بسنت جمال
تُعتبر روسيا من البلدان المنفتحة تجاريًا على العالم الخارجي، حيث إنها شريك تجاري لأكبر القوى الاقتصادية حول العالم، كما أنها المُورد الرئيسي للعديد من السلع الاستراتيجية، ولهذا تُمثل التجارة الروسية نحو 46% من الناتج المحلي الإجمالي. واستطاعت موسكو أن تسجل فائضًا تجاريًا مستمرًا منذ عام 1998 بفضل ثراء مواردها الطبيعية، ولا سيما النفط والغاز الطبيعي، مما أعطاها وزنًا نسبيًا في السوق العالمية لتلك المنتجات، حيث تبلغ حصة صادراتها في سوق القمح نحو 18%، وحوالي 17% و12% في سوقي الغاز والنفط على الترتيب، ونسبة 20% في سوق الأسمدة.
أداء التجارة الروسية
تحتل روسيا المرتبة السادسة عشرة في قائمة أكبر المُصدرين العالميين، والمركز الحادي والعشرين في قائمة أكبر الدول المستوردة حول العالم. وفيما يلي عرض لقيمة الصادرات والواردات الروسية للسلع والخدمات خلال الفترة التي تتراوح بين 2016-2020:
يتبين من الشكل السابق أن قيمة صادرات السلع الروسية تتجاوز قيمة وارداتها خلال الفترة المذكورة سلفًا، حيث بلغت الأولى نحو 419.85 مليار دولار خلال 2019، مقارنة بقيمة الأخيرة البالغة 254.598 مليار دولار في العام نفسه، لتنخفض عقب ذلك بحلول عام 2020 بفعل انتشار أزمة كورونا التي أسفرت عن انكماش النشاط الاقتصادي واضطراب حركة التجارة العالمية وتراجع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما ترتب عليه تراجع كلٍ من صادرات وورادات السلع إلى حوالي 332.227 مليار دولار، ونحو 240.38 مليار دولار على الترتيب.
الشكل 1- الصادرات والواردات الروسية خلال خمس سنوات (مليار دولار)
وبالتحول صوب تجارة الخدمات، يتضح أن قيمة الواردات تتفوق على الصادرات، حيث بلغت الأولى نحو 61.793 مليار دولار خلال العام السابق لانتشار جائحة كورونا، فيما سجلت الثانية حوالي 97.668 مليار دولار، ولكن مع ظهور الجائحة هبطت قيمة كل منهما بضغطٍ من توقف حركة السياحة بشكل أساسي إلى حوالي 46.707 مليار دولار ونحو 63.435 مليار دولار على التوالي، وهو ما يمُثل انخفاضًا قدره 24.4% بالنسبة لصادرات الخدمات، ونحو 35% على أساس سنوي بالنسبة للواردات. وبفضل ارتفاع قيمة تجارة السلع الروسية استطاعت الدولة أن تعوض العجز الطفيف المُسجل في الميزان الخدمي، ويُمكن الاستعانة بالشكل الآتي لتوضيح الفائض التجاري الروسي:
الشكل 2- الميزان التجاري الروسي (مليار دولار)
يتضح من الشكل السابق أن الميزان التجاري الروسي حقق فائضًا تبلغ قيمته نحو 164.974 مليار دولار خلال عام 2018، وهو أعلى مستوى مسجل خلال الفترة محل الدراسة، ليتراجع عقب ذلك بنحو 22.1% على أساس سنوي إلى 128.507 مليار دولار بحلول عام 2019، ليحقق مزيدًا من التراجع بنسبة 42.07% خلال عام 2020.
وتقوم روسيا بتصدير الهيدروكربونات –التي تستحوذ على أكثر من 50% من إجمالي صادراتها- والحديد والصلب والقمح والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة والأخشاب، في حين تستورد بشكل أساسي الآلات والأدوية والإلكترونيات والمنتجات الكهربائية والمركبات والمواد البلاستيكية، ويُمكن الاستعانة بالشكل الآتي لإلقاء نظرة أكثر عمقًا على هيكل الصادرات والواردات الروسية:
• السلع الزراعية والغذائية: يُبين الجدول الآتي أبرز صادرات وواردات السلع الغذائية خلال عام 2019، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن منظمة التجارة العالمية.
يحتل القمح ودقيق الميسلين المركز الأول في قائمة أبرز الصادرات الروسية الغذائية للعالم بنحو 6.403 مليارات دولار خلال 2019، يليه بذور عباد الشمس بحوالي 2.206 مليار دولار، لتأتي الذرة في المركز الأخير بحوالي 618 مليون دولار. في حين تربعت الفواكه الحمضية على قائمة الواردات الغذائية لروسيا بقيمة تبلغ 1.289 مليار دولار، تليها منتجات الألبان عند 1.161 مليار دولار.
• السلع غير الزراعية: يُبين الجدول الآتي أبرز صادرات وواردات السلع غير الغذائية خلال عام 2019، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن منظمة التجارة العالمية.
يُبين الجدول السابق أن الزيوت البترولية تحتل المرتبة الأولى في قائمة الصادرات السلع غير الزراعية بقيمة 122.229 مليار دولار، فيما جاءت الأدوية وقطع غيار السيارات في المركزين الأول والثاني فيما يتعلق بأبرز الواردات غير الزراعية بحوالي 10.168 مليارات دولار، ونحو 8.761 مليارات دولار على الترتيب.
وبالانتقال إلى أبرز الشركاء التجاريين لروسيا، يتبين أن الصين هي الشريك التجاري الأول لموسكو من حيث الصادرات والواردات، كما تُبين الأشكال الآتية:
الشكل 3- أبرز المستوردين من روسيا خلال 2020 (مليار دولار)
يتبين من الشكل السابق أن الصين هي الوجهة الأولى للصادرات الروسية خلال عام 2020 عند حوالي 49.583 مليار دولار، تليها هولندا التي استوردت بضائع روسية تُقدر بنحو 25.344 مليار دولار، بفارق تبلغ قيمته 24.239 مليار دولار. ومن الجدير بالذكر أن هولندا استطاعت أن تحافظ على الصدارة خلال الفترة التي تتراوح بين 2010 حتى عام 2016، لتبرز الصين كشريك تجاري أول لروسيا منذ عام 2017 وحتى عام 2020. أما عن أبرز المُصدرين لروسيا خلال 2020:
الشكل 4- أبرز المُصدرين إلى روسيا خلال 2020 (مليار دولار)
يوضح الشكل السابق أن الصين أيضًا هي الدولة المُصدرة الأولى لروسيا بحوالي 54.908 مليار دولار، لتأتي ألمانيا في المركز الثاني عند 23.417 مليار دولار بفارق يبلغ نحو 31.491 مليار دولار، فيما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة بصادرات إلى روسيا تبلغ قيمتها 13.222 مليار دولار.
وعطفًا على ذلك، تُعد روسيا أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للاتحاد الأوروبي منذ عام 1997، واستمرت العلاقات الثنائية بينهما على نحوٍ جيد حتى قررت روسيا ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 مما أثر سلبًا على آليات التعاون الاقتصادي بين موسكو والتكتل الأوروبي، وتم فرض عقوبات متبادلة على تداول بعض السلع.
وتحتل روسيا المركز الخامس كأكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، حيث تمثل نحو 4.8% من إجمالي تجارة الاتحاد الأوروبي في البضائع مع العالم في عام 2020، فيما يأتي الاتحاد الأوروبي في المركز الأول كأكبر شريك تجاري لروسيا، حيث يمثل 37.3% من إجمالي تجارة البلاد في السلع مع العالم خلال العام نفسه، وقد استلمت موسكو نحو 36.5% من وارداتها من الاتحاد الأوروبي، وأرسلت حوالي 37.9% من صادراتها إليه.
وبلغ إجمالي تجارة البضائع بين الاتحاد الأوروبي وروسيا عام 2020 نحو 174.3 مليار يورو، في حين سجلت قيمة الواردات الأوروبية نحو 95.3 مليار يورو، تم توزيعها على الأقسام الآتية:
الشكل 5- أبرز السلع المستوردة من روسيا (مليار يورو)
يتضح من الشكل السابق أن المنتجات البترولية سيطرت على حوالي 70.6% من الواردات الأوروبية من روسيا بقيمة 67.3 مليار يورو، تليها المنتجات الزراعية والمواد الخام بقيمة 4.3 مليارات يورو بنسبة 4.5%. فيما بلغ إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي لروسيا حوالي 79.0 مليار يورو خلال عام 2020، جاء على رأسها الآلات ومعدات النقل والسلع المصنعة. أما عن تجارة الخدمات، فقد بلغ حجمها حوالي 27.7 مليار يورو انقسمت إلى واردات أوروبية من روسيا بقيمة 8.9 مليارات يورو، وصادرات أوروبية إلى موسكو بنحو 18.8 مليار يورو. وفي الأخير، يُعد الاتحاد الأوروبي أكبر مستثمر في روسيا، حيث بلغ رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر من بروكسل إلى روسيا حوالي 311.4 مليار يورو حتى عام 2019.
وتلخيصًا لما سبق، تُعد روسيا شريكًا تجاريًا رئيسيًا للعديد من الدول حول العالم، كما أنها المسئولة عن توريد نسبة كبيرة من بعض السلع، مما يعني أن اضطراب إمدادات وسلاسل توريد تلك المنتجات الحيوية قد يضر كلًا من روسيا وشركائها التجاريين، حيث ستتأثر الأولى جراء الإضرار بمصدر رئيسي للاحتياطي النقدي وهو الصادرات، فيما ستتأثر الأخيرة بضغطٍ من نقص الإمدادات وارتفاع فاتورة الاستيراد.
.
رابط المصدر: