د. علي المعموري
شهدت فترة حكم الرئيس السابق الأمريكي دونالد ترامب توتر مطرد في ملف الشرق الأوسط لا سيما أن أوج ذروة التوتر كانت في صفقة القرن، ذلك كونه كان يتعامل مع شركائه وحلفائه في الشرق الأوسط على أساس الصفقات والانفرادية باتخاذ القرارات بسبب خلفيته التجارية والقائمة على أساس التعامل وفق المصلحة الشخصية والتفرد باتخاذ القرارات وليس على أساس بناء تحالفات وشراكات طويلة الأمد، وعند ذكر أي مستوى من مستويات العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط يصبح واجب الذكر تناول ملف الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
كما شهدت فترة حكم مابعد بوش الأبن تراكم تركات ثقيلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والعسكرية وعلى المستويين الإقليمي والدولي ورثها لخلفه باراك أوباما الذي لم يفلح كسابقه بحل الجزء البسيط منها، مما جعل الأزمات المتراكمة في تدوير مستمر وهذا عكس ما تتماشى عليها البراغماتية الأمريكية في إنهاء الملفات العالقة، حتى حين وصول دونالد ترامب الذي أجهض عدد من الملفات التي يعتقد أنها تشكل خسارة ودون فائدة ترجى للولايات المتحدة وعلى رأسها الملف النووي الإيراني الذي تم الإتفاق عليه في عهد سابقه، كما كان يعتقد انه في محض خوض الكثير من القرارات الآنية كأزمة الاحتجاجات الداخلية وأزمة كورونا حالت دون ذلك.
فقد ورث جو بايدن تركة قل نظيرها نتيجة التعارض بين تركة بوش الأبن وقرارات أوباما المتلكئة وسياسة ترامب غير المتوازنة، فقد يعد ملف الشرق الأوسط وخصوصا العلاقات الثنائية مع الرياض من أهم الملفات المتشابكة والمعقدة التي تحتاج إلى دراسة مستفيضة لا سيما في الدوائر الأمريكية الرسمية والتي تتسم بالديناميكية المستمرة غير المستقرة والمتباينة من رئيس أمريكي إلى آخر، ذلك أن كارزمة الرئيس وشخصيته لها البعد الأكبر في قراراته كما وتضفي على مجمل العلاقات بين البلدين، وأصبحت تبادل الزيارات بين البلدين على مستوى القمة خصوصا من الجانب الأمريكي أهم سمة في إتخاذ القرارات المهمة، فنجد أن الملفات الشائكة على سبيل المثال تحل بمجرد زيارة واحدة من الرئيس الأمريكي إلى الرياض إلا أنه ورغم ذلك فأن فترة حكم ترامب شهدت تناقضات وتوترات في التصريحات والتنفيذ واتسمت تلك العلاقة بشي من التصدع نتيجة خلل في إعادة صياغة هيكلية العلاقات بين البلدين وتوارد التقليد في ذلك.
ومثلما ارتبطت فترة حكم ترامب بالرياض من خلال الملفات الإقليمية ودعمها أو حتى التخلي عنها وتركها، فأن بايدن سيشكل ارتباطا أوثق من سابقه في إنهائه الكثير من الملفات الإقليمية والتي كان على مقلد الجمهوريين إنهائها في وقت مبكر من حكمه كالملف السوري واليمني، ورغم ذلك فإننا نرى أنه أجهض الإتفاق النووي الإيراني بإعتباره انجازا مكنه من تحجيم إيران في المنطقة، لذا جاء بايدن الديمقراطي ليطرح الكثير من الملفات أمامه ويقوم بإعادة تقييم شامل لمرحلة ترامب، وهنا سننظر فيما لو سينهي ما لم يستطع ترامب إنهاءه أو يبدأ من حيث ما إنتهى ترامب.
عندما ننظر للرياض ننظر إليها على أنها واجهة مجلس التعاون الخليجي ومفتاح ملفات الشرق الأوسط الأكثر توترا ويمكن من خلالها تحديد وجهات الوساطة لحلحة الملفات الشائكة لما لها من مكانة وقدرة على مستوى التأثير الدبلوماسي وإيجاد استخدام وسائل القوة الناعمة والمرنة.
إن من أهم نقاط الخلاف المثارة بمواقف بايدن اتجاه الرياض هي حرب اليمن وضرورة الحد من مبيعات الأسلحة للرياض في ظل استمرار الحرب كونها كما وصفها حرب مأساوية كما طلب بإعادة تقييم علاقات واشنطن مع الرياض في عدة ملفات ونرى هذا واضحا من التعليقات التي يطلقها بايدن، فمن الممكن أن نشهد رئيسا مختلفا في التعامل وسياسة خارجية مختلفة أيضا تتبنى مفهوم التصويب في سياستها الخارجية، ومن هنا نجد أن عملية التصويب (إعادة التقييم) للعلاقات الثنائية مع الرياض ستأخذ منحى حاد، لأنه وفي المقابل هناك الكثير من العراقيل التي من الممكن أن تقف بالضد من عملية التصويب أو التقييم التي تنتهجها إدارة بايدن وأهمها التهديدات الإرهابية الدولية والنفوذ الإيراني في المنطقة، هذه كلها عوامل مجتمعة تشكل أساسا قويا وصلبا لإعادة إحياء الشراكة، إذا ما تم إعادة تقييم وفق توجهات شخصية للرئيس بايدن وهذا يرجع كله إلى أن التحول والانتقال في العلاقات الثنائية عند تسلم الديمقراطيين أو الجمهوريين مع الرياض تختلف في المقاربة الإجرائية في تقييد سياستها الخارجية، حيث تكون المقتضيات البراغماتية للولايات المتحدة في كل مرحلة، أضف إليها التصورات العامة للتيار الفكري الحاكم وتلقي بظلالها بذلك على الآليات التي تختلف من منظور الديمقراطيين عن الجمهوريين، فإذا أردنا ذكر محاولة بايدن لإعادة التقييم فهناك عدة عوامل تعكس من هذا التوجه وعلى رأسهم ملف الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية التي من الممكن أن تكون حجر الزاوية والعثرة في نفس الوقت أمام إعادة التقييم، كون الرياض تعد الحليف الأفضل لها ولا يمكن بالتالي لواشنطن أن تكون مستعدة لخسر مثل هكذا حليف أو أن تبدله بآخر أقل نفوذا وأصغر شأنا.
يبقى للعنصر الشخصي للرئيس وقعا آخر في حسم مثل تلك الملفات وهو ما يمكن أن يعتمد عليه في طريقة إيجاد حوارات ومفاوضات جديدة قد تطرح من قبل واشنطن من أجل حسم بعض الملفات التي يوجب إنهاءه منذ فترة حكم ترامب، كما سيتم إظهار الوساطات في تقريب وجهات النظر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية من خلال التقارب السعودي– الإيراني و أحد بوادره إنهاء الحرب في اليمن، وهذا ربما يجعل من إعادة تقييم العلاقات مع الرياض يعود لصالح الأخيرة في ظل تنامي توجهات دول كثيرة لجعل الدبلوماسية منفذا شاملاً لحل القضايا العالقة في كل دول العالم.
رابط المصدر: