د.رعد هادي جبارة
استوقفني اليوم مقال حول المرجع الديني الراحل السيد محسن الحكيم (رض) يقول إن احد السفراء الغربيين في العراق زارالسيدالحكيم ابان حكم عبد الرحمن عارف لكي يخبره بأن القوى الغربية متمثلة بالتوافق البريطاني الامريكي على وشك تغيير حكومة عارف والمجيء بحزب البعث الى الحكم.وخلال اللقاء سأل السفير الغربي السيد الحكيم (ره)عن مطالب الشيعة لأن القرار قد اتخذ في تغيير الحكم والمجيء بالبعث فأعطاه السيد (ره) رسالته العملية (!!!) خرج السفير الغربي مسروراً بانه تمكن من (التوافق) مع مرجعية الشيعة و استحصال موافقتها.
وتعليقاً على هذه القصة أقول:
1/المعروف أن السفراء الغربيين والشرقيين -على حد سواء- ماكانوا يزورون علماء الحوزة ولا المراجع يزورونهم،في ذلك الحين.
2/القصة هذه لم يُذكر مصدرها ،ولا تاريخها ،ولا مكان الزيارة ،ولا اسم الدولة التي يتبعها السفير،ولا إسم السفير الزائر والحاضرين خلال الاجتماع، فهي كلها رواية تتضمن مجاهيل في مجاهيل!!!!
3/على فرض صحة الحكاية(وفرض المحال ليس بمحال!) فإن ما طلبه السفير الغربي من المرجع ليس أن يصبح مسلما و يتعلم الاحكام الشرعيةويطبقها بل قال له(ماهي مطالب المرجعية الشيعية في ضوء التوافق البريطاني الامريكي على تغيير حكومةعارف والمجي بحزب البعث).
فإما أن المترجم الذي نقل طلب السفير لأسماع السيد الحكيم لم يكن دقيقاً أو أميناً في ترجمة كلام السفير الى المرجع الراحل، واما أن المترجم نقل طلب السفير بدقة وأمانة و لكن الطلبات التي قدمها لم تتجسد في رسالة الاحكام الشرعية للمقلدين والتي تبدأ بأحكام التقليدوالنجاسات و الطهارات والوضوء و التيمم وتنتهي بأحكام وصيةالميت .فهي لاتتضمن كلمة واحدة من المطالب التي سأل عنها السفير من السيدالمرجع ولاتشرح الامور التي تخص مستقبل وطبيعة الحكم في العراق ولا موقف المرجعية من مجيء حزب البعث للسلطة.
4/تصور نفسك وانت سفيرمسيحي غربي تزور أكبر مرجع ديني وتقول له(نريد تغيير نظام الحكم في العراق وتسليط حزب البعث على العراق فماهي مطالبكم السياسية ايها المرجع الاعلى؟)فيعطيك سماحته (العروة الوثقى) وليس فيه كلمة واحدة مما طلبتَه،فكيف ستكون نظرتك للمرجع وللحوزة ولمطالبها السياسية ورؤيتها لمستقبل العراق السياسي والتوافق الامريكي البريطاني لكيفية حكم العراق؟وماذا سترسل لحكومتك من تقرير عن نتائج زيارتك؟
5/انا متأكد من أن السيد محسن الحكيم (ره) بريء من هذه القصة،وأن هذه الحكاية أراد كاتبها أن يرفع من شأن السيد الحكيم ففعل العكس.
6/أجرت صحيفة لواء الصدر الصادرة في طهران حوارا مع تلميذ السيد الحكيم الشيخ برهاني بشأن ذكرى وفاة السيد الحكيم (رض) في الثمانينات فقال :ماذا عساني أقول في شأن مرجع عظيم كالسيد محسن وكتابه العروة الوثقى ،وأكتفي بما قال الله تعالى:
*{ومن يسلِم وجهه الى الله وهو”محسن” فقد استمسك ب”العروة الوثقى”}*
وصُعِقت عندما اقتنيت كتاب[مستمسك العروة الوثقى] الذي طبعته بحلة قشيبة وغلاف ذي لون ذهبي دار إحياء التراث في بيروت ؛تتصدره فوق اسم الكتاب في غلافه الداخلي بأول صفحة الآية الكريمة المذكورة أعلاه!!!!!
علما بأن(العروة الوثقى ) هو من تأليف فخر الفقهاء السيد محمد كاظم اليزدي (ره)،وأن (المستمسك)هو شرح السيد الحكيم (رض) للعروة.
وعندي في مكتبتي كلا الكتابين (العروة الوثقى) و(مستمسك العروة الوثقى).
أتساءل:
أ هكذا يُكتب التاريخ؟
*باحث ودبلوماسي سابق
المصدر: عبر منصات التواصل للمركز