محمد صبري
كان العالم يحاول التعافي من الاغلاق والأزمات الاقتصادية التي تسببت فيها أزمة كورونا حيث تضررت اقتصادات العالم أجمع ومع قرب انتهاء الأزمة وبدء العالم في النظر حول كيفية التعافي بدأت الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت الي موجة قوية من الأزمات على جميع الأصعدة السياسة والاقتصادية وغيرها. وتتمثل الآثار المباشرة في ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض النمو وتعطل سلسلة التوريد بسبب الندرة وارتفاع تكلفة المواد الخام، والسلع، والطاقة، والنقل، ومن المرجح ان يستمر التضخم في الارتفاع، حيث من المتوقع أن يرتفع متوسط معدل التضخم المتوقع خلال 12 شهرًا، ويشكل الصراع الروسي الأوكراني ضربة كبيرة للاقتصاد العالمي، حيث يضر بالنمو ويرفع الأسعار، حيث سجل مؤشر أسعار الغذاء الشهري من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، الذي يتتبع أسعار السلع الغذائية المتداولة عالميًا، زيادة بنسبة 12.6٪ بين فبراير ومارس ليصل إلى أعلى مستوى منذ إنشائه في عام 1990، وارتفع مؤشر الفاو لأسعار الحبوب بنسبة أكبر (17.9٪) خلال هذه الفترة، مما يعكس ارتفاع الأسعار العالمية للقمح والحبوب الخشنة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى اضطرابات الصادرات من روسيا وأوكرانيا، وهما من كبار مصدري القمح في العالم.
وسوف تنتقل تأثيرات الحرب على العالم من خلال ثلاث قنوات رئيسية. حيث سيؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة إلى زيادة التضخم بشكل أكبر، مما يؤدي إلى تآكل قيمة الدخل والتأثير على الطلب. كما سيعاني اقتصادين متجاورين، على وجه الخصوص، من تعطل التجارة وسلاسل التوريد والتحويلات والارتفاع التاريخي في تدفقات اللاجئين. وثالثًا، سيؤثر انخفاض الثقة في الأعمال وزيادة عدم اليقين لدى المستثمرين على أسعار الأصول، مما يؤدي إلى تشديد الأوضاع المالية وربما تحفيز تدفقات رأس المال الخارجة من الأسواق الناشئة.
وتعتبر روسيا وأوكرانيا منتجين مهمين للسلع الأساسية، وقد تسببت الاضطرابات في ارتفاع الأسعار العالمية، وخاصة النفط والغاز الطبيعي. وقفزت تكاليف الغذاء، مع ارتفاع أسعار القمح، حيث تشكل أوكرانيا وروسيا 30 في المئة من الصادرات العالمية، وقد تؤدي الزيادات الحادة في أسعار الغذاء والوقود إلى زيادة أخطار الاضطرابات في بعض المناطق، من أفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية إلى القوقاز وآسيا الوسطى. في المقابل، من المرجح أن يزداد انعدام الأمن الغذائي في أجزاء من أفريقيا والشرق الأوسط.
على المدى الطويل، قد تغير الحرب بشكل أساسي النظام الاقتصادي العالمي في حالة تحول تجارة الطاقة، وإعادة تكوين سلاسل التوريد، وتجزئة شبكات الدفع، وإعادة التفكير في حيازات العملات الاحتياطية. يزيد التوتر الجيوسياسي المتزايد من أخطار التفتت الاقتصادي، خاصة بالنسبة للتجارة والتكنولوجيا، وقد تسبب غزو روسيا لأوكرانيا في ارتفاع أسعار النفط – التي كانت مرتفعة بالفعل بسبب الطلب الاستهلاكي المكبوت -بعد كوفيد 19- إلى أكثر من 110 دولارات للبرميل، حيث فرضت العديد من الدول الغربية عقوبات صارمة على روسيا رداً على ذلك.
التضخم في أمريكا
تباطأ معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة للشهر الثالث على التوالي إلى 8.2٪ في سبتمبر 2022، وهو أدنى مستوى في سبعة أشهر، مقارنة بـ 8.3٪ في أغسطس، ولكن أعلى من توقعات السوق عند 8.1٪. وارتفع مؤشر الطاقة بنسبة 19.8٪، دون 23.8٪ في أغسطس، بسبب البنزين (18.2٪ مقابل 25.6٪) وزيت الوقود (58.1٪ مقابل 68.8٪) والكهرباء (15.5٪ مقابل 15.8٪ وهو الأعلى منذ عام 1981). كما لوحظ تباطؤ بسيط في تكلفة الغذاء (11.2٪ مقابل 11.4٪ وهو الأعلى منذ 1979) والسيارات والشاحنات المستعملة (7.2٪ مقابل 7.8٪). من ناحية أخرى، ارتفعت أسعار المساكن بشكل أسرع (6.6٪ مقابل 6.2٪). وفي الوقت نفسه، ارتفع المعدل الأساسي الذي لا يشمل أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة إلى 6.6٪، وهو أعلى مستوى منذ أغسطس 1982، وفوق توقعات السوق البالغة 6.5٪ في إشارة إلى استمرار ارتفاع الضغوط التضخمية.
التضخم في أوروبا
من المتوقع الآن أن ينخفض النمو الاقتصادي الحقيقي في الاتحاد الأوروبي إلى أقل من 3٪ في عام 2022، انخفاضًا من 4٪ المقدرة من قبل المفوضية الأوروبية قبل الحرب. وقد يؤدي المزيد من الاضطرابات التجارية أو العقوبات الاقتصادية المتزايدة إلى دفع الاقتصاد الأوروبي إلى الركود، وتهدد الحرب في أوكرانيا بتقويض الانتعاش الاقتصادي في أوروبا. تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في أزمة إنسانية هائلة، حيث فر ما يقرب من سبعة ملايين أوكراني من البلاد. وأدى الصراع والعقوبات الناجمة عنه إلى تعطيل الصادرات من المنطقة لسلع مثل المعادن والغذاء والنفط والغاز، مما دفع التضخم إلى مستويات لم تشهدها منذ عقود، ويتضح تباطؤ النمو بشكل خاص في البلدان القريبة من أوكرانيا، مثل بولندا والمجر – البلدان التي تستضيف أيضًا أعدادًا كبيرة من اللاجئين الأوكرانيين. وتشعر إيطاليا وألمانيا، اللتان تعتمدان بشكل كبير على النفط والغاز الروسي، بالضغط أيضًا.
والتراجع في التفاؤل ملحوظ في منطقة اليورو أكثر منه في البلدان غير الأوروبية. في منطقة اليورو، يعد المدراء الماليون أكثر تشاؤمًا بشأن ثقة الأعمال في إسبانيا (66 في المئة) والنمسا (61 في المئة) واليونان (53 في المائة) وألمانيا (52 في المائة)، ويعتبر المدراء الماليون في المملكة المتحدة (47 في المئة) الأكثر تشاؤماً.
إن الخسائر هائلة بالفعل في أوكرانيا. وستؤدي العقوبات غير المسبوقة على روسيا إلى إضعاف الوساطة المالية والتجارة، مما يؤدي حتمًا إلى ركود عميق. وسيعمل انخفاض قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، مما يؤدي إلى مزيد من الانخفاض في مستويات المعيشة للسكان، والطاقة هي القناة الرئيسية غير المباشرة لأوروبا، حيث تعد روسيا مصدرًا مهمًا للغاز الطبيعي. ستؤدي هذه الآثار إلى زيادة التضخم وإبطاء التعافي من الوباء. ستشهد أوروبا الشرقية ارتفاع تكاليف التمويل وزيادة أعداد اللاجئين، وقد تواجه الحكومات الأوروبية أيضًا ضغوطًا مالية من الإنفاق الإضافي على أمن الطاقة وميزانيات الدفاع، وفي حين أن التعرض الأجنبي لانخفاض الأصول الروسية متواضع وفقًا للمعايير العالمية، فقد تتزايد الضغوط على الأسواق الناشئة إذا سعى المستثمرون إلى ملاذ أكثر أمانًا.
التضخم المحلي
زاد المعدل السنوي للتضخم العام في مصر في الحضر ليسجل ١٥٪ في سبتمبر ٢٠٢٢ من معدل بلغ ١٤.٦٪ في أغسطس ٢٠٢٢ ويأتي ذلك مدفوعا بارتفاع أسعار السلع غير الغذائية، ليستمر في كونه السبب الرئيسي المؤثر في معدلات التضخم منذ مايو ٢٠٢٢، وقد سجل التضخم العام معدلا شهريا بلغ ١.٦٪ في سبتمبر ٢٠٢٢، مقارنة بمعدل بلغ ١.١٪ في سبتمبر ٢٠٢١، وجاء المعدل الشهري للتضخم العام في الحضر في شهر سبتمبر ٢٠٢٢ مدفوعا بارتفاع أسعار السلع الأساسية، نتيجة ارتفاع أسعار كل من السلع الغذائية الأساسية، السلع الاستهلاكية، والخدمات. ويأتي ذلك متسقا مع بداية الأثر الموسمي للعام الدراسي الجديد الذي سيمتد أثره إلى الشهر المقبل، من بين عوامل أخرى، كما عكس ارتفاع أسعار السلع والخدمات المحددة إداريا بشكل أساسي ارتفاع أسعار كل من السجائر، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأرز المدعم، ويرجع ارتفاع المعدل السنوي للتضخم العام للحضر في شهر سبتمبر٢٠٢٢ إلى ارتفاع المساهمة السنوية للسلع غير الغذائية، حيث ارتفع المعدل السنوي لتضخم السلع غير الغذائية للشهر الحادي عشر علي التوالي ليسجل ١٢٪ في سبتمبر ٢٠٢٢ من ١٠.٨٪ في أغسطس، وهو أعلى معدل له منذ مايو ٢٠١٩، في حين انخفض المعدل السنوي لتضخم السلع الغذائية ليسجل ٢١.٧٪ في سبتمبر ٢٠٢٢ من ٢٣.١٪ في أغسطس ٢٠٢٢
.
رابط المصدر: