تزايدت مخاوف السلطات الألمانية من تكرار سيناريو أزمة اللجوء والهجرة في عامي 2015 و2016، لا سيما بعد التصعيد الروسي في أوكرانيا وفرار المزيد من الأوكرانيين إلى ألمانيا. فمنذ بداية أزمة أوكرانيا استقبلت الولايات الألمانية اللاجئين الأوكرانيين، وقدمت المزيد من الدعم المالي، بالإضافة إلى توفير أماكن لاستقبالهم. وتضافرت جهود الحكومة الألمانية ووكالة حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس” عبر تمديد رقابة ألمانيا على طول الحدود المشتركة بينها وين دول الجوار، والتصدي لعمليات تهريب المهاجرين الغير شرعية، وإطلاق تقنيات مراقبة جديدة. فهل استطاعت ألمانيا من فرض سيطرتها على الحدود ؟
اللاجئون الأوكرانيون في ألمانيا
تم تسجيل حوالي (998) ألف لاجئ من أوكرانيا في السجل المركزي للأجانب بين شهري فبراير وسبتمبر 2022، ويقدر حوالي ثلثيهم من الإناث ونحو الثلث من الذكور، ومنهم ما يزيد عن (350) ألف من الأطفال والشباب. وخلال هذه الفترة ألغى (80) ألف أوكراني تسجيلهم في ألمانيا مرة أخرى، وبات من المحتمل بعد التصعيد الروسي في كييف أن يفر المزيد من الأشخاص من أوكرانيا إلى ألمانيا.
يوجد (350) ألف أوكراني مسجلون حالياُ كباحثين عن عمل في ألمانيا، لكن كثيرين منهم يعانون من البحث عن فرصة عمل، وتشير استطلاعات الرأي أنه من بين (1000) لاجئ أوكراني يرغب حوالي (90%) منهم في العثور على فرصة عمل في ألمانيا وهناك (50%) منهم فقط تمكن من إيجاد عمل فعلاً في يونيو 2022.
يقول “غيرالد كناوس” الباحث في شؤون الهجرة واللاجئين في 14 أكتوبر 2022 “نقف على مشارف شتاء تاريخي من ناحية النزوح؛ إذا ما تفاقم الوضع في أوكرانيا وتعطل الإمداد بالحرارة والكهرباء في الشتاء بسبب احتمال ان تنفذ روسيا تدمير محطات توليد الطاقة (..)”.
سياسات ألمانيا لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين
أنشأت السلطات الألمانية مراكز لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين، ففي مدينة “كوتبوس” في الأول من أبريل 2022 بشرقي ألمانيا قرب الحدود البولندية وتم إنشاء مركز لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين، وأعلنت الحكومة الألمانية عن أماكن إيواء في مبان حكومية غير مستخدمة لنحو (4) آلاف لاجئ قدموا من أوكرانيا إلى ألمانيا.
أكد مكتب اللاجئين ببرلين في 16 أغسطس 2022 إلى وجوب إيجاد مساكن بديلة على المدى البعيد للاجئين الأوكرانيين. ويعمل المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) في ألمانيا على توفير دورات اللغة والاندماج لأولئك الذين فروا من أوكرانيا. اليمين المتطرف داخل وكالات الأمن و الدفاع الألمانية، حجم المخاطر والمعالجات
طالبت البلديات والسلطات المحلية الألمانية بمزيد من المساعدة من الحكومة الاتحادية في التعامل مع أكثر من مليون لاجئ من أوكرانيا، وكان قد تم توفير (56) عقاراً إضافياً في برلين وحدها واستخدام (68%) فقط من الأماكن التي وفرتها الحكومة الفيدرالية لإقامة اللاجئين. وتقوم المتطوعات الألمانيات بمساعدة اللاجئات الأوكرانيات على إيجاد مسكن وتساعدهن أيضا على التعامل مع النظم البيروقراطية في البلاد.
اتفقت الحكومة الاتحادية والولايات على التعامل مع قضية اللاجئين الأوكرانيين باعتبارها واجباً مشتركاً، على أن تقوم مجموعة عمل بإعداد قرار بخصوص قضية التكاليف. ووصلت الحكومة الفيدرالية والولايات الألمانية إلى اتفاق في 8 أبريل 2022 حول توزيع اللاجئين من أوكرانيا وتسجيلهم وتحمل الأعباء المالية لاستقبالهم، حيث يتم دعم الحكومة الفيدرالية الولايات والبلديات بمبلغ إجمالي يصل إلى مليار(2) يورو خلال عام 2022. وتقوم السلطات الألمانية بتوزيع اللاجئين على الولايات الست عشرة وفقاً لعائدات الضرائب وعدد السكان في كل ولاية.
يحصل اللاجئون الأوكرانيون من “جوب سنتر” على المساعدات الاجتماعية المعروفة بـ “هارتس 4/ Hartz-IV” بعد قدومهم مباشرة وبدون تعقيدات على خلاف اللاجئين الآخرين. بالإضافة إلى ذلك أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنها تلقت (60) مليون يورو كتمويل من ألمانيا “للمساعدة في تقديم المساعدات الإنسانية لملايين المتضررين من الحرب في أوكرانيا” في 6 أبريل 2022.
أكدت “نانسي فيزر” وزيرة داخلية ألمانيا في 2 مارس 2022 إن “اللاجئين من أوكرانيا لن يمروا عبر إجراءات اللجوء المعتادة في ألمانيا وذكرت أن هؤلاء اللاجئين سيحصلون على الفور على الحماية في الاتحاد الأوروبي لمدة تصل إلى ثلاث سنوات”. وأضافت “سنقدم المساعدة بشكل سريع وبدون تأخير بيروقراطي ولايتعين على اللاجئين من أوكرانيا المرور بإجراءات اللجوء فهم يحصلون على الفور على الحماية في الاتحاد الأوروبي لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وسنضمن حصولهم على تغطية تأمينيةوالوصول إلى سوق العمل في أقرب وقت ممكن”.
مواقف سياسية من استقبال اللاجئين الأوكرانيين
أشار”هندريك فوست” رئيس وزراء ولاية شمال الراين ويستفاليا في 18 مارس 2022 إلى أن “استقبال اللاجئين يعتبر مهمة وطنية كبرى لا يمكن التغلب عليها إلا بتعاون الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات والسلطات المحلية في البلديات، وقد طالب رؤساء حكومات الولايات الحكومة الاتحادية بالمشاركة في تكاليف توفير رعاية وإقامة لاجئي الحرب الأوكرانيين في ألمانيا.”
نظّم حزب “البديل لألمانيا” مظاهرة حاشدة في 8 أكتوبر 2022 في برلين رفع فيها شعارات مناهضة للاجئين الأوكرانيين، وحاول “فريدريك ميرز” زعيم “الحزب المسيحي الديمقراطي” كسب مناصري حزب “البديل لألمانيا” برفع شعارات مناهضة للاجئين الأوكرانيين ، مع أن الحزب من أكثر المنتقدين للحكومة الألمانية لعدم تقديمها دعماً كافياً لكييف. وواجه “ميرز” موجة انتقادات بسبب تصريحات عن اللاجئين الأوكرانين بأنهم يأتون “في سياحة اجتماعية” إلى ألمانيا وأنهم يسجلون كلاجئين بهدف الحصول على المساعدات ثم يعودون إلى أوكرانيا. محاربة التطرف والإرهاب في ألمانيا ـ تأثير أزمة الطاقة على الأمن
تتصاعد المخاوف في ألمانيا من تزايد أعداد اللاجئين القادمين من أوكرانيا إلى ألمانيا. أعلنت مدن وولايات ألمانية أن استقبال لاجئين أوكرانيين جدد سيكون أمراً صعباً، فعلى سبيل المثال أعنلت ولاية شمال الراين ويستفاليا في 8 سبتمبر 2022 إنها ربما تتوقف عن استقبال لاجئين من أوكرانيا بعد تزايد أعدادهم، إذ لم تعد السلطات تجد مكاناً لإسكانهم.
أشارت التقديرات في 3 مارس 2022 أن برلين تستقبل يوميا نحو (1000) لاجئ جديد قادمين من أوكرانيا ماجعل العديد من السياسيين المنتمين إلى حزب المستشار “أولاف شولتس” الاشتراكي الديمقراطي يؤكدون أن برلين لا يمكنها تنظيم هذا بمفردها وهي بحاجة إلى مزيد من الدعم من الحكومة الاتحادية وذلك بالتزامن مع عدم وجود مؤشرات للمساعدة الحكومية. وهناك بعض الولايات طالبت الجش الألماني بتوفير الدعم الكافي لكنها لم تتلق ردا رسميا بعد مناشدات لإمداد الولاية بـ (240) جنديا للقيام بدعم جهود الإيواء والعمل في (3) نوبات بواقع (80) جنديا في كل نوبة
تمديد وتشديد الرقابة على الحدود الألمانية
قررت الحكومة الألمانية تمديد الرقابة على طول الحدود المشتركة بينها وبين النمسا في 11 أكتوبر 2022 ، وذلك إلى ما بعد ديسمبر 2022. وكانت قد مددت السلطات الألمانية الرقابة على الحدود مع النمسا في 23 أبريل 2022 لمدة (6) أشهر وذلك بسبب الوضع “المريب” على الحدود، واستمرار محاولات العبور والهجرة غير الشرعية. كما أعلنت السلطات في ولاية “بافاريا” الألمانية في 8 أكتوبر 2022 اتخاذ إجراءات وتدابير لتعزيز الرقابة على حدودها المشتركة بينها وبين جمهورية التشيك للحد من تدفق المهاجرين الغير شرعيين.
دور وكالة “فرونتكس”
أعلن الاتحاد الأوروبي في 15 يوليو 2022 إطلاق “شراكة تشغيلية” بين وكالة حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس” مع النيجر للتصدي لتهريب المهاجرين، النيجر أحد الممرات الرئيسية للأفارقة قبل وصولهم إلى ليبيا، حيث تنشط رحلات عبور البحر المتوسط إلى السواحل الأوروبية لا سيما إيطاليا ومالطا، وذلك عبر دعم سلطات النيجر في تعزيز إدارة الحدود بطريقة فعالة ومتكاملة وتسهيل العبورالشرعي للحدود مع معالجة الهجرة غير النظامية والجرائم العابرة للحدود”.محاربة التطرف في ألمانيا ـ جدلية التكامل والاندماج الأجتماعي . بقلم داليا عريان
يتمركز أكثر من (400) مسؤول من وكالة حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس” مع عشرات المركبات التي زود بعضها بتكنولوجيا الرؤية الحرارية بالإضافة إلى (8) سفن دورية في اليونان التي تعتبر الخط الأمامي لأزمة المهاجرين. كما سعت “فرونتكس” إلى إطلاق تقنيات مراقبة جديدة عالية التقنية، من بين أهم خصائص هذه التقنيات هو الكشف عن قوارب المهاجرين بهدف إعطاء مسؤولي الحدود رؤية أوضح للقوارب التي تقترب.
أطلق الاتحاد الأوروبي وصربيا أول عملية مشتركة بين وكالة حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس” وشرطة الحدود الصربية، وذلك على طول الحدود بين صربيا وبلغاريا من أجل مكافحة الهجرة غير الشرعية. رتبت وكالة حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس” ابتداء من عام 2021 إيفاد أفراد من فيلقها الدائم إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لدعم عمليات الموظفين المتعلقة بفحص الوثائق مراقبة الحدود أنشطة خفر السواحل وإجراءات تحديد الهوية والإعادة إلى الوطن للمهاجرين حيث قامت بنشر فريق من ضباط الدعم والمرافقة للإعادة القسرية لأول مرة في مطار روما.
التقييم
شهدت ألمانيا وصول حوالي مليون لاجئ معظمهم من أوكرانيا منذ بدء الأزمة، يشبه هذا العدد أزمة اللجوء التي شهدتها ألمانيا في عام 2015. بدا المزاج العام في ألمانيا في بداية أزمة أوكرانيا مرحبا بقدوم اللاجئين الأوكرانيين ودعمت الحكومة الألمانية الولايات بمليارات اليوروهات لتغطية تكاليف استقبال اللاجئين، وأنشئت السلطات الألمانية مراكز لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين وتوفير أماكن إيواء لهم ووفرت دورات في تعليم اللغة الألمانية والاندماج.
حولت العديد من الولايات الألمانية بتحويل الممتلكات العامة للدولة إلى أماكن إقامة لللاجئين لتوفير مأوي لهم ، ولكن سرعان ما تغير الأمر بعدما تزايد عدد اللاجئين الأوكرانيين. الأمر الذي أدى إلى تزايد المخاوف داخل ألمانيا، وتهديد بعض الولايات الألمانية بعدم استقبال اللاجئين، وبات من المتوقع إذا استمر التصعيد الروسي تجاه أوكرانيا أن يشق مئات الالاف من الأوكرانيين إلى ألمانيا خلال عام 2023.
استغل اليمين المتطرف أزمة اللاجئين الأوكرانيين لتوسيع النفوذ واستطاع حشد مؤيديه لتنظيم مظاهرات واحتجاجات حاشدة رفع فيها شعارات مناهضة لللاجئين الأوكرانيين بل امتد الأمر إلى تبنى بعض الأحزاب السياسية الألمانية المعتدلة نهج اليمين المتطرف تجاه اللاجئين الأوكرانيين لتحقيق مكاسب انتخابية.
تعيد ألمانيا مؤقتاً فرض ضوابط على الحدود مع دول الجوار في ضوء أزمة أوكرانيا ، وزادت من عمليات التدقيق والتفتيش على الحدود الداخلية والخارجية الألمانية البرية والجوية والبحرية في محاولة لمنع تدفق المهاجرين الغير شرعيين، وتهدف الضوابط إلى منع تسلل واستغلال العناصر المتطرفة المحتملين أزمة اللجوء للتسلل إلى أوروبا.
تتصدى وكالة حرس الحدود الأوروبية “فرونتكس” لعمليات تهريب المهاجرين الغير شرعية، وأطلقت تقنيات مراقبة جديدة للكشف عن قوارب المهاجرين الغير شرعيين ، و دعمت العمليات المتعلقة بفحص الوثائق ومراقبة الحدود. بالرغم من هذه الجهود تتعرض “فرونتكس” للمزيد من الانتقادات المتعلقة بعدم التنسيق مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بموضوع عمليتها الخارجي للحد من الهجرة غير الشرعية وعدم فعالية الإجراءات التي تتخذها الوكالة لوقف الجرائم العابرة للحدود.
الهوامش
ألمانيا تستعد لموسم لجوء تاريخي من أوكرانيا ودول عربية.. معطيات وأرقام
https://bit.ly/3SpsS2P
ألمانيا.. مصاعب عديدة تعيق دخول اللاجئين الأوكرانيين سوق العمل
https://bit.ly/3CN9PK8
شاهد: أوكرانيون يعيشون في “حاويات” ألمانية هرباً من الحرب
https://bit.ly/3TFUqlC
عراقيل أمام استقبال واندماج اللاجئين الأوكرانيين في أوروبا
https://bit.ly/3CTPJ0H
لاجئو أوكرانيا.. من أتون المعارك إلى بيروقراطية ألمانيا
https://bit.ly/3D2tXbs
ألمانيا.. اللاجئون من أوكرانيا ينالون الحماية الفورية لمدة 3 سنوات في الاتحاد الأوروبي
https://bit.ly/3SnfGLV
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: