أمن المنشآت النفطية الإيرانية على المحك: تداعيات إقليمية ودولية محتملة

في ظل التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، برز احتمال توجيه إسرائيل ضربات إلى البنية الأساسية لمنشآت النفط والغاز في إيران كقضية بالغة الأهمية، تنطوي على تداعيات خطيرة في أسواق الطاقة؛ إذ يمثل قطاع الطاقة في إيران، خصوصًا منشآت النفط والغاز الطبيعي، أهمية بالغة لاقتصادها ومكانتها الإقليمية، ويمثل دعامة أساسية للاقتصاد الإيراني. ورغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى لسنوات طويلة، لا تزال طهران تصدر بين نصف إلى ثلثي نفطها، ومعظم هذا النفط ينتهي به المطاف في الصين. وفي ظل تنامي الحديث عن استعدادات إسرائيل لشن هجوم على منشآت إيران (النفطية والنووية)، برز التركيز على وجود نية لضرب منشآت إنتاج وتكرير النفط في إيران بهدف وقف مصادر تمويل الاقتصاد فيها، الأمر الذي استجابت أسواق الطاقة له بشكل سريع بما يطرح تساؤلات حول سبب ذلك.

في أبريل 2024، شنت إيران هجومًا بالصواريخ على تل أبيب، ما دفع الأخيرة إلى شن هجوم محدود تحت ضغط من الإدارة الأمريكية. وفي أكتوبر الجاري، حدث الأمر نفسه ولكن شتان ما بين الشهرين والهجومين والردين، حيث استشفت الأسواق النفطية هذا الاختلاف، وبدأت أسعار النفط في الارتفاع (تجاوز سعر برنت حاجز 80 دولارًا لأول مرة منذ أغسطس 2023)، وبالأخص أن المنشآت النفطية الإيرانية من بين الأهداف المحتملة لأي هجوم إسرائيلي مرتقب خلال الفترة المقبلة.

وعليه، لم تعد أسعار النفط والغاز الطبيعي محصنةً ضد التوترات الجيوسياسية التي تموج بها منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن، وأصبحت عرضة للعديد من التقلبات في ظل تهديد لأمن المنشآت النفطية (جرس إنذار حقيقي لأمن الطاقة العالمي). حيث يُعد تهديد المنشآت النفطية خطوة فارقة جديدة في سياق التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم منذ بداية الحرب على غزة، وذلك مع تصاعد وتيرة الأحداث في منطقة الشرق الأوسط. وفي ظل مخاوف طول أمد تلك الحرب وتوسعها بدخول أطراف أخرى (سيناريوهات متعددة)، ثمة مخاطر عديدة قد تهدد أسواق الطاقة العالمية. وعليه، تتركز السيناريوهات للضربة الإسرائيلية المحتملة في 4 نقاط رئيسة وهي: استهداف منشآت عسكرية، نووية، نفطية، وممرات الطاقة.

لا يقتصر قطاع الطاقة في إيران على النفط فقط، بل يشمل أيضًا الغاز الطبيعي والطاقة الكهربائية، إضافة إلى مشاريع جديدة تهدف إلى تطوير مصادر الطاقة المتجددة، إلا أن هناك تهديدات قد تطال هذا القطاع الحيوي المهم لإيران في أعقاب التوتر السائد مع إسرائيل.

وتمتلك إيران (البالغ عدد سكانها حوالي 83 مليون نسمة) احتياطيات كبيرة من النفط الخام، وتُصنف من بين قائمة الكبار في إنتاج النفط على مستوى العالم، وتأتي في المرتبة الثالثة بعد فنزويلا والسعودية بين دول أوبك من حيث الأكثر امتلاكًا للاحتياطيات النفطية المؤكدة، إذ تستحوذ طهران على حصة قدرها نحو 14%. تقع معظم احتياطيات إيران النفطية في البر حيث تُشكل حوالي 71%، في حين يحتوي حوض خوزستان على نحو80% من إجمالي الاحتياطيات الإيرانية النفطية. ويُقدر إجمالي احتياطيات النفط الخام القابلة للاستخراج لدى إيران حوالي 1.6 مليون كيلومتر مربع بحوالي 157.8 مليار برميل، وذلك حتى يناير عام 2024، كما هو موضح في الشكل التالي.

استكمالًا لما سبق، تمتلك إيران حوالي 145 حقلًا (بريًا وبحريًا)، تتركز الحقول النفطية ذات الإنتاجية الأكبر في جنوب البلاد وغربها، ويُعد حقل الأهواز الأكبر في المنطقة، بالإضافة إلى حوالي 21 مصفاة غاز، و10 مصافي نفط، ولديها القدرات التقنية التي تمكنها من بناء مصافٍ أخرى.

ويُعد حقل الأهواز من أكبر الحقول النفطية الإيرانية والذي يعرف أيضًا كثالث حقل نفطي كبير في العالم (هدف إسرائيلي محتمل)، وتبلغ الاحتياطيات المؤكدة للحقل حوالي 65 مليار برميل من النفط الخام، واكتشفت شركة النفط الإيرانية (البريطانية السابقة)، هذا الحقل قبل حوالي 66 عامًا وتم تدشينه واستخراج النفط منه عام 1997، وهو يحتوي على 5 مجمعات لإنتاج ما يعادل 800 ألف برميل يوميًا، بالإضافة إلى إنتاج نحو 13 مليون متر مكعب من الغاز المصاحب، ويبلغ طول هذا الحقل حوالي 67 كيلومترًا وعرضه حوالي 6 كيلومترات.

استكمالًا لما سبق، تعد المصافي الإيرانية من المنشآت الاستراتيجية الحساسة، حيث يتم فيها تكرير النفط وتحويل النفط الخام إلى الغاز السائل والنفط الأبيض والبنزين والمازوت ومشتقات نفطية أخرى. وتعتبر مصافي البترول مجمعات صناعية عملاقة، تحتوي على العديد من وحدات المعالجة المختلفة والمرافق الإضافية المساعدة مثل وحدات الخدمات ووحدات التخزين. وتنتج إيران يوميًا من هذه المصافي ما يقارب 115 مليون لتر من وقود البنزين، وهو ما حقق لطهران اكتفاءً ذاتيًا من المشتقات والمنتجات البترولية. ولدى إيران عشرة مصافٍ عملاقة، تتوزع في جغرافياتها الواسعة، في جنوب غرب إيران ووسطها وجنوبها وشمالها، منها مصافي طهران العملاقة، كما هو موضح في الشكل التالي.

وعليه، تمتلك إيران أحد أكبر قطاعات التكرير في الشرق الأوسط، بطاقة إنتاجية وصلت إلى حوالي 2.4 مليون برميل يوميًا في عام 2024، موزعة على 10 مواقع رئيسة. وأكبر 3 مصافي لديها، هي مصفاة أصفهان التي تنتج حوالي 370 ألف برميل يوميًا، ومصفاة عبادان التي تنتج حوالي 360 ألف برميل يوميًا، ومصفاة بندر عباس التي تنتج حوالي 320 ألف برميل يوميًا. وينتج مصنع نجم الخليج الواقع في بندر عباس أيضًا حوالي 399 ألف برميل يوميًا، وتم الانتهاء من بنائه عام 2018، وهو أحدث وأهم مصدر محلي للبنزين في إيران، حيث لبى حوالي 40% من الطلب المحلي العام الماضي 2023.

وتمتلك شركة تكرير وتوزيع النفط الوطنية الإيرانية المملوكة للدولة، السيطرة الكاملة على عمليات نقل وتخزين وتسويق وتوزيع المنتجات النفطية في إيران، ومن أبرز الموانئ التي يُصدر منها النفط، على الخليج جنوب غربي إيران، ميناء بندر عباس، وميناء جزيرة خرج، التي تُمثل حوالي 90% من صادرات النفط الإيراني (هدف للرد الإسرائيلي المحتمل).

وهنا تجدر الإشارة إلى أن إيران تعاني من آثار عقوبات أمريكية أعادت واشنطن فرضها بدءًا من عام 2018، وذلك بعد انسحابها الأحادي من الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي. وحرمت العقوبات الأمريكية طهران أكثر من حوالي 100 مليارات دولار من عائدات النفط الخام، ومنعتها من تصدير حوالي 1.8 مليار برميل من النفط من أبريل عام 2018 إلى أبريل من عام 2021، كما هو موضح في الشكل التالي.

إجمالًا لما سبق، بلغت احتياطيات إيران المؤكدة من الغاز الطبيعي حوالي 1.2 تريليون قدم مكعبة في يناير عام 2024، وتحتل المرتبة الثانية عالميًا، وتمتلك إيران حوالي 17% من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في العالم، وما يقرب من نصف احتياطيات أوبك. كما كانت إيران ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي الجاف في العالم، بعد الولايات المتحدة وروسيا في عام 2022، وعلى الرغم من العقوبات التي تقيد الاستثمار وتعوق تطوير الغاز الطبيعي في إيران، ارتفع إنتاج الغاز الطبيعي الجاف بأكثر من حوالي 60% بين عامي 2011 و2023، وتوسع إلى ما يقرب من حوالي 8.8 تريليون قدم مكعبة.

في عام 2023، كانت إيران رابع أعلى مستهلك للغاز الطبيعي في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين، ويُستهلك معظم إنتاج إيران من الغاز الطبيعي محليًا (تنتج إيران حوالي مليارًا و40 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، تسلم منه نحو 980 مليون متر مكعب إلى شركة الغاز الوطنية)، كما هو موضح في الشكل التالي.

علاوة على ذلك، ووفقًا للبيانات المعلنة عن صناعة الغاز الإيرانية، فإن طهران لم تتمكن حتى الآن من استخراج أكثر من حوالي 70% من احتياطياتها المؤكدة من الغاز الطبيعي (حوالي 17% من إجمالي الاحتياطي العالمي)، حيث تبلغ حصة إيران من الإنتاج العالمي حوالي 5% فقط، وذلك بسبب المشاكل التي تواجهها وخاصةً العقوبات الأمريكية وعليه ظل استخراج الغاز في إيران من احتياطاتها المؤكدة منخفضًا بشكل كبير.

ولدى إيران 43 حقلًا غازيًا، أهمها حقل بارس الجنوبي المطل على الخليج وهو أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، تتقاسمه كل من قطر وإيران، ويعرف الحقل في قطر بحقل غاز الشمال. وتبلغ مساحته حوالي 9,700 كيلومتر مربع منها 6,000 في مياه قطر الإقليمية و 3,700 في المياه الإيرانية.

إجمالًا لما سبق، ارتفع إنتاج النفط الإيراني منذ بداية العام الحالي بنحو 700 ألف برميل يوميًا، مسجلًا بذلك أعلى مستوياته في خمس سنوات عند نحو 3.25 ملايين برميل يوميًا، كما هو موضح في الشكل التالي، بعد أن استفادت طهران من انحسار حدة التوترات مع واشنطن (قبل المواجهة المباشرة الحالية مع إسرائيل)، وغض الإدارة الأمريكية الطرف عن صادرات النفط الإيراني، في خطوة ربطها البعض في رغبة إدارة جو بايدن في الحد من صعود أسعار الخام (في نهاية عام 2022).

وهنا تجدر الإشارة إلى إن واردات الصين من النفط الإيراني ارتفعت بشكل مستمر في السنوات الأخيرة، لتصل إلى حوالي 1.8 مليون برميل يوميًا، وهو الأمر الذي يعني أن أي تعطيل لتصدير النفط الإيراني سيؤثر بشكل كبير على اقتصاد طهران كما سيضر باقتصاد الصين (ثاني أكبر اقتصاد بالعالم)، وسيضر بالتالي بالاقتصاد العالمي (قطع إمدادات النفط الإيرانية سيجبر المصافي الصينية على زيادة مشترياتها من الموردين الرئيسيين الآخرين، بما في ذلك روسيا. وهذا التحول قد يؤدي إلى دعم مالي أكبر لجهود روسيا الحربية في أوكرانيا، مما يزيد تعقيد المشهد الجيوسياسي الأوسع).

وعليه، يمكن القول إن ضرب منشآت النفط الإيرانية قد يتسبب في أضرار اقتصادية كبيرة لطهران، وبينما تُشكل بنية إيران النفطية الواسعة، التي تضم حقول نفط ضخمة وأنابيب ومحطات تصدير ومصافي، هدفًا مغريًا لضربات إسرائيلية، ولكن هذه الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية على أسواق النفط العالمية. حيث تؤدي إلى ارتفاع هائل في أسعار النفط على مستوى العالم، مما قد يتسبب في تداعيات اقتصادية واسعة النطاق.

بالرغم من تفاعل أسواق النفط الخام مع التهديدات الإسرائيلية الأخيرة فإن القطاع ليس الوحيد الواقع في دائرة الأهداف المحتملة، والتي تمتد من المنشآت النووية وصولًا إلى استهدافات أخري مؤثرة داخل إيران. إذ تمتلك إيران عدة منشآت نووية بارزة تنتشر في مختلف أنحاء البلاد، بعضها مخصص لتخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي، بينما يتم استخدام البعض الآخر للأبحاث العلمية، (يضم البرنامج النووي الإيراني العديد من المنشآت النووية التي يمكن أن تكون أهدافًا محتملة في حال قررت إسرائيل شن هجمات عليها) ومن ضمنها:

  • مناجم اليورانيوم:

تمتلك إيران عدة مناجم لاستخراج مادة اليورانيوم، أهمها مناجم “سغند” في محافظة يزد، وتحتوي على كميات كبيرة من خام اليورانيوم، وبدأ العمل فيها منذ السبعينيات. ويُعد منجم “زاريغان” أيضًا أحد المواقع المهمة لليورانيوم في إيران، ويقع في منطقة يزد، ويعد جزءًا من الجهود الإيرانية لتطوير قدراتها في مجال الطاقة النووية (هدف محتمل للضربة الإسرائيلية).

ووفقًا لتقرير وكالة الطاقة الذرية في مايو 2024، أن إيران تخطت بشكل كبير السقف المحدد لتخصيب اليورانيوم عند نسبة حوالي 3.67%، أي ما يعادل النسبة المستخدمة في محطات الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء، حيث باتت إيران تملك حوالي 751.3 كيلوجرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة حوالي 20%، مقابل 712.2 كيلوجرامًا قبل ثلاثة أشهر.

  • مراكز تخصيب اليورانيوم:

يُعد  مركز “رامانده” من ضمن المنشآت الاستراتيجية في إيران، وهو منشأة سرية قرب طهران، وغير معلن ضمن البرنامج النووي الإيراني. وتضم مدينة “نطنز” (هدف رئيس للضربات الإسرائيلية المحتملة على إيران)، إلى جانب المفاعل، مركزًا لتخصيب اليورانيوم،. ووفقًا للتصريحات الإيرانية، إنها تستخدمه لأغراض سلمية مثل توليد الطاقة. وبالإضافة إلى “نطنز” و”رامانده”، تمتلك إيران موقعًا للتخصيب في لشكر آباد، قرب طهران، وظل سريًا إلى أن كشفت عنه تقارير غربية. ويُعد مركز “أردكان” من أبرز مواقع تخصيب اليورانيوم، ويقع في محافظة يزد، الغنية بالمعادن واليورانيوم، ويُعتقد أن هذا الموقع مخصص لإنتاج مادة مسحوق اليورانيوم الطبيعي (الكعكة الصفراء).

  • المفاعلات النووية:

يُعد مفاعل “بوشهر”، جنوبي إيران، أول مفاعل في البلاد، تم بناؤه بمساعدة روسيا، وبدأ تشغيله عام 2011، ويستخدم لتوليد الكهرباء. كما تمتلك إيران مفاعلًا بالقرب من منطقة أراك في وسط البلاد، وهو قادر على إنتاج البلوتونيوم، ما جعله مصدر قلق دولي، وذلك بسبب قدرته على إنتاج مواد مستخدمة في صناعة الأسلحة النووية.

أما مفاعل “فوردو” فهو منشأة نووية مهمة، ويُعد أحد أبرز مواقع تخصيب اليورانيوم، ويقع بالقرب من قرية فوردو، جنوب مدينة قم في وسط إيران (تم بناء المنشأة على عمق كبير تحت الأرض، مما يجعلها محصنة ضد الضربات الجوية، وهي إحدى أكثر المنشآت النووية الإيرانية حماية).

ويُعد مفاعل “نطنز” محورًا رئيسًا كذلك في برنامج إيران النووي، ويُشكل هدفًا رئيسًا في الصراع الدولي حول طموحات إيران النووية، ويستخدم المفاعل لتخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي، وبني بشكل جزئي تحت الأرض لحمايته من أي هجمات أو محاولات لاستهدافه. أما خامس المفاعلات النووية، يقع في مدينة أصفهان، التي يحمل اسمها، ويشتهر بدوره في معالجة وتحويل اليورانيوم إلى وقود نووي، بالإضافة إلى العديد من الوظائف الحيوية الأخرى.

  • مراكز الأبحاث:

تعتمد إيران في مشروعها على العديد من المراكز البحثية المتخصصة في الأبحاث النووية والكيميائية، منها مراكز جابر بن حيان، وجورغان، درمند للفيزياء البلازمية. وتمتلك منشآت أخرى ومجموعة واسعة من مراكز الصناعات والبحوث الأخرى؛ وذلك بهدف دعم المشروع النووي الإيراني، وتدعم الطموحات النووية للدولة، كمنشآت تصنيع الأسلحة والصواريخ وأجهزة الطرد المركزي. ومن أبرز هذه المؤسسات، مركز أصفهان لبحوث وإنتاج الوقود النووي، ومجموعة صناعات الذخائر والميتالورجيا، وبارشين للصناعات الكيميائية، وجامعة مالك الأشتر لتكنولوجيا الدفاع. ويوضح الشكل التالي منشآت إيران النووية.

ويرتهن استقرار المنطقة والأمن النفطي بما ستؤول إليه الأوضاع السياسية والأوضاع الجيواستراتيجية المقبلة. وبطبيعة الحال، سيكون لهذا تأثير فيما بعد، سواء على ارتفاع أو استمرار نفس الأسعار بالنسبة للإنتاج واستخراج النفط الخام وعملية التصدير لهذه المواد البترولية والمشتقات.

بالنظر إلى نطاق الصراع الحالي، نجد أنه على الرغم من أنه يقع في منطقة الشرق الأوسط فإنه يُشكل تهديدًا مباشرًا على خطوط الإمدادات النفطية، أو مصادره الرئيسة في المنطقة (تأثير متصاعد، لأنه مرتبط بدول نفطية كبرى)، في حالة تصعيد الصراع والحرب (ضرب المنشآت النفطية)، وهو الأمر الذي قد يدفع أسعار النفط للأعلى (فوق مستويات 95 دولارًا للبرميل النفطي)، مع تأثير كبير قد يصل إلي حوالي 60% زيادة في حركة الأسعار (لأن الأمر متعلق بدولة نفطية كبرى). ولذلك يمكن القول إن خفض أو فقدان حوالي 100 ألف برميل يوميًا من النفط الإيراني سيؤدي إلى زيادة بمقدار نحو 10 دولارات للبرميل الواحد خلال الفترة المقبلة. وقد تسهم المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط في تحويل المستويات الهبوطية لدى المستثمرين إلى مستوي صعودي.

وعلى عكس ذلك هناك سيناريو آخر قد يتحقق إذا لجأت إسرائيل إلى رد مدروس ومحدد الأهداف (المنشآت النفطية والنووية في إيران)، فقد يكون هناك تصعيد مطول من شأنه أن يبقي الأسعار مرتفعة (نطاق 80 دولارًا للبرميل). أما السيناريو الثالث (الأسوأ) هو حرب شاملة ومتعددة الأطراف (متبادلة) في حال الرد الإيراني بتهديد مباشر لمنصات الغاز الإسرائيلية (بالأخص حقل تمار) مما سيؤدي إلى أزمة عالمية لم يشهدها العالم من قبل (محوري النفط الخام والغاز الطبيعي)، ولكن ذلك يعتمد على كيفية استجابة الأسواق العالمية للضربات المتوقعة ومدى تأثيرها على المنابع الهامة، بالإضافة إلى مدى خطورتها على إمدادات النفط الخام والغاز الطبيعي (مضيق هرمز).

ويظل الوضع الأخطر على صناعة النفط العالمية هو خطورة تعطل إنتاج النفط الإيراني أو صادراته بشكل كامل، فقد يؤدي ذلك إلى تقليص العرض العالمي، مما يتسبب في ارتفاع الأسعار على نحو مستدام، أو قيام إيران بتعطيل حركة المرور عبر مضيق هرمز، الذي يتعامل مع حوالي 20% من تجارة النفط العالمية. وقد تتسبب مثل هذه الخطوة في ارتفاع كبير في الأسعار (وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع أسعار الوقود، وهي قضية رئيسة دائمًا في الحملات الانتخابية الأمريكية، مع اقتراب الانتخابات التي يختار فيها الأمريكيون رئيسًا جديدًا، في الخامس من نوفمبر المقبل).

وفقًا لما سبق، بات ارتفاع أسعار برميل النفط الخام في الأسواق العالمية إلى مستوي 100 دولار للبرميل النفطي الواحد أمرًا غير مستبعد، وذلك في حال زيادة المخاطر الجيوسياسية في المنطقة والناتجة عن توسع العدوان الإسرائيلي على العديد من دول المنطقة (توسع العمليات العسكرية وحركة الاغتيالات)، مع تصاعد الصراع في الشرق الأوسط وتحوله إلى حرب مباشرة (مستمرة) بين إسرائيل وإيران، وليس حرب غير مباشرة عن طريق اليمن والعراق ولبنان وسوريا أو ضربات متبادلة ومتباعدة، بالإضافة إلى تشديد الغرب الخناق على النفط الروسي (توقعات بعقوبات جديدة) من خلال محاولات التوسع في حزم العقوبات المتنوعة، أيضًا مع زيادة الطلب من قبل كبار المستهلكين للطاقة وفي المقدمة الصين.

لكن، في المقابل، فإن هناك مخاطر شديدة لقفزة أسعار النفط المتوقعة، سواء على الاقتصاد العالمي، وكذا على الدول المستهلكة للطاقة والوقود، لكن التأثير الأكبر سيكون على المواطن في الدول المستهلكة للطاقة الذي سيجد نفسه أمام قفزات في أسعار مشتقات الوقود مثل البنزين والسولار والغاز والمازوت، والقطاعات والخدمات المرتبطة بها مثل الكهرباء والمياه والمواصلات وغيرها. كما أن زيادة سعر الوقود قد يقلب معادلة الانتخابات الأمريكية ويثير غضب الناخب على إدارة جو بايدن في حال حدوث قفزة في سعر البنزين والسولار، وركود في الاسواق، وهو ما يصب لصالح المرشح المنافس ترامب.

يُشكل مضيق هرمز الطريق الوحيد لتصدير النفط من العراق والكويت، وعليه ستكون اقتصادات هذه الدول من أكثر المتضررين، في حين أن السعودية والإمارات وعمان يمكنها التخفيف من بعض الخسائر المتوقعة، وذلك من خلال اللجوء إلى طرق أخرى، ولا سيما الأنبوب الذي يربط شرق السعودية بغربها على البحر الأحمر. ويُعد مضيق هرمز المنفذ الوحيد لصادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر، إحدى أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، لذا فإن أي خلل في الصادرات سيؤثر على سوق الغاز المسال في العالم، وهنا تجدر الإشارة إلى أن قطر عملت على زيادة إمداداتها إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر الماضية (حوالي 14.98 مليون طن خلال عام 2023)، وقد تجنبت المرور عبر البحر الأحمر مفضلة الاعتماد على طريق رأس الرجاء الصالح (يُشار إلى أن دولة قطر تستهدف التوسع في إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بإعلانها في فبراير 2024، زيادة خططها إلى إنتاج حوالي 142 مليون طن، وتوقيع  عقود طويلة الأجل مع شركائها للتصدير، فضلًا عن اتفاقها مع الشركات التي ستساعدها في خطط التوسع)، كما يوضح الشكل التالي مسارات وممرات النفط في الشرق الأوسط.

علاوةً على ذلك، ستكون أوروبا من بين المتضررين فيما يتعلق بالمشتقات والمنتجات النفطية المكررة، وبالأخص المشتقات من الكويت، والتي أصبحت مصدرًا مهمًا منذ نهاية عام 2021  لهذه المواد وذلك بعد تطوير مصفاة الزور التي تبلغ طاقتها أكثر من حوالي 650 ألف برميل يوميًا.

مجمل القول، سيترتب على الضربة الإسرائيلية المحتملة العديد من التبعات السياسية والاقتصادية، بالأخص أن الضربة الإيرانية الأخيرة كانت مختلفة عن ضربة أبريل الماضي، وجاءت محملة برسائل إيرانية وتهديد صريح لمنشآت إسرائيل، وعليه، تشعر أسواق الطاقة بالقلق من أن الهجوم الإسرائيلي المحتمل، مهما كان شكله، قد تكون له تداعيات كبيرة على أسواق النفط والطاقة بشكل عام. وقد يؤدي استهداف إسرائيل صناعة النفط الإيرانية إلى إضعاف اقتصاد إيران، بما قد تؤدي إلى ردود فعل أقوى من إيران واستهداف منصات وحقول الغاز الإسرائيلية، مما قد يدخل العالم إلى حرب طاقة لن يستطيع أحد الهروب من نفقها المظلم وتداعياتها المظلمة على اقتصادات الدول.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M