د. أحمد سيد أحمد
ألقت كلمة الرئيس الأمريكى بايدن حول رغبة بلاده فى إصلاح مجلس الأمن وتوسيع عدد أعضائه ومطالبته الدول الكبرى فى المجلس بعد استخدام حق الفيتو إلا فى حالات الضرورة، الضوء مرة أخرى على مسألة إصلاح مجلس الأمن وطبيعة هذا الإصلاح وتحدياته، وهى قضية قديمة طرحت أكثر من مرة خلال العقود الثلاثة السابقة وقدمت مئات المقترحات والمبادرات سواء من جانب الدول المختلفة أو من جانب المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الافريقى والجامعة العربية، حول ضرورة إصلاح المجلس، سواء من ناحية توسيع عدد أعضائه الـ15 عضوا، وطرحت فى هذا الشأن صيغ مختلفة مثل زيادته إلى 20 أو 25 عضوا، وزيادة الأعضاء الدائمين وغير الدائمين ليكونوا أكثر تمثيلا للمجتمع الدولى، وإدخال دول مهمة كعضو دائم مثل اليابان وألمانيا والبرازيل والهند ومصر وغيرها، أو من ناحية إصلاح نظام اتخاذ القرار والتصويت داخل المجلس والمطالبة بوضع قيود على استخدام الفيتو من جانب الدول الخمس دائمة العضوية، أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، لكن هذه المقترحات تحطمت جميعها على صخرة التحفظ والرفض من جانب الدول الدائمة العضوية خاصة أمريكا وروسيا والصين، للحفاظ على وضعها المميز داخل المجلس ووجهة نظرها بأن توسيع عدد أعضاء المجلس لن يسهم فى سرعة إصدار القرارات والتعامل السريع مع الأزمات.
الواقع أن المطالبة الأمريكية بإصلاح مجلس الأمن فى هذا التوقيت ووضع قيود على استخدام الفيتو الروسى جاءت لاعتبارات سياسية بالأساس وليس رغبة حقيقية فى إصلاح المجلس، فقد وقف مجلس الأمن عاجزا عن معالجة الأزمة الأوكرانية واجتمع المجلس أكثر من 20 مرة منذ اندلاع العملية العسكرية الروسية فى فبراير الماضى ولم يستطع إصدار قرار واحد بسبب الفيتو الروسى ورفض المشروعات الأمريكية والغربية المقدمة التى تدين التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا، وهو ما دفع أمريكا والغرب إلى اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستصدار قرارات لإدانة روسيا لكنها غير ملزمة. كما أن أمريكا استخدمت حق الفيتو عشرات المرات داخل المجلس خاصة فيما يتعلق بالقرارات التى تدين العدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين، كما أنها استخدمت مجلس الأمن واستصدار قرارات لإضفاء الشرعية القانونية والسياسية على تدخلها العسكرى فى العراق وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003. أيضا روسيا استخدمت حق الفيتو فى العديد من الأزمات مثل الأزمة السورية والبرنامج النووى الإيرانى وكوريا الشمالية والصين أيضا استخدمت الفيتو عدة مرات. وبالتالى نظام الفيتو جعل مجلس الأمن غير قادر على التعامل مع الصراعات والأزمات الدولية بسبب انخراط الدول الكبرى وارتباطها بهذه الأزمات بشكل مباشر أو غير مباشر واستخدامها الفيتو وهو ما جعل المجلس عاجزا عن أداء دوره فى حفظ السلم والأمن الدوليين وأصبح مستبعدا من كثير من الصراعات والأزمات التى تمت معالجتها وتسويتها خارج نطاق المجلس.
وفى هذا السياق طرحت بعض المقترحات الغربية حول إخراج روسيا من مجلس الأمن ومنع استخدام الفيتو وهو أمر غير ممكن، فإصلاح مجلس الأمن سواء توسيع العضوية فيه وزيادة أعضاء جُدد دائمين وغير دائمين، يتطلب بشكل أساسى موافقة مسبقة من جانب الدول الخمس دائمة العضوية ومنها روسيا، وعدم إبداء معارضتها، وذلك وفقا لميثاق الأمم المتحدة، وبالتالى فإن أى مشروع للإصلاح يتطلب تحقيق التوافق بين الدول الكبرى دائمة العضوية وهو أمر يواجه بتحديات كبيرة فى ظل حالة الاستقطاب الحادة الحالية بين أمريكا وروسيا بسبب أوكرانيا من ناحية، وبين أمريكا والصين بسبب تايوان من ناحية أخرى. كما أن مقترح إلغاء نظام الفيتو يتطلب تعديل ميثاق الأمم المتحدة ذاته وهذا أيضا لن يتحقق إلا بموافقة الدول الدائمة الخمس، ومن ثم يظل الوضع كما هو عليه.
إصلاح مجلس الأمن أصبح ضرورة فى ظل تزايد تهديدات السلم والأمن الدوليين، سواء التهديدات التقليدية مثل الحروب بين الدول والحروب الأهلية داخل الدول والإرهاب والانتشار النووى، أو المصادر غير التقليدية مثل الأمراض والأوبئة والتغيرات المناخية، وكلها تفرض مسئولية كبيرة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمواجهة تلك التحديات المتزايدة التى تمثل تهديدا مباشرا للسلم الدولى، فى ظل غياب مفهوم العمل الجماعى الدولى، وهو ما ظهر فى الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا وتبادل الاتهامات بين أمريكا والصين حول المسئولية عن ظهور الفيروس، بدلا من التعاون لمواجهته. وكذلك الأزمة الأوكرانية وتزايد مخاطر استخدام القوة فى العلاقات الدولية، مع الدعم العسكرى الكبير من جانب أمريكا والغرب لأوكرانيا لاستنزاف روسيا وإطالة أمد الحرب.
المتغيرات التى يشهدها العالم حاليا وتصاعد الأزمات المختلفة، سواء العسكرية او الاقتصادية أو البيئية مع تفاقم تأثيرات التغيرات المناخية، أسهمت فى زيادة حدة الاضطراب فى العلاقات الدولية خاصة مع تزايد الاستقطاب والصراع بين القوى الكبرى، وهو ما يفرض ويدفع فى اتجاه إصلاح مجلس الأمن والضغط على الدول الكبرى للبدء الفعلى فى عملية الإصلاح وتوسيع عضوية المجلس ووضع ضوابط على استخدام الفيتو وليس إلغاءه، لتعزيز السلم والأمن العالميين وتجنيب البشرية كوارث خطيرة خاصة مع تزايد الحديث عن استخدام السلاح النووى على هامش الأزمة الأوكرانية. لكن تظل معضلة إصلاح مجلس الأمن مستمرة حتى لو طالبت أمريكا بالإصلاح.
نقلا عن جريدة الأهرام بتاريخ 26 سبتمبر 2022
.
رابط المصدر: