وفاء صندي
يعيد اغتيال أيمن الظواهرى، في غارة، هى الأولى من نوعها بعد الانسحاب الأمريكى من أفغانستان، الجدل حول دوافع وتوقيت ونتائج كل عملية من نوعها تنفذها الإدارات الامريكية المتتالية، وما ستتركه العملية الأخيرة من تبعات على مستقبل العلاقات بين أمريكا وحركة طالبان من جهة، وبين القاعدة وطالبان من جهة أخرى.
بخصوص دوافع اغتيال الظواهرى، يرى مؤيدو بايدن ان هذه العملية تأتى استجابة لتعهد الرئيس الأمريكى بتحقيق المساءلة الكاملة للمدبرين والمتورطين فى أحداث 11 سبتمبر، اما المعارضون فيدحضون هذه المبررات بالتذكير بالانسحاب الأمريكى من أفغانستان، ويرون فى العملية إلهاء للرأى العام عن الإخفاقات الداخلية المتتالية،ملوحين بمعدلات التضخم غير المسبوقة. والواقع المكرر يقول إن الإدارات الامريكية المتلاحقة طالما استخدمت ورقة اغتيال رموز الإرهاب اما لتصدير أزماتها الداخلية وإخفاقاتها فى إدارة بعض الملفات السياسية الساخنة، او إثبات قوة استخبارات امريكا.
واذا ما افترضنا ان إدارة بايدن كانت تسعى لمخاطبة المجتمع الدولى بهذه العملية، فإن الافول النسبى لتنظيم القاعدة وتحول دائرة الاهتمام الدولى نحو داعش والجماعات الموالية له، من شأنهما ألا يتركا الصدى المأمول لهذه العملية لدى الأطراف الدولية المهتمة بمكافحة الإرهاب.
بخصوص توقيت العملية ودلالته، تناقلت مصادر خبرا بشأن توصل وكالة الاستخبارات المركزية لدلائل قطعية عن المنزل الآمن الذى يوجد فيه الظواهرى فى كابول منذ شهر أبريل الماضى، بينما لم يعط الرئيس الأمريكى الضوء الأخضر لتنفيذ العملية سوى فى آخر أسبوع من شهر يوليو، أى بعد قرابة 4 اشهر. برر البيت الأبيض طول مدة تحديد ساعة الصفر بآليات العرض ثم إعادة العرض على الرئيس الأمريكى، ورجح البعض احتمالية تأخير توقيت الهجوم بسبب، ما قيل وقتها،عن احتمالية قيام بايدن بزيارة للشرق الأوسط، (وهو ما تم فى منتصف يوليو الماضي) وما قد يترتب على هذه العملية من ردة فعل غاضبة للتنظيمات الإرهابية، يمكن ان تشكل خطرا أمنيا على الرئيس الأمريكى أثناء زيارته للمنطقة.
هذه التبريرات اعتبر معارضون، انها تعكس نوعا من التردد والوهن امام تنظيمات إرهابية متشرذمة وفى مرحلة إعادة ترتيب الأوراق.أما الواقع فيقول إن اختيار توقيت كل عملية اغتيال بات مرتبطا، بما لم يعد يدعو مجالا للشك، إما بموعد انتخابات وشيكة او تصدير الفشل. ولا يخفى على احد ان بايدن فى حاجة لأن يفوز الديمقراطيون فى الانتخابات النصفية 2022 إن كان يريد إبقاء أى أمل فى تحريك أجندته قدما. لكن معدل شعبية بايدن كان يحوم حول 40% منذ بداية العام، وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لحزبه. بمعنى آخر، الاحتفاظ بالأغلبية فى الكونجرس قد تكون معركة ضارية واستخدام كل الأوراق الممكنة من أجل التأثير فى الرأى العام.
فيما يتعلق بنتائج العملية، يمكن القول إنها حققت نتيجتين متناقضتين: الأولى، إيجاد نوع من التوازن حول ما يقال عن التفوق الجمهورى فى مسائل مكافحة الإرهاب، عن طريق تنفيذ العملية الاخيرة. الثانية، وهى نتيجة سلبية، تتعلق بإثبات ان رهان الإدارة الحالية على حكومة طالبان هو رهان فاشل، وأن التعامل مع حكومة الامر الواقع فى كابول انما هو نوع من الشرعنة التلقائية، حتى وان تنصلت واشنطن من ذلك. جولات الحوار المتتالية التى عقدها المبعوث الأمريكى لأفغانستان، توم ويست، مع ممثلى حكومة طالبان فى الأشهر الماضية، وتعهد الأخيرة مرارا بأنها لن تسمح باستخدام الأراضى الأفغانية كمأوى للإرهاب، لم يسفرا عن ترجمة حقيقية لهذه المساعى والالتزامات على ارض الواقع بدليل وجود ايمن الظواهرى فى الأراضى الأفغانية، وترجيح حماية مقره من قبل عناصر شبكة حقاني.
بعد العملية سارعت أمريكا إلى اتهام طالبان بخرق اتفاق الدوحة، بينما اتهمت الحركة الولايات المتحدة بانتهاك السيادة الوطنية لأفغانستان، واعتبرت الهجوم تكرارا لتجارب فاشلة. وهى تبدو مشابهة لحد كبير للهجوم الذى شنته القوات الأمريكية، عام 2011، قرب العاصمة الباكستانية، على منزل أسامة بن لادن، وساءت العلاقة بعدها بين الولايات المتحدة وباكستان التى تعتبر حليفا مهما لواشنطن خارج حلف الناتو. ومن المؤكد أن عملية اغتيال الظواهرى وضعت حركة طالبان فى موقف حرج وصعب للغاية ربما سيدفع أمريكا الى رفض عقوبات إضافية على طالبان، لكن دون تغيير كبير فى استراتيجية التعامل معها فى ظل عدم امتلاك واشنطن اى بدائل أخرى تمكنها من تغيير المشهد السياسى الافغانى ما بعد انسحاب القوات الامريكية.
نقلا عن جريدة الاهرام بتاريخ 1 سبتمبر 2022
.
رابط المصدر: