فاروق يوسف
هل فوجئت الأحزاب الحاكمة في العراق بالخطوات الأولى التي اتخذها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في طريق مكافحة الفساد؟
كانت تلك الخطوات أقل مما توقعته تلك الأحزاب بالرغم من أنها أظهرت عدم اكتراثها بما قاله الكاظمي بلغة هادئة في الأيام الأولى لعهده.
ربما تتسارع الخطوات في الأيام القادمة. فالرجل يعرف أن الزمن ضيق وأنه يجب أن بفي بجزء من تعهداته لا من أجل أن يحل مشكلات العراقيين المعقدة، بل من أجل أن يهبهم شيئاً من الأمل في أن تلك المشكلات في طريقها إلى الحل الذي لن يكون تلصيقياً.
لن يكون الكاظمي منقذاً للعراق. الرجل نفسه لم يدعُ ذلك. لقد كان ولا يزال متواضعاً في النظر إلى دوره. ربما لأنه وقد انتقل من منصب رئيس المخابرات إلى منصب رئيس الحكومة يعرف كل شيء عن الجبهة المقابلة. وهي الجبهة المسؤولة عن تراكمات الفساد التي صار النظر من خلالها مستحيلاً.
فإذا كان النظر من خلال تلك التراكمات مستحيلاً، فكيف بمحاولة تصفيتها وصولاً إلى انتزاعها من المشهد العراقي. ما تعرفه الأحزاب يعرفه الكاظمي وهو ابن العملية السياسية يجعل الطرفين في حالة من التأني، تفرض على الجانبين نوعاً من الاسترخاء التي يمكن أن تؤدي إلى تسويات مالية سيجد الكاظمي فيها نوعاً من الحل الموقت للأزمة المالية التي يواجهها العراق في ظل أزمتي انخفاض أسعار النفط واستمرار جائحة كورونا.
وبالرغم من ذلك الصلح غير المتجانس وهو ما يمكن توقعه، فإن الطرفين لن يثق أحدهما بالآخر. سيكون كل طرف في جبهة إلى أن يحين موعد الانتخابات المبكرة التي لا يعرف أحد هل ستُقام على أساس نظام انتخابي جديد متحرر من الطائفية أم أنها ستُقام على أساس النظام الانتخابي القديم الذي هو من صنع الأحزاب الحاكمة.
الوقت ضيق. ذلك ما كان الكاظمي يعرفه جيداً. غير أن الرجل ليس كسواه في طريقة تعامله مع وظيفته. لن ينتظر الرجل اللحظة التي يُرشح فيها لولاية ثانية لكي يقوم بإصلاحاته. من المتوقع أن يقوم بتضييق الخناق على عمليات فساد كانت الأحزاب قد وهبتها طابعاً ثابتاً وفي مقدمها عملية بيع العملة في البنك المركزي العراقي.
سيقع ذلك خارج مجال التسويات المالية التي ستنقذ أشخاصاً بعينهم من المساءلة القانونية. سيكون على الحكومة يومها أن تحافظ على أموال الدولة التي صارت تُنهب بطريقة قانونية من قبل أطراف ثبت تورطها بعمليات غسل العملة من أجل تهريبها إلى إيران.
مفاجأة الكاظمي أنه لم يدخل في نقاش سياسي مع الأحزاب حين بدأ بفتح الملف الاقتصادي. وذلك ملف يتعلق بالوضع المعيشي المباشر للمواطنين. وهو ما لا يمكن أن تعترض عليه الأحزاب حتى وإن كانت غير راضية عن بعض تفاصيله.
الكاظمي لم يناقشها في الهيمنة الإيرانية التي يقف أفرادها حراساً لها. وهو لم يسألها بعد عن السلاح الفالت حين وضع نصب عينيه انتزاع السلاح من العشائر التي صارت تشن حروباً، بعضها ضد البعض الآخر داخل المدن. وهو أيضاً لم يخترق مكاتبها الاقتصادية داخل الوزارات وهي المكاتب المسؤولة عن اقتطاع حصتها من الأموال المخصصة لتلك الوزارات وهو عُرفٌ صار متبعاً منذ عام 2003.
بدأ الكاظمي عمله القانوني من دائرتي التقاعد والضريبة. ولن أدخل هنا في تفاصيل ما قدمته اللجان إلى رئيس الوزراء من نتائج مرعبة على مستوى سرقة المال العام. تكفي معلومة واحدة. ما يمكن ايقافه من هدر للأموال نتيجة التلاعب بالقوانين وما يمكن استعادته من أموال بسبب التهرب الضريبي يعادل في حقيقته ميزانية ثلاث سنوات يتمكن العراق فيها من الاستغناء عن أموال النفط.
كانت بداية لحرب ذكية لو استطاع الكاظمي الاستمرار فيها لتمكن من الانتقال إلى خطوات أخرى لن يكون الصدام بالميليشيات الأخرى واحدة منها.
سيكون الكاظمي قادراً على تقييد حركة الميليشيات بقانون “الحشد الشعبي”.
في ذلك الوقت الضيق ربما يتمكن الكاظمي من معالجة مشكلات خدمات البنية التحتية والمشكلات الاجتماعية.
هناك عوائل محرومة كثيرة تنتظر لفتة منه.
ذلك عمل جبار لن يقوى على القيام به رجل تدعي جهات مخابراتية عديدة أنه من صناعتها. وهو ما لم يعلق عليه الكاظمي. ذلك لأنه حتى اللحظة لم يلتق بوسائل الإعلام بشكل موسع. وهو أمر يستغربه الكثيرون. ذلك لأن رئيس الوزراء العراقي سبق له أن عمل في الصحافة زمناً طويلاً.
ربما لن يقتنع زعماء بعض الميليشيات الصغيرة بتأجيل الصدام مع حكومة تحاول انتزاع امتيازاتهم بالتدريج. تلك هي الميليشيات التي تسعى بين حين وآخر إلى إحراج الحكومة العراقية من خلال توجيه صواريخ إلى مناطق قريبة من القواعد الأميركية أو المنطقة الخضراء حيث مقر السفارة الأميركية.
تلك مشكلة سيطوي الكاظمي صفحتها جزئياً من خلال طمأنة أولئك الزعماء بأنهم لن يتعرضوا للاغتيال وهو ما كانت الولايات المتحدة عازمة على القيام به. وكما أتوقع فإن أية مواجهة لن تقع بعد أن يتم ضبط حركة الميليشيات الصغيرة والسيطرة عليها من قبل قيادة “الحشد الشعبي”.
ومع ذلك سيمر الوقت ثقيلاً وبطيئاً إلى أن يحين موعد الانتخابات القادمة التي تأمل الميليشيات أن تكون مناسبة للتخلص من الكاظمي وحكومته،غير أن ذلك لن يقع إذا حققت الولايات المتحدة تقدماً على مستوى إضعاف الهيمنة الإيرانية وتقديم المساعدة للحكومة العراقية من أجل أن تستعيد الدولة هيبتها.
رابط المصدر: