تمثل التوترات بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا تحديات متعددة للدول الإفريقية التي تتبنى موقف “عدم الانحياز” إلى أي طرفي الأزمة الروسية الأوكرانية أو الدول التي ترفض التنديد بالغزو الروسي. وظهرت شرارة هذا التوتر أثناء التدريبات العسكرية المشتركة بين جنوب إفريقيا وروسيا والصين، والخلاف الدبلوماسي الجاري بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا بعد اتهام بريتوريا بتزويد روسيا بالأسلحة عبر سفينة شحن مرتبطة بشركة فُرِضت عليها عقوبات من قبل واشنطن لاتهامها بنقل أسلحة للحكومة الروسية ومساعدتها في حربها بأوكرانيا.
وعلى ما سبق ستتناول هذه الورقة الحرب في أوكرانيا من المنظور الإفريقي والأزمة الدبلوماسية بين واشنطن وبريتوريا ومبادرة السلام الإفريقية لأزمة روسيا-أوكرانيا، والفرص التي يتيحها الاتهام والتهديد الأميركيان والعقوبات ضد روسيا أمام منافسين آخرين في إفريقيا.
الحرب في أوكرانيا من المنظور الإفريقي
كان الموقف الإفريقي منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، في فبراير/شباط 2022، غير موحد(1) رغم موقف “الانحياز” الذي تتخذه دول كثيرة في إفريقيا؛ إذ هناك دول تدعم روسيا علنًا وتنتقد “حلف شمال الأطلسي” (NATO) والغرب، ودول أخرى انتقدت تحركات روسيا في أوكرانيا ووصفتها بأنها “غزو”.
ورغم الاختلاف في المواقف فقد تابعت الحكومات الأميركية والأوروبية ردود أفعال إفريقيا قائلة: إنها غير كافية، وخاصة بعدما تأكدوا من أهمية الدعم الإفريقي خلال تصويت الأمم المتحدة الذي سلط الضوء على وجهات النظر المختلفة في جميع أنحاء القارة؛ إذ رغم تأييد جيبوتي قرار الأمم المتحدة الذي دعا روسيا إلى وقف أنشطتها في أوكرانيا، فقد أكدت دول، مثل الجزائر وتنزانيا وجنوب إفريقيا، على ضرورة تبني الدبلوماسية لحل الأزمة دون التنديد بالسلوك الروسي، بينما امتنع عدد كبير من الدول الإفريقية عن التصويت(2)، وهو ما فُسر بقوة النفوذ الروسي وتنامي الشعور المعادي للغرب من قبل الحكومات والمواطنين الأفارقة.
وقد أتت الجهود الغربية المتعددة للحصول على دعم إفريقيا لأوكرانيا بنتائج قليلة؛ حيث أبقى العديد من الحكومات الإفريقية علاقاتها الودية مع موسكو مع تبادل زيارات بين مسؤولي الجانبين(3). وزار “سيرجي لافروف” وزير الخارجية الروسي، بين يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2023، دولًا شملت جنوب إفريقيا التي أجرى مع وزير خارجيتها محادثات ثنائية. كما استضافت جنوب إفريقيا سفنًا حربية روسية وصينية، في فبراير/شباط، لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة(4). هذا إلى جانب الزيارة المشتركة، في يونيو/حزيران 2022، لكل من “ماكي صال”، الرئيس السنغالي (ورئيس الاتحاد الإفريقي من فبراير/شباط 2022 حتى فبراير/شباط 2023)، و”موسى فقي محمد”، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، إلى روسيا(5)، وقلة الاهتمام التي حظى بها بالرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” لدى مسؤولي الاتحاد الإفريقي والحكومات الإفريقية(6).
ويرى جل الدول الإفريقية، بما في ذلك جنوب إفريقيا، أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يجبرونها على السير على حبل مشدود من التحالفات الدولية، وأن الغرب يرى ضرورة اتخاذ إفريقيا موقفا داعما له على الرغم من تجاهل الغرب للقارة في أزماتها – بما في ذلك أزمة كوفيد-19 – والاحتكار الاقتصادي الغربي وهيمنته في الشؤون العالمية. هذا مع الإشارة إلى أن الواقع الحالي يفرض على الدول الإفريقية إيلاء أهمية للموقف الذي يخدم مصلحتها نظرا لاحتياجات التنمية الوطنية والأزمات الأمنية، حيث تحتاج الأفارقة إلى التعاون القائم على الشراكة المتكافئة والاحترام المتبادل مع الجيمع، سواء كان روسيا أو الصين أو الغرب لمعالجة أزماتها المحلية والإقليمية والقارية.
ويؤشر سلوك معظم مسؤولي العديد من الدول الإفريقية على أنهم غير مستعدين لتعريض علاقاتهم مع روسيا للخطر، ليس فقط بسبب التعاونات التاريخية المتمثلة في دعم الاتحاد السوفيتي السابق لحركات التحرير ببعض هذه الدول، ولكن أيضًا بسبب أهمية الاستثمارات الروسية ومنتجاتها في معالجة القضايا الرئيسية مثل انعدام الأمن والإرهاب والعجز في البنية التحتية اللازمة المرتبطة بالطاقة والتعدين. ولطالما كانت روسيا أكبر مصدِّر للأسلحة إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث كانت من 2018 إلى 2022 أكبر بائع أسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بحصة سوقية تبلغ 26 في المئة، مقارنة بـ21 في المئة عن الفترة السابقة(7).
ويضاف إلى ما سبق أن فقدان الثقة في الغرب ومحاولات فرض مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها جعلت روسيا والصين من الخيارات الصغيرة المتاحة لمعظم الدول الإفريقية؛ إذ تواجه بعض هذه الدول رفضًا من المصدرين بسبب العقوبات والحظر. وعلى سبيل المثال: اضطررت نيجيريا إلى اللجوء لروسيا والصين للحصول على أسلحة في حربها ضد “بوكو حرام” بعد أن أبدت الولايات المتحدة خوفها من استخدام أسلحتها في انتهاكات حقوق الإنسان. بينما وثَّقت دولة مالي علاقاتها مع روسيا وغيرها لحاجتها إلى الأسلحة وغيرها من الدعم لمكافحة المسلحين المنتشرين في أجزاء كثيرة من البلاد حيث كشفت الولايات المتحدة والدول الأوربية عن عدم الاستعداد لتسليم الأسلحة إليها بسبب القضايا المرتبطة بالديمقراطية وحكم المجلس العسكري.
الأزمة الدبلوماسية بين واشنطن وبريتوريا
تهتز العلاقات بين جنوب إفريقيا والولايات المتحدة منذ إدارة الرئيس الأميركي السابق “دونالد ترامب” حيث كانت واشنطن خلالها لم تعين سفيرًا لها في بريتوريا لأكثر من عامين، واحتجت جنوب إفريقيا دبلوماسيًّا ضد تصريحات “ترامب” المثيرة للجدل بشأن الدول الإفريقية(8)، إلى جانب مواقف الحكومة وحزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” (African National Congress) الحاكم التي عارضت السياسات الأميركية تجاه قضايا مرتبطة بزيمبابوي وفلسطين وإيران وفنزويلا(9).
في فبراير/شباط من هذا العام، وبعد شهرين من إبداء الولايات المتحدة نيتها لتوطيد علاقاتها مع إفريقيا في قمة ديسمبر/ كانون الأول 2022؛ أجرت جنوب إفريقيا وروسيا والصين مناورات بحرية تحت اسم “موسي-2” (Mosi-2) الذي يعني “الدخان” بلغة محلية. وجرت التدريبات في المحيط الهندي قبالة سواحل جنوب إفريقيا مع مشاركة 350 من أفراد قوة الدفاع الوطني لجنوب إفريقيا. ولعل ما أعطى هذه المناورات البحرية رمزية في الأوساط الأميركية والأوروبية أنها تزامنت مع الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، وأنها وقعت رغم تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين المهدِّدة للدول الإفريقية في حال تجاوز “الخط الأحمر” في تعاملها مع روسيا أو تجاهل العقوبات الأميركية ضد موسكو(10).
وكانت النتيجة لهذه الخطوة من جنوب إفريقيا أن السياسي الجمهوري “جون جيمس” -من ميتشغان الأميركية- قدم في أول عمل له رئيسًا للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، في 21 فبراير/شباط 2023، تشريعًا أدان هذه التدريبات البحرية المشتركة ودعا إدارة الرئيس الأميركي “جو بايدن” إلى إجراء مراجعة شاملة لعلاقاتها الثنائية مع جنوب إفريقيا والنظر في رفض بريتوريا للتنديد بغزو روسيا لأوكرانيا في الأمم المتحدة (11).
وبلغت العلاقات بين بريتوريا وواشنطن أدنى مستوياتها منذ سنوات بعدما نشب خلاف دبلوماسي، في 11 مايو/أيار 2023، وذلك عندما ادَّعى “روبن بريجيتي”، سفير الولايات المتحدة في جنوب إفريقيا، أن بريتوريا صدَّرت سرًّا أسلحة إلى روسيا، في ديسمبر/كانون الأول 2022، وأنه -بناءً على تقارير المخابرات الأميركية- حُمِّلت الذخائر أو الأسلحة خُفية على متن سفينة شحن باسم “ليدي آر” في القاعدة البحرية في مدينة سيمون التي تعمل أيضًا مقرًّا للبحرية في جنوب إفريقيا، وهو ما يعني انتهاك العقوبات الأميركية المفروضة من قبل واشنطن على هذه السفينة(12). ويدعم هذه التصريحات من السفير الأميركي شائعات الأشهر الماضية بشأن هدف سفينة “ليدي آر” في جنوب إفريقيا؛ حيث طلبت “جانيت يلين”، وزيرة الخزانة الأميركية، سابقًا من بريتوريا معلومات عمَّا حملته السفينة على متنها عند مغادرتها من مدينة سيمون(13)، بينما أشار “فيدانت باتيل” المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية في مؤتمر صحفي، في 11 مايو/أيار الماضي، أن لواشنطن مخاوف جدية بشأن رسو “ليدي آر” في ميناء جنوب إفريقيا(14).
وإذا كانت جميع التصريحات من مسؤولي جنوب إفريقيا تفيد بأن بريتوريا نفسها متفاجئة من التهمة الموجهة إليها من قبل السفير الأميركي، ونفت رئاسة جنوب إفريقيا أن تكون الحكومة قد منحت تصريحًا لتصدير هذه الأسلحة أو الذخيرة إلى روسيا، ولم تظهر أي موافقة على التصاريح لتصدير الأسلحة إلى روسيا في التقارير الأخيرة الصادرة عن اللجنة الوطنية للحد من الأسلحة التقليدية في جنوب إفريقيا -باستثناء تقارير تصدير الأسلحة السنوية الخاصة بمعدات المراقبة الإلكترونية-؛ فقد أثَّرت تصريحات السفير الأميركي سلبًا في العلاقة بين البلدين حيث استدعت بريتوريا السفير الأميركي(15) وتصاعدت الدعوات في الأوساط الأميركية لمعاقبة بريتوريا بدعوى ازدرائها للعقوبات الأميركية وانحيازها إلى روسيا في حربها بأوكرانيا.
هذا، ويُلاحظ من تحليلات خبراء الأسلحة في إفريقيا أنهم يرون اتهام السفير الأميركي صعب الاحتمال وبعيد الوقوع لأسباب كثيرة، من بينها: أن لجنوب إفريقيا أحد أكثر قوانين تصدير الأسلحة شمولًا في إفريقيا وتعتبر الشفافية في التعاملات وحقوق الإنسان على رأس اعتباراتها. كما أن التقارير المخابراتية الأميركية لم تُنشر للعلن وهو ما يصعِّب عملية التحقق من الأدلة بشكل مستقل لأن هناك حالات لا تكون فيها التقارير الاستخباراتية دقيقة. وفي حال افتراض أن عملية تحميل الذخيرة أو الأسلحة في سفينة “ليدي أر” جرت عبر آلية غير قانونية، مثل دفع رشاوى لمسؤولي الإرساء في الميناء وإصدار وثائق تصدير مزورة؛ فسيكون السؤال البارز عن المنطق وراء قيام الحكومة الروسية بنقل ملايين من الذخائر أو الأسلحة إلى جنوب إفريقيا ثم شراء كمية كبيرة من الذخائر مرة أخرى من جنوب إفريقيا التي كانت صناعة تصنيعها للأسلحة صغيرة نسبيًّا(16).
من ناحية أخرى؛ أدت الشكوك واختلاف روايات شهود العيان حول تحميل السفينة في جنوب إفريقيا إلى قول البعض: إن تصريح السفير الأميركي قد يكون ضربة استباقية لإخافة الدول الإفريقية التي لها علاقات أقوى مع روسيا، أو لإظهار أن الولايات المتحدة تتابع عن كثب الأنشطة والمعاملات الجارية بين روسيا وحلفائها في القارة، وخاصة أن روسيا تعتبر واحدة من أكبر الحلفاء لجنوب إفريقيا في الوقت الحالي بسبب ترتيب تكتل “بريكس” الاقتصادي الذي يشمل جنوب إفريقيا وخمسة اقتصادات إقليمية أخرى (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا). وقد يعني هذا التطور أيضًا أن الأشهر القادمة تحمل المزيد من الاتهامات أو التنديدات الأميركية ضد دول أخرى فيما يتعلق بالقضية ذات الصلة، أو مواجهة جنوب إفريقيا وغيرها لتداعيات اقتصادية، مثل إلغاء امتيازاتها للوصول إلى السوق الأميركي.
جدير بالذكر أنه يتوقع مشاركة جنوب إفريقيا في القمة الروسية الإفريقية المقبلة في يوليو/ تموز 2023 في “سان بطرسبرج”، كما أن حكومة جنوب إفريقيا دعت الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لحضور قمة قادة “بريكس” المزمع عقدها في خاوتينغ، في أغسطس/آب 2023، رغم وجود مذكرة توقيف بحقه من قبل المحكمة الجنائية الدولية وكون جنوب إفريقيا من الدول الموقِّعة على المحكمة مما يجعلها ملزمة قانونًا باعتقاله. وفي حين يتوقع من حكومة جنوب إفريقيا عدم القبض على “بوتين” إذا زار البلاد؛ فقد أدى هذا الوضع إلى دعوات من قبل أعضاء في حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” الحاكم لإعادة النظر في عضوية علاقة البلاد مع المحكمة الجنائية الدولية.
مبادرة السلام الإفريقية لأزمة روسيا-أوكرانيا
من خلال ما سبق وبالنظر في التأثيرات الاقتصادية الأمنية الغذائية للأزمة الأوكرانية حيث ارتفعت أسعار الأسمدة والحبوب والوقود في الدول الإفريقية؛ يمكن القول: إنه لا يمكن لإفريقيا الهروب من تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية وإن تعاونات دول القارة مع روسيا التي تعود إلى فترات طويلة أصبح يُنظَر إليها عبر عدسات الأزمة الأوكرانية الجارية. ويعني هذا أيضًا أن إفريقيا مرتبطة بالأزمة بطريقة أو أخرى؛ الأمر الذي يفرض على القادة الأفارقة المشاركة في جهود إيجاد الحل، والتي من بينها الزيارة الأخيرة لـ “سيريل رامافوزا”، رئيس جنوب إفريقيا، ووفد من القادة الأفارقة إلى أوكرانيا وروسيا(17) لتقديم خطة سلام بين جانبي الصراع؛ حيث تحدث القادة الأفارقة إلى الرئيسين “بوتين” و”زيلينسكي” اللذين رحبا بهذه الجهود الإفريقية.
وإلى جانب جنوب إفريقيا، شملت المبادرة الإفريقية المعلنة من “رامافوزا” مشاركة خمس دول أخرى، هي: زامبيا والسنغال وجمهورية الكونغو (برازفيل) وأوغندا ومصر. وقد تكمن أهمية المبادرة في أن أربعًا من الدول الست الداعمة لها -جنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو والسنغال وأوغندا- امتنعت عن التصويت لإدانة روسيا في الأمم المتحدة العام الماضي، بينما صوَّتت زامبيا ومصر لصالح المقترح الأممي. كما أن محادثات المبادرة مدعومة من قبل مؤسسة برازفيل -المنظمة غير الربحية التي تتخذ لندن مقرًّا وتركز على حل النزاعات-. بالإضافة إلى أن كلًّا من الأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي مطلعان على المبادرة(18).
وفي حين استقبلت حكومتا روسيا وأوكرانيا هذا الوفد الإفريقي، ورغم أن كلًّا من “بوتين” و”زيلينسكي” وافقا على استقبال الوفد؛ فإن الفرصة ضئيلة أمام المبادرة الإفريقية لإحداث تغيير ملموس لمجرى الأزمة الأوكرانية، وذلك لأن أوكرانيا وحلفاءها الغربيين رفضوا اقتراح بكين السابق، في فبراير/شباط، للتوسط في محادثات سلام محتملة لما خيم عليه من إظهار الصين دعمًا سياسيًّا لموسكو. ويدعم هذا أن الرئيس “رامافوزا” قال قبل الزيارة: إن الولايات المتحدة وبريطانيا عبَّرتا عن دعمهما “الحذر” للمبادرة الإفريقية، كما أن تقارير قالت بعد الزيارة: إن الرئيسين، الروسي والأوكراني، قد رفضا المبادرة الإفريقية(19) وبخاصة أن موقف أوكرانيا المعلن لأي اتفاق سلام هو وجوب انسحاب جميع القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية وأن تنظر المحكمة في جرائم العدوان الروسية، وهو ما سيمكِّن أوكرانيا من تحميل موسكو مسؤولية الحرب.
في سياق نهج “بايدن” الجديد ومبيعات الأسلحة الصينية في إفريقيا
من النقاط الواضحة في التعهدات الأميركية في قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا أن فريق الرئيس “جو بايدن” امتهنوا الطريقة الروسية والصينية للتعبير عن التحديات الإفريقية والتصريح بما يريد القادة الأفارقة سماعه(20). ولكن شكوك بعض مسؤولي إفريقيا المشاركين في تلك القمة واتهام السفير الأميركي لجنوب إفريقيا وتصريحات بعض المسؤولين والسياسيين في واشنطن؛ كلها قد تؤثر سلبيًّا في نجاحات النهج الجديد لإدارة “بايدن” تجاه إفريقيا، وتقلِّل من الثقة النسبية التي اكتسبتها التحركات والجولات الأميركية الأخيرة في دول مثل زامبيا وغانا وتنزانيا.
وبالرغم من أن التطور الجديد لعلاقات أميركا-جنوب إفريقيا قد يخيف بعض الدول الإفريقية الأخرى، وخاصة أولئك الذين لا يريدون أن يقفوا في طريق الولايات المتحدة أو التضحية بمصالحهم الاقتصادية؛ فإن تبني التهديد أو توجيه الاتهامات قد يعزز انحياز الدول الإفريقية لروسيا أو البحث عن أواصر تعزيز علاقاتها مع منافسين آخرين دفاعًا عن نفسها وتفاديًا للخطوات الغربية والعقوبات الأميركية التي تعيق تحركات موسكو على المستوى الدولي.
وعلى سبيل المثال: يزداد التعامل الإفريقي-الصيني في مجال الأمن لكون بكين بديلًا متاحًا لزيادة أسلحة الدول الإفريقية ومعداتهم العسكرية صينية الصنع؛ حيث صعَّبت العقوبات الغربية على موسكو بيع الأسلحة وحدَّت من مزايا الاتفاقيات المختلفة بين روسيا ودول إفريقية مختلفة فيما يتعلق بالمعدات والتدريب العسكري. وأشارت تقارير إلى أنه بالرغم من أن صادرات الأسلحة الصينية بلغت ذروتها في عام 2013 -عام إطلاق مبادرة الحزام والطريق- ما يعني أن زيادة مبيعات الصين من الأسلحة لمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تعود إلى ما قبل حرب أوكرانيا؛ إلا أن بكين صدَّرت ما يقترب من ثلاثة أضعاف كمية الأسلحة التي صدرتها الولايات المتحدة الأميركية إلى المنطقة بين عامي 2017 و2020. بل بالرغم من أن روسيا صدَّرت 24 في المئة بين عامي 2010 و2021 من إجمالي صادرات الأسلحة إلى المنطقة، فقد صدَّرت الصين 22 في المئة والولايات المتحدة 5 في المئة(21).
ويضاف إلى ما سبق أن زيادة صفقات الأسلحة الإفريقية الصينية قد تكون أيضًا دفعة للشركات الأمنية الصينية الخاصة في إفريقيا وتعزيزًا للبنية التحتية الصينية الرئيسية المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق. ومن الدول الإفريقية التي تستورد الأسلحة الصينية دولة تنزانيا التي تعتبر الصين فيها محتكرًا دائمًا للأسلحة والتدريب، وتزودت الأصول البحرية للكاميرون بمدافع صينية ذات عيار ثقيل. واشترت رواندا نظام الصواريخ “Red Arrow” الصيني، كما اشترت ناميبيا زوارق دورية وسفنًا هجومية من الصين. وفي حالة نيجيريا -التي تعاني تمرد “بوكو حرام”- أنفقت حكومة البلاد في عام 2021 حوالي 4.5 مليارات دولار على جيشها واشترت 34.4 في المئة من أسلحتها من الصين(22).
من جانب آخر، يتصاعد دور دول “بريكس” كلاعبين عالميين رئيسين في إفريقيا مع استغلال آفاق التوسع الاقتصادي للقارة ووفرة الموارد الطبيعية وزيادة القوة الاستهلاكية والتركيبة السكانية المواتية. وفي حين زاد حجم التجارة بين الصين (وهي من دول بريكس) وإفريقيا من 10 مليارات دولار أميركي في عام 2000 إلى 190 مليار دولار أميركي في عام 2012؛ فقد ارتفعت الشراكة بين الهند وإفريقيا أيضًا، إلى جانب استثمارات البرازيل وروسيا في صناعة التعدين والطاقة بين القطاعين العام والخاص داخل القارة(23).
وأخيرًا، إن خطوة السفير الأميركي في بريتوريا والمقترح الذي قدمه البرلماني “جون جيمس” قد يدفعان بريتوريا إلى تعزيز إنشاء عملة “بريكس”، وهي فكرة تدعمها روسيا والبرازيل والصين(24) ويُتَوقَّع أن تكون من موضوعات النقاش الرئيسية في قمة أغسطس/آب، وخاصة أن الدول الإفريقية كانت تطالب بعملة جديدة توفر إمكانية وصول أفضل ومعاملة أكثر عدلًا في التجارة الدولية؛ إذ كان موقفهم أن الدولار الأميركي صار أداة تستخدمها الولايات المتحدة لممارسة الهيمنة الدولية، وأنها تسبب حالة عدم يقين كبيرة تؤثر سلبًا في انتعاش اقتصاداتهم.
4- المصدر السابق.
7- مصدر سابق: حكيم ألادي نجم الدين، “جولات وزير الخارجية الروسي في إفريقيا وأبعادها في سياق المصالح الروسية”.
20- حكيم ألادي نجم الدين، “إدارة الرئيس بايدن ومساعي تعزيز الشراكة الأميركية الإفريقية”، مركز الجزيرة للدراسات، 17 أبريل/نيسان 2023 (تاريخ الدخول: 21 مايو/أيار 2023): https://tinyurl.com/2x7v2ubv