أبوابها لملايين من الأوكرانيين دون ركوب البحر ودون التعرض إلى رحلات خطيرة حتى الوصول إلى البلد المستهدف، وحصل هؤلاء اللاجئون على دعم إضافي من مفوضية اللاجئين بحوالي 1.2 مليار دولار أمريكي من تبرعات الأفراد والشركات. وعلى الرغم من تضاعف عدد اللاجئين في البلدان النامية والذي وصل إلى أعلى مستوياته في ست سنوات، لم يحظ هؤلاء اللاجئون بتلك المعاملة التفضيلية التي حصل عليها المواطنون الأوكرانيون خلال الحرب.
تكاليف الاستضافة
أنفقت مفوضية اللاجئين قرابة 1.1 مليار دولار على دعم اللاجئين بمنطقة الشرق الأوسط، وهو مبلغ أقل مما تم إنفاقه في العام الماضي بحوالي 132.5 مليون دولار (10 % تقريبا)، حيث بلغ حجم الإنفاق لعام 2021 حوالي 1.286 مليار دولار، وبالتأكيد فإن حجم تلك الأموال أقل بكثير من حاجة اللاجئين بمنطقة الشرق الأوسط التي يمكن تصنيفها بالمنطقة الأكثر من حيث النزاعات عالميًا، وعليه فقد كان من الضروري حساب تكاليف استضافة الأجانب، وقد تم الاعتماد على تقرير صادر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في عام 2017 بعنوان Migration Policy Debates، حيث إنه وفقًا لقاعدة البيانات فقد تكلفت ألمانيا حوالي 17.3 مليار دولار لاستضافة حوالي 900 ألف لاجئ، وهو ما يعني أن اللاجئ الواحد يكلف ألمانيا حوالي 19.2 ألف دولار سنويًا، وعلى الرغم من أنه قد ينظر إلى تلك التكاليف على أنها مرتفعة، إلا أنه وفقًا لحسابات الدول الأخرى فهي متقاربه، حيث إن تكلفة استضافة اللاجئ لمدة عام بالولايات المتحدة الأمريكية تبلغ حوالي 22.3 ألف دولار، وترتفع تلك التكلفة في السويد مرتفعه المستوى المعيشي إلى 39.8 ألف دولار، وتنخفض في كندا إلى 15 ألف دولار، ومن ثم فإن متوسط تكلفة استضافة اللاجئ الواحد وفقًا لما تم ذكره حوالي 24 ألف دولار سنويًا وفقًا لبيانات عام 2015، وحيث إن معدلات التضخم ترتفع عالميًا فقد تم تعديل تلك التكاليف بالارتفاع في معدلات التضخم لتعكس التكاليف الحالية لاستضافة اللائجين والتي تبلغ قرابة 30 ألف دولار أمريكي لكل لاجئ سنويًا.
لكن الدول المشار إليها أعلاه كلها تصنف كدول متقدمة، ومن ثم فإن جودة حياة المواطنين بها مرتفعة عن الدول النامية، حيث إن مستوى المعيشة وجودة الخدمات الحكومية التي يحصل عليها اللاجئون في تلك البلدان تختلف عن مستوى الخدمات والتكلفة للاجئين المقيمين في البلدان النامية، ومن ثم فلتجنب أثر اختلاف مستويات المعيشة بين البلدان فقد تم الاستعانة بمؤشر “بيج ماك” الذي يعتبر السندوتش الأشهر الذي يباع في متاجر ماكدونالدز عالميًا، حيث إن سعر السندوتش بكل دولة يعكس الفروقات بين مستويات المعيشة وتكلفة إنتاجه بكل دولة، ومن ثم فإن متوسط سعر سندوتش بيج ماك في الدول التي تم الاستعانة بها في عينة الدراسة هي 5.19 دولارات للسندوتش، بينما يبلغ سعر ذلك السندوتش بمصر حوالي 2.43 دولار، وعليه فإن تكلفة اللاجئ تعادل حوالي 12.3 ألف دولار وفقًا لمستويات العيش وهيكل التكاليف والأجور المصرية، وحيث إنه وفقًا للبيانات المصرية فإن مصر تحتضن قرابة 9 ملايين ضيف على أرضها يتمتعون بكل حقوق وامتيازات المواطنين، وتبلغ التكاليف السنوية لاستضافة ذلك العدد حوالي 100 مليار دولار سنويًا.
بالطبع عند النظر إلى ذلك المبلغ فإنه من غير المنطقي أن تكون تكلفة استضافة 10 % تقريبًا من سكان مصر تتكلف 26 % من الناتج المحلي الإجمالي المقوم بالدولار والبالغ 420 مليار دولار، ومن ثم وبافتراض إجراء خصم إضافي على تلك التكاليف بحوالي 50 %، لتنخفض تكاليف استضافة الأجنبي بمصر من 12.3 ألف دولار سنويًا إلى 6 آلاف دولار سنويًا، فإن تكلفة استضافة 9 ملايين أجنبي بمصر تبلغ حوالي 54 مليار دولار، وهو 12.8 % من الناتج المحلي الإجمالي المصري المقوم بالدولار.
قد يتفق البعض أو يختلف حول تلك التكلفة، لكن حقيقة الأمر أن ذلك المبلغ يطرح تساؤلًا هامًا للغاية، لماذا تتحمل اقتصادات الدول المجاورة لمناطق الصراع والأزمات كل تلك التكلفة منفردة؟ فبافتراض أن قضية اللاجئين هي قضية مجتمعية وعالمية وهو أمر طبيعي، فإن البلدان المجاورة لمناطق الصراع يقع على عاتقها استضافة الأجانب الوافدين من الدول محل الصراع والأزمات وتقديم حياة كريمة لهم بداية من مسكن مناسب، وأوراق رسمية حكومية، وأماكن في المدارس، وأسرة في المستشفيات، ومقعد في المواصلات العامة وغيرها من الخدمات الأخرى، وترتفع تلك التكاليف في حال كانت الدولة مثل مصر تقدم العديد من الخدمات إلى مواطنيها بسعر مدعوم، وهو الأمر الذي يحتاج إلى وقفة مرة أخرى في التعامل مع قضية اللاجئين، حيث إنه لولا الموقف المصري في التعامل مع قضية اللاجئين وإطلاقها للعديد من المبادرات والتي يأتي على رأسها الاستراتيجية الوطنية الأولى لمكافحة الهجرة غير الشرعية والتي انطلقت في عام 2016، ثم تلاها قانون رقم 82 لعام 2016 والذي وضع عقوبات رادعة من أجل مواجهة ظاهرة اللاجئين، وجرم كل أشكال تهريب المهاجرين وطارد نشاط المؤسسات المتورطة في مثل تلك الجرائم، وحشد الاهتمام الأفريقي في التعامل مع قضية اللاجئين من خلال مؤتمر مسارات الهجرة بين أفريقيا وأوروبا، والمبادرة المصرية “مراكب النجاة” التي انطلقت في عام 2019، وغيرها من الجهود المصرية الأخرى التي لولاها لكانت أوروبا غارقة في المهاجرين غير الشرعيين والأزمات الاقتصادية والإنسانية المتنوعه.
.
رابط المصدر: