جاسم محمد
الانسحاب الأميركي السريع وغير المنظم من أفغانستان ، يدفع هذا البلد إلى “الفوضى ” وحرب مدمرة كارثية، لها انعكاسات أمنية وجيوسياسية إقليميا ودوليا من شانها تخلق تحولات سياسية جديدة.
تتبع طالبان استراتيجية السيطرة على أكبر عدد من المقاطعات والأقاليم لتطويق المدن الكبرى ونجحت حتى الآن في السيطرة على حوالى 75 % من البلاد، وفق تقديرات غربية. ومن المتوقع أن تلجأ طالبان بعد ذلك إلى عزل المدن والسيطرة على وسائل الاتصال التي تربطها فيما بينها لكي تفلت من السيطرة الحكومية، وإذا تمكنت الحركة من الاستيلاء على المدن فسيكون انهيار الحكومة مؤكدا. وإن الحرب الأهليّة المتوقعة الحصول نتيجة هكذا نزاع قد تنتهي خلال أشهر قليلة لصالح الحركة.
ووفق مركز “ستراتفور” فإنه بصرف النظر عن الاستفادة الميدانية من توسيع النفوذ على الأرض، فإن المكاسب الإقليمية تمنح طالبان أوراق مساومة استراتيجية لكسب المزيد من النفوذ في المفاوضات المستقبلية مع الحكومة الأفغانية. ويبدو أن الزحف السريع لقوات طالبان باغت القوات الدولية. فمع إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) إرسال جنود مجددا، تذكر العالم الصورة التي خلدت هزيمة الولايات المتحدة الهزيمة الأمريكية في فيتنام ويظهر فيها لاجئون يستقلون مروحية على سطح أحد المباني.
لم تتمكن سياسة التدخل الغربي من تحقيق سوى القليل من أهدافها وما تم التخطيط له، ليس في أفغانستان فقط، وإنما في العراق وليبيا أيضا. أن أفغانستان ليست المكان الوحيد الذي فشلت فيه التدخلات الغربية في تحقيق الأهداف التي خُطط لها. العراق أيضاً يعد أرض الآمال الفاشلة،على الأقل عند مقارنة الوضع الحالي مع التوقعات المعلنة إبان الغزو الأمريكي عام 2003. في ليبيا أيضاً، لم تتحقق الآمال بعد الإطاحة بمعمر القذافي بدعم من حلف شمال الأطلسي.
النتائج
– بات متوقعا جدا، أن تسيطر طالبان على الأرض في أفغانستان في أعقاب تقدمها السريع، ومحتمل جدا أن تهدد كابول العاصمة الأفغانية ربما بوقت لا يتجاوز ثلاثة أشهر وفق تقديرا أجهزة الاستخبارات الأميركية.
ـ إن بايدن لم يستمع من قبل إلى نصيحة الاستخبارات المركزية ولا البنتاغون، التي حذرت من سيطرة طالبان على الأرض في غضون ثلاثة اشهر. وهذا ما يثير الكثير من التكهنات حول أهداف الانسحاب الأميركي السريع من أفغانستان وهو :
هل يهدف بايدن إلى “خلق” بؤرة توتر في أفغانستان من شأنها أن تستقطب الإرهاب من جديد على غرار ما حصل في سوريا، و”جر” روسيا والصين إلى أفغانستان؟
غير ذلك ممكن أن تكون حسابات الرئيس الأميركي بايدن، بأنه يريد إعادة توزيع القوات الأميركية، وتقويض النفوذ الروسي والصيني في مناطق أخرى.
ـ بات من المرجح أكثر من أي وقت مضى، أن يعود الوضع في أفغانستان للمربع الأول، وكأن القوات الدولية، بزعامة حلف الناتو، لم تحقق أيا من أهدافها، في سيناريو رهيب مفتوح على كل الاحتمالات، أبرزها تأسيس دولة خلافة متشددة ونزوح مئات الآلاف من اللاجئين وفتح صفحة جديدة من حرب أهلية طويلة الأمد سيكون المدنيون، كالعادة، أول من سيؤدي فاتورتها. ومن المرجح أن يؤدي تدهور الوضع الأمني في أفغانستان إلى اندلاع حرب أهلية فوضوية في أقل من ستة أشهر بعد انسحاب القوات الأجنبية.
ـ إن أفغانستان ستترك لمصيرها، أي أنه من المستبعد جدا أن يكون هناك تدخلا عسكريا جديدا في أفغانستان من قبل الولايات المتحدة أو الناتو أو أوروبا، بسبب النتائج الكارثية، ومسك طالبان للأرض.
ـ إن التطورات السريعة في أفغانستان من شأنه أن يعمل تحولات جديدة في السياسات الدولية وتوزيع القوى إقليميا، في آسيا الوسطى وجنوب آسيا.
ـ ستكون هناك موجة جديدة من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى دول أوروبا، في أعقاب تقدم طالبان في أفغانستان وسيطرتها الميدانية، وهذا يعني أن الاتحاد الأوروبي سوف يعيش حالة تأهب وإنذار عن الحدود الخارجية، ناهيك عن الضغوطات التي يمكن أن تمارسها إدارة بايدن على أوروبا وحلفائها من أجل استقبال اللاجئين الأفغان، خاصة من عمل مع القوات الأميركية في أفغانستان.
ـ هناك تناقض واضح بين مطالب القوات الأميركية في أفغانستان والواقع السياسي، وهذا يعني أن الولايات المتحدة قد فشلت في تكوين نظام سياسي ناجح في أفغانستان، بعد أكثر من عشرين عاما، وهذا ما يثير التكهنات حول الدور الأميركي في “دعم الديمقراطيات والتغيير” التي باتت مفتوحة على الفوضى: أبرزها العراق وليبيا والصومال وليبيا.
ـ انزلاق أفغانستان إلى حرب أهلية طويلة بعد انسحاب القوات البرية الأمريكية، وما يرجح ذلك، هو تراجع القوات الحكومية الأفغانية، واعتمادها أسلوب تسليح المدنيين الأفغان لمواجهة خطر طالبان، وهذا ما يشعل فتيل الحرب الأهلية داخل أفغانستان.
ـ عودة تنظيم القاعدة والجماعات “الجهادية” المتطرفة إلى أفغانستان وبضمنها تنظيم داعش، باعتبار طالبان ” مظلة الجماعات الجهادية، وممكن أن تنطلق من أفغانستان عمليات إرهابية دوليا وإقليميا، مع تدخل أطراف إقليمية ودولية في المشهد الأفغاني خاصة إيران وباكستان وتركيا .
ـ بات متوقعا أن تشهد دول آسيا الوسطى، المجاورة إلى أفغانستان تسرب إلى الجماعات المتطرفة مثل كازاخستان وقرغيزيستان وطاجيكستان.
ـ سوف تراقب الولايات المتحدة الوضع في أفغانستان عن بعد من خلال قواعد جديدة في دول الجوار الأفغاني، تحت لافتة “محاربة الإرهاب” وسيكون هناك عمليات شد وجذب بتنفيذ عمليات نخبوية.
ما ينبغي العمل عليه، أن تنهض الأمم المتحدة بمسؤولياتها في حفظ الأمن والاستقرار، باعتماد الخيار السياسي في إيجاد حل في أفغانستان بالتوازي مع إيجاد تحالف دولي وإقليمي جديد لمكافحة الإرهاب والتطرف، لا يتركز على الجهد العسكري فحسب بل في الأتمية المستدامة ومعالجة الجذور الحقيقية للتطرف والإرهاب.
.
رابط المصدر: