رحمه حسن
تُعد السوقان الروسية والأوكرانية من أكبر الأسواق المصدرة للسياحة إلى مصر Mass Tourism، وخاصةً بعد عودة الطيران الروسي إلى مصر في أغسطس 2021 عقب توقف دام 6 سنوات بعد حادث سقوط الطائرة الروسية عام 2015. وتحتل مصر حاليًا المرتبة الرابعة عالميًا في استقبال السياحة الوافدة من دولة روسيا الاتحادية، وفقًا لشركة الأبحاث الروسية ” AK&M، وذلك على الرغم من انخفاض أعداد الرحلات الجوية السياحية الروسية التي استقبلتها البُلدان السياحية الأخرى التي ليس لها حدود مشتركة مع روسيا بنحو 62.5٪ بسبب جائحة كورونا مقارنةً بعام 2019. فقد بلغ إجمالي عدد السائحين الروس إلى مصر، وفقًا لتصريحات السفير الروسي بالقاهرة جيورجي بوريسينكو، نحو 700 ألف سائح عام 2021، و125 ألف سائح روسي خلال النصف الأول من يناير 2022.
وقد حافظت أوكرانيا على مكانتها على الخريطة السياحية المصرية كأولى دول أوروبا الشرقية المصدرة للسائحين إلى مصر، حيث استقبلت مصر خلال الفترة من يوليو 2018 حتى يونيو 2019 ما وصل إلى 1،4 مليون سائح أوكراني، رغم تأثير جائحة كورونا بتخفيض أعداد السائحين الأوكرانيين الوافدين إلى مصر خلال الفترة من 2019-2020 بواقع – 13.13% عن العام السابق ذكره، إلا أن أوكرانيا ما زالت في موقعها في مقدمة مصدري السائحين إلى مصر.
ومع الوصول لسيناريو الهجوم الروسي على أوكرانيا، وحالة الإغلاق التي ستشهدها حركة الطيران في أوكرانيا، تزيد ضرورة دراسة سيناريوهات تأثر السوق السياحي المصري بما يحدث في البلدين ووضع البدائل المناسبة لها.
تأثير الأحداث على الأسواق السياحية
تتزامن الحرب الروسية الأوكرانية مع ذكرى الثورة الأوكرانية أو “ثورة الميدان الأوروبي” التي اندلعت بميدان الاستقلال في كييف العاصمة الأوكرانية في فبراير 2014. حيث انعكست هذه الأحداث على حجم السياحة المغادرة من السوقين الأوكرانية والروسية لنفس العام، ويمكن تفصيلها في التالي:
1.ثورة الميدان الأوكرانية: أدت أحداث عام 2014، وفق تقديرات البنك الدولي، إلى تقليص عدد السائحين المغادرين من أوكرانيا، فبعد أن وصلت تلك الأعداد إلى نحو 29.988،000 سائح أوكراني عام ٢٠١٣، شهدت تراجعًا عام 2014 بنحو 24،5 % حيث وصلت إلى نحو 22،637،000 سائح.
2.الأزمة المالية الروسية: انعكست تلك الأحداث أيضًا على تفاقم الأزمة بين روسيا وأوكرانيا بعد سقوط حكومة يانوكوفيتش وتعيين حكومة موالية للغرب، أعلنت بعدها روسيا عن ضمها لجزيرة القرم، مما تسبب في حدوث الأزمة المالية في روسيا وانخفاض سعر الروبل مقابل الدولار، بعد فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، وانخفاض أسعار النفط خلال عامي 2014 و2015، لتؤثر تلك العوامل بدورها على حجم الحركة السياحية المغادرة للبلاد. فبعد أن بلغ عدد المسافرين الروس عام 2013 نحو 54،069،000 سائح، انحسر عدد السائحين الروس فوصل إلى 31،659،000 سائح عام 2016.
3.انتشار جائحة كورونا: بسبب المشكلات الاقتصادية التي سببتها الجائحة، وما نتج عنها من تقيد حركة السفر والسياحة، فقد انخفض عدد السائحين المغادرين من روسيا إلى نحو 12،361،00، ومن أوكرانيا 11،251،000 سائح عام 2020.
4.الأسواق المجاورة للسوق الأوكرانية والروسية: يتوقع أن تؤثر الأزمة الحالية كذلك على حركة السياحة القادمة والوافدة من دول شرق أوروبا المجاورة للدولتين الروسية والأوكرانية ومنها دولة بولندا التي تُعد الآن واحدة من أهم عشرة أسواق مصدرة للسياحة إلى جمهورية مصر العربية في فترة ما بعد جائحة كوفيد-19، إلى جانب دول “التشيك وسلوفاكيا والمجر ورومانيا”.
5.الحركة السياحية الوافدة للمقصد المصري: أنفق السياح الروس عام 2019 حوالي 36.3 مليار دولار في قضاء أوقات عطلاتهم، مما وضع روسيا في المركز السادس بين أكثر الدول إنفاقا على السياحة على مستوى العالم[i]، إلا أن العديد من التأثيرات السياسية والاقتصادية قد أثرت على حجم السياحة الوافدة إلى مصر من السوق الروسية، فقد أدت حادثة الطائرة الروسية عام 2015 إلى وقف حركة الطيران بين مصر وروسيا؛ مما أثر على عدد السائحين الوافدين، كما أثرت جائحة كورونا على عدد الليالي السياحية التي يقضيها السائحون الروس والأوكرانيون في مصر عقب الجائحة بمقارنة عامي (2018/2019) و(2019/2020)، حيث انخفضت السياحة الأوكرانية بنسبة -12،23%، و-45،59% للسائح الروسي، والتي تزامنت أيضًا مع انخفاض الإنفاق السياحي للروس على مستوى العالم في الربع الأول من عام 2020، بنحو – 15.4٪، وفي الربع الثاني – 89.3٪، بسبب الجائحة.
هل تتغير اتجاهات السائحين الروس والأوكرانيين؟
أدى قرار وقف الطيران الروسي المتجه إلى مصر عام 2015، إلى توجه السائحين الروس إلى مقاصد أخرى، وخاصةً الدول المتاخمة للحدود الروسية أو الدول داخل قارتي آسيا وأوروبا، فوفقًا لموقع “statista” كانت دول “جمهورية أبخازيا المعترف بها من روسيا، وتركيا وأوكرانيا وفنلندا وكازاخستان وبولندا واستونيا”، إلى جانب “ألمانيا والإمارات المتحدة وتايلاند”، أهم الوجهات للسياحة الروسية في فترة توقف السياحة الروسية إلى مصر.
الوجهات المفضلة للسائح الروسي عام (2019-2020)
ومع إصدار قرار استئناف حركة الطيران الروسي إلى مصر، وبالرغم من تأثر القطاع السياحي العالمي جراء جائحة كورونا، عادت بقوة إلى خريطة المنافسة السياحية، حيث نجحت خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2021 في احتلال المرتبة الرابعة في استقبال السائحين الروس وذلك وفقًا لما أعلنته شركة الأبحاث الروسية AK&M، وأوضح موقع “RUSSTD” المتخصص في السفر، أن نتائج البحث والحجز عبر موقع الحجز الأشهر (Travelata.ru) أوضحت أن مصر أعلى قائمة تفضيلات حجز السائحين الروس خلال الموسم الشتوى لعام (2021-2022) بواقع 52% من مستخدمي الموقع من الروس، كما أظهر استطلاع للرأي أجرته “شركة Yandex“، المحرك البحثي الروسي، على 10 آلاف شخص في مارس 2021، اختيار 60٪ من السياح الروس لمصر إلى جانب كل من تركيا وتايلاند وعدد من دول أوروبا خاصةً إيطاليا وإسبانيا “كأكثر وجهات السفر المرغوبة”.
ويبدو أن الأزمات لا تثني السائحين الروس عن السفر من خلال الاعتماد على السفر الداخلي أو البلدان المجاورة عن طريق السفر البري والتخييم، ولكن التفضيلات الأكبر للسائحين وفقًا لدراسة المركز التحليلي NAFI، فإن 88% من السائحين الروس يفضلون قضاء إجازتهم خلال فصل الصيف في الخارج بدلًا من السفر المحلي عقب استقرار الوضع الوبائي.
يأتي السائح الأوكراني في المرتبة الثانية بين الدول العشر الأكثر زيارة إلى المقصد المصري. ووفقًا لوزارة التنمية الاقتصادية والتجارة الأوكرانية، فقد احتلت بولندا المركز الأول كأكثر الوجهات المفضلة لدى الأوكرانيين في عام 2018 وزارها فعليًا نحو 4 ملايين و810 ألف سائح اكراني، وتلتها روسيا ثم المجر، ومولدوفا وبيلاروسيا، أما مصر فقد جاءت في المركز السادس، لتتبعها كل من تركيا وسلوفاكيا وألمانيا وإيطاليا.
السياحة المصرية تبحث عن أسواق بديلة
إيجاد أسواق بديلة هو أحد بدائل مواجهة السيناريوهات المحتملة في الأزمة الأوكراينة المتفاقمة، ووفقًا لتصور المفوضية الأوروبية، فإن دول البريكس (روسيا والصين والهند والبرازيل) هي من أهم الأسواق الناشئة التي يمكن استهدافها، وتبرز أهمية تلك الدول في التالي: وجود الدول الأربع ضمن أعلى دول في الناتج المحلي وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي التي نشرت في أبريل 2021، ولقد احتلت الصين المركز الأول، والهند في المركز الثالث وروسيا سادسًا والبرازيل ثامنًا على هذا المؤشر.
- الصين: بلغ حجم الإنفاق على السياحة الدولية نحو 277،3 بليون دولار عام 2019، و130،5 بليون دولار عام 2020[i]، وتبلغ نسبة مصر من هذا الإنفاق نحو 0،07%، فبلغ إجمالي إنفاق السائحين الصينين الوافدين إلى مصر عام 2019 نحو 183 مليون 728 ألف دولار.
ولزيادة نسبة مصر من حصة السياحة الصينية العالمية يجب التعرف على طبيعة احتياجات السائح الصيني والذي يميل إلى الرحلات الجماعية، فيما يفضل السائح عالي الإنفاق إلى الزيارة بشكل مستقل للتعرف على التجارب الفردية وزيارة الأماكن ذات التراث التاريخي والثقافي، باحثين عن عنصر تجريبي وثقافة محلية، وعادة ما يسافر الأفراد من الفئة العمرية (35 – 60) عامًا إلى أوروبا في الفترات بين (مايو وسبتمبر).
- الهند: بلغ حجم الإنفاق الدولي السياحي نحو 22،9 بليون دولار عام 2019، وفي عام الجائحة وصل إلى 12،6 بليون دولار عام 2020[ii]، وتبلغ نسبة مصر من هذا الإنفاق نحو 0،37% حيث بلغ معدل إنفاق السائحين الهنود في مصر عام 2019 نحو 84 مليون و880 ألف دولار.
ولزيادة هذه النسبة فإن معرفة سمات السائح الهندي ستعمل على تعزيز السياسات الترويجية له، فيتسم السائح الهندي بارتباطه بالعائلة فتكون وجهات السفر من خلال ترشيح الأصدقاء أو وكلاء السفر أو البحث عبر الإنترنت، ويفضلون التواصل باللغة الإنجليزية، ويرتبون رحلاتهم قبل ثلاث أو 6 أسابيع من السفر، وتعد السياحة الترفيهية في قمة اهتماماتهم، إلى جانب زيادة الطلب على سياحة الاجتماعات والحوافز والمؤتمرات والمعارض (MICE)، وعادةً ما تكون رحلاتهم بين “بين مايو ويوليو وأكتوبر وديسمبر” وتتراوح مدة إقامتهم عالميًا ما بين 10 إلى 21 يومًا، من خلال التنويع بين الوجهات لزيارة المعالم المشهورة عالميًا والتسوق. وتأتي جودة الخدمات الفندقية على رأس المتطلبات داخل الوجهات المفضلة لديهم.
- البرازيل: وصل حجم الإنفاق الدولي السياحي نحو 17،6 بليون دولار عام 2019، وانخفض في عام 2020 إلى 5،4 بلايين دولار[iii]، وبلغت نسبة مصر من هذا الإنفاق عام 2019 نحو 0،14% فقط، بمعدل 24 مليون و507 آلاف دولار.
ولزيادة الحركة السياحية من هذا السوق، ولجذب هذه النوعية من السائحين يجب معرفة تفضيلاتهم التي حددتها المفوضية الأوروبية في السفر للتعرف على الطبيعة والتراث وحضارات المدن، وتأتي سياحة الترفيه كأقل أنواع السياحة التي يفضلها البرازيليون، وعادةً ما يقضون فترات إجازتهم في موسم الشتاء البرازيلي “يونيو إلى أغسطس”، وفترة احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، بهدف التسوق، ويسافر السائحون الشباب للدراسة في الدول الغربية وخاصةً الولايات المتحدة والأرجنتين وأوروجواي والبرتغال وإيطاليا.
ومع تطور الأوضاع الحالية في الأزمة الروسية الأوكرانية، ووقف حركة الطيران مع كثير من الدول، فإنه يتعين علينا بناء تحالفات اقتصادية استراتيجية لجذب أسواق سياحية جديدة والتي ستفيد في انتعاش نمو القطاع السياحي باعتباره الأكثر تأثرًا بالأوضاع العالمية، لضمان استدامة معدلات النمو.
المصادر
[1] RUSSIAN TOURISM MARKET REPORT: TRENDS، ANALYSIS & STATISTICS 2021، Available at: https://russia-promo.com/uploads/travel_research_book_eng.pdf
[1] منظمة السياحة العالمية، https://www.unwto.org/country-profile-outbound-tourism
[1] منظمة السياحة العالمية، https://www.unwto.org/country-profile-outbound-tourism
[1] منظمة السياحة العالمية، https://www.unwto.org/country-profile-outbound-tourism
.
رابط المصدر: