مقدمة :
الفنون جامعة، والجامعة بها فنون. الفنون تجمع كل أشكال التعبير البشري ولا تفرق لا بين الحقبات ولا بين المجتمعات. وقد تكون آخر الفضاءات المؤلِّفة بين الإنسانية في واقعنا اليوم. وإن كانت (الفنون) في صيغتها الفردية تجمع بين فن وآخر، كما تجمع جمهورها للتفاعل مع ما تقدمه، فإن كل فن منها يجمع في ممارساته عديد الفنون.
وطالما أن الجامعة تجمع طلاب العلم والباحثين عن المعرفة، فإن "المعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف"، بصفتيه الجامعية والفنية، يأسس "الملتقى السنوى للمعاهد العليا للفنون" ليكون رحابا تجتمع فيه مختلف المؤسسات الجامعية التي تكوّن أجيالا في مختلف الاختصاصات الفنية.
دورة أولى محكّمة، تحت شعار "لقاء الفنون في مدينة الفنون"، أفرزت هذه المقترحات القيمة التي تناولت أسئلة وشواغل الأساتذة والباحثين وتطرقت لما يشغل طلبة مختلف الفنون. محاضرون و"مفكرون" اجتمعوا، من عدد هام من المؤسسات الجامعية التونسية، لتطارح التساؤلات واقتراح الرؤى والأفكار التي تنطلق من واقع تدريس الفنون بالبلاد التونسية، بما قد يلتقي مع راهن الاختصاصات الفنية في منابر التعليم العالي في الوطن العربي وما شابهها. علّ التفكير يغني عن التفعيل أو عساه يفتح طريقا للخلاص العلمي وربما من وراءه الإجرائي.
هذا الكتاب به تشخيص لما يوجد بعدد من المعاهد والمدارس العليا للفنون، وبه تفكير وتفاعل مع تجربة التأسيس الأكاديمي في هذه المجالات. يقدم مقالات تقوم باستقراء الظروف والفضاءات المتو
فرة لعملية التكوين الجامعي وتبحث عن انفتاح الفنون فيما بينها، ثم فيما بينها وبين ما يحيط بها من أطر جامعية ومجتمعية.
ويتنزّل هذا في سياق محاولة واعية لإعادة موقعة الجامعة التونسية، من داخل الفنون ومن وسط الحرم الجامعي، وسط المشهد العام، ومبادرة لإرساء حوارات نقدية بين الفاعلين في صياغة البرامج (اللجان المختصة) والقائمين بتنفيذها (الأساتذة) في حضرة المنتفعين منها (الطلبة) في إطار علمي (الجامعة). د. رياض زمّال