أمن سيبراني: ألمانيا ماذا بعد إقالة مدير الأمن السيبراني، لوجود شبهات حول علاقته بالاستخبارات الروسية ؟ جاسم محمد
حذرت وزيرة الداخلية الألمانية “نانسي فيزر” في 15 أغسطس 2022 من وقوع هجمات على البنية التحتية للطاقة في بلادها. وأكدت “يجب أن نكون مستعدين للتصدي لهجمات محتملة على محطات الغاز وبنى تحتية حيوية أخرى”. وتطرقت في هذا الصدد إلى الحديث على سبيل المثال عن الحماية من الهجمات السيبرانية في ضوء الحرب الروسية على أوكرانيا مشيرة إلى ظهور واجبات جديدة “حيث يجب علينا أن نراقب حركات السفن الروسية في بحري الشمال والبلطيق وحراسة محطات الغاز الطبيعي المسال الجديدة”. ملف أمن سيبراني ـ مخاطر الهجمات السيبرانية، التضليل الإعلامي وانتهاك الخصوصية
بعد إقالة رئيس وكالة الأمن السيبراني الألماني آرني شونبوم ، تعالت الأصوات المطالبة بتوضيح خلفيات الإقالة وشبهات الصلات المفترضة مع روسيا في وقت تخوض فيه موسكو حربا هجينة في العالم الافتراضي يوم 18 أكتوبر 2022. أكد أوميد نوريبور رئيس حزب الخضر “راينشه بوست” في أعقاب ذلك أن “هناك حاجة الآن إلى شيئين: أولاً، توضيح شامل وسريع للحيثيات من أجل استعادة ثقة الجمهور. وثانياً، قرارات سريعة بشأن الموظفين (في الوكالة)”. [1]
ماذا تبحث الاستخبارات الروسية في ألمانيا ؟
ترتكزأنشطة الاستخبارات الروسية فى ألمانيا على ثلاث عوامل :
العامل الأول : التجسس والتضليل وهى أساليب قديمة تتبعها الاستخبارات الروسية مع الغرب منذ الحرب الباردة فى الخلافات السياسية.
العامل الثاني : دعم اليمين المتطرف عبر تمويل المظاهرات المناهضة لسياسة ميركل الخاصة باللاجئين.
العامل الثالث : استهداف المعارضين عبر الاغتيالات منها تورط روسيا في اغتيال مواطن جورجي من أصل شيشاني في حديقة في وسط برلين في منتصف عام 2019. تحقق أجهزة الاستخبارات الألمانية في قضية اشتباه بالتجسس لصالح موسكو تستهدف اثنين من كبار المسؤولين في وزارة الاقتصاد، مكلفين بملف الطاقة الحساس.
جمعية “مجلس الأمن السيبراني”
شارك شونبوم في 2012 في إنشاء جمعية مقرها برلين تعرف باسم “مجلس الأمن السيبراني في ألمانيا” لتقديم المشورة للشركات ووكالات الحكومة وأصحاب القرار، فيما يتعلق بأمن المعلومات. وتتعرض الجمعية، التي تقدم نفسها على أنها “محايدة سياسيًا”، حاليًا لانتقادات حادة على خلفية ما يتردد عن صلات لها بأجهزة الاستخبارات الروسية. وبحسب تحقيق أجراه برنامج على شبكة “ZDF” التلفزيونية، فإن شونبوم لا يزال مرتبطًا بالجمعية. ساعد شونبوم في تأسيس مجلس الأمن السيبراني قبل ترؤس وكالة الأمن السيبراني الحكومية ،
وهي مجموعة ضغط مسجلة كجمعية تطوعية ، أدرج “مجلس الأمن السيبراني في ألمانيا” اي الجمعية منذ عام 2020 وهي مرتتبطة بشكل مباشر مع شركة للأمن السيبراني مقرها برلين ، Protelion ، والمعروفة سابقًا باسم Infotecs ، وهي شركة تابعة لشركة روسية أسسها موظف سابق في KGB حصل على وسام الشرف وله خدمات من الرئيس الروسي ، فلاديمير بوتين.
ويقول بومرمان مقدم برنامج في ألمانيا: “إن شركة Infotecs الروسية التي تريد حماية البنى التحتية الألمانية من الهجمات الإلكترونية الروسية تعمل مع أجهزة الاستخبارات الروسية”. “يستخدم الوكلاء الروس Infotecs ، التي تبيع تحت اسم Protelion GmbH برامج أمان للشركات الألمانية” في حين أن البرنامج لم يزعم أن شونبوم استمر في الحفاظ على علاقات وثيقة مع Protelion بعد أن أصبح رئيسًا للأمن في الحكومة ، فقد أثار الكشف أسئلة حول حكم مسؤول رئيسي في وقت زادت فيه المخاوف بشأن ضعف البنية التحتية الحيوية في ألمانيا. [2]
الهجمات الإلكترونية و تسريب بيانات الساسة والشخصيات العامة
كشفت ” مارتينا فيتز” متحدثة باسم الحكومة الألمانية فى 4 يناير 2019 أن البيانات الشخصية والوثائق الخاصة بمئات السياسيين والشخصيات العامة في ألمانيا قد تم تسريبها على الإنترنت. إن المشرعين الألمان على جميع المستويات، بما في ذلك من البرلمان الأوروبي والبرلمان الألماني والسياسيين المحليين، قد تأثروا بتلك التسريبات. وشملت البيانات تفاصيل بطاقة الائتمان وأرقام الهواتف وعناوين البريد الإلكتروني. ونتيجة لذلك عقد المركز القومي للدفاع السيبراني في البلاد اجتماع أزمة . أمن سيبراني ـ مساعي أوروبية لصد الهجمات وسد الثغرات
وهذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها السياسيون الألمان.فقد استهدف هجوم سيبراني أجزاء من شبكة الحكومة الألمانية، بما في ذلك وزارة الخارجية، في أوائل العام الماضي، حسب ما أوردته وكالة رويترز. وفي عام 2015، أعلن المتسللون الموالون لروسيا مسؤوليتهم عن سلسلة من الهجمات الإلكترونية التي أسقطت المواقع الإلكترونية الحكومية.[3]
لواء أوروبي لدرء الهجمات السيبرانية و برامج في الأمن السيبراني
طالب “مانفرد فيبر” رئيس الكتلة البرلمانية للمسيحيين الديمقراطيين في البرلمان الأوروبي في 28 ديسمبر 2019 بتشكيل لواء أوروبي لدرء الهجمات السيبرانية، حتى تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها على نحو مشترك في الشبكة السيبرانية ضد الهجمات المتزايدة من العالم. قاما المعهدان التقنيان الفدراليان بسويسرا بتدشيّن برنامجا مشتركا في مجال الأمن السيبراني حيث يتلقي الطلاب تدريبا في مجال الحوسبة وتكنولوجيا المعلومات. أمن سيبراني ـ صناعة الكراهية والتضليل الإعلامي في أوروبا، المخاطر والتهديدات
النتائج
ـ أصبح المجال الإلكتروني منافسا لمجالات البث والاتصال البرية والبحرية والجوية والفضائية بل وأصبح أحد ميادين الحرب بين الأمم خصوصا وأن هيئات استراتيجية مثل الجيوش والمصارف والشركات وغيرها صارت تعتمد على المجال الإلكتروني في تخزين بنياتها التحتية مما يجعلها عرضة لهجمات إلكترونية. [4]
ـ تعتبر الحروب الإلكتروني ميدان رابع من ميادين الحروب فهي حروب خفية تقتحم الأنظمة الإلكترونية وتسبق العمل العسكري. وتساهم الحروب الإلكترونية والهجمات السيبيرانية بشكل أساسي في تشتيت العدو و كبح إمكانياته ولكنها لاتكفي وحدها لحسم المعارك.
ـ تشير التوقعات إلى ان الحروب الإلكترونية والهجمات السيبيرانية باتت تطيح أكثر فأكثر بالحروب التقليدية العسكرية ومن المتوقع أن تندلع أكثر فأكثر بين الدول. وبالرغم من أن الهجمات الألكترونية ليست دموية لكن مساحة المتضررين منها في المستقبل سيكون أكثر من المتضررين من الحروب العسكرية التقليدية.
ـ إن واحدة من تداعيات إقالة رئيس الأمن السيبراني في ألمانيا، هو ان تقوم الاستخبارات الألمانية بالبحث في خلفية شونبوم وعلاقاته ومراسلاته مع الجمعية والمرتبطة بشكل غير مباشر مع شركة روسية مقربة من الاستخبارات الروسية. ويفترض ان تعمل الاستخبارات الألمانية أيضا البحث في خلفية العاملين في مديرية الأمن السيبراني في ألمانيا.
ـ إن عمل شونبورم مديرالأمن السيبراني الألماني في جمعية مرتبطة بشركة روسية مقربة من الاستخبارات يعتبر خرق استخباراتي وهذا مايمثل انتقاد الى الاستخبارات الألمانية. يذكر بإن الاستخبارات الألمانية الداخلية سبق ان تعرضت خلال الحكومة الألمانية السابقة أيضا إلى اخفاقات واتهامات حول تعاطف رئيس وكالة لاستخبارات الداخلية الألمانية مع اليمين المتطرف. وتعرضت أيضا ألمانيا الى مشكلة كبيرة بعد اكتشاف ثلاث كتائب في القوات الخاصة الألمانية لها ميولات نحو اليمين المتطرف.
ـ إن الحروب السيبرانية، والجيوش السيبرانية، أصبحت لا تقل أهمية عن مايجي في جبهات القتال، وبدون شك يشتد عمل الاستخبارات خلال الحروب، وتظهر أهمية المصادر النوعية، يذكر إن واحدة من اهتمامات الاستخبارات الروسية خلال حرب أوكرانية هي : الطاقة، التسلح، صناعة الأسلحة، إمدادات السلحة إلى أوكرانيا، الى جانب الاهتمامات التقليدي.
ـ بات متوقعا ان يتم الكشف عن عملاء داخل مؤسسات الحكومة الألمانية تعمل لصالح المخابرات الروسية او تتعاطف معها. ويبدو إن الهجمات السيبرانية ضد ألمانيا سوف تشهد تصاعداُ مع مطاولة حرب أوكرانيا. وما يعزز هذه الفكرة، هو عدم إستعداد ألمانيا لصد الهجمات السيبرانية الروسية وغيرها.
ـ ماينبغي العمل عليه : ان تشدد الاستخبارات الألمانية رقابتها خلال حرب أوكرانيا ومراجعة خلفيات كبار العاملين في الاستخبارات والدفاع وبقية المؤسسات والوكالات الألمانية .
هوامش
[1] ألمانيا ـ مطالب بتوضيح خلفيات إقالة رئيس الأمن السيبراني[1]
bit.ly/3CLdjNf
[2]German cybersecurity chief sacked following reports of Russia ties | Germany | The Guardian
[3] تزايد مخاطر الهجمات الإلكترونية على البنى التحتية لدول الاتحاد الأوروبي [3]
bit.ly/3MJwOKI
[4] المجال الخامس.. الحروب الإلكترونية في القرن الـ21 | مركز الجزيرة للدراسات [4]
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: