سجّلت أسعار النفط الخام أعلى مستوى لها منذ أكثر من سبع سنوات الثلاثاء مدفوعة باضطراب في العرض وتوتر جيوسياسي شديد وتزايد الطلب رغم انتشار المتحورة أوميكرون.
حوالى الساعة 8,50 ت غ كان يجري التداول ببرميل نفط برنت مرجعية بحر الشمال بسعر 87,60 دولار بعدما قفز الى 88,13 دولارا في وقت سابق. تجاوز بذلك بشكل طفيف مستواه لتشرين الأول/اكتوبر 2014 (86,74 دولارا) صباحا في آسيا، بعد يوم على وصوله الى مستواه في تشرين الاول/اكتوبر 2018.
وبلغ سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط في العقود الآجلة 85,25 دولارا بعدما بلغ 85,74 دولارا في التعاملات الآسيوية، وهو أعلى مستوى يسجله منذ تشرين الأول/أكتوبر 2014.
عدة عوامل تقف وراء هذا الارتفاع الجديد في أسعار النفط لا سيما توقف في الانتاج في “ليبيا ونيجيريا وانغولا والاكوادور وفي الاونة الاخيرة في كندا بسبب الصقيع الشديد” بحسب حسين سيد المحلل لدى اكسينيتي.
وجاءت المكاسب بفضل التفاؤل حيال ازدياد الطلب فيما تعيد دول العالم فتح اقتصاداتها وتراجع المخاوف المرتبطة بأوميكرون. وأدى تخفيف القيود على السفر في مختلف دول العالم إلى ارتفاع أسعار وقود الطائرات.
وشكّل أيضًا الأمل بتخفيف الصين، المستهلك الرئيسي للطاقة، قيودها النقدية بهدف دعم اقتصادها دفعة مهمة لسوق النفط.
من جهته قال وليد قضماني المحلل لدى “اكس تي بي” إن “الأسواق لا تزال مركزة على التوازن الحساس بين العرض والطلب الذي يبدو انه يترك أثرا كبيرا على تقلبات الأسعار طوال فترة الانتعاش الاقتصادي بعد الوباء”.
توتر جيوسياسي
تضاف الى المعادلة التوترات الجيوسياسية وهذا في عدة مناطق في العالم في الوقت نفسه، من الخليج وصولا الى أوكرانيا.
الاثنين تبنى المتمردون الحوثيون اليمنيون اعتداء في أبوظبي أسفر عن انفجار صهاريج وقود ومقتل ثلاثة أشخاص، فيما دعا المتمرّدون المدنيين الى الابتعاد عن “المنشآت الحيوية” في الدولة الخليجية. وأثارت الأنباء القلق حيال إمدادات الطاقة من المنطقة الغنية بالنفط. وقال المحلل في “آي ان جي” وارن باترسون إن هذه الأحداث “زادت من تحرك الأسعار”. بحسب فرانس برس.
وقال توربيورن سولتفيت من شركة “فيرسك مابلكروفت” إن “الهجوم الذي تم تنفيذه بطائرات مسيّرة على أبوظبي يؤكد على التهديد المتواصل للبنى التحتية المرتبطة بالمدنيين والطاقة في المنطقة في ظل توتر إقليمي متزايد”.
وأضاف “ستثير التقارير عن تعرّض شاحنات وخزانات وقود إلى أضرار قلق مراقبي سوق النفط، الذين يراقبون عن كثب أيضا مسار المحادثات النووية الجارية بين الولايات المتحدة وإيران”.
وأكد “فيما ينفد الوقت أمام المفاوضين، يزداد خطر تدهور المناخ الأمني في المنطقة”.
وقالت لويز ديكسون كبيرة محللي أسواق النفط لدى ريستاد إنرجي “الأضرار التي لحقت بالمنشآت النفطية الإماراتية في أبوظبي ليست كبيرة في حد ذاتها، لكنها تثير احتمال حدوث مزيد من التعطيل في الإمدادات في المنطقة في عام 2022”.
وأضافت “يزيد الهجوم من المخاطر الجيوسياسية في المنطقة، وربما يشير إلى أن الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي لم يعد مطروحا على الطاولة في المستقبل المنظور، مما يعني بقاء النفط الإيراني خارج السوق، وهو ما يعزز الطلب على خام مماثل من أماكن أخرى”.بحسب رويترز.
وقالت شركة النفط الإماراتية أدنوك إنها فعلت الخطط الضرورية لاستمرارية الأعمال لضمان توفير إمدادات موثوقة من المنتجات لعملائها في الإمارات وحول العالم بعد واقعة في محطة تحميل المنتجات المكررة في منطقة مصفح بأبوظبي.
وتتجه الأنظار أيضا الى التهديد المستمر بغزو روسي لأوكرانيا. يقول بعض المحللين إنه مع اضطرابات جديدة في الإمدادات بالغاز الروسي الى أوروبا فان أسعار الطاقة وبالتالي النفط يمكن ان ترتفع بشكل إضافي.
تساهم أسعار الغاز الطبيعي، المرتفعة أساسا جدا، في ارتفاع اسعار النفط. وهي ناتجة عن “ارتفاع الطلب على الديزل والفيول بدلا من الغاز الطبيعي أينما أمكن ذلك” كما يقول بياري شيلدروب المحلل لدى “إس اي بي”.
في ما يتعلق بالمتحورة أوميكرون من كوفيد-19، التي كانت تعتبر في بادئ الأمر تهديدا لمشتريات النفط، فقد تبين أنها أقل خطورة على الطلب مقارنة مع المتحورات السابقة.
أوبك في موقع قوة
يضيف سيد “وحدهم أعضاء أوبك وحلفاؤهم يمكنهم خفض الأسعار في هذه المرحلة عبر ضخ المزيد من النفط”. يتابع “بدلا من ذلك ستتمسك دول أوبك بلاس على الأرجح باستراتيجيتها بتليين تدريجي لخفض الانتاج لانها تستفيد من الأسعار المرتفعة حاليا”.
تعلن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها العشرة بينهم روسيا ضمن تحالف أوبك بلاس شهرا بعد شهر عن رفع هامشي في اهدافها للانتاج وتكافح من أجل تحقيقها وهو ما لا يتيح تلبية الاحتياجات.
وكانت السعودية أعلنت في مطلع السنة أن احترام اتفاقات سقوف الانتاج ضروري. بعبارات أخرى، لا يمكن الأعضاء الذين لديهم قدرة احتياطية التدخل للتعويض عن نقص إنتاج الأعضاء غير القادرين على التزام عتبة الانتاج.
وتوقع جويل هانكوك من مجموعة “ناتيكسيس” المالية الفرنسية أن “فوارق إنتاج أعضاء أوبك+ تتسع، مع كون روسيا محرك العجز الكبير المقبل”. ووفقا له، نظرا إلى أن ارتفاع المعروض من النفط خارج أوبك+ وخارج الولايات المتحدة “ضعيف نسبيا”، سيكون “اللجوء إلى النفط الصخري الأميركي ضروريا لمواجهة النمو المتوقع في الاستهلاك”.
بدوره، أفاد كريغ إرلام من “أواندا” بأن الصعوبات التي يواجهها أعضاء “أوبك” وغيرهم من المنتجين الرئيسيين في تحقيق الأهداف المتمثلة بزيادة الإنتاج بـ400 ألف برميل في الشهر تكثّف الضغط.
وقال في مذكرة “تشير الأدلة إلى أن الأمر ليس بهذه السهولة والمجموعة غير قادرة على تحقيق الأهداف بفارق كبير بعد فترة شهدت نقصا في الاستثمارات وانقطاعات”.
وأضاف “من شأن ذلك أن يدعم النفط ويزيد الحديث عن أسعار مئة (دولار) وما فوق”.
ويتوقع العديد من المحللين الآن ارتفاع أسعار النفط الخام فوق 90 دولارا للبرميل أو حتى أن يتخطى عتبة 100 دولار. وبالنسبة إلى حسين سيد “ما بدا مستحيلا قبل أشهر، لديه الآن فرصة كبيرة لأن يتحقق”.
ويرى محللو غولدمان ساكس على سبيل المثال ان برنت قد يصل الى 96 دولارا هذه السنة ثم 105 دولارا في 2023 بحسب مذكرة نشرت الاثنين.
وتوقع “غولدمان ساكس” بأن يتواصل ارتفاع أسعار النفط، مشيرا إلى أنه قد يتجاوز 100 دولار العام المقبل لأول مرة منذ تموز/يوليو 2014.
وأبقت أوبك يوم على توقعاتها بزيادة الطلب العالمي على النفط بشدة في 2022 على الرغم من سلالة أوميكرون المتحورة من فيروس كورونا والزيادات المتوقعة في أسعار الفائدة، متوقعة استمرار تلقي سوق النفط دعما جيدا خلال العام.
البيت الأبيض وزيادة أسعار النفط
من جهته قال البيت الأبيض إنه “لا تزال هناك أدوات مطروحة على الطاولة” إذا احتاجت الإدارة إلى التعامل مع ارتفاع أسعار النفط الذي قد يهدد الانتعاش الاقتصادي.
وقالت إيميلي هورن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي التابع للإدارة “نواصل العمل مع الدول المنتجة والمستهلكة وكانت لهذه الخطوات تأثيرات حقيقية على الأسعار، وفي النهاية لا تزال الأدوات مطروحة على الطاولة بالنسبة لنا للتعامل مع الأسعار.
“سنواصل مراقبة الأسعار في ظل النمو الاقتصادي العالمي وإشراك شركائنا في أوبك+ على النحو المناسب”.
أوبك تتوقع زيادة الطلب على النفط بشدة في 2022
أبقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على توقعاتها بزيادة الطلب العالمي على النفط بشدة في 2022 على الرغم من سلالة أوميكرون المتحورة من فيروس كورونا والزيادات المتوقعة في أسعار الفائدة، متوقعة استمرار تلقي سوق النفط دعما جيدا خلال العام.
جاءت توقعات أوبك المتفائلة مع وصول أسعار الخام إلى أعلى مستوى منذ عام 2014. وحصلت موجة الصعود على قوة دافعة من شح الإمدادات، وأظهر تقرير أوبك أيضا أن المنظمة لم تزد إنتاجها في ديسمبر كانون الأول بالقدر الذي وعدت به.
وقالت أوبك في تقرير شهري إنها تتوقع ارتفاع الطلب العالمي على النفط 4.15 مليون برميل يوميا هذا العام، دون تغيير عن توقعاتها الشهر الماضي.
وقالت “على الرغم من أن سلالة أوميكرون الجديدة قد يكون لها تأثير في النصف الأول من عام 2022، والذي يعتمد على أي تدابير إغلاق أخرى وتزايد معدلات دخول المستشفيات والتي تؤثر على القوى العاملة، فإن توقعات النمو الاقتصادي لا تزال قوية”.
وذكرت أن من غير المرجح أن تتأثر التوقعات بالزيادات المنتظرة في أسعار الفائدة في 2022، والتي تهدف إلى كبح التضخم بينما يعتبرها البعض تهديدا للطلب على النفط. وقالت إن الزيادات المتوقعة في أسعار الفائدة الأمريكية في الربع الثاني ستتزامن مع موسم السفر بالمركبات في نصف الكرة الأرضية الشمالي، وهو ما يعزز الطلب على الوقود.
وقالت أوبك ”من غير المتوقع أن تعرقل الإجراءات النقدية الزخم الأساسي للنمو الاقتصادي العالمي لكنها تعمل بدلا من ذلك على إعادة تقويم الاقتصادات التي تشهد نموا تضخميا”.
وأضافت “من المتوقع أن تظل سوق النفط مدعومة جيدا طوال عام 2022.”
وسوف تدفع الزيادة في الطلب هذا العام استهلاك الخام إلى تجاوز مستويات ما قبل الجائحة.
وعلى أساس سنوي ووفقا لأوبك، كانت آخر مرة استهلك فيها العالم أكثر من 100 مليون برميل يوميا من النفط في عام 2019.
تباطؤ زيادة إنتاج أوبك
أظهر التقرير أيضا ارتفاع انتاج أوبك، بينما تتخلص المنظمة وحلفاؤها فيما يعرف بأوبك+ تدريجيا من تخفيضات الإنتاج القياسية التي طبقتها العام الماضي.
وتستهدف أوبك+ زيادة الانتاج شهريا 400 ألف برميل يوميا، حصة دول أوبك العشر التي يشملها الاتفاق منها 253 ألف برميل يوميا، غير أن الزيادة جاءت أقل من المستهدف بسبب صعوبات واجهها بعض المنتجين.
وأظهر التقرير أن إنتاج أوبك في ديسمبر كانون الأول ارتفع 170 ألف برميل يوميا ليصبح 27.88 مليون برميل يوميا وهو ارتفاع أقل مما يُسمح لأوبك به بموجب الاتفاق. وسجلت ليبيا ونيجيريا انخفاضا في الإنتاج مقابل زيادة في إنتاج السعودية ودول أخرى.
ويراقب المتعاملون أي مؤشرات على تعاف كبير في إنتاج النفط الصخري الأمريكي نظرا لأن ارتفاع الأسعار يدفع الشركات لزيادة الاستثمار وهو ما قد يسبب صعوبات لأوبك+ في مساعيها لدعم السوق.
ورفعت أوبك توقعاتها لنمو إنتاج النفط الصخري الأمريكي في 2022 إلى 670 ألف برميل يوميا من 600 ألف. ولم تغير المنظمة توقعاتها لنمو الإمدادات الإجمالية من خارجها في 2022.
وقالت المنظمة إنها تتوقع أن يبلغ الطلب العالمي على نفطها 28.9 مليون برميل يوميا في 2022، دون تغير عن الشهر الماضي، وهو ما يسمح نظريا بزيادات جديدة في الإنتاج.
هل سوق النفط تتجه إلى فائض؟
لكن وكالة الطاقة الدولية قالت إن المعروض من النفط سيتجاوز الطلب خلال فترة وجيزة إذ من المتوقع أن يقبل بعض المنتجين على ضخ الخام عند أو فوق أعلى المستويات على الإطلاق، في حين يظل الطلب مرتفعا على الرغم من انتشار المتحور أوميكرون من فيروس كورونا.
وقالت الوكالة ومقرها باريس في تقريرها الشهري عن سوق النفط “في هذه المرة، أثر الانتشار محدود بدرجة أكبر على استهلاك النفط”.
وأضافت “في حين أن الزيادة المطردة في الامدادات قد تؤدي إلى تسجيل فائض كبير في الربع الأول من 2022 وما بعد ذلك، تشير البيانات المتاحة إلى أن عام 2022 يبدأ بمخزونات نفط عالمية أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة”.
ومن المنتظر أن تضخ الولايات المتحدة وكندا والبرازيل النفط بأعلى مستويات على الإطلاق خلال العام، بينما قد تتجاوز السعودية وروسيا كذلك مستويات ضخها القصوى.
وذكرت الوكالة أن “إمدادات النفط العالمية يمكن أن تشهد زيادة هائلة بواقع 6.2 مليون برميل يوميا تقودها السعودية، إذا واصل تحالف أوبك+ التخلص من باقي التخفيضات القياسية في الإمدادات التي أقرها في عام 2020”.
وذكرت وكالة الطاقة الدولية أن تخفيف إجراءات الإغلاق يعني استمرار الحركة النشطة، مما دفعها إلى رفع تقديراتها للطلب على النفط في العام الماضي والعام الحالي بنحو 200 ألف برميل يوميا.
لكنها حذرت من أن المخزونات التجارية من النفط والوقود في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بلغت أدنى مستوياتها في سبع سنوات، لذلك فإن أي صدمة في المعروض من شأنها أن تثير التقلبات في سوق النفط في 2022.
وقد يكون التأثير أكبر نظرا لأن زيادة الضخ تعني أن الطاقة الانتاجية الفائضة الفعلية ستتقلص وتتركز حاليا في السعودية والإمارات العربية المتحدة نظرا لأن بعض أعضاء أوبك يواجهون مشكلات في الإنتاج.
وقالت الوكالة إن الطاقة الفائضة الفعلية لدول أوبك+ قد تتقلص إلى 2.6 مليون برميل يوميا بحلول النصف الثاني من العام، مع استثناء النفط الإيراني الممنوع بسبب العقوبات.
من جهة أخرى، ذكر التقرير أن طاقة تكرير النفط العالمية انخفضت في العام الماضي للمرة الأولى في 30 عاما، وذلك بعد إغلاق عمليات تكرير أكبر من الطاقة الجديدة المضافة.
وقالت إن طاقة التكرير تقلصت بواقع 730 ألف برميل يوميا في 2021، لكن الإضافات الصافية من المتوقع أن تصل إلى 1.2 مليون برميل يوميا في 2022.
وأضافت أن من المتوقع أن يرتفع استهلاك المصافي (SE:2030) عالميا 3.7 مليون برميل يوميا في 2022.