عندما تغنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالولايات المتحدة لدعمها المستمر للهجوم العسكري الإسرائيلي المتواصل على غزة، فهو بلا شك كان يفكر في الدعم العسكري الحيوي الذي قدمته واشنطن منذ هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
في خطابه أمام الجلسة المشتركة للكونغرس- وهي المرة الرابعة التي يُمنح فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا الشرف- أشاد نتنياهو بالرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب على دعمهما الثابت للدولة اليهودية.
وشكر بايدن على “دعمه الصادق لإسرائيل”، كما أثنى على “قيادة” ترمب خلال فترة ولايته الأولى.
وخصص أيضا مقطعا رئيسا من خطابه، الذي ألقاه وسط احتجاجات غاضبة تشهدها مختلف أنحاء واشنطن بسبب إدارة نتنياهو للصراع في غزة، كي يسلط الضوء على أهمية تحقيق إسرائيل للنصر في غزة بالنسبة للولايات المتحدة. حيث أعلن نتنياهو: “نحن لا نحمي أنفسنا فحسب، نحن نحميكم… أعداؤنا هم أعداؤكم، ومعركتنا هي معركتكم، ونصرنا سوف يكون نصركم”.
ودعا الزعيم الإسرائيلي أيضا الولايات المتحدة إلى تسريع إيصال المساعدات العسكرية لإسرائيل قائلا: “امنحونا الأدوات وسننجز المهمة بشكل أسرع”. وقد جاءت تعليقاته ردا على ادعاءات حديثة تقول إن إدارة بايدن خفضت شحنات الأسلحة إلى إسرائيل في الأشهر الأخيرة بسبب قلقها من أنها مسؤولة عن قتل المدنيين في غزة.
إن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة ضاعفت الضغوط على إدارة بايدن لوضع شروط على مليارات الدولارات من التمويل العسكري وغيرها من المساعدات التي تقدمها لإسرائيل.
ومع ذلك، فإن حماس نتنياهو للتأكيد على أهمية الحفاظ على العلاقات العسكرية بين إسرائيل والولايات المتحدة يعكس مدى عمق التعاون بين البلدين في الكثير من المجالات.
إن الدعم العسكري الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل مكرس في مذكرة التفاهم الثالثة (MoU) التي تمتد لعشر سنوات والموقعة بين البلدين في عام 2016، والتي أخذت حيز التنفيذ في عام 2018، وتقدم هذه المذكرة ما مجموعه 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية على مدى السنوات العشر.
وبعيدا عن تقديم الدعم لحليف رئيس، تعتقد واشنطن أن دعمها المستمر لإسرائيل يعكس أهداف السياسة الخارجية المشتركة للبلدين في الشرق الأوسط.
وكانت إسرائيل قد تلقت في الآونة الأخيرة دفعة إضافية من المساعدات الأميركية بعد أن وافقت إدارة بايدن على تقديم حزمة جديدة من المساعدات بقيمة 17 مليار دولار، مع مساعدة عسكرية شكلت حصة كبيرة من تلك الحزمة.
الدعم الأميركي لإسرائيل كان عاملا حاسما في مواصلة تطوير البلاد لتتحول إلى قوة عسكرية كبرى منذ إنشاء الدولة اليهودية عام 1948
وقد أُقرت حزمة المساعدات الجديدة من قبل الكونغرس بالرغم من الانتقادات المتصاعدة في الولايات المتحدة بخصوص تعامل حكومة نتنياهو مع أزمة غزة، حيث ورد أن الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من 34 ألف فلسطيني.
وشجب المدافعون عن حقوق الفلسطينيين هذا الإجراء، بحجة أن إسرائيل متهمة أمام المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب مجازر إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.
وجاء رد بايدن بقوله إن حزمة المساعدات الجديدة تلك صُممت لمساعدة إسرائيل على حماية نفسها من هجمات إيران، معلقا أن الموافقة على حزمة المساعدات، التي قُدمت في الوقت نفسه لكل من أوكرانيا وتايوان، شكّلت “يوما جيدا للسلام العالمي”، وهو الأمر الذي سيساعد على تحسين أمن الولايات المتحدة على المدى الطويل.
وقال بايدن للصحافيين: “أود أن أوضح مرة أخرى أن التزامي تجاه إسرائيل قوي وصارم. إن أمن إسرائيل هو مسألة بالغة الحساسية”.
رويترز
مقاتلة إسرائيلية من طراز F-15 في طريقها لشن غارات جوية في اليمن
ومن نافل القول إن الدعم الأميركي لإسرائيل كان عاملا حاسما في مواصلة تطوير البلاد لتتحول إلى قوة عسكرية كبرى منذ إنشاء الدولة اليهودية عام 1948.
ليس لدى البلدين اتفاق دفاع مشترك، كما بين الولايات المتحدة وحلفاء آخرين مثل اليابان وزملائها الأعضاء في حلف “الناتو”. لكن إسرائيل مدرجة في قائمة قصيرة من “الحلفاء الرئيسين” من خارج “الناتو”. ما يعني أن لديها إمكانية الوصول إلى بعض التقنيات العسكرية الأميركية الأكثر تقدما. وأدى ذلك إلى أن تصبح إسرائيل أكبر متلقٍ تراكمي للمساعدات الخارجية الأميركية منذ تأسيسها، حيث حصلت على نحو 310 مليارات دولار من إجمالي المساعدات الاقتصادية والعسكرية.
وبموجب مذكرة التفاهم الموقعة عام 2016، تتلقى إسرائيل نحو 3.3 مليار دولار سنويا على شكل منح في إطار برنامج التمويل العسكري الأجنبي (FMF)، وهو ما يعادل نحو 15 في المئة من ميزانية الدفاع الإسرائيلية بأكملها.
وينص اتفاق المساعدات العسكرية الأميركية على أن إسرائيل ينبغي أن تستخدم تلك الأموال لشراء المعدات والخدمات العسكرية الأميركية. ومع ذلك فإن الوضع الخاص لإسرائيل كحليف رئيس للولايات المتحدة يعني أيضا أنه مسموح لها باستخدام بعض المساعدات الأميركية لشراء المعدات من شركات الدفاع الإسرائيلية، وهو امتياز لا يُمنح للمستفيدين الآخرين من المساعدات العسكرية الأميركية.
ليس لدى البلدين اتفاق دفاع مشترك، كما بين الولايات المتحدة وحلفاء آخرين مثل اليابان وزملائها الأعضاء في حلف “الناتو”
إضافة إلى ما سبق، خصص مبلغ إضافي وقدره 500 مليون دولار سنويا لبرامج الدفاع الصاروخي المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو أحد أهم مجالات التعاون العسكري بين البلدين حيث يتعاونان على نحو وثيق في مجالات البحث والتطوير والإنتاج.
ومن بين الإنجازات الجديرة بالذكر التي أثمر عنها هذا التعاون منظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ التي طورها الإسرائيليون حصريا، ثم أصبحت الولايات المتحدة شريكا في التنفيذ اعتبارا من عام 2014.
هذا وقد طورت القبة الحديدية بعد حرب عام 2006 بين إسرائيل و”حزب الله”، عندما أدرك الإسرائيليون أنهم يحتاجون دفاعات أفضل ضد تهديد “حزب الله” الصاروخي. تقوم شركة “رايثيون” العسكرية الأميركية بتصنيع صواريخ “تامير” الاعتراضية المستخدمة في نظام القبة الحديدية الإسرائيلي في منشآتها بولاية أريزونا.
يذكر أن “رايثيون” هي شركة مطورة ومصنعة للرادارات وأجهزة الاستشعار الكهروضوئية وغيرها من الأنظمة الإلكترونية المتقدمة للتطبيقات العسكرية الجوية والبحرية والبرية.
أ.ف.ب
آثار الدمار بعد غارات إسرائيلية على بيت لاهيا في شمال قطاع غزة في 29 يوليو 2024
وقد أدى التعاون العسكري بين إسرائيل والولايات المتحدة إلى تطوير برامج رئيسة أخرى لتطوير الصواريخ، من بينها “مقلاع داود”، الذي صُمم لإسقاط الصواريخ التي تطلق من مسافة تتراوح بين 62 إلى 124 ميلا، وصواريخ “آرو” المضادة للصواريخ الباليستية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والتي يمكن أن تعمل بفعالية على نطاقات أطول.
كما نجم عن العلاقة العسكرية المتميزة بين إسرائيل والولايات المتحدة أنها أصبحت أول دولة أجنبية تشغل طائرة “إف-35” (جوينت سترايك فايتر)، التي تعتبر أكثر الطائرات المقاتلة تقدما من الناحية التكنولوجية على الإطلاق. وتعمل إسرائيل حاليا على شراء 75 طائرة “إف-35″، وتسلمت حتى الآن 36 طائرة، ودفعت ثمنها بمساعدة الولايات المتحدة.
ومنذ هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حافظت الولايات المتحدة على تقديم إمدادات ثابتة من المعدات العسكرية إلى إسرائيل، من ضمنها ذخائر دبابات ومدفعية وقنابل وصواريخ وأسلحة خفيفة. إضافة إلى ذلك، ذكرت تقارير عدة أن الجيش الإسرائيلي يشتري معدات عسكرية أميركية عالية التقنية، مثل مسيّرات المراقبة وخمسين مقاتلة من طراز “إف-15”. كما وافقت الولايات المتحدة على تأجير إسرائيل بطاريتين للقبة الحديدية المضادة للصواريخ كانت واشنطن قد اشترتهما سابقا من إسرائيل.
أصبحت إسرائيل أول دولة أجنبية تشغل طائرة “إف-35″، التي تعتبر أكثر الطائرات المقاتلة تقدما من الناحية التكنولوجية على الإطلاق
ورغم التعاون الوثيق بين البلدين في مجموعة واسعة من البرامج العسكرية، ما زالت إدارة بايدن تشعر بالقلق بشأن تعامل إسرائيل مع هجومها العسكري في غزة. ففي فبراير/شباط، أصدر بايدن مذكرة للأمن القومي تطالب متلقي المساعدات العسكرية الأميركية بتقديم ضمانات مكتوبة بأنهم سيلتزمون بالقانون الدولي عند استخدامهم لتلك المساعدات.
كما يدرك بايدن التزامات واشنطن بموجب قانون ليهي، وهو التشريع الذي أقره الكونغرس في عام 2008، والذي يحد من قدرة أميركا على تقديم المساعدة العسكرية للحكومات الأجنبية أو الجماعات التي ترتكب انتهاكات فادحة لحقوق الإنسان.
ومما لا شك فيه أن هناك سابقة للولايات المتحدة في فرض قيود صارمة على توريد الأسلحة للإسرائيليين الذين تعتقد واشنطن أنهم ينتهكون القانون الدولي. ففي ثمانينات القرن العشرين، أثناء إدارة رونالد ريغان، حظرت واشنطن تزويد إسرائيل بالذخائر العنقودية لعدة سنوات بعد أن اكتشفت أن الجيش الإسرائيلي استخدمها ضد أهداف مدنية أثناء غزوه للبنان.
وبالتالي، من غير المستبعد أن تجد إسرائيل نفسها في مواجهة حظر مماثل تنفذه إدارة بايدن إذا أصر نتنياهو على نهجه المتعنت إزاء الصراع في غزة، بغض النظر عن التاريخ الطويل للتعاون العسكري بين البلدين
المصدر : https://www.majalla.com/node/321684/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D9%88%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A3%D8%B3%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%87