تجلت بوضوح منذ بداية الحرب على قطاع غزة سياسات الأحزاب اليمينية المتطرفة، وهي بالأصل سياسة أعضاء الحكومة الحالية الائتلافية والتي يأتي على رأسها حزب الصهيونية الدينية وحزب عوتمسا يهوديت، حيث تمحورت تلك السياسات في دعواتهم لمواصلة الحرب على قطاع غزة واتخاذ تدابير متطرفة مثل تأييد ضرب المستشفيات والمدارس الفلسطينية، وتكثيف حملات اعتقالات الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتسليح المستوطنين، والإصرار على إصدار قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين، وإصدار قوانين عنصرية ضد المواطنين العرب الذين يحملون جنسية إسرائيلية.
ووفقًا لزعيم حزب عوتمسا يهوديت “إيتمار بن غفير”، الذي يتبنى مواقف معادية للغاية للعرب والفلسطينيين ويرى ضرورة التخلص منهم ولا يؤيد حل الدولتين، فإن الحرب الإسرائيلية يجب أن تستمر على قطاع غزة حتى السيطرة الكاملة على القطاع، والتخلص من حركة حماس وأي حركة مقاومة فلسطينية أخرى، وهو ما تجلى بوضوح في رفضه للهدنة الإنسانية وصفقة تبادل الأسرى، وتهديده هو وسموتريتش رئيس حزب الصهيونية الدينية المتشدد ووزير المالية بحل الحكومة الائتلافية، إذا لم تستأنف الحرب وفقًا للعريضة التي تم تقديمها. وبعد خرق الهدنة في يوم الخميس 30 نوفمبر، طالب سموتريتش، رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، بالإعلان الرسمي عن انتهاء اتفاق الهدنة وقطع كافة العلاقات مع حركة حماس والوسطاء.
ويمكن بلورة أبرز السياسات المتخذة من قبل أعضاء الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل على النحو التالي:
أولًا: سياسة تسليح المستوطنين من قبل الحكومة الإسرائيلية:
تتسابق وزارات الأمن والدفاع في إسرائيل بعد عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي، لتسهيل تسليح ألاف المستوطنين وتدريبهم من أجل حمل رخصة المقاتلين. ويشرف على تنفيذ هذه الخطة وزير الأمن إيتمار بن غفير بشكل أساسي، والذي أسس هذه الخطة تحت مسمى “تمكين الوحدات الأمنية المدنية”، وكانت مثل هذه الخطة تنفذ في السنوات الماضية ولكن بدون إعلان رسمي أو قرار حكومي بتقديم تسهيلات، حيث كانت تلك السياسة محدودة ومقيدة إلى حد ما بالعديد من الشروط.
وفي نهاية أكتوبر 2023؛ وافقت لجنة الأمن القومي في الكنيست بقيادة عضو حزب “عوتسما يهوديت” اليميني المتطرف، على تعديل لوائح ترخيص الأسلحة بحيث تكون شروط الحصول على ترخيص السلاح أكثر تساهلًا، وعلى الرغم من موقف وزارة العدل التي يرأسها عضو حزب الليكود” ياريف ليفين” بأن تلك التسهيلات مؤقتة لمدة عام فقط بسبب أوضاع الطوارئ الحالية، إلا أن اللجنة اختارت تفعيل الأوامر بشكل دائم. وتشير اللوائح الجديدة لتراخيص الأسلحة إلى أن الرجال الذين تبلغ أعمارهم 21 عامًا فما فوق والذين قضوا فترة تجنيدهم في مواقع قتالية لمدة عام واحد أو أكملوا عامين من الخدمة العسكرية العامة، والنساء الذين أكملوا سنة واحدة من الخدمة المدنية الوطنية؛ يحق لهم حمل سلاح.[1]
وجدير بالذكر أنه خلال العام الحالي قدمت وزارة الأمن الإسرائيلية تصريحات حمل سلاح لما يقرب من 25 ألف مواطن مدني إسرائيلي، ومنذ 7 أكتوبر فقط منحت إسرائيل رخصة حمل سلاح لحوالي 40 ألف وتحاول إسرائيل زيادة هذه الأرقام إلى 400 ألف مستوطن مسلح في الضفة الغربية وحدها.[2] وتصدر وزارة الأمن 1700 رخصة حيازة سلاح ناري في المعدل يوميًا لمواطنيها في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة.
ثانيًا: طرح مشروع قانون “إعدام الأسرى الفلسطينيين” في الكنيست:
منذ عام 2015 طرحت عدة مرات فكرة مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين في الكنيست، ولكن غالبًا ما قوبلت بالرفض من قبل أحزاب اليسار الإسرائيلي وأحزاب المحافظين، لكن رفض إقرار القانون لم يعرقل محاولات الأحزاب اليمينية محاولة طرح الفكرة مرة أخرى. وفي وقت سابق؛ طُرح المشروع من قبل حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني وأيده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعضو حزب الليكود في عام 2018.
لكن منذ مارس 2023 تبنى حزب “عوتسما يهوديت” اليميني المتطرف دعوات إقرار مشروع “إعدام الأسرى الفلسطينيين”، وأفضت تلك الدعوات إلى الموافقة على قراءته التمهيدية من قبل الكنيست الإسرائيلي، لكي يمرر إلى المراحل اللاحقة لإقراره، حيث من المفترض أن يمر بثلاث قراءات بالإضافة إلى القراءة التمهيدية لكي يقرر في النهاية.
وبعد أحداث السابع من أكتوبر؛ تجددت دعوات أعضاء الحزب اليميني المتطرف من أجل إقرار القراءة الأولى لمشروع القانون، وبالفعل ناقشت لجنة شؤون الأمن القومي بالكنيست في 20 نوفمبر الماضي برئاسة “تسفيكا فوغل” الذي يعد من أبرز رؤوس التطرف اليميني وعضو حزب “عوتسما يهوديت” مشروع القانون تحت مسمى “إعدام الإرهابيين الفلسطينيين”.
لكن وجهت انتقادات عديدة لمشروع القانون من قبل أقارب الأسرى الإسرائيليين، ومن أعضاء الحكومة الائتلافية نفسها، أبرزهم أعضاء من حزب الليكود الحاكم، مما أدى إلى تأجيل جلسة المناقشة النهائية في الكنيست بسبب المخاوف من المساس بالرهائن في غزة وغيرها من الأسباب الأمنية[3]، وحتى إشعار جديد من المجلس الوزاري المصغر الإسرائيلي. [4]
ثالثا: رفض الهدنة في غزة وصفقة تبادل الأسرى مع حماس:
وافق غالبية أعضاء الحكومة الائتلافية الحاكمة وأعضاء حكومة الطوارئ على قرار الهدنة وصفقة تبادل الأسرى، بالإضافة إلى جميع الأجهزة الأمنية وهي الجيش الإسرائيلي، والشاباك والموساد. ولم يصوت ضد الصفقة سوى ثلاثة وزراء الذين يمثلون حزب “عوتسما يهوديت” اليميني المتطرف، فيما صوت حزب “الصهيونية الدينية” بالموافقة على الصفقة، على الرغم من إعلانه المسبق اعتزامه التصويت ضدها من قبل، وكذلك صوت حزب “شاس” بالموافقة.[5]
وانتقد الوزير اليميني بن غفير الاتفاق لأن الاتفاق لا يتضمن إطلاق سراح جميع النساء والأطفال المحتجزين في قطاع غزة. وحث بن غفير على تكثيف العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي ضد حركة حماس بهدف الضغط على الحركة للموافقة على صفقة شاملة للرهائن.[6]
ولاحقًا وبعد تمديد الهدنة يومين، هدد بن غفير بحل الحكومة الإسرائيلية في حال التوصل لوقف شامل للحرب في غزة، كما طرح “بتسلئيل سموتريتش” ممثل حزب الصهيونية الدينية ورقة اعتراضه، ولفت إلى أن وقف الحرب مقابل إطلاق سراح جميع المحتجزين في غزة هي في الأساس “خطة للقضاء على إسرائيل” من قبل حماس وشركائها.
وبعد خرق الهدنة في نهاية نوفمبر الماضي، دعا بن غفير من خلال حسابه على منصة “أكس” إلى استمرار الحرب على قطاع غزة، واتهم حماس بخرق الهدنة، وكذلك أشار زعيم حزب الصهيونية الدينية سموترتيش بضرورة أن يقوم رئيس الوزراء نتنياهو بوقف محاولات التفاوض مع حماس والمقاومة الفلسطينية، والإعلان عن انتهاء تلك المحاولات رسميًا، واستئناف الحرب على القطاع حتى القضاء على حماس نهائيًا.
وتشير مواقف أحزاب اليمين السابقة إلى العديد من الدلالات، والتي تتمثل فيما يلي:
أولًا: السعي لكسب مكان في الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها بعد انتهاء الحرب على قطاع غزة؛ حيث تشير التوقعات الحالية إلى قرب نهاية الحكومة الائتلافية بسبب تحميلها المسؤولية الكاملة لما حدث في 7 أكتوبر في ضوء عملية “طوفان الأقصى”، ويظهر ذلك بوضوح في موقف بن غفير من انتقاده لرئيس الوزراء بشكل واضح وسياساته وانتقاده حكومة الحرب المشكلة، وتعكس تلك المواقف رغبة بن غفير في الاستمرار بالتواجد في الحكومة الجديدة، حيث سعى لسنوات طويلة للوصول إلى عضوية الحكومة، كما أنه من الواضح يحاول استمالة أعضاء الحكومة الذين يحملون نفس أفكاره مثل ستموترتش وزير المالية، حيث يٌعتقد أنه ربما تؤدي معركة نتنياهو إلى تعزيز نفوذ الأحزاب اليمينية المتطرفة، وستصبح هذه الأحزاب أقوى في حال تم اسقاط نتنياهو.
ثانيًا: تتبنى الأحزاب اليمينية المتطرفة في إسرائيل (الصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت) فكر يتمحور حول ضرورة القضاء والتخلص من العرب وكما أشار بن غفير سابقًا إلى “الموت للعرب جميعًا”، وإنشاء دولة إسرائيلية موحدة لليهود فقط بدون العرب، ومعارضة فكرة حل الدولتين، والتي ظاهريًا ينادي بها نتنياهو، ففي وقت سابق خلال 2023 صرح رئيس الوزراء بأن “نحن منفتحون على إقامة دولة فلسطينية طالما أنها لا تتمتع بقوة عسكرية أو أمنية” مما يعني انتقاص لسيادة الدولة الفلسطينية المقترح إنشاءها وبتالي لن تكون دولة بالمعنى المتعارف عليه دوليًا، وتشير التحليلات أيضًا أن نتنياهو لم يكن يومًا مؤيدًا قويًا لهذا الحل.
كما تسعى تلك الأحزاب إلى التخلص من الفلسطينيين الذي يحملون جنسية إسرائيلية وذللك وفقًا للقانون الذي أقره الكنيست في فبراير الماضي بدعم من تلك الأحزاب. وفي بداية نوفمبر الماضي اتهم عضو البرلمان الإسرائيلي “فوغل” عن حزب “عوتسما يهوديت” اليميني المتطرف شخصيات معارضة بالخيانة ودعا إلى اعتقالهم هم وجميع المعارضين الإسرائيليين. ولذلك من المتوقع أن تطلق أيدي اليمين ليصبحوا أكثر صدامية مع هؤلاء المواطنين بعد الحرب.
وللإجابة عن تساؤل؛ ما مستقبل الأحزاب اليمنية المتطرفة، فعلى الرغم من أنهم جزء من الحكومة الائتلافية الحالية، إلا أن مواقف تلك الأحزاب في الوقت الراهن تعكس عدم رضاها عن سياسة نتنياهو وحكومته المشكلة “حكومة الحرب”، بما في ذلك القرارات التي تتخذها وتصوراتها لنهاية الحرب، وفي ظل سعي تلك الأحزاب للحفاظ على مناصبها كأحزاب لها سلطة واسعة وصلاحيات متعددة، تتخذ مواقف يمكن القول إنها مرضية للجمهور الإسرائيلي الغاضب من نتنياهو وسياساته التي فشلت في منع هجمات حركة حماس.
وتشير استطلاعات الرأي للانتخابات المتوقع عقدها بعد نهاية الحرب على غزة والتي أجرتها العديد من المواقع والصحف الإسرائيلية، أن الأحزاب اليمينية المتطرفة ستحظى بالعديد من المقاعد في الكنيست، وعلى رأسهم (حزب شاس، حزب الصهيونية الدينية، عوتسما يهوديت)، مما يشير إلى أن سقوط نتنياهو قد يزيد من سلطة شركائه اليمنيين المتطرفين في الفترة اللاحقة للحرب، وذلك على الرغم من ضعف احتمالية تولي أحد هذه الأحزاب رئاسة الحكومة، لكن يبقى خيار وجودها ضمن أعضاء الكنيست أو عدد محدود للغاية من الحقائب الوزارية أفضل الخيارات السيئة بالنسبة لليمنيين المتطرفين.
ووفقًا للمؤشرات السابقة والتي أهمها ميل الرأي العام الداخلي في إسرائيل وانحيازه لأحزاب اليمين المتطرف، يمكن القول بإن المشهد السياسي في إسرائيل يتجه نحو المزيد من التعقيد والسياسات اليمينية المتطرفة، وهو ما قد يكون سببًا كبيرًا في عرقلة الوصول إلى أي حل نهائي للقضية الفلسطينية، وأهمها تنفيذ “حل الدولتين” على الرغم من التأييد الدولي والعالمي الكبير لهذا الحل في ظل الأوضاع الحالية.
المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/80128/