محمود قاسم
أثارت قمة جدة للأمن والتنمية المنعقدة بالسعودية، تساؤلات عديدة فيما يرتبط بقضايا الإقليم والترتيبات الأمنية، التي يمكن أن تفرزها القمة في إطار الرغبة المتبادلة لكافة الأطراف المشاركة في تعزيز الاستقرار وفرض معادلة جديدة للأمن الإقليمي، تفضي لتسكين الصراعات في المنطقة وفي مقدمتها الصراع اليمني الممتد لأكثر من سبع سنوات، منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014.
وفي مقاله المعنون بـ”لماذا أنا ذاهب إلى السعودية؟”، تطرق الرئيس الأمريكي “جو بايدن” للأزمة في اليمن باعتبارها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، كما أشار خلال المقال للإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه تسوية الصراع وتسكينه، حيث أكد على أن الدبلوماسية الأمريكية نجحت في إقناع الأطراف المتناحرة للتوافق حول هدنة وقف إطلاق النار، فضلًا عن إتاحة الفرصة أمام إيصال المساعدات الإنسانية للمدن والمناطق المحاصرة، ما اعتبره بايدن إنجازًا كبيرًا للدبلوماسية الأمريكية، خاصة وأن اليمن منذ إعلان الهدنة تشهد نوعًا من الاستقرار لم يكن مطروحًا بهذه الكيفية خلال السنوات السبع الماضية.
هل من انفراجة؟
كانت الأزمة اليمنية وإنهاء الصراع إحدى أولويات الرئيس الأمريكي “بايدن” والتي تم الإعلان عنها خلال حملته الانتخابية، علاوة على ما جاء في خطابة الأول (4 فبراير 2021) حول مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم والذي تعهد خلاله بتكثيف الجهود الدبلوماسية والانخراط الجاد بهدف إنهاء الصراع اليمني، وفي سبيل تحقيق ذلك اتخذت الإدارة الأمريكية عددًا من الإجراءات من بينها الإعلان عن وقف دعم العمليات العسكرية في اليمن، علاوة على تعيين الدبلوماسي” ليندركينغ” مبعوثًا أمريكيًا في اليمن، وهو ما عولت عليه كافة الأوساط نظرًا لخبرته ودرايته بالمنطقة.
وتبنت الإدارة الأمريكية توجهًا عامًا يقوم على المرونة والتخلي عن التشدد بهدف احتواء الحوثيين ودفعهم نحو التسوية، وذلك من خلال قيام الولايات المتحدة الأمريكية برفع الحوثيين من قائمة التنظيمات الإرهابية، إلا أن هذه الخطوة لم تؤت ثمارها خاصة أنها ساهمت في دفع الحوثيين تجاه مزيد من التعنت وتغليب الأداة العسكرية على لغة الدبلوماسية، ما انعكس بصورة واضحة على الوضع الميداني والعسكري، سواء فيما يرتبط بمحاولة الحوثي توسيع نفوذه في مأرب وعدد من المناطق، أو من خلال توسيع الهجمات الخارجية تجاه المملكة العربية السعودية والإمارات.
وفي هذا الإطار تبدو الأصداء المحتملة للقمة على الصراع اليمني محكومة بعدد من المحددات والتي يمكن الوقوف عليها فيما يلي:
أولًا) قدرة الهدنة على الصمود، حيث يُنظر للتوافق بين الأطراف اليمنية على وقف إطلاق النار منذ أبريل الماضي وتمديد الهدنة حتى أغسطس القادم، باعتبارها واحدة من التحولات الكبرى التي شهدتها الأزمة اليمنية خلال السنوات الماضية، فمنذ عام 2016 لم تشهد الساحة اليمنية ثباتًا لوقف إطلاق النار كتلك التي تسيطر على اليمن في الوقت الراهن، الأمر الذي رفع من سقف الطموحات والآمال في إنهاء الحرب والحيلولة دون استمرارها، خاصة وأن الوضع الراهن ساهم في تحسين الظروف الإنسانية في اليمن.
وفي هذا الإطار، شدد زعماء قمة جدة على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار والعمل على تمديده كمقدمة لتسوية الصراع، الأمر ذاته الذي أكده البيان المشترك بين الرياض وواشنطن والذي دعا لضرورة الضغط على الحوثيين للعودة لمحادثات السلام، والعمل على تحويل الهدنة لاتفاق سلام دائم بهدف وقف الصراع الممتد منذ عام 2014.
ويبدو أن التوجه نحو تثبيت وقف إطلاق النار ومرور ما يقرب من أربعة أشهر دون الارتداد عن هذا المسار –رغم الخروقات العسكرية غير المؤثرة- قد يحمل في طياته مؤشرًا يمكن البناء عليه في بناء الثقة بين الأطراف المتناحرة. ويدعم هذا التوجه رغبة المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي في تقليل الانخراط في اليمن وبحث حلول دائمة لتسوية للصراع، يضاف لذلك استمرار الملف اليمني ضمن أولويات الإدارة الأمريكية وفقًا لما هو معلن من قبل الرئيس الأمريكي، علاوة على الإجماع الإقليمي والاصطفاف الواضح في القمة والرامي لتحييد المخاطر الأمنية الناجمة عن الصراع في اليمن ومنع تجدده.
ثانيًا) غياب المقاربة الشاملة، ترى عددًا من التقديرات أن الرؤية الأمريكية تجاه الصراع في اليمن، تفتقد للنهج الشامل أو المقاربة المتكاملة للتعاطي مع الصراع، وعليه تُرجح تلك التقديرات صعوبة التوصل لتسوية شاملة للصراع وأن أقصى ما يمكن أن تحققه الولايات المتحدة في هذا الصدد نجاحها في تمديد وقف إطلاق النار، ويدعم أصحاب هذا التوجه موقفهم من خلال التأكيد على أن دعوات الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء الصراع في اليمن، لا تمثل سوى ورقة تعمل من خلالها واشنطن لتحقيق أهدافها الكبرى، المتمثلة في ضمان إمدادات الطاقة والنفط من دول الخليج لمواجهة الضغوط الروسية على الغرب، وعليه فإن إنهاء الصراع –وفقًا لتلك الرؤية- ليس هدف في حد ذاته في الوقت الراهن بالنسبة للإدارة الأمريكية، بقدر حاجتها لتأمين احتياجاتها من النفط، ما قد يؤجل حسم الصراع في اليمن.
كما يرى آخرون أن عدم دعوة “رشاد العليمي” رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني لحضور القمة، يشير لموقع الصراع اليمني من القمة رغم إشارة كافة المشاركين لضرورة تسوية الصراع. وعليه ينظر أصحاب هذا الموقف لعدم نضوج الرؤية الأمريكية بعد بشأن حلحلة الصراع، وأن الهدف الرئيس من الزيارة يرمي لترميم العلاقة مع الرياض لتجاوز التحديات الداخلية التي يتعرض لها بايدن، علاوة على المأزق الخارجي المتمثل في حاجته لزيادة إنتاج النفط بهدف خفض الأسعار، وتوفير بديل مناسب لمقاومة أية ضغوط أو تصعيد محتمل من قبل روسيا.
ثالثًا) الشكوك المُثارة حول موقف الحوثيين، يظل تعنت الحوثيين عائقًا أمام أية تسويات شاملة للصراع في اليمن، خاصة في ظل تكرار عملية الانقلاب على التسوية السياسية أو محاولة التهدئة، كما هو الحال في الانقضاض على اتفاق الشراكة والسلم، وعدم تنفيذ مخرجات اتفاق ستوكهولم، علاوة على رفض الحوثي فتح الطرق الرئيسة في تعز وعدد من المناطق التي تسيطر عليها الميليشيا، الأمر الذي قد يؤدي لعرقلة هدنة وقف إطلاق النار، في ظل رفض الحوثي مقترحات المبعوث الأممي في اليمن “هانس غروندبرغ” بشأن فتح الطرق من و إلى تعز، خاصة أن هذه القضية لم تشهد أي تقدم منذ إعلان الهدنة.
من هنا يمكن فهم دعوة “رشاد العليمي” خلال لقائه بوزير الخارجية الأمريكي في جدة على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، حيث طالب الولايات المتحدة الأمريكية بلعب دور فاعل للضغط على الحوثيين من أجل تنفيذ بنود الهدنة. وفي هذا الإطار يشكل استمرار حصار تعز تحديًا كبيرًا أمام الهدنة في اليمن، إذ إن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي لتفريغ الهدنة من مضمونها، خاصة في ظل تقديرات ترجح استغلال الحوثيين لعملية وقف إطلاق النار في استجماع قوتهم وتعزيز قدرتهم العسكرية، ومن ثم مواصلة الجهود الحربية ومساعي توسيع النفوذ الميداني.
رابعًا) التحولات المنتظرة، يظل ثبات الهدنة وتوسيع نطاقها بالتوجه نحو بحث سُبل التسوية الشاملة، مرهونًا بالملفات الإقليمية والدولية المطروحة على الساحة، وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني، نظرًا لما يمثله من تأثير مزدوج يمكن أن يسهم في حلحلة الصراع حال التوصل لاتفاق مع إيران، ما قد يدفع الأخيرة للضغط على الحوثيين لقبول التسوية والشروع في مفاوضات مع الحكومة اليمنية، كما قد يؤدي فشل التوصل إلى اتفاق لاستمرار إيران في توظيف الحوثي في زعزعة استقرار دول الجوار كورقة للمساومة لتحقيق أكبر قدرًا ممكنًا من المكاسب.
من ناحية أخرى، يمكن أن تصب مساعي التقارب الإيراني الخليجي والتي بدت ملامحه في عقد 5 جولات بين الرياض وطهران، علاوة على تأكيد الإمارات أنها ليست طرفًا في أي محور في المنطقة ضد إيران، ومساعيه لتعيين سفير لها في طهران، في صالح تهدئة الصراع في اليمن، خاصة أن التحول في الموقف الخليجي بهذا الشكل يحمل عددًا من الدلالات في ظل مساعي تهدئة التوترات الإقليمية، وبحث سبل المصالحة والانفتاح على القوى الإقليمية التي كانت تنظر إليها دول الخليج على أنها تحمل مشاريع مناهضة لها. وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بحدود التقارب بين إيران ودول الخليج، وعدم حدوث أي اختراق حقيقي حتى الآن في هذا المسار، إلا أن نتائجه قد تنعكس بصورة مباشرة على الوضع في اليمن، خاصة في ظل سيطرة إيران وحيازتها لصناعة القرار في صنعاء.
في الأخير، أكدت قمة جدة للأمن والتنمية وما سبقها من قمة بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، على أهمية تثبيت وقف إطلاق النار كمحطة مهمة وتحول لم تشهده اليمن منذ فترات، وعلى الرغم من الإشارات الواضحة في القمة لأهمية استقرار اليمن وإنهاء الصراع، إلا أن تعقيدات المشهد اليمني وحسابات الأطراف الداخلية والخارجية قد تضع قيودًا على تسوية الصراع على الأقل في الوقت الراهن، ويظل الحفاظ على وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية وإنهاء الحصار على تعز ضمن بنك الأهداف الحالية للدول المشاركة في القمة، ما قد يضمن استمرار الوضع على ما هو عليه من أجل تسوية أشمل قد تحتاج لوقت أطول، نظرًا لارتباطها بجملة من القضايا المتشابكة.
.
رابط المصدر: